المنشورات

هاج الهوى وضمير الحاجة الذِّكر ... واستعجم اليوم من سلُّومة الخبر

حديث عمر بن لجأ
وقال جرير:
- وكان من حديث هذه القصيدة: أن جريرًا وعمر بن لجأ اجتمعا عند المهاجر بن عبد الله الكلابي باليمامة وجرير على كرسي، فأطَّ الكرسيُّ تحته، فقال: اسكن فإن عليك حنظليًّا. فقال المهاجر لعمر بن لجأ: أنشدنا. فقال: وهذا الشيخ جالس - فقال جرير: أنشدنا، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
لما خشيت نسبي إضوائها ... من قبل الأم ومن آباها
حتى فرغ منها. فعاب جرير فيها بيتًا وهو:
جرَّ العجوز جانبي خفائها
فقال له جرير: فلولا قلت:
جرّ الفتاة الثِّني من رداها
فقال عمر: ما قلت أنت أعيب. حين قلت:
وأوثق عند المردفات عشية ... لحاقًا إذا ما جرَّد السيف لامع
والله لئن كنَّ لم يلحقن إلا عشاء فما لحقن حتى نكحن وفضحن.
فانصرف جرير مغضبًا فقال هذه القصيدة. فلما بلغت تيمًا، أتت عمر بن لجًا فقالوا: عرَّضتنا لجرير، وسألوه الكف، فقال: أكف بعد ذكره برزة؟ وهي أمه، فنشب الهجاء بينهما.
فقال جرير:
1 هاج الهوى وضمير الحاجة الذِّكر ... واستعجم اليوم من سلُّومة الخبر
2 علقت جنِّية ضنت بنائلها ... من نسوة زانهن الدَّلُّ والخفر
3 قد كنت أحسب في تيم مصانعة ... وفيهم عاقلًا قبل الذي ائتمروا
4 تعرّض التيم لي عمدًا لتهجوني ... كما تعرض لاست الخارئ الحجر
5 هلا ادرأتم سوانا يا بني لجأٍ ... أمرًا يقارب أو وحشًا لها غرر
6 أو تطلبون بتيم لا أبا لكم ... من تبلغ التيم أو تيم له خطر
7 ترجو الهوادة تيم بعد ما وقعت ... صمّاء ليس لها سمع ولا بصر
الأدّراء: الختل. وغرر: جمع غرَّة.
8 قد كانت التيم ممَّن قد نصبت له ... بالمنجنيق وكلًا دقَّه الحجر
9 ذاقوا كما ذاق من قد كان قبلهم ... واستعقبوا عثرة الأقيان إذ عثروا
10 قد كان لو وعظت تيم بغيرهم ... في ذي الصليب وقيني مالك عبر
ذو الصليب: الأخطل. وقينا مالك: الفرزدق والبعيث.
11 أحين كنت سمامًا يا بني لجأٍ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر
12 خلِّ الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر
13 ما زلت تحفز أقوالًا وتبلغني ... ذيخ المريرة حتى استحصد المرر
الحفز: الإزعاج والسوق. والذيخ والضبعان واحد وهو الذكر من الضباع.
والمريرة: من بلادهم، ويروى: المريرة، والمريرة: الحبل المفتول. واستحصادها: استحكاماه في عنقه. يقول: أنت حين تعرضت لي بمنزلة الذيخ المستخرج من وجاره حتى جعلت المريرة في عنقه.
14 قد حان قبلك أقوام فقلت لهم ... جدّ النضال وقلَّت بيننا العذر
العذر: جمع عذرة: وهو العذر والمعذرة والعذرى بمعنى واحد، وأنشد لراشد بن عبد ربه، وكان اسمه غاويًا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم:
لله درّك إني قد رميتهم ... لولا حددت ولا عذرى لمحدود
وقالت امرأة لضرتها:
ما أنت بالخورى ... ولا الضُّوقى حرا
15 لن تستطيع بتيم أن تغالبني ... حين استحنَّ جذاب النبعة الوتر
16 فاسأل نزارًا جميعًا أين شاعرها ... وشاعر الزبد لمّا أثمر الشجر
يقول: إنما أنت شاعر إذا أخصبت وأزبدت وشبعت، وأنشدني شيظم من حباب العنبري:
أما حقًّا لو أن لنا شعيرا ... لكنا في وصالك راغبينا
ولكنَّ الشعير غلا علينا ... وأفنى الحنظل المتهبِّدونا
17 ما التيم إلا ذباب لا جناح له ... قد كان منَّ عليهم مرَّة نمر
نمر بن مرة الحمَّاني.
18 أزمان يغشى دخان الذل أعينهم ... لا يستعانون في قوم إذا ذكروا
19 والتيم عبد لأقوام يلوذ بهم ... يعطي المقادة إن أوفوا وإن غدروا
20 أتبتغي التيم عذرًا بعد ما غدروا ... لا يقبل الله من تيم إذا اعتذروا
21 لا تمنعون لكم عرسا وما لكم ... إلاَّ بغيركم ورد ولا صدر
22 يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يوقعنَّكم في سوءة عمر
23 يا تيم إنّ جسيم الأمر ليس لكم ... ولا الجراثيم عند الدعوة الكبر
24 والتيم كان سطيحًا ثم قيل لهم ... شان السطيح إلى تخبيله العور
شبهه بسطيح الكاهن الذئبي من غسان وكان ملقى على قفاه لم يكن يجلس ولا عظام له، فزعم أن أباهم كذلك ثم زاده العور مع التخبيل
25 إن الكرام إذا مدوا حبالهم ... أزرى بحبلك ضعف العقد والقصر
26 لولا قبائل من زيد تلوذ بها ... كانت عصاك التي تلقى وتقتشر
27 جاءت فوارسنا غرًّا محجَّلة ... إذ ليس في التيم تحجيل ولا غرر
28 جئنا بكم من زهيرات ومن سبأ ... وللجوامع في أعناقكم أثر
أراد آثارًا.
29 في جلهم اللؤم معلومًا معادنه ... وفي حويزة خبث الريح والأدر
جلهم وحويزة: فبيلتان من التيم.
30 قولوا لتيم أعصب فوق آنفهم ... إذ يرأمون التي من مثلها نفروا
العصب: أن يعصب أنف الناقة إذا أرادوا إرآمها ولدها أو ولد غيرها لتذل. يقول: قبول تيم الذل كالعصب على أنوف الإبل التي تقر على الذل وتقبله فأنتم كذاك مقرّون بالذل.
31 قد خفت يابن التي ماتت منافقة ... من خبث برزة ألا ينزل المطر
برزة: أم عمر بن لجأ
32 أنت ابن برزة منسوبًا على لجأ ... عبد العصارة والعيدان تعتصر
33 أخزيت تيمًا وما تحمي محارمها ... إذ أنت نفَّاخة للقين مؤتجر
34 ما بال برزة في المنحاة إذ نذرت ... صوم المحرَّم إن لم يطلع القمر
المنحاة: طريق السانية ما بين البئر إلى الرشاء.
يقول: لا يطلع القمر حتى تناك العجوز.
35 تقول والعبد مكحول يزحِّرها ... ارفق فدًا لك أنت الناكح الذكر
36 وصّت بنيها وقالت دون أكبركم ... فادوا أباكم فإن التيم قد كفروا
يقول: أكبركم يقوم مقام أبيه يقول كفروا صاروا مجوسًا: أي افعلوا بأمكم كما تفعل المجوس. والمفاداة: أن يتقي بعض القوم ببعض.
37 تضمَّنت من لجيء وهي مقرفة ... ماءً خبيثًا ومنه تنبت السِّرر
السرر: التي تقطع من سرة الصبي، جماعته أسرار.
38 إني لمهد لكم غرا مقشَّبةً ... فيها السِّمام وأخرى بعد تنتظر
السم المقشب: الذي يخلط فيه ما يقوِّيه.
39 إن الحفافيث حقًّا يا بني لجإٍ ... يطرقن حين يسور الحية الذكر
الحفافيث: واحدها حفَّاث وهو شبيه بالحية يكون باليمامة كالسِّنَّور فإذا غضب انتفخ ولم يضر، ثم يسكن فيذهب انتفاخه عنه، يزعمون أنه يصيد الفار، وهو العربد أيضًا. ويسور: يثب، سار يسور سورًا وسوارًا ومساورة.
40 لولا عديّ ولستم شاكرين لهم ... لم تدر تيم بأي القنَّة الحفر
القنة: أعلى الجبل أراد عديّ بن عبد مناة إخوة تيم. والحفر: حفر بني عدي، وكانوا نزلوا به حين خرجوا من اليمن على بني عدي.
41 يا ربَّ حتى نعشنا بعد عثرتهم ... كنا لهم كسقيف العظم فاجتبروا
السقيف: أراد السقائف التي يجتبر بها: وهي الخشبات. ويروى كسقيط العظم عن أبي عبد الله، أراد: كنا لهم كالمخ في لينه وطيبه. عمارة قال: سقيف العظم.
42 ذدنا العدو وأدنينا محلهم ... حتى ابتنوا بقباب بعدما احتجروا
43 يومًا نشدُّ وراء السبى عادية ... شعث النواصي ويومًا تطرد البقر
يقول: يوم حرب ويوم صيد.
44 قد يعلم الناس أن التيم ألأمهم ... أأخبر الناس لؤم التيم أم أذر
45 يا تيم يا تيم إنَّ التيم لم يرثوا ... بيتًا كريمًا ولا يومًا إذا افتخروا
46 أوصى تميم بتيم أن يكون لهم ... سؤر لحياض وأن يخصوا إذا كبروا
47 لا تنكر التيم يومًا أن يكون لهم ... سؤر العشى وشرب التابع الكدر
48 يا تيم خالط مكحول أبا لجأٍ ... ذا نقبة قد بدا في لونه عرر
وعرر أيضًا، والعرر: الجرب، والعرر: الدنس، والنقبة من الجرب.
49 أنا ابن فرعي بني زيد إذا نسبوا ... هل ينكر المصطفى أو ينكر القمر
50 واللؤم حالف تيمًا في ديارهم ... واللؤم صيِّر في تيم إذا حضروا
51 اقبض يديك فإن التيم قد سبقوا ... يوم التفاخر والغايات تبتدر
52 إن تصبر التيم مخضرًّا جلودهم ... على الهوان فقبل اليوم ما صبروا
53 يا بن التي اغتسلت في بيت جارتها ... ليلًا فأصبح في هلب استها مدر
الهلب: الشعر.
54 إن الذين أضاءوا النار قد عرفوا ... آثار برزة والآثار تقتفر
55 قالت لتيم بن قنب وهي تعذلهم ... يا تيم مالكهم البشرى ولا الظفر
56 تخزيك أحياء تيم إن فخرت بهم ... والخزي أموات تيم إن هم نشروا
57 أعياك والدك الأدنون فالتمسن ... هل في شعاعة ذي الأهدام مفتخر
شعاعة: قبيلته التي هو منها.
58 لا يشهدون نجيّ القوم بينهم ... تقضي الأمور على تيم وما شعروا
59 عضَّ السَّرندي على تثليم ناجذه ... من أم علقه بظرًا غمَّه الشعر
علقة والسَّرندي: رجلان من تيم شاعران كانا يحلبان عمر ويعينانه، والنواجذ: ما وراء الأسنان إلى الأضراس.
60 وعض علقة لا يألوا بعرعرة ... من بظر أم السرندي وهو منتصر
عرعرة السنام: أعلاه. وعرعرة الجبل: أعلاه، والعرعرة: رأس القارورة، وإنما هذا تشبيه، وإنما أراد رأس البظر.









مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید