المنشورات

قل للديار سقى أطلالك المطر ... قد هجت شوقًا فماذا ترجع الذِّكر

قال يهجو الأخطل:
1 قل للديار سقى أطلالك المطر ... قد هجت شوقًا فماذا ترجع الذِّكر
2 أسقيت محتفلًا يستنُّ وابله ... أو هاطلًا مرثعنَّا صوبه درر
المرثعنَّ: الثقيل الدائم الهطلان.
3 إذ الزمان زمان لا يقاربه ... هذا الزمان، وإذ في وحشه غرر
ويروي: في صفوة كدر، يرد على الزمان الأخير.
4 إن الفؤاد مع الظعن التي بكرت ... من ذي طلوح، وحالت دونها البصر
البصر: جرعات بأسفل أود بأعلى الشِّيحة من بلاد الحزن.
5 قالوا لعلك محزون فقلت لهم ... خلوا الملامة لا شكوى ولا عذر
ويروى عذر: عذر جمع عذرة وعذر جمع عذرة، ويقال عذرته أعذره عذرا وعذرة وجمعها عذر ومعذرة وأنشد لراشد بن عبد الله السلمي:
لله درك إني قد رميتهم ... لولا حددت ولا عذرى لمحدود
ويروى عذر.
6 إن الخليط أجد البين يوم غدوا ... من دارة الجأب إذ أحداجهم زمر
7 لما ترفَّع من هيج الجنوب لهم ... ردوا الجمال لإصعاد وما انحدروا
8 من كل أصهب أسرى في عقيقته ... نسءٌ من الروض حتى طيِّر الوبر
النَّسء: السمن. يقول: رعى الروض حتى سمن فطارت عقيقته: الوبر الأول، وطرَّ وبر آخر.
9 بزل كأن الكحيل الصِّرف ضرَّجها ... حيث المناكب تلقى رجعها القصر
الكحيل: القطران. والصرف: الخالص. وضرجها: لونها، إنما عنى المكان الذي يقع عليه ذراه إذا جذبه راكبه وهو ممَّا يلي كتفه، يقال له قصرة، والقصرة: أصل العنق.
10 أبصرن أن ظهور الأرض هائجة ... وقلَّص الرُّطب إلا أن يرى سرر
يقال: هاجت الأرض: إذا يبس نبتها. وتقليص الرطب: ذهابه. والرطب: البقل. والسرر: بطون الأودية - حيث لا تصيبه الشمس فيبقى نبته رطبًا.
11 هل تبصران حمول الحي إذ رفعت ... حيُّ بغير عباء الموصل اختدروا
ويعرض بالأخطل لأن بني تغلب توصف بلبس العباء.
تم الكلام، فرفع حي بالابتداء.
12 قالوا نرى الآل يزهى الدَّوم أو ظعنًا ... يا بعد منظرهم ذاك الذي نظروا
13 ماذا يهيجك من دار ومنزلة ... أم ما بكاؤك إذ جيرانك ابتكروا
14 نادى المنادي ببين الحي فابتكروا ... منا بكورًا فما ارتابوا وما انتظروا
15 حاذرت بينهم بالأمس إذ بكروا ... منا وما ينفع الإشفاق والحذر
16 كم دونهم من ذار تيه مخفِّقة ... يكاد ينشق عن مجهولها البصر
17 إنا بطخنة أو أيام ذي نجب ... نعم الفوارس لما التفَّت العذر
العذر: جمع عذرة وهي أعراف الخيل. يريد أنه لما لابس بعضها بعضًا.
18 لم يخز أول يربوع فوارسها ... ولا يقال لهم كلاَّ إذا افتخروا
19 سائل تميمًا وبكرًا عن فوارسنا ... حين التقى بإياد القلَّة الكدر
أراد يوم ذي طلوح. والكدر: الغبار.
20 لولا فوارس يربوع بذي نجب ... ضاق الطريق وعيَّ الورد والصدر
21 إن طاردوا الخيل لم يشووا فوارسها ... أو واقفوا عانقوا الأبطال واهتصروا
الإشواء: أن لا يصيبوا المقاتل، وكل ما سوى المقتل فهو شوى.
والاهتصار هاهنا الاجتذاب.
22 نحن اجتبينا حياض المجد مترعةً ... من حومة لم يخالط صفوها كدر
23 إنا وأمك ما ترجى ظلامتنا ... عند الحفاظ وما في عظمنا خور
24 تلقى تميما إذا خاضت قرومهم ... حوم البحور وكانت غمرة جسروا
القروم: الفحول، شبههم بها. والحوم: جمع حومة، وهو معظم الماء.
25 هل تعرفون بذي بهدى فوارسنا ... يوم الهذيل بأيدي القوم مقتسر
هذا الهذيل بن هبيرة التغلبي وقد مر حديثه.
26 الضاربين إذا ما الخيل ضرجها ... وقع القنا والتقى من فوقها الغبر
الغبر: جمع غبرة.
27 إن الهذيل بذي بهدى تداركه ... ليث إذا شد من عاداته الظفر
28 أرجو لتغلب إذ غبت أمورهم ... أن لا يبارك في الأمر الذي ائتمروا
29 خابت بنو تغلب إذ ضل فارطهم ... حوض المكارم إن المجد مبتدر
الفارط: الذي يتقدم قبل الإبل، فيملأ الحوض وإنما هذا مثل.
30 الظاعنون على العمياء إن ظعنوا ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر
يريد أنهم لا يستشارون ولا يعبأ بهم، وإنما يسألون عن أخبار الناس.
31 وما رضيتم لأجساد تحرّقهم ... في النار إذ حرقَّت أرواحهم سقر
يقول: ما رضيتم لأرواح قتلاكم بالنار حتى عجلتم تحريق أجسادها في الدنيا، وهذا يوم ماكسين وهو يوم الخابور: وهو نهر طوله مسيرة ثلاثة أيام، ويخرج من رأس عين بالجزيرة ثم يصب في الفرات، وعلى شاطئ الخابور قرى وحولها تلال ومروج ولها جمة وعلى الخابور قناطر. فغزاهم عمير بن الحباب، فالتقوا بقرية ماكسين على شاطئ الفرات في مهب الجنوب، والتقوا عند قنطرة بالقرية، ورئيس قيس فيهم عمير ورئيس تغلب ونمر الجزيرة ومن معهم من بطون وائل شعيث بن مليل فكانت أول وقعة تزاحفوا فيها، وكانت تغلب وألفافها يومئذ زهاء ستمائة: فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وفشا القتل في تغلب، وهرب البقية، فبنو تغلب تسمى هذا اليوم يوم الدوائر وزعموا أنه قتل من بني تغلب زهاء خمسمائة، وإنما سمي من قتلاهم اثنا عشر رجلًا، فقالوا هؤلاء وجوههم المسمون، وقتل عمير شعيثًا عند القنطرة، ففي ذلك يقوم ابن صفَّار من بني محارب:
وأيام القناطر قد تركتم ... رئيسكم لنا غلقًا رهينا
وقتل منيع بن هانئ العقيليّ ابن بهدل النمري، وقتل شعرور بن أوس، وكان من وجوه بني تغلب، وقتلوا بهدلا وفنجلا وأبا أفعى وابني لأي وابني عبد محرق ورجلين من بني الطبيب يقال لهما الآسيان: أحدهما الأحمر، وقد كان زفر بن الحارث الكلابي قال لعمير: ألهاكم الغزل إلى نسائكم عن طلب الثأر، فقال يعدّد من قتلوا منهم ومن وجوههم:
ما همُّنا يوم شعيث بالغزل ... يوم انتضيناهنَّ أمثال الشُّعل
إذ خر شعرور بأطراف الأسل ... وبهدل إذخر كالجذع القطل
والآسيان لاقيا زوَّ الأجل ... وفنجلٌ قد ألحقته بالثلل
بعد ابن بهدل وقد جد الوهل ... ذاق مراس صارم عضب أفلّ
وقال ابن صفار في ذلك اليوم:
ألم تسأل بني جشم بن بكر ... غداة أتاهم عنا النذير
بحمة ماكسين إذ التقينا ... وقد طال التوعد والزئير
صبحناهم ململمةً طحونا ... ترى فيها الكتائب تستدير
تناول حي عتبان بن سعد ... هلالٌ من غواربها مطير
وعتابًا وعتبة قد أصابت ... بكسر لا يعود له جبور
ومن حيَّي كنانة قد تركنا ... أرامل لا تنزلها الديور
الديور: جمع دير. وفي العتب عدد في تغلب: وهم عتبة وعتّاب وعتبان. وكنانة بن تيم من بني تغلب أيضًا. وقال ابن صفار أيضًا وكانت بنو شيبان أيضًا مع بني تغلب:
تركنا من بني شيبان ذبحًا ... وتغلب عند أمرج ماكسينا
وقارعنا بني جشم بن بكر ... فما جذّوا ولا وقصوا القرينا
قال: فأنتنت القتلى وطريق السابلة عليها فأجمع رأي بني تغلب على أن تحرِّقهم إرادة أن يخفوهم وتعللوا بإنتانهم. فولى تحريقهم الشَّمرذي التغلبي، فقال في ذلك الجحاف السلمي:
لقد أوقدت نار الشمرذي بأرؤس ... عظام اللِّحى معرنزمات اللهازم
تحشُّ بأوصال من القوم بينها ... وبين الرجال الموقديها محارم
32 الآكلون خبيث الزاد وحدهم ... والنازلون إذا واراهم الخمر
الخمر: الموضع المستتر ينزلون فيه فرارًا من الضيفان والحقوق التي تنزل بهم.
33 يحمي الذين ببطحاوي مني حسبي ... تلك الوجوه التي يسقى بها المطر
34 أعطوا خزيمة والأنصار حكمهم ... والله عزز بالأنصار من نصروا
35 إني رأيتكم والحق مغضبة ... تخزون أن يذكر الجحاف أو زفر
تخزون: تستحيون. الجحاف السلمي وزفر بن الحارث الكلابي. ويروي: إن ذكر الجحاف.
36 قومًا يردُّون سرح القوم غادية ... شعث النواصي إذا ما يطرد العكر
السرح: المواشي. والعكر: الإبل الكثيرة.
37 إن الأخيطل خنزير أطاف به ... إحدى الدواهي التي تخشى وتنتظر
38 قادوا إليكم صدور الخيل معلمة ... تغشى الطعان وفي أعطافها زور
39 كانت وقائع قلنا لن ترى أبدًا ... من تغلب بعدها عين ولا أثر
40 حتى سمعت بخنزير ضغا جزعًا ... منهم، فقلت أرى الأموات قد نشروا
نشروا: حيوا وعاشوا.
41 أحياؤهم سر أحياء وألأمه ... والأرض تلفظ موتاهم إذا قبروا
42 رجس يكون إذا صلوا أذانهم ... قرع النواقيس لا يدرون ما السُّور
43 فما منعتم غداة البشر نسوتكم ... ولا صبرتم لقيس مثلما صبروا
44 أسلمتم كلَّ مجتاب عباءته ... وكلَّ مخضرَّة القربين تبتقر
المجتاب: اللابس. والقربان والكشحان والصقلان والأيطلان واحد: وهو ما سفل عن الجنبين من عن يمين السرة وشمالها.
45 هلا سكتم فيخفي بعض سوءتكم ... إذ لا يغيَّر في قتلاكم غير
46 يا بن الخبيثة ريحًا من عدلت بنا ... أم من جعلت إلى قيس إذا زخروا
47 قيس وخندف أهل المجد قبلكم ... لستم إليهم ولا أنتم لهم خطر
48 موتوا من الغيظ غمًّا في جزيرتكم ... لن تقطعوا بطن واد دونه مضر
49 ما عدَّ قوم وإن عزوا وإن كرموا ... إلا افتخرنا بحق فوق ما افتخروا
50 نرضى عن الله إن الناس قد علموا ... أن لا يفاخرنا من خلقه بشر
51 وما لتغلب إن عدَّت مساعيها ... نجم يضيء ولا شمس ولا قمر
52 كانت بنو تغلب لا يعل جدُّهم ... كالمهلكين بذي الأحقاف إذ دمروا
53 صبَّت عليهم عقيم ما تناظرهم ... حتى أصابهم بالحاصب القدر
54 تهجون قيسًا وقد جذوا دوابرهم ... حتى أعز حصاك الأوس والنمر
الجذُّ: الاستئصال. والأوس بن تغلب ولهم عدد قليل خسيس، والنمر ابن قاسط وليسوا بكثير كتغلب. يقول: استأصلوكم حتى صارت الأوس والنمر على قلتها أكثر منكم عددًا. والحصى: العدد
55 إني نفيتك عن نجد فما لكم ... نجد وما لك من غوريّه حجر
56 تلقى الأخيطل في ركب مطارفهم ... برق العباء وما حجوا وما اعتمروا
الأبرق والأبلق واحد.
57 الضاحكين إلى الخنزير شهوته ... يا قبِّحت تلك أفواهًا إذا كشروا
يقول: إذ نظر إلى الخنزير ضحك من شهوته للحمه.
58 والمقرعين على الخنزير ميسرهم ... بئس الجزور وبئس القوم إذ يسروا
59 والتغلبي لئيم حين تجهره ... والتغلبي لئيم حين يختبر
الاجتهار: النظر والتفرس والاستثبات.
60 والتغلبي إذا تمت مروءته ... عبد يسوق ركاب القوم مؤتجر
61 تلقى بني تغلب زييًّا مناخرهم ... كأن آنفهم بالموصل الكمر
الأرب: الكثير الشعر.
62 والتغلبية في ثنيي عباءتها ... بظر طويل وفي باع ابنها قصر
63 من كل مخضرة الأنياب قعرها ... لحم الخنازير يجري فوقه السَّكر
قعرها: عظّم جوفها.
64 نسوان تغلب لا حلم ولا حسب ... ولا جمال ولا دين ولا خفر
65 ما كان يرضى رسول الله دينهم ... الطيَّيّبان أبو بكر ولا عمر
66 جاء الرسول بدين الحق فانتكثوا ... وهل يضير رسول الله أن كفروا
67 يا خزر تغلب إن اللؤم حالفكم ... ما دام في ماردين الزيت يعتصر
ماردين: حصن بالجزيرة. والأحزر: الذي ينظر بمؤخر عينه.
68 تسربلوا اللؤم خلفًا من جلودهم ... ثم ارتدوا بثياب اللؤم واتزروا
69 الشاتمين بني بكر إذا بطنوا ... والجانحين إلى بكر إذا افتقروا
يقول: إذا شبعوا هجوا بكر بن وائل، وإذا جاعوا لجأوا إليهم.
70 قال الكرام تنحَّوا إنكم نجسٌ ... أفواه تغلب أستاه بها وضر
71 ساقت بنو تغلب من حين رأيهم ... أمَّ الأخيطل في جلد استها شتر
الشتر: شق بالعرض.












مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید