المنشورات

أبت عيناك بالحسن الرقادا ... وأنكرت الأصادق والبلادا

وقال يمدح عمر بن عبد العزيز بن مروان:
1 أبت عيناك بالحسن الرقادا ... وأنكرت الأصادق والبلادا
الحسن: نقا في بلاد بني ضبة، سمي الحسن لحسن شجره.
2 لعمرك إنَّ نفع سعاد عني ... لمصروف، ونفعي عن سعادا
3 فلا ديةً - سقيت - وديت أهلي ... ولا قودًا بقتلي مستفادا
4 ألمَّا صاحبيَّ نزر سعادا ... لقرب مزارها وذرا البغادا
5 فيوشك أن تشطَّ بنا قذوف ... يكل نياطها القلص الجيادا
تشط: تبعد. والقذوف: النية البعيدة.
6 إليك شماتة الأعداء أشكو ... وهجرًا كان أوله بعادا
7 فكيف إذا نأت ونأيت عنها ... أعزي نفسي أو أزع الفؤادا
8 أتيح لك الظعائن من مراد ... وما خطب أتاح لنا مرادا
ما: بمعنى أي. يقول: وأي خطب أتاح لنا مرادا: وهو مراد بن مالك بن أدد بن مذحج.
9 إليك رحلت يا عمر بن ليلى ... على ثقة أزورك واعتمادا
ليلى: جدته أم أبيه عبد العزيز بنت الأصبغ بن زبَّان الكلبي وأم عمر: أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وأمها ثقفية، وأم أمها سعدية؛ مر بها عمر بن الخطاب وهي تقول لأمها الثقفية: اتقي الله يا أمه ولا تمذقي اللبن! فتزوجها. وكان عبد العزيز خلف على حفصة أخت أم عاصم، وكانت حفصة فيها زعارة فسئل مخنث قيل له: أين حفصة من أم عاصم؟ فقال: ليس حفصة من رجال أم عاصم. فذهبت مثلا.
10 تعود صالح الأخلاق إني ... رأيت المرء يلزم ما استعادا
11 أقول إذا أتين على قروري ... وآل البيد يطَّرد اطرادا
قروري: ماء لبني عبس بين الحاجر والنقرة.
12 عليكم ذا الندى عمر بن ليلى ... جوادًا سابقًا ورث الجيادا
13 إلى الفاروق ينتسب ابن ليلى ... ومروان الذي رفع العمادا
14 تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
15 فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا
كعب بن مامة الإيادي وابن سعدي أوس بن حارثة بن لام الطائي؛ وكان من جود كعب: أنه خرج في رفقة فيها أخلاط من العرب، فنفد ماؤها، فجعلوا يشربونه بالحصى. فلما نزلوا اقتسموا ماءهم، فنظر إلى كعب بن مامة رجل من النمر بن قاسط. فلما رآه ينظر إليه آثره بمائة وقال: أعط أخاك النمري يصطبح. فلما نزلوا المنزل الآخر اقتسموا ما بقي معهم من الماء، فنظر إليه النمري أيضًا فقال: أعط أخاك النمري يصطبح، فآثره بمائه، فرحل القوم ولا قوة لكعب على الرحيل. فقيل له: يا كعب هذا الماء أمامك ترد عن قليل، فلم يقدر على النهوض، فارتحل القوم وخيل عليه خيال يمنعه من السباع، فمات عطشًا، فقال أبوه مامة يرثيه:
أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنك ورَّاد فما وردا
ما كان من سوقةٍ أسقى على ظمأٍ ... خمرًا بماء إذا ناجودها بردا
من ابن مامة كعب ثم عيّ به ... زوُّ المنية إلا حرَّةً وقدي
16 هنيئًا للمدينة إذا أهلَّت ... بأهل الملك أبدأ ثم عادا
أهلت: أظهرت ذلك، يقال أهل الهلال: إذا بدا وأبدأ.
17 يعود الحلم منك على قريش ... وتفرج عنهم الكرب الشدادا
18 وقد ليَّنت وحشهم برفق ... ويعيي الناس وحشك أن تصادا
19 وتبني المجد يا عمر بن ليلى ... وتكفي الممحل السنة الجمادا
20 وتدعو الله مجتهدًا ليرضى ... وتذكر في رعيتك المعادا
21 ونعم أخو الحروب إذا تردَّى ... على الزَّغف المضاعفة النجادا
الزغف: الدرع الصغير الحلق. والنجاد: حمائل السيف.
22 وأنت ابن الخضارم من قريش ... هم نصروا النبوة والجهادا
23 وقادوا المؤمنين ولم تعوّد ... غداة الروع خيلهم القيادا
الخيل ها هنا الرجال. يقول لم تعود خيلهم أن تقاد وترأس ولكنها تقود وترأس.
24 إذا فاضلت مدّك من قريش ... بحورٌ غمَّ زاخرها الثمادا
الثماد: الماء الملحّ عليه القليل، رجل مثمود ومشفوه ومعجوز: إذا ألح عليه في المسألة.
25 وإن تندب خؤولة آل سعد ... تلاقي العز في السلف الجعادا
عمارة يروي: خؤولك آل سعد. ويروي: الغر.
26 لهم يوم الكلاب ويوم قيس ... هراق على مسلَّحة المزادا
أراد قيس بن عاصم المنقري.
وكان من حديث يوم مسلحة: أن قيس بن عاصم المنقري غزا بمقاعس وهو رئيس عليها - وساند مع سلامة بن ظرب الحماني في الأجارب رئيسًا عليها، والأجارب: حمّان وربيعة والأعرج ومالك: بنو كعب بن سعد، والأجارب كانوا لا يصلون بحرب أحد إلا أجربوهم وعرَّوهم فسموا الأجارب. وبنو مقاعس: عبيد وربيع وصريم؛ فمن بني عبيد: بنو منقر رهط قيس بن عاصم وبنو مرة بن عبيد: رهط الأحنف بن قيس يغزوا بكر بن وائل، فوجدوا اللهازم وهو بنو قيس وتيم اللات ابنا ثعلبة ابن عكابة وعجلا وعنزة وبني ذهل بالنباج وثيتل إلى جنب مسلحة، وبين النباج وثيتل روحة من البصرة إلى اليمامة، فتنازع قيس وسلامة في الغارة، ثم اتفقا على أن يغير قيس على أهل النباج وسلامة على أهل ثيتل. فبعث قيس الأهتم طليعة وهو سنان بن سميّ بن خالد هتم يوم الكلاب، فلقى رجلًا من البكريين، فتعاقدا أن لا يتكاتما. فقال له الأهتم: من أنت؟ اذكر ...
فقال: فلان بن فلان ونحن بجوف الماء حضور، فمن أنت؟ فقال: أنا سنان بن سمى وهو لا يعرف إلا بالأهتم، فغفَّل نفسه ورجع البكري فأخبر قومه فلم يعرفوه.
ورجع الأهتم، فأخبر قيسًا الخبر، وقال: يا أبا علي: هل بالوادي من طرفاء؟ وأراد بالطرفاء: الجمع الكثير. قال: بل به نعم. وعرف أنهم بكر، فكتم أصحابه مخافة أن يجبنوا. فلما أصبح، سقى خيله، وأطلق أفواه المزاد وقال لأصحابه: قاتلوا فالموت بين أيديكم والفلاة وراءكم. فلما دنوا من القوم ضحى سمعوا ساقيًا من بكر يقول لصاحبه: أورد يا قيس. فتفاءلوا به أنه الظفر. فأغاروا، فقاتلهم أهل النباج قتالًا شديدًا.
ثم إن بكرًا انهزمت، فأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، وأسر فدكيّ بن أعبد جثّامة الذُّهلي وأصابوا غنائم كثيرة. فقال قيس: لا نقيل دون إخوتنا بثيتل فالنجا. فأبوا، ولم يغر سلامة على من بها. فأغار قيس فقاتلوا، فانهزم البكريون فأصابت بنو سعد إبلًا كثيرة.
فجاء سلامة فقال: أغرتم على ما كان لي. وتلاحوا، حتى كاد الأمر يفقم بينهم. ثم إنهم سلموا غنائم ثيتل، ففي ذلك يقول ربيعة ابن طريف بن تميم العنبري يرثي قيسًا:

لا يبعدنك الله قيس بن عاصم ... فأنت لنا عز عزيز ومعقل
وأنت الذي خوّيت بكر بن وائل ... وقد عضلت بها النباج وثيتل
غداة دعت يا آل شيبان إذا رأت ... كراديس يهديهن ورد محجَّل
وظلت عقاب الموت تهفو عليهم ... وشعث النواصي لجمهن تصلصل
فما منكم أفناء بكر بن وائل ... لغارته إلا ركوب مذلل
وقال قرة بن قيس بن عاصم:
أنا ابن الذي شق المزاد وقد رأى ... بثيتل أحياء اللهازم حضَّرا
فصبَّحهم بالخيل قيس بن عاصم ... فلم يجدوا إلا الأسنة مصدرا
سقاهم بها الذِّيفان قيس بن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا
على الجرد يعلكن الشَّكيم عوابسًا ... إذا الماء من أعطافهن تحدرا
فلم يرها الراءون إلا فجاءة ... يثرن عجاجًا كالدواخن أكدرا
وحمران أدَّته إلينا رماحنا ... ونازع غلا في ذراعيه أسمرا
وجثَّامة الذهلي قدناه عنوة ... إلى الحي مصفود اليدين مكفرا
يقال: قد كفر في السلاح: إذا دخل فيه، وفي الحديد أيضًا.








مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید