المنشورات

أول يوم انتصفت فيه العرب يوم ذى قار

ويسمى يوم ذى قار، ويوم ذات العجوم، ويوم البطحاء، ويوم الجبانات، «1» ويوم ذى الحنو، ويوم قراقر، وكان حديثه أن النعمان بن المنذر قتل عدى بن زيد، وكان فى تراجمة كسرى، فقام ابنه زيد بن عدى مقامه، فما زال يفسد على النعمان عند كسرى أبرويز حتى تنكر له، وأمره بالوفود عليه، فاستودع النعمان حلقه ونعمه هانىء بن مسعود الشيبانى، ورحل الى كسرى، فقتله، واستعمل أياس بن قبيصة على الحيرة، وأمره أن يضم ما كان للنعمان فيبعث به إليه، فبعث إلى هانىء، أن أرسل بودائع النعمان الى، فلم يجبه الى ذلك.
وغضب كسرى، وأظهر أنه مستأصل بكر بن وائل، وقال له النعمان بن زرعة التغلبى: أمهلهم حتى يقيظوا، «2» فانهم اذا قاظوا تساقطوا على ماء لهم يقال له: ذو قار، فتأخذهم كيف شئت، فلما نزل بكر بن وائل ذاقار أرسل اليهم النعمان ابن زرعة أن اختاروا احدى ثلاث: اما ان تعطوا بأيديكم فيحكم الملك فيكم كيف يشاء، وإما أن تخلوا الديار، وإما أن تأذنوا بحرب، فتآمروا وولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلى فقال لهم: إن أعطيتم بأيديكم قتلتم وسبيت ذراريكم، وان هربتم قتلكم العطش، فتلقاكم تميم فتهلككم، فليس لكم الا الحرب.
فبعث كسرى هامرزا التسترى، وكان على أسلحته بالقطقطان «3» وإلى والى جلايزين- وكان ببارق- «4» فانضما الى اياس ابن قبيصة، وأمر قيس بن مسعود- وكان استعمله على الطف «5» - بالانضمام اليهم، فاجتمعوا بصحراء ذى قار فانفتل مسعود بن قيس ليلا، فأتى هانىء بن مسعود وقال: أعط قومك سلاح النعمان، ففعل ذلك.
فلما دنا الجمعان قال هانىء: يا معشر بكر! لا طاقة لنا بجنود كسرى، ومن معه من العرب، فاركبوا الفلاة فتسارع الناس الى ذلك، وردهم حنظلة بن ثعلبة، وقطع وضن الهوادج «1» لئلا يستطيعوا سوق نسائهم فسمى مقطع الوضن، ونادت نساء بكر، أتدعوننا للقلف وتنصرفون؟ «2» فحمى الرجال وقطع سبعمائة منهم أيدى أقبيتهم من قبل مناكبهم لتخف أيديهم بالضرب بالسيوف، فجالوا وضرب حنظلة على نفسه قبة، وقال: والله لا أفر حتى تفر القبة، فرجع أكثر الناس، واستقوا لنصف شهر، والتقوا فعطشت الفرس، فهربت الى الجبانات، فتبعتهم عجل، فقاتلوا فى الجبانات، فعطشوا فمالوا الى بطحاء ذى قار، فأرسلت اياد- وهى مع الفرس- الى بكر بن وائل سرا أنا ننهزم اذا التقيتم، وقويت نفوس بكر وكمنوا كمينا، وباكروهم فالتقوا فقال حنظلة:
قد جدّ أشياعكم فجدّوا ... ما علّتى وأنا مؤد «3» جلد
والقوس فيها وتر عردّ ... مثل ذراع البكر أو أشدّ
قد جعلت أخبار قومى تبدو ... انّ المنايا ليس منها بدّ «1»
وقال أيضا:
من فرّ منكم فرّ عن حريمه ... وجاره الأدنى وعن نديمه «2»
أنا ابن سيّار على شكيمه ... انّ الشّراك قدّ من أديمه
وكلّهم يجرى على قديمه
ونادى هامرز بردا، فقال برد «3» بن حارثة اليشكرى: ما تقول؟ قيل:
رجل يدعو الى المبارزة. قال: وأبيكم قد أنصف. وبرز له برد فقتله. وقال حنظلة: يا قوم! لا تقفوا لهم فيسبغوكم النشاب، فحملت ميسرة بكر وميمنتها على الفرس وخرج الكمين من ورائهم، وفشل اياس بن قبيصة وهو فى القلب، وولت اياد منهزمة فانهزمت الفرس فقتلوا ما بين بطحاء ذى قار حتى بلغوا الراحضة، «4» وقتل حنظلة بن ثعلبة والى حلايزين، وأسر النعمان ابن زرعة «5» وقال:
رجعت بنعمان بن زرعة مردفا ... على سابح يهدى الرّعيل المقدّما «1»
وأبكت عيون من زهير وأشللت ... كنانة فى يوم من السّر أقتما
ثم من عليه فخلى عنه.
وقال بكير أصم بنى الحارث
ان كنت ساقية المدامة أهلها ... فاسقى على كرم بنى همّام
ضربوا بنى الاحرار يوم لقوهمو ... بالمشرفىّ على مقيل الهام «2»
وقال الأغلب العجلى:
قد علموا يوم خنّابزين ... إن مالت الاحياء مقبلينا
وطارت الجفون وانقضينا ... أنّا بنى عجل ان التقينا
ندفع عنّا حدّ من يلينا ... الغمرات ثمّ تنجلينا
عنّا ونيران تأخّرينا
قال العديل بن فرج العجلى:
وما يعدّو من يوم سمعت به ... فى النّاس أفضل من يوم بذى قار
وقال الاخطل:
هلّا لقيتم معدّا كلّ معضلة ... كما لقينا معداّ يوم ذى قار
وروى عن النبى- صلّى الله عليه وسلم- أنه قال: «اليوم ينتصف العرب من العجم» فنظروا فإذا هو يوم ذى قار.
















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید