المنشورات

حيّ الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرًا غير مأنوس

وقال جرير يهجو التيم:
كذا قال السكري يهجو التيم. وقال مرة أخرى: يعرِّض فيها بابن الرقاع العاملي، وليس للتيم فيها ذكر:
1 حيّ الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرًا غير مأنوس
ويروى: الأواعيس. الهدملة من الرملة: ما استدق واستطال منقادًا، والمواعيس من الرمل: ما وطئ، واحدها موعس والوعس: الوطء: وعس يعس وعسًا.
2 حي الديار التي شبهتها خللا ... أو منهجًا من يمان محَّ ملبوس
يقال: مح يمح محًّا ومحوحًا ومحوحة: إذا بلى. والخلل: جفون السيوف وكانت موشاة مرة.
3 بين المحيصر فالعزَّاف منزلةٌ ... كالوحي من عهد موسى في القراطيس
العزاف: من المدينة على اثني عشر ميلًا إلى الربذة.
4 لا وصل إذ صرمت هند ولو وقفت ... لاستفتنتني وذا المسحين في القوس
القوس: صومعة الراهب التي يكون فيها.
5 لو لم ترد قتلنا جادت بمطَّرف ... مما يخالط حب القلب منفوس
المطّرف: المستطرف. ومنفوس: يتنافس فيه.
6 قد كنت خدنًا لنا يا هند فاعتبري ... ماذا يريبك من شيبي وتقويسي
يقول: قد كنت تربًا فشبت كما شبت فما تنكرين منه. وتربه في سنه.
7 لما تذكّرت بالدَّيرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس
يقول: أرقني انتظاري صوت الديك والنواقيس وإنما يكون ذلك عند الصباح.
8 فقلت للركب إذا جد الرحيل بنا ... ما بعد يبرين من باب الفراديس
يبرين: بأعلى بلاد بني سعد. وباب الفراديس: بدمشق.
9 علَّ الهوى من بعيد أن يقربه ... أمُّ النجوم ومرُّ القوم بالعبس
10 لو قد علون سماويًّا موارده ... من نحو دومة خبت قلَّ تعريسي
سماوي: يقول طريق السماوة.
11 هل دعوة من جبال الثلج مسمعة ... أهل الإياد وحيًّا بالنَّباريس
جبال الثلج بالشام والإياد بالحزن لبني يربوع. والنباريس: شباك لبني كلاب وهي الآبار المتقاربة.
12 إني إذا الشاعر المغرور حرّبني ... جار لقبر على مرّان مرموس
أراد قبر تميم بن مر بمران على أربع مراحل من مكة إلى البصرة، يفخر به على عمر بن لجا، يقول: فمن فعل ذلك بي يصير جارًا لتميم بن مر، أي يموت فيصير له جارًا. وحرّبني: أغضبني، يقال منه حرب الرجل يحرب حربًا يقول: تميم بن مر جاري الذي أفخر به وأعز فتميم كلها تحميني وتنصرني.
13 قد كان أشوس أبَّاءً فأورثنا ... شغبًا على الناس في أبنائه الشُّوس
الشَّوس: التكبر والنظر بمؤخر العين. قال: وزعم أن تميمًا كان أشوس سيئ الخلق فأورثنا شغبًا ونحن شوس نغصب الناس.
14 نحمي ونغتصب الجبار نجنبه ... في محصد من حبال القد مخموس
يقال: أحصدت الحبل وأحصفته وأغرته ومسدته وأمررته بمعنى واحد. والمحصد المفتول: والمخموس: على خمس قوى.
15 يخزي الوشيظ إذا قال الصميم لهم ... عدُّوا الحصى ثم قيسوا بالمقاييس
الوشيظ: الأتباع والأحلاف. وصميم القوم: صريحهم وخالصهم. والحصى: الكثرة والشرف. يقول: فعدوا شرفنا وعددنا ثم قيسوا أنفسكم بنا.
16 لا يستطيع امتناعًا فقع قرقرة ... بين الطريقين باليد الأماليس
الفقع: الكمأة البيضاء والجمع الفقعة. والقرقرة: الأرض المستوية. يقال قرقرة وقرقر وقرقوس وقرق. والأماليس: واحدها إمليس: وهو البلد الواسع. أخبر أنه ذليل كالفقع.
17 وابن اللَّبون إذا ما لزَّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
ابن اللبون: لثلاث سنين. والقناعيس: الشداد. والقرن: ألحبل.
18 إنا إذا معشر كشَّت بكارتهم ... صلنا بأصيد سامٍ غير معكوس
البكارة: جمع بكر: وهو ما بين أن يكون ابن لبون إلى أن يثنى، فإذا أثنى فهو بعير وهو يثني في ست سنين. والأصيد: الرافع الرأس المتكبر. والمعكوس: المشدود الرأس إلى يده. وكشت: صاحت.
19 هل من حلوم لأقوام فتنذرهم ... ما جرب الناس من عضِّي وتضريسي
20 إني جعلت فما ترجى مقاسرتي ... نكلًا لمستصعب الشيطان عتريس
المقاسرة: المقاهرة، والقسر: القهر. والنكل: اللجام، والنكل: القيد. والعتريس: الصلب الشديد، والعترسة: القهر أيضًا.
21 أحمى مواسم تشفي كل ذي خطل ... مسترضع بلبان الجن مسلوس
الخطل: الجهل. والمسلوس: الضعيف العقل.
22 من يتَّبع غير متبوع فإنّ لنا ... في ابني نزار نصيبًا غير مخسوس
23 وابنا نزار أحلّاني بمنزلة ... في رأس أرعن عاديّ القداميس
الأرعن: الجبل الضخم. والعادي والقداميس واحد: وهي القديمة واحدها قدموس.
24 إني امرؤ من نزال في أرومتهم ... مستحصد أجمي فيهم وعرِّيسي
العرِّيس والأجم واحد ولكن اختلف اللفظان فكرر.
25 لا تفخرنَّ على قوم عرفت لهم ... نور الهدى وعرين العز ذي الخيس
العرين والخيس واحد: وهو موضع الأسد.
26 قوم لهم خصَّ إبراهيم دعوته ... إذ يرفع البيت سورًا فوق تأسيس
27 نحن الذين ضربنا الناس عن عرض ... حتى استقاموا وهم أتباع إبليس
العرض: الاعتراض. يقول: اعترضنا الناس بالاعتراض والغارات حتى استقاموا لنا في الجاهلية وأذعنوا.
28 أقصر فإن نزارًا لن يفاضلها ... فرع لئيم وأصل غير مغروس
29 قد جرَّبت عركي في كل معترك ... غلب الأسد فما بال الضغابيس
الأغلب: الغليظ الرقبة. والضُّغبوس: الضعيف، والضغابيس: نبات يشبه اللوبياء ضعيف.
30 يلقى الزلازل أقوام دلفت لهم ... بالمنجنيق وصكًّا بالملاطيس
الملاطيس: الحجارة واحدها ملطس وملطاس.
31 لما جمعت غواة الناس في قرن ... غادرتهم بين محسوس ومفروس
القرن: الحبل. والمحسور: المنقطع، يقال حسره: إذا قطعه. والمفروس المدقوق العنق ومن هذا: فريسة السبع لأنه يدق عنقها.
32 كانوا كهاوٍ ردٍ من حالقي جبل ... ومغرق في عباب البحر مغموس
الردى: الهالك. وحالقا الجبل: نيقاه وأعلاه. وعباب البحر: كثرة مائه.
33 خيلي التي وردت نجران ثم ثنت ... يوم الكلاب بوردٍ غير محبوس
34 قد أفعمت واديي نجران معلمة ... بالدارعين وبالخيل الكراديس
أفعمت: ملأت.
35 قد نكتسي بزَّة الجبار نجنبه ... والبيض نضربه فوق القوانيس
بزته: سلاحه. والقوانيس: جمع قونس وهو أعلى الهامة.
36 نحن الذين هزمنا جيش ذي نجب ... والمنذرين اقتسرنا يوم قابوس
الاقتسار: القسر وأراد بالمنذرين؛ قابوس وأخاه كما قالوا: العمران وهما أبو بكر وعمر.
37 تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس
هذا يوم منَّة لبني سعد على الرباب، نذكره في آخر القصيدة.
38 والتيم ألأم من يمشي وألأمهم ... أولاد ذهل بنو السود المدانيس
39 تدعى لشر أب يا مرفقي جعل ... في الصيف تدخل بيتًا غير مكنوس
ذكروا أن الرباب - قبل أن يكثر بنو تميم في أول الزمان - انطلقوا إلى أهل اليمن فحالفوهم ونزلوا بينهم في ديارهم وحالفوا منهم الحارث بن كعب - وهو يومئذ من سادة اليمن وملوكهم، فكانوا فيهم زمانًا، ثم جعلوا يعتبون عليهم ويرون أمورًا تريبهم، فقالت الرباب بعضها لبعض: ما يقعدنا ها هنا وقومنا بنو تميم أكثر الناس وأعزهم. فتحملت ضبة وعدي فرجعوا إلى تميم فنزلوا في دار تميم، وأقامت عكل والتيم، فلبثوا زمانًا بعد ذلك ثم إن ركبًا من أهل اليمن نزلوا بهم فلم يقروهم، وأساءوا ضيافتهم، فلما أصبح الركب، وقد كانوا وفدوا على الملك، فلما دخلوا عليه أخبروه بصنيع عكل والتيم. فبعث إليهم فأخذهم فجدع خمسة وعشرين من سراة التيم، وخصى خمسة وعشرين من سراة عكل، ثم أقصاهم وأهانهم واتخذهم مأكلة. وجعلوا ينكحون فيهم ولا ينكحونهم. فلما رأوا ما لقوا ظعنت عكل بعد الخصاء، فلحقت ببني تميم، وبقيت التيم وكانوا أهل شاء وحمير، فلم يستطيعوا براحًا، فأقاموا وأقروا بالذل. ثم إن رجلًا من أهل اليمن ابن أخت لهم، غضب لهم مما يصنع بهم فكتب إلى تميم بشعر له، وهو:
أبلغ الأضبط بن قريع ومن مثله من تمم
إن تيما لمنكم هل ... لتيم من ناصر أو حميم
هكذا وجدتهما بخط السكري.
وكان الأضبط بن قريع يومئذ سيد بني تميم فلما قرأ الكتاب ندب بني حنظلة وبني سعد، وقال: لا ينبغي إلا إباء هذا. فأغار على بني الحارث ابن كعب أعز ما كانوا وأمنعهم، فقتلهم، وأخذ من سرائهم مائة رجل ورجلين، وسبى ذراريهم واقام بأرضهم سنة يغير على قراهم يمينًا وشمالًا، وأمير الخيل يومئذ مرة بن عبيد بن الحارث وهو مقاعس، فبنى الأضبط أطما، فبنت الملوك حول ذلك الأطم مدينة صنعاء فهي اليوم قصبتها. وأقبل بالتيم مع ما أصاب من السبي والغنائم، فمر بالتيم على المروت والحفر. فقالوا: أنزلنا ها هنا، فإن هذه أرض صالحة للشاء، فأنزلهم إياها، فهذه يد بني سعد على تيم التي يفخر بها عليهم جرير، وفي ذلك يقول الأضبط بن قريع ابن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم:
سائل بوقع تميم في ذوي يمن ... لما ألاموا جوار التيم أو عكل
فلم يفاجئهم إلا تنادينا ... ضربًا تميم على الهامات لا شلل
أراد: لا على شلل: كأنه دعا لهم أن لا يشلوا، وفي ذلك يقول جرير للتيم:
تلاقى في الولاء عليك سعدًا ... ثقال الوزن طالعة الخصوم
وأبناء الضرائر جدَّعوكم ... وأنتم فرخ واحدة عقيم
أي هي عقيم لا تلد، يصف قلتهم بذلك.











مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید