المنشورات

أمسى فؤادك ذا شجون مقصدا ... لو أنَّ قلبك يستطيع تجلُّدا

قال يمدح معاوية بن هشام بن عبد الله:
1 أمسى فؤادك ذا شجون مقصدا ... لو أنَّ قلبك يستطيع تجلُّدا
2 هاج الفؤاد بذي كريب دمنة ... أو بالأفاقة منزلٌ من مهددا
3 أفما يزال يهيج منك صبابةً ... نؤي يحالف خالدات ركَّدا
4 خبِّرت أهلك أصعدوا من ذي الصَّفا ... سقيًا لذلك من فريق أصعدا
عن يعقوب قال: قال أبو صخر: يكون الناس في مباديهم، فإذا يبس البقل ودخل الحر أخذوا إلى محاضرهم، فمن أمَّ القبلة فهو مصعد، ومن أمَّ العراق فهو منحدر. وقوله: "من ذي الصفا": أراد من جمد الصفا. سقيًا لذلك: أي سقاهم الله. من فريق: من جماعة. ويقال: قد صعد في الجبل وقد أصعد في البلاد. ويقال: مازلنا في صعود: وهو المكان الذي فيه ارتفاع. وقال عمارة: الإصعاد إلى نجد والحجاز واليمن، والانحدار إلى العراق والشام وعمان.
5 وعرفت بينهم فهاج صبابةً ... صوت الحمام إذا الهديل تغرَّدا
البين: الفراق، يقال: بان يبين بينًا وبينونة: إذا فارق. والهديل: ذكر الحمام، ويقال قد غرّد وتغرَّد: إذا طرَّب في غنائه وحدائه فهو متغرد ومغرّد وغرِّيد.
6 علقتها عرضًا ويلفى سرُّها ... منمى الأنوق ببيضها أو أبعدا
منماها: مصعدها. والأنوق: الرَّخمة. قوله: عرضًا: أي كانت عرضًا من الأعراض عرض لي. وقوله: منمى: أي مصعد: وهو مفعل من نمى ينمي. وقوله: الأنوق: قال عمارة: هي عندي العقاب والناس يقولون: الرخمة، وبيض الرخمة يوجد في الخرابات وفي السهل، وقال أبو عمرو: الأنوق طائر أسود له كالعرف.
7 تشجي خلاخلها خدال فعمة ... وترى السوار تزينه والمعضد
الساق الخدلة: الغليظة. تشجي الخلخال: تغصُّه وتملؤه، يقال: أشجاه يشجه إذا أغصَّه، وقد شجى يشجى شجًا: إذا غصَّ. وقوله: خدال فعمة: أي أعظم خدال: أي رواء من اللحم ممتلئة: يعني ساقيها. والفعمة: الممتلئة. والمعضد الدُّملج.
8 منع الزيارة والحديث إليكم ... غيران حرب دونكم فاستأسدا
حرب: أغضب والحرب: الغضبان وأنشد:
فحرَّبني مولاي حتى ركبته ... متى ما يحرِّبك ابن عمك تحرب
غيران: يعني قيِّمها. حرّب: أغضب، يقال: حربته فحرب حربًا إذا غضب. وقوله: استأسد: أي اشتد غضبه فكان كالأسد.
9 باعدن إن وصالهن خلابة ... ولقد جمعن مع البعاد تحقُّدا
خلابة: يخلبن، يقال: هي خلوب وخالبة. ورجل خالب وقوم
خلبة. يقول: كبرت فذهب عني حب اللهو وأصحابه.
10 أنكرن عهدك بعد ما يعرفنه ... وفقدن ذا القصب الغداف الأسودا
أراد: الشَّعر المقصَّب الرجَّجل. قوله: ذا القصب: أي شعرا مقصَّبًا.
وقوله: الغداف: أراد شعرًا كالغداف: وهو الغراب الضخم الأسود.
11 وإذا الشيوخ تعرَّضوا لموَّدة ... قلن التراب لكل شيخ أدردا
الأدرد: الذي ذهبت أسنانه.
12 تلقى الفتاة من الشيوخ بليَّة ... إن البلية كلُّ شيخ أرمدا
13 وتقول عاذلة رخيٌّ بالها ... ما بال نومك لا يزال مسهدا
يقال: إنه لرخيُّ البال: إذا كان قليل الهم مكفيًّا، والبال: الحال، وقوله: مسهَّد: لا ينام.
14 لو تعلمين علمت همًّا داخلا ... همًّا طوارقه منعن المرقدا
طوارقه: ما أتاه ليلا.
15 وكأنَّ ركبك والمهاري تغتلي ... هاجوا من الأدمى النعام الأبَّدا
ويروى الرُّبَّدا. والأبد: الوحشية. الركب: أصحاب الإبل خاصةً واحدهم راكب مثل صاحب وصحب. تغتلي: تبعد في سيرها، وأصله من الغلوة: وهي مدى رمية بسهم. والأدمي: من أرض بني سعد، ويقال: قد تأبَّد المنزل: إذا توحَّش. والأوابد الوحش، وأوابد الشِّعر: وحشيُّه.
16 والعيس تنتعل الظلال كأنها ... نبعت أخادعها الكحيل المعقدا
يريد أن الإبل تنتعل ظلال أخفافها وذلك في الهاجرة حين يصير ظل كل شيء تحته فلا يفضل عنه. والكحيل: القطران. والمعقد: المطبوخ، يقال: أعقدت الرُّبَّ والعصير والعسل وكل شيء طبخته حتى يثخن فقد أعقدته إعقادًا وهو معقد. وعقدت الحبل أعقده عقدًا فهو معقود.
والعيس: إبل يخلط بياضها بشيء من شقرة. وقوله: تنتعل الظلال: وذلك في وقت الهاجرة إذا صار ظل كل شيء تحته. قال العجاج:
وانتعل الظِّلَّ فصار جوربا
وقال أبو النجم:
والظل عن أخفافها لم يفضل
والأخدعان: عرقان في جانبي القفا، ويقال: إنه لشديد الأخدع: إذا كان شديد العنق. وقال الأصمعي: الكحيل: يخرج من عين كالنفط. وقال ابن الأعرابي: الكحيل القطران، ويقال: أعقدت العسل والدواء وغيرهما وعقدت الخيط والعهد. وروى: ينتعل الظلال كأنما ...
17 يعلون في صدر وورد باكر ... أمَّ الطريق إذا الطريق تبدَّدا
أمّ الطريق: الجادَّة العظمى التي تتشعّب منها الطرق. تبدّد: تفرق. ويروي أمّ الطريق: أي قصد الطريق.
18 تنفي حصى القذفات من عاديَّةٍ ... وترى مناحيه تشقُّ القرددا
يقول: إذا أصابت الحجارة التي تزجلها بقوائمها مكانًا من الأرض غليظًا أثَّرت فيه وهو انتحاء الحصى وهو أن يقع يمينًا وشمالا. ويروي: حصى القفرات. وقوله: عن عادية: أي عن عاديّ الطريق: وهو قديمه. ومناحيه: أي مناحي الطريق وهو حيث انتحى: أي اعتمد. والقردد: الأرض الصلبة الغليظة. ومنحاة السانية طريقها لأنه ينتحي فيه: أي يعتمد بالغرب.
19 ويلوح في قبل النجاد إذا انتحى ... نهجًا يضرُّ بكلِّ رعن أقودا
يقول: يلوح الطريق في قبل كل نجاد. وكلُّ طريق نجد. والنهج: الطريق، والرعَّن أنف الجبل. والأقود: الشامخ. يريد: أضر الطريق بالجبل وهو أن يمر عليه ويقطعه ويؤثر فيه. ويروى: يعلون في قبل النجاد. والقبل: ما قابلك، والنجد: ما ارتفع من الأرض، والجمع: أنجد ونجاد، والنجد: الطريق. انتحى: اعتمد. والنهج: الطريق الواضح. والرعن: أنف الجبل، فيقول: يمر هذا الطريق على أنوف الجبال فيقطعها. والأقود: الطويل.
20 يا بن الخليفة يا معاوي إنني ... أرجو فضولك فاتخذ عندي يدا
21 إنا لنأمل منك سيبًا عاجلا ... يا بن الخليفة ثم نرجوكم غدا
السيب: العطاء الجزيل.
22 آباؤك المتخيَّرون ذوو النُّهى ... يابن الخضارم يترعون المرفدا
الخضارم: الأجواد، يقال للبحر خضرم. ويترعون: يملؤون. والمرفد: الجفنة، وكل إناء أطعمت فيه أو سقيت فهو مرفد ورفد، والرَّفد المصدر، يقال: رفدت رفدًا، والرفد: العطية أيضًا ما كانت، والمِرفد والمَرفد في معنى الرفد بعينه. النُّهى جمع نهية، يقال: إنه لذو نُهية: إذا كان ينتهي إلى رأيه. والخضارم: السادة والأشراف، وكل غزير كثير خضرم يقال نبيذ خضرم وبئر خضرم وخضرمة: إذا كانت غزيرة الماء كثيرته. قال أبو عبيدة: الرِّفد: كل معونة بعطية ولسان والمصدر الرَّفد بالفتح.
23 وجدوا معاوية المبارك عزمه ... صلب القناة عن المحارم مذودا
مذود: أي يذود عنها: يدفع
24 لما توجه بالجنود وأدربوا ... لاقى الأيامن يتَّبعن الأسعدا
يقول: لما توجهت الجنود. الأيامن من اليمن والأشائم من الشؤم واحدها أيمن وأشأم. والأسعد جمع سعد.
25 تلقى العدوَّ على الثغور جياده ... أبدأن ثم ثنين فيها عوَّدا
يقال: بدأ وأبدأ وعاد وأعاد، ويقال: من أين أبدأت وأنشأت، بمعنى واحد.
26 لا زال ملككم وأنتم أهله ... والنصر ما خلد الجبال مخلدا
27 إن امرًا كبت العدوَّ ويبتني ... فينا المحامد حقُّه أن يحمدا
28 أخزى الذي سمك السماء عدوكم ... وروى بغيظكم الصدور الحسَّدا
الموريُّ: المريض الجويُّ الجوف: وهو الوريُّ، والورى: الجوى بعينه. ويقال: قد وراه الغيظ والحسد وريًا وأنشد الأصمعي:
قالت له وريًا إذا تنحنح وأنشدنا أبو عمرو:
هلمَّ إلى أمية إن فيها ... شفاء الواريات من الغليل
وأنشدنا:
وبغضها في الصدر قد ورَّاني
29 وإذا جررت إلى العدو كتائبًا ... رعبت مخافتك القلوب الصُّدَّدا
رعبت: أفزعت، يقال رعبته فهو مرعوب ورعبت الجفنة والحوض: إذا ملأتهما. قال: وأنشدني ابن الأعرابي.
بذي هيدبٍ أيما الرُّبا تحت ودقه ... فتروي وأيما كلُّ واد فيرعب
أي يملأ.
30 أما العدوّ فقد أبحت ديارهم ... وتركت أمنع كل حصن مبلدا
المبلد: المستوي بالأرض اللاصق بها.
31 فتح الإله على يديك برغمهم ... وملأت أرضهم حريقًا موقدا
وروى يعقوب: قبح العدو على يديك. الأصمعي: الرغم: ما أصاب الأنف من أمر يذلُّه، يقال: قد زعم أنفه يرغم. وقال غير الأصمعي. أرغم الله أنفه: أي ترَّبه الله، والرَّغام: التراب يخلطه شيء من رمل، ويقال هو في وضع لا يرغم عيشه: أي لا يرى فيها شيئًا يكرهه.
32 ولقد أبحت من العقاب منازلا ... ترجو بذلك أن تنال الفرقدا
العقاب: قلعة ظفر بها في الروم ففتحها، قال: كذا أنشدنا عمارة. ورواها ابن الأعرابي: يرجو المكدّر أن ينال الفرقدا
والعقاب: قرية كان ظفر بها ضخمة شامخة فهدمها. والمكدَّر: بطريقها.
33 ولقد جمعت حمايةً وتكرما ... من غار يعلمه ومن قد أنجدا
غار: أتى الغور. قال عمارة: ما سال من الحرَّة حرة سليم وحرة ليلى فهو الغور حتى يقطعه البحر، وأنجد: أتى نجدًا. قال عمارة: وما سال من ذات عرق مقبلًا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق.
34 لمَّا رأتك على العقاب ملوكهم ... ألقوا سلاحهم وخرُّوا سجّدا
قال أبو عمرو: يقال سجد الرجل: إذا وضع جبهته بالأرض وقد أسجد: إذا طأطأ رأسه وانحنى. وقال حميد:
فضول أزمّتها أسجدت ... سجود النصارى لأربابها
وأنشد في صفة بعير ظعينة:
وقلن له أسجد لليلى فأسجدا
أي طامن رأسك لتضع المرأة رجلها عليه ثم ترقى إلى هودها. والإسجاد أيضًا فتور الطرف، قال كثِّير:
أغرك منا أنَّ دلَّك عندنا ... وإسجاد عينيك القتولين رابح
35 عادات خيلك أن يبتن عوابسًا ... بالدَّارعين ولا تراها روَّدا
الرَّوَّد: التي ترعى معطلَّة لا تغزو. عوابس: كالحة، أي أنها معاودة للحرب ولا تراها روّدًا: أي هي مقربة لا تترك. ترود: تذهب وتجيء.
36 ما إن نزلت بمشركين بربهم ... إلاَّ تركت عظيمهم مستبعدا
يعقوب: يقال قد استبعده وعبَّده: إذا اتخذه عبدًا، قال رؤبة:
يرضون بالتعبيد والتأمِّي
قال: وحكى لنا الفراء: يقال عبد بيِّن العبودة والعبودية.
37 كان ابن سيسن طاغيا فرددته ... رخو الأخادع في الكبول مقيَّدا
أراد: رددته ذليلًا خاضعًا. ابن سيسن: بطريق كان صاحب هذه القلعة. وقوله: رخو الأخادع: أي خاضع. والكبول: القيود، واحدها كبل، يقال: مكبَّل ومكلَّب.
38 أبلى معاوية البلاد ولم يزل ... ميمون منقبة نراه مسدَّدا
المنقبة والنَّقيبة واحد والبلاء: الفعل الجميل والمنقبة: القعلة الجميلة، ويقال: فيه مناقب كثيرة: أي خصال الخير. مسدَّد: موفَّق.













مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید