المنشورات

ألا زارت وأهل منى هجود ... وليت خيالها بمنًى يعود

قال جرير يهجو التيم:
1 ألا زارت وأهل منى هجود ... وليت خيالها بمنًى يعود
2 حصان لا المريب لها خدين ... ولا تفشي الحديث ولا ترود
ترود: تذهب وتجيء.
3 ونحسد أن نزوركم ونرضى ... بدون البذل لو علم الحسود
4 أساءلت الوحيد ودمنتية ... لما لك لا يكلمك الوحيد
الوحيد: نقا بالدهناء لبني ضبة.
5 أخالد قد علقتك بعد هند ... فبلَّتني الخوالد والهنود
ويروى: فشيبني.
6 فلا بخل فيوئس منك بخل ... ولا جود فينفع منك جود
7 شكونا ما علمت فما أويتم ... وباعدنا فما نفع الصدود
يقال: أويت آوى مأويَّةً، ما أويت: أي ما رحمت ولا رفقت.
8 حسبت منازلًا بجماد رهبى ... كعهدك بل تغيرت العهود
9 فكيف رأيت من عثمان نارًا ... يشبُّ لها بواقصة الوقود
وروى أبو عبد الله: من عمان، وعمان: من عمل دمشق، وعثمان:
جبل بين المدينة وبين ذي مروة بطريق الشام.
10 هوًى بثهامة وهوى بنجد ... فلبلَّتني التهائم والنجود
11 فأنشدنا فرزدق غير عال ... فقبل اليوم جدَّعك النشيد
يقول: فضحك ولم تظفر بشيء.
12 خرجت من المدينة غير عفٍّ ... وقام عليك بالحرم الشهود
كانت الحجاز أجدبت وضاق بأبناء المهاجرين والأنصار العيش. فقدم الفرزدق. فبلغ عمر بن عبد العزيز - وهو واليها للوليد بن عبد الملك - فدعاه فأعطاه ألف درهم، وقال له: يا فرزدق: إن أبناء المهاجرين والأنصار في ضيق شديد فلا تمدحنَّ أحدًا وانصرف. فبلغه بعد أيام أنه عند عمرو بن عثمان يمدحه، فدعاه فقال له: ألم أتقدم إليك، قد أجّلتك ثلاثًا فإن أصبتك عاقبتك. فخرج الفرزدق وهو يقول:
أوعدني وأجلني ثلاثًا ... كما وعدت لمهلكها ثمود
وقوله: وقام عليك بالحرم الشهود: لقول الفرزدق
هما دلَّتاني من ثمانين قامة ... كما انقضَّ باز أقتم الريش كاسره
13 خصيتك بعدما جدعتك قيس ... فأيّ عذاب ربك تستزيد
14 تحبك يوم عيدهم النصارى ... ويوم السبت شيعتك اليهود
15 فإن ترجم فقد وجبت حدود ... وحل عليك ما لقيت ثمود
16 تتبَّع من علمت له متاعًا ... كما تعطى للعبتها القرود
17 أبالكيرين تعدل ملجمات ... عليهن الرَّحائل واللُّبود
18 رجعن بهانئ وأصبن بشرًا ... وبسطامًا يعضُّ به الحديد
هذا هانئ بن مسعود وهذا يوم العظالي:
وكان من قصة العظالي: أن بسطام بن قيس بن مسعود وهانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود أحد بني أبي ربيعة بن ذهل وبسطام بيت ربيعة وهانئ بيتها الثاني، ومفروق بن عمرو بن قيس بن الأصم خرجوا متساندين على ثلاثة ألوية، فساروا في خيل عظيمة من بني شيبان، حتى نزلوا هضبة الخصىّ من أرض بني يربوع بين أفاق وأفيق فأشرفوا من مرقب الخصىّ، فإذا هم بالناس بالحديقات من خيشوم الحزن، فبعثوا طليعتهم، فأخذوا المطوّح بين أطيط بن قرط بن عاصم - وهو غلام في إبل له، فأتوا به بسطامًا، فعرفه فقال: إيه يا مطوح! أين قومك من السواد الذي أرى؟ قال: أما السواد الذي رأيت فهم بنو زبيد بن سليط ابن يربوع، وأما قومي بنو ثعبلة فإنهم نزلوا اليوم روضة الثَّمد من بطن مليحة. فقال: أخبرني من شهد من فرسان قومك الحي؟ قال: أما عبيد فهاهنا منهم بنو أزنم وبنو عاصم. قال: أفيهم وديعة بن مرثد؟ قال نعم؟ قال: أفيهم ابنا عصمة قعنب ومعدان؟ قال نعم. قال: أثمَّ من آل عتيبة أحد؟ قال: نعم! عمارة بن عتيبة. قال: أفمن آل أبي مليل؟ قال: نعم بنو الغطفانية. قال: أفي هذا السواد الذي أرى أسيد بن حنّاء السليطي؟ قال: نعم. قال: يا بني شيبان تقبّضوا على هذا الحي الحزيد.
فأصبحوا غدوة في بطن الإياد غانمين سالمين، فقال له هانئ: امتلأ سحرك يا أبا الصهباء، إن عتيبة قد مات. قال: أما إذ قلت هذا فسأحدثك ما أنت لاق: أما أنت فلن تغرَّ بن حناءة من رأس الشقراء الليلة، فإذا أحس غدوة بكم حال في متن الشقراء ثم أشرف مليحة، فإذا أشرف نادى يال ثعلبة، فيلقاك طعن ينسيك الغنيمة.
فباتوا وقد حبسوا المطوّح حتى ركبوا بليل فتقبضَّوا على بني زبيد، وذلك بسواد، غير أن أسيدًا وثب على الشقراء، فتبعه أربعة فاورس منهم، فأقبل عليهم، فقال: من أنتم؟ الله لا نتكاذب. فقال أحدهم: بسطام ومفروق وهانئ والدّعّاء. فقال: أيا سوء صباحاه. ثم ركض حتى أشرف فنادى: يال ثعلبة. فركبت بنو ثعلبة حتى وافى سبعة فوارس من بني ثعلبة فيهم قعنب ومعدان ابنا عصمة، وعفاق بن عبد الله، وعمارة بن عتبة وهو هجين عتيبة ووديعة بن مرثد، ودراج بن النحار وأحيمر بن عبد الله، وأقبلت بنو شيبان يسوقون بني زبيد معهم، فلما برز الفوارس السبعة قال قعنتب: يا بني ثعلبة إنّ خبب الخيل جبن. قال عمارة: أما أنا فإليّ وازع الخيل، وقال وديعة: كل امرئ سيرى وقعه؛ حتى التقوا بالأفاقة، فقال الأحيمر: والله يا بني ثعلبة: لئن صدّت خيلمك قيس سوطي لا تدعي لكم داعية بعد اليوم. ولقى بسطام الأحيمر، فقال له: ويلك يا أحيمر لأنفسك على الموت، قال: وهل أبقيت مني إلا شلوًا؟ والله لا تغرب الشمس وكلانا حي! ... ثم رماه بالشقراء فاختلفا طعنتين، فانكسر رمح الأحيمر فأمال بسطام يده بذات النسوع، وحمل وديعة بن مرثد على هانئ بن قبيصة فأسره، وقتل فقحل بن مسعدة أحد بني أبي ربيعة عمارة بن عتيبة، فحمل عليه قعنب بن عصمة فقتله. ففر بسطام والدّعّاء ومفروق والضُّريس وعمرو بن الحزوّز أخو بني الحارث بن همام، وحمى الناس بسطام وكان رجلًا ثقيلًا وكانت عليه الدرع وكان على مهر، فمر برمل فنزع درعه. فألقاها. ثم هال عليها. وأتبعهم الخيل حتى إذا كانوا ببطن موشوح، لحق عفاق بن عبد الله، فأخلف له عميرة بن الحزوز الرمح، فقتله، فحمل عليه قعنب، فأسره، وكان من فرسان بني الحارث، فدفعه إلى أبيه أبي مليل فقتله بعفاق صبرًا، وعانق الأحيمر الضريس فأسره، وحمل قعنب وأسيد، فابتدرا مفروق بن عمرو، فطعناه طعنة أثقلته، حتى إذا كان بمرفضِّ غبيط الفردوس من القلة مات، فبنوا عليه أمرةً فهي تسمى أمرة مفروق، فقبر مفروق في أرض بني يربوع، وأسر عتوة بن أرقم بن نويره رجلا من بني الحارث بن همام يقال له العوّام بن عبد عمرو، فقال في ذلك وهو في أيدي بني يربوع:
وما جمع الغزو السريع نفيره ... وإن تحرموا يوم اللقاء القنا الدما
يقول: أيُّ شيء جمعكم للنفير ثم كعتم وتركتم المطاعنة وهربتم؟ لم فعلتم هذا؟
وفرَّ أبو الصهباء إذ حمس الوغى ... وألقى بأبدان السلاح وسلّما
وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ... تئم عرسه أو تملأ البيت مأتما
ولو أن عصفورة لحسبتها ... مسوَّمةً تدعو عبيدًا وأزنما
فررتم ولم تلووا على مرهقيكم ... لو الحارث المقدام يدعى لأقدما
الحارث بن شريك وهو الحوفزان.
فإن يك في يوم الغبيط ملامة ... فيوم العظالي كان أخزى وألوما
ولو أن بسطامًا أطيع بأمره ... لأدَّى إلى الأحياء بالحنو مغنما
ولكن مفروق القفا وابن أمه ... ألاما وليما في البيات وشيما
أناخا يريدان الصباح فصبِّحا ... فكانت على الركبان ساعة أشأما
فلما بلغ بسطامًا ذلك أغار على لقائح لأمه فأخذها فقالت في ذلك:
أرى كل ذي شعر أصاب بشعره ... سوى أن عوامًا بها قال عيَّلا
فلا تنطقن شعرًا يكون حواره ... ما شعر عوام أعام وأرجلا
فقال قطبة بن سيار اليربوغي:
ألم ير جثمان الحمار بلاءنا ... غداة العظالي والوجوه بواسر
ومضربنا أفراسنا وسط غمرة ... وللقوم في صم العوالي جوائر
ونجَّت أبا الصهباء كبداء نهدة ... عداتئذ وأنسأته المقادر
تمطت به فوق الرماح طمرَّة ... نسول إذا دنَّى البطاء المحامر
إذا شام فيها ساقه ذهبت به ... كماجنات في الدَّجن صقعاء كاسر
يقول له الدّعّاء راخ عنانها ... أتاك حياض الموت أمُّك عابر
عابر: من العَبرة.
ألا تسمع الدعوى عبيدًا وجعفرًا ... فتصدقك الحوباء أو لا تضاير
فإنك إن يعلوك ظهرًا فإنما ... مقيلك غير المبطلات المقابر
ولو أمكنته للرماح أشكّه ... أحذٌّ رديني إذا هزَّ عاتر
غداة دعا الداعي اللهيف وأردفت ... نساء لهم وسط الخميس حواسر
ولم تك فينا غفلةٌ إذ هتفتم ... بنا غير إلجام وشدَّت دوابر
وطرنا إلى جرد طوال كأنها ... جراد يباري وجهة الريح باكر
تباري مراخيها الزِّجاج وتدّعي ... عليهن فتيان الصباح المساعر
لتدرك سبي الحي قبل اقتسامه ... وتنقض أوتار الصدور الوغائر
19 وبالحكميِّ ثم بحضرميٍّ ... وما بالخيل إذ لحقت صدود
هذا يوم أيضًا:
أراد الحكم بن مروان بن زنباع العبسي، وحضرميّ بن عامر بن موءلة أحد بني مالك ابن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد: وكان خرج في مقنب يريد بني زرارة فأسرته بنو زرارة، وأسرت بنو أسد المأموم، ففودي بهما، فلم ترض بنو زرارة بالمأموم مكان الحضرميّ، حتى زادتهم بنو أسد مائة بعير وأعبدا وقدرًا للحضرمي كانت تسع جزورًا. وهذه قصة الحكم بن زبناع يوم ذات الجرف:
وأما قصة الحكم بن زنباع: فإن العفّاق بن العلاق بن عمرو بن همَّام بن رياح بن يربوع خرج في طلب إبل له، فلقيه ناس من بني عبس فقتلوه، فنذر عمه عصمة بن عمرو بن همام أن لا يطعم خمرًا ولا يغسل رأسه ولا يقرب امرأة حتى يقتل به من بني عبس. فمكثوا غير كثير ثم إن عروة بن الورد الصعاليك أغار ببني غالب من بني عبس على بني ربيعة بن مالك فاستاق إبلهم، فأتى الصريخ بني رياح فركبوا، فأدركوهم بذات الجرف. وفيهم الحكم بن مروان بن زنباع. فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فهزمت بنو عبس وأسر أسيد بن حنَّاءة السليطي الحكم بن زنباع. وأخذ شريحًا وجابرًا ابني وهب من بني عوف بن غالب فضرب أعناقهما، وأسر بنو حميريّ بن رياح زنباعًا وفروة ابني مروان على الطلاقة، وأسرفت يومئذ بنو رياح في القتل. واستنقذوا ما كانوا أصابوا لبني ربيعة. فقال في ذلك شميت بن زنباع الرياحيّ:
سائل بني عبس إذا ما لقيتهم ... على أي حي بالصريمة دلّت
قتلنا به صبرًا شريحًا وجابرًا ... وقد نهلت منه العوالي وعلت
جزينا بما آمت أسيدة حقبةً ... خويلة إذ آذنَّها فاستقلت
فأبلغ أبا حمران أن رماحنا ... قضت نذرها من غالب وتغلَّب
وما كان دهري أن فخرت بدولة ... من الدهر إلا حاجة النفس سلَّت
فدّى لرياح إذ تدارك ركبها ... ربيعة إذ كانت بها النعل زلت
فطرنا عجالا للصُّراخ ولا أرى ... لنا نعمًا من حيث نفزع شلَّت
وقال الحطيئة:
ما أدري إذا لاقيت عمرا ... أكلبي آل عمرو أم صحاح
لقد بلغوا الشفاء فأخبروني ... بقتلي من تفتِّلنا رياح
وقال عصمة بن عمرو بن همام:
الله قد أمكنني من عبس ... ساغ شرابي وشفيت نفسي
وكنت لا أقرب طهر عرسي ... ولا أشد بالوخاف رأسي
ولم أكن أشرب صفو الكأس
وقال جرير يذكر ذلك اليوم:
ويلكم يا قصبات الجوفان ... جيئوا بمثل قعنب والعلهان
والحنتفين عند شلِّ الأظعان ... أو كأبي حزرة سمّ الفرسان
أبو حزرة: عتيبة بن الحارث بن شهاب.
وما ابن حنَّاءة بالوغل الوان ... ولا ضعيف في لقاء الأقران
يوم تسدّى الحكم بن مروان
20 وأحمين الإياد وقلَّتيه ... وقد عرفت سنابكهنَّ أود
أود والإياد: من بلاد بني يربوع.
21 وسار الحوفزان وكان يسمو ... وأبجر لا ألف ولا بليد
22 فصبّحهم بأسفل ذي طلوح ... قوافل ما تذال وما ترود
تذال: تهان وتطرح. وترود: ترعى. يريد أنها مقرَّبة مكرمة. والألفّ: العيي. والقوافل: الضوامر.
23 يبارين الشبا وتزور ليلى ... جبيرًا وهي ناجية معود
الشبا: أراد الأسنة وذاك أن الرجل يضجع رمحه إذا ركض، فكأن الفرس يباريه: يطلبه. وليلى: أم غالب بنت حابس. والمعود: الكثير العدو، يقال: معد في الأرض: إذا ذهب فيها، وأنشد:
وخاربين خربا ومعدا
لا يحسبان الله إلا رقدا
24 فوارسي الذين لقوا بحيرا ... وذادوا الخيل يوم دعا يزيد
بحير بن عبد الله بن سلمة بن قشير: قتلته بنو يربوع يوم المروت، ويزيد بن عمرو ين الصعق آمنته بنو يربوع يوم ذي نجب.
25 تردَّينا المحامل قد علمتم ... بذي نجب وكسوتنا الحديد
أراد: محامل السيف: وهي محاملها وحمائلها.
26 فقرِّب للمراء مجاشعيًّا ... إذا ما فاش وانتفخ الوريد
يقول: إذا انتفخت أوداجه من كثرة كلامه. والفياش: الفخر بالباطل.
27 فما منعوا الثغور كما منعنا ... وما ذادوا الخميس كما نذود
28 أجيران الزبير غررتموه ... كأنكم الدّلادل والقهود
الدلادل: ضخام القنافذ واحدها دلدل. والقهود: صغار الغنم ودمامها، واحدها قهد.
29 فليس بصابر لكم وقيط ... كما صبرت لسوءتكم زرود
وقيط: ماء لبني مجاشع بأعلى بلاد بني تميم إلى بلاد بني عامر، وليس لبني مجاشع بالبادية إلا زرود ووقيط.
30 لقد أخزى الفرزدق رهط ليلى ... وتيما قد أقادهم مقيد
31 قرنت الظالمين بمرمريس ... تذلّ به العفارية المريد
المرمريس: الشديد ذو الممارسة والعلاج. والعفارية من الرجال: الشديد الشجاع مشتق من العفر والعتريف والعفريت والعفرني والعفارية واحد.
32 فلو كان الخلود لفضل قوم ... على قوم لكان لنا الخلود
33 خصيت مجاشعًا وجدعت تيما ... وعندي فاعلموا لهم مزيد
34 وقال الناس ضل ضلال تيم ... ألم يك فيهم رجل رشيد
35 تبين أين تكدح يابن تيم ... فقبلك أحرز الخطر المجيد
الكدح: العمل والكسب يكدح على عياله ويجرح ويقرف، يقال: فلان جارحة أهله، والجوارح من هذا. والمجيد: صاحب الفرس الجواد.
36 أترجو الصائدات بغاث تيم ... وما تحمي البغاث وما تصيد
البغاث: ذكر الرخم واحده وجمعه على لفظ واحد، ويقال: بغاث وبغثان.
37 لقيت لنا بوازي ضاريات ... وطيرك في مجاثمها لبود
38 أتيما تجعلون إلي ندًّا ... وما تيم لذي حسب نديد
وروى عمارة:
أبونا مالك وأبوك تيم ... فهل تيم لذي حسب نديد
النديد: الشبيه فلان ندُّ فلان: إذا كان شبيهًا به.
39 ولم تلدوا نوار ولم تلدكم ... مفدَّاة المباركة الولود
النوار: بنت جلّ بن عديّ بن عبد مناة بن أد، وهي التي دخل عليها زوجها مالك بن زيد مناة ليلة عرسه ونعلاه معلقتان في ساعده، فقالت: ضع نعليك يا مال. فقال: ساعدي أحرز لهما. فأتي بطيب فوضعه في استه، فقالوا: ما تصنع يا مالك؟ قال: إن استي أخبثي! فولدت نوار هذه شرف بني تميم كله. وكان مالك يحمَّق. ومفداة بنت ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة: وهي أم سعد ومالك ابني زيد مناة بن تميم.
أبو عبد الله. ولم يلدوا النوار.
40 أنا ابن الأكرمين تنجَّبتني ... قروم بين زيد مناة صيد
41 أرامي من رموا ويحول دوني ... مجنٌّ من صفاتهم صلود
المجنّ: الترس، والمجن ها هنا الحاجز والترس ...
42 أزيد مناة توعد يا بن تيم ... تبين أين تاه بك الوعيد
43 أتوعدنا وتمنع ما أردنا ... ونأخذ من ورائك ما نريد
44 ويقضى الأمر حين تغليب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود
45 فلا حسب فخرت به كريم ... ولا جد إذا ازدحم الجدود
46 لئام العالمين كرام تيم ... وسيدهم وإن زعموا مسود
47 وإنك لو لقيت عبيد تيم ... وتيمًا قلت أيُّهم العبيد
48 أرى ليلًا يخالفه نهار ... ولؤم التيم ما اخلتفا جديد
49 بخبث البذر ينبت حرث تيم ... فما طاب النبات ولا الحصيد
50 تمنى التيم أنَّ أباه سعد ... فلا سعد أبوه ولا سعيد
51 وما لكم الفوارس يا بن تيم ... ولا المستأذنون ولا الوفود
52 أهانك بالمدينة يا بن تيم ... أبو حفص وجدَّعك الوليد
أبو حفص: أراد عمر بن عبد العزيز وكان أخذ جريرًا وعمر بن لجأ بالمدينة، فأمره الوليد بأدبهما على الهجاء، فضرب عمر مئة وضرب جريرًا خمسين، وقرنهما وأقامهما على البلس واحدها بلاس وهي فارسية بوانسين - من شعر فيها حنطة - وجعل عمر بن لجأ - وكان طويلًا - يصعد بجرير وينزل به، وكان أشبّ من جرير، حتى أتعب جريرًا، فجاء رجل، فتغفَّل عمر فصب على إزارة ماء وطرح عليه ترابًا. فأشاعوا أن عمر سلح، فعيّر عمر جريرًا بضربه خمسين، وزعم أنه إنما هو عبد ضرب نصف الحد.
53 وإن الحاكمين لغير تيم ... وفينا العزُّ والحسب التليد
التليد: القديم، والطريف: الحديث.
54 وإن التيم فد خبثوا وقلُّوا ... فما طابوا وما كثر العديد
55 ثلاث عجائز لهم وكلب ... وأشياخ على ثلل قعود
الثلة: تراب البئر الذي يخرج منها وهي النثيلة والنبيئة.
56 أترجو أن تفاضل سعي قوم ... هم سبقوا أباك وهم قعود
57 فقد سلبت عصاك بنو تميم ... فما تدري بأي عصا تذود
ذياده على حسبه: دفعه، وإنما هذا مثل، وذلك أن الرجل إذا أقام يسقي إبله كان معه عصًا يذود بها بعضًا عن بعض.
58 إذا تيم ثوت بصعيد أرض ... بكى من خبث ريحهم الصعيد
59 فما تقري وتنزل يابن تيم ... وعادة لؤم قومك تستعيد
يريد أنه يتصف القوم ولا يقري ضيفًا.
60 شددت الوطء فوق رقاب تيم ... على مضض فقد ضرع الخدود
61 نهى التيمي عتبة والمثنَّيَّ ... وقالا: سوف تبهرك الصَّعود
عتبة والمثنى: رجلان كانا نهيا عمر عن هجاء جرير والصَّعود: العقبة الكؤود: الشديدة المصعد. وتبهره: تفدحه وتغلبه.
62 أتيمًا تجعلون إلى تميم ... بعيد فضل بينهما بعيد
53 كساك اللؤم لؤم أبيك تيم ... سرابيلا بنائقهن سود
البنائق: الدخاريص واحدها بنيقة.
64 قدرن عليهم وخلقن منهم ... فما يبلين ما بقى الجلود
65 ومقرفة اللهازم من عقال ... مورّثها جبير أو لبيد
جبير ولبيد، عبدان يعير بهما الفرزدق.
66 يرى الأعداء دوني من تميم ... هزبرًا لا تقاربه الأسود
67 لعمر أبيك ما سنحت لتيم ... أيا من يزدجرن ولا سعود
68 وضعت مواسمًا بأنوف تيم ... وقد جدّعت آنف من أريد
مواسم: من وسمته يقال: ميسم ومواسم كما قالوا ميثرة ومواثر
69 نقارعهم وتسأل بنت تيم ... أرخف زبد أيسر أم نهيد
يقول: نقارع الأعداء وبنات تيم مع بنات أيسر: وهو رجل من تيم كان كثير المال. والرَّخفة: الزبدة الرقيقة الفاسدة. والنهيد: الزبدة السليمة المجتمعة وهي الجامدة.
70 فذاك ولا ترمز قين ليلى ... على كير يثقَّب فيه عود
ترمزه: تحركه عن يمينه وشماله ويثقَّب: يلهَّب ويوقد.
71 كساك الحنطبيُّ كساء صوف ... ومرعزَّي فأنت به تفيد
الحنطبي: الحكم بن الحارث بن حنطب المخزومي، وكان على صدقات عمرو وحنظلة، وتفيد: تختال في مشيتك سرورًا بكسوتك وعجبًا.
72 وشدّاد كساك كساء لؤم ... فأما المخزيات فلا تبيد
73 إذا ما قرِّب الشهداء يومًا ... فما للتيم يومئذ شهيد
74 غشوا ناري فقلت هوان تيم ... تصلَّوها فقد حمى الوقود
75 وفدنا حين أغلق دون تيم ... شبا الأبواب وانقطع الوقود
يريد: حين خرج الأضبط بن قريع والنمر بن حمان فاستنقذوا التيم من اليمن وقد مر حديثه وشبا القفل: فراشته، وشباكل شيء: حده وطرفه.
76 وقدنا كلَّ أجرد أعوجيٍّ ... تعارضه عذافرة ورود
العذافرة: الشديدة. والورود: السريعة في عدوها. يريد ناقة جنب إليها الفرس ونسبه إلى أعوج: فرس لبني هلال.
77 كما يختبُّ معتدل مطاه ... إلى وشل بذي الرَّدهات سيد
يريد، كما يختبُّ سيد معتدل. ومطاه: ظهره. والردهة: الماء يستنقع في أعلى الجبل، ولا تكون ردهة إلا في جبل. والأوشال: جماعة وشل: وهو الماء يسيل قليلا قليلا. والسِّيد: الذئب.
















مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید