المنشورات

يا صاحبي هل الصباح منير ... أم هل للوم عواذلي تفتير

قال جرير يهجو سراقة بن مرداس بن أسماء بن خالد بن عوف بن عمرو ابن سعد بن ثعلبة بن بارق. وبارق: هو سعد بن عديّ بن حارثة بن امرئ القيس، سمي بارقًا لأنهم نزلوا جبلًا يسمى بارقًا، وكان بشر بن مروان- وهو والي العراق- ندب الشعراء ليتعرضوا لجرير، فأحجموا عنه، فهجاه سراقة، فقال في بعض هجائه:
إن الفرزدق برّزت حُلّابه ... عفوًا، وغودر في الغبار جرير
فبلغ ذلك جريرًا، فقال يرد عليه، وقدم على بشر فأنشده إياها، فأجازه، وخرج من عنده، فرأى فتى يسوي ثيابه في رحله حين ركب، فقال له: يا فتى من أنت؟ قال: بعض من أخزاه الله على يديك .. قال: إن المخزين عندي لكثير، فأيهم أنت؟ قال: أنا الذي تقول له:
أكسحت باستك للفخار وبارق ... شيخان: أعمى مُقعد وضرير
قال: أنت سراقة؟ قال نعم .. قال: لو علمتك كذا ظريفًا ما هجوتك.
قال يهجوه:
1 يا صاحبي هل الصباح منير ... أم هل للوم عواذلي تفتير
2 أنَّى تكلَّف بالغميم حاجة ... نهيا حمامة دونها وحفير
الغميم: ماء لبني سعد، وحمامة لهم أيضًا بالعرمة.
3 عادات قلبك حين خف به الهوى ... لولا تسكِّنه لكاد يطير
4 إن العواذل قد يجدن كوجدنا ... فلهنَّ منك تعبّد وزفير
التعبد: الغضب، يقال منه: عبد يعبد عبدًا. ويروى: لم يجدن.
5 ينهين من علق الهوى بفؤاده حتى استبين بسمعه توقير
توقير: صمم.
6 ليت الزمان لنا يعود بيسره ... إن اليسير بذا الزمان عسير
أراد: بهذا الزمان.
7 يا قلب هل لك في العزاء فإنه ... قد عيل صبرك والكريم صبور
8 ولقد عجبت من الوشاة كأنهم ... بالبغض نحوك والعداوة عور
9 صانعت فيك ذوي العداوة أن يُرى ... مني لما قد تكتمون ظهور
ويروى: تكتمين.
10 وكتمت سرك في الفؤاد مجمجمًا ... إن الكتوم لسره لجدير
11 فسقى ديارك حيث كنت مجلجل ... هزج يُرنَّ على الديار مطير
12 ولقد ذكرتك باليمامة ذكرة ... إن المحب لمن يحب ذكور
13 والعيس منعلة السريح من الوجا ... وكأنهن من الهواجر عور
14 يا بشر حق لوجهك التبشير ... هلّا غضبت لنا وأنت أمير
15 يا بشر إنك لم تزل في نعمة ... يأتيك من قبل الإله بشير
16 بشر أبو مروان إن عاسرته ... عسر وعند يساره ميسور
يقال: يا سرته مياسرة ويسارًا:
17 قد كان حقك أن تقول لبارق ... يا آل بارق فيم سب جرير
18 إن الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للئام نصور
19 لا يدخلنَّ عليك إن دخولهم ... رجس وإن خروجهم تطهير
20 أمسى سراقة قد عوى لشقائه ... خطبٌ وأمِّك يا سُراق يسير
21 أسراق قد علمت معد أنني ... قدمًا إذا كره الخياض جسور
22 أسراق إنك قد غشيت ببارق ... أمرًا مطالعة عليك وعور
المطالع: المصاعد. والوعور: الخشنة.
23 يا آل بارق لو تقدم ناصح ... للبارقي فإنه مغرور
24 كالسامريّ غداة ضلَّ بقومه ... والعجل يعكف حوله ويخور
25 إني بني لي من يزيد بناؤه ... طولًا وباعُك يا سراق قصير
26 لو كنت تعلم ما جهلت فوارسي ... أيام طخفة والدماء تمور
27 هلّا بذي نجب علمت بلاءنا ... أو يوم أصعد بالنساء بحير
28 أنصرت قين بني قفيرة محلبًا ... أسراق ليس لبارق التخيير
29 إن الفرزدق قد أصيب بسهمه ... فضغا وأسلم تغلب الخنزير
يريد الأخطل.
30 قد كان في كلب تخاف شذاته ... مني وما لقي الغواة نذير
31 أسراق إنك قد تركت مخلَّفًا ... وغبار عثيرها عليك يثور
العثير: التراب، والعثير: الأثر. أراد: عثير الحلبة، يقال: ما رأيت له أثرًا ولا عثيرًا، والعثير أيضًا.
32 وعلقت في مرس يمدُّ قرينه ... حتى التوى بك محصد مشزوز
المرس: الحبل. والمشزور: الذي فتل شزرًا وهو أشد ما يكون منه، والمحصد: المفتول، مشزوز: فُتل على الشمال: وهو أشد ما يكون من الفتل.
33 لحصاد بارق كان أهون ضيعة ... والمخلبان ودنُّك المنحور
المخلب: المنجل، والمنحور: المبزول.
34 من مخدر قطع الطريق بلعلع ... تهوى مخالبه معًا فيسور
يسور: يثب من السورة.
35 تؤتي الكرام مهورهن سياقة ... ونساء بارق ما لهن مهور
36 إن الملامة والمذمة فاعلموا ... قدرٌ لأول بارق مقدور
37 أكسحت باستك للفخار وبارقٌ ... شيخان: أعمى مقعد وفقير
يقول: هو رجلان: مُقعد وفقير لا عدد لهم. والأكسح: المقعد. يقول: جئت تحبو على استك بداء .. بما هو لأحد الشيخين وهو المقعد.
38 وإذا انتسبت إلى شنوءة تدَّعي ... قالوا: ادّعاء أبي سراقة زور
39 إني بني لي زاخر من خندف ... للملك فيه منابر وسرير
40 أسراق إنك لو تفاضل خندقًا ... بثقت عليك من الفرات بحور
41 أسراق إنك لا نزارًا نلتم ... والحيُّ من يمن عليك نصير
42 أسراق إن لنا العراق ونجده ... والغور ويل أبيك حين يغور
43 أرجا سراقة أن يفاضل خندقًا ... وأبو سراقة في الحصى مكثور










مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید