المنشورات

شعفت بعهد ذكَّرته المنازل ... وكدت تناسي الحلم والشيب شامل

قال جرير يمدح الحجاج بن يوسف:
1 شعفت بعهد ذكَّرته المنازل ... وكدت تناسي الحلم والشيب شامل
وروى أبو عبد الله: وكيف تناسى. يقول: ذكرتك المنازل ما كنت تعهد بها. ويقال: كدت وكدت، ومثلها دِمت ودُمت ومِتَّ ومُتَّ. شامل شمل الرأس: عمّه، يقال شملهم الأمر يشملهم: إذا عمَّهم وشملهم يشملهم لغة.
3 لعمرك لا أنسى ليالي منعج ... ولا عاقلًا إذ منزل الحي عاقل
منعج: واد يأخذ بين حفر أبي موسى والنباج وهو يدفع في بطن فلج وعاقل: وادٍ من دون بطن الرُّمة: وهو يناوح منعجًا من قدَّامه وعن يمينه ومعنى يناوح: يحاذي.
3 وما في مباحات الحديث لنا هوى ... ولكن هوانا المنفسات العقائل
يقول في من يبيح ذاك لنا. والعقائل: الكرام.
يعقوب: وروى بعضهم: مناجاة الحديث وهو تصحيف. يقول: من كان يبذل حديثه وأنسه لكل أحد. فليس لنا فيه أنس، والمنفسات: النفيسات، يقول ما يسرني به منفس وما يسرني به منفوس فيه. والعقائل: الخيار، عقيلة كل شيء: خيرته والذكر عقيل.
4 ألا حبذا أيام يحتل أهلنا ... بذات الغضى والحي في الدار آهل
يريد: إذا الحي في الدار. والآهل: العامر، وهذا مقلوب، وإنما أراد: إذا الدار آهلة بالحي فقلب.
ع: آهل: مجتمعون، منزل مأهول: أي منزول، ويقال: آهلك الله في الجنة: أي زوَّجك، ويقال: هي آهل بالحي: أي ملازم لهم كثير الغشيان لهم، ويقال: أهل وأهلون وأهلة وأهلات، قال المخبَّل:
فهل أهلاتٌ حول قيس بن عاصم ... إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا
وأنشد الفرّاء:
وأهلة ود قد تبرَّيت ودَّهم ... وأبليتهم في الجهد حمدي ونائلي
5 وإذ نحن ألاَّف لدى كل منزل ... ولمَّا تفرَّق للطِّيات الجمائل
الطَّية والنية واحدة: وهي وجهة القوم التي قصدوا لها. ألاف: مؤتلفون، يقال: إلف وآلاف وآلف وألاف، ويقال: انطلق لطيتك ولطيّّتك بالتثقيل والتخفيف، وكذا انطلق لنيتك ولنيّتك. ويقال: جمل وأجمال وجمال وجمالة وجمالات وجمائل للذكور خاصة. والجمّالة أصحاب الجمال.
6 وإذ نحن لم يولع بنا الناس كلهم ... وما ترتجي صرم الخليط العواذل
يقال: وقد أولعت به وأوزعت به، والمصدر: الإيلاع والإيزاع، والاسم الولوع والوزوع. وقوله: وما ترتجي: أي وما ترجو. والصُّرم: القطيعة.
7 خليليَّ مهلًا لا تلوما فإنه ... عذابٌ إذا لام الصديق المواصل
إذا قيل للرجل مهلا، قال: لا مهل والله. يقال: ما مهل بواعظتك.
8 عجبت لهذا الزائر الركب موهنًا ... ومن دونه بيد الملا والمناهل
الركب: أصحاب الإبل، والأركوب: أكثر من الركب. موهنًا: بعد ساعة من الليل. والبيد: جمع بيداء: وهي الأرض المستوية الصبة. والملا: المتسع من الأرض، ويقال: قد أملى للبعير في قيده: إذا أوسع له فيه.
9 أقام قليلا ثم باح بحاجة ... إلينا، ودمع العين بالماء واشل
واشل: قاطر، وشل يشل وشولا ووشلانًا، والوشل: صدع في الصفا يقطر منه الماء، ويقال إنه لواشل الحظ: أي خسيس الحظ.
10 وأنَّي اهتدى للركب في مدلهمّة ... تواعس بالركبان فيها الرواحل
المدلهمة: المظلمة. والمواعسة: مداومة السير. وكذلك المعادسة، وأنشد لرجل من بني برثن خال حماس بن ثامل:
برئت إلى السلطان من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل
فيا ليت شعري عن حماس إذا التقى ... عليه من السلطان ألب القبائل
فظني به بين السِّماطين أنه ... سينجو بحق أو سينجو بباطل
وإلا فإن الظبي مما يصيبه ... إذا عادس الظلماء بعض الحبائل
ع: مدلهمة: فلاة شديدة الظلمة. تواعس: تديم السُّرى. وروي: وأنَّى اهتدت.
11 أناخوا قليلًا ثم هاجوا قلائصًا ... كما هيج خيط مغرب الشمس جافل
الخِيط والخيط واحد: وهو القطعة من النعام: هاجوا: أي هيجوا من مباركها للرحيل. والقلائص: الفتَّيات من الإبل. وجافل: ذاهب مسرع.
12 وأيَّ مزار زرت حرف شملة ... وطاوى الحشا مستأنس القفر راحل
جعل المزار هاهنا هو الحرف، ولم يوقع عليه فعلا.
ع: جمع شملة: كأنه قال: هي حرف شملَّة وأنا طاوي الحشا. والخرف: الضامر، والشِّملَّلة والشِّملال: الخفيفة. طاوى الحشا: ضامر البطن. ومستأنس القفر: أي يستأنس فيه. ناحل: ضامر، يقال: قد نحل ينحل نحولًا، وأنحله المرض والسفر.
13 ولولا أمير المؤمنين فإنه ... إمام وعدل للبرية فاضل
14 وبسط يد الحجاج بالسيف لم يكن ... سبيل جهاد واستبيح الحلائل
15 إذا خاف درءًا من عدّو رمى به ... شديد القوى والنزع في القوس نابل
النابل: الحاذق.
16 خليفة عدل ثبت الله ملكه ... على راسيات لم تزلها الزلازل
17 دعوا الجبن يا أهل العراق فإنما ... يُباع ويُشترى سبى من لا يقاتل
يشري: يباع.
18 لقد جرَّد الحجاج بالحق سيفه ... لكم فاستقيموا لا يملينَّ مائل
19 فما يستوي داعي الضلالة والهدى ... ولا حجَّة الخصمين حق وباطل
20 وأصبح كالبازي يقلِّب طرفه ... على مربأ والطير منه دواخل
ع: يقال: بازٍ وبازيان وبزاة وبازٌ وبازان وبيزان. والمربأ: الموضع المرتفع وقوله: والطير منه دواخل: أي منجحرة في أوكارها من خوفه.
21 وخافوك حتى القوم تنزو قلوبهم ... نزاء القطا ضمت عليه الحبائل
تنزو قلوبهم: أي ترتفع من الخوف والحبائل: جمع حبالة.
22 وما زلت حتى أسهلت من مخافة ... إليك اللواتي في الشُّعوف العواقل
الشّعوف: أعلى الجبال، واحدها شعفة. والعواقل: المتحرِّزات.
23 وثنتان في الحجاج لا ترك ظالم ... سويًّا ولا عند المراشاة نائل
أي لا ينال الرُّشا.
24 ومن غلَّ مال الله غلَّت يمينه ... إذا قيل أدوا لا يغلَّنَّ عامل
25 وما نفع المستعملين غلولهم ... وما نفعت أهل العصاة الجعائل
الجعائل: الرُّشا.
26 قدمت على أهل العراق ومنهم ... مخالف دين المسلمين وخاذل
27 فكنت لمن لا يبرئ الدين قلبه ... شفاءً وخفَّ المدهن المتثاقل
28 وأصبحت ترضى كلَّ حكم حكمته ... نزار وتعطي ما سألت المقاول
29 صبحت عمان الخيل رهوًا كأنها ... قطًا هاج من فوق السماوة ناهل
رهوًا: متتابعة. وفوق السماوة: أعلاها. والسماوة: أرض لكلب. والناهل: العطشان. والمنهل: المعطش، والناهل أيضًا: الذي شرب أول شربة، والنَّهل: الشربة الأولى والثانية العلل.
30 يناهبن غيطان الرَّقاق وترتدي ... نقالا إذا ما استعرضتها الراول
الارتداء والرَّديان والرَّدى واحد: وهو السرعة. والجراول: كثرة الحجارة. والنِّقال: العدو.
ع: روى: ويرتقي نقالا. قوله: يناهبن: أي كأنها تنتهب الأرض من سرعتها، والغيطان: جمع غائط: وهو البطن من الأرض المتسع. والرَّقاق: مستوى من الأرض صلب لم يكن يبلغ أن يكون صخرًا. نقالا: يناقل بعضها بعضًا العدو، والفرس يناقل في الجري، والرجل يناقل خصمه الكلام. وقال الأصمعي: النِّقال والمناقلة: أن ينقل قوائمه في الحجارة ويتخلّل بها، وأنشد:
من كل مشترف وإن بعد المدى ... ضرم الرَّقاق مناقل الأجرال
والجراول: الحجارة واحدها جرول، ويقال: أرض جولة: إذا كانت كثيرة الجراول. وترتدي: من الرديان. قال الأصمعي: قلت لمنتجع بن نبهان: ما الرديان؟ فقال: عدو الحمار بين آريه ومتمعّكه.
31 سلكت لأهل البرَّ برًّا فنلتهم ... وفي اليمِّ يأتمُّ السفين الجوافل
ع: الميمّ: البحر. يأتم: يقصد. والسفين: جمع سفينة. والحوافل: المسرعات.
32 ترى كلَّ مرزاب يضمَّن بهوها ... ثمانين ألفًا رايلتها المنازل
المرزاب: السفينة الضخمة، قال أبو النجم:
ترى المرازيب موشَّحات ... بالودع شتى ومقرَّنات
ع: بهوها: وسطها وسعتها. زايلتها: فارقتها. قال ابن الأعرابي: بهوها في هذا الموضع في معنى جميع وإلا فالسفينة الواحدة لا تحمل ثمانين ألفًا.
33 جفول ترى المسمار فيها كأنه ... إذا اهتز جذع من سميحة ذابل
المسمار: الدَّقل. وسميحة: بئر بالمدينة، وكان أهل عمان قتلوا القاسم ابن سعر السعدي وصلبوه، فبعث إليهم مجاعة بن سعر. فأتاهم وأخوه مصلوب، فأراد أصحابه أن ينزلوه، فمنعهم ذاك، وعاث فيهم يقتل ويسي، وكان كلما نظر إلى أخيه هاجوحمى، وكان صديقًا للمهلب، فلما فعل ما فعل كتب إلى المهلب.
ألا أبلغ لديك أبا سعيد ... فما بيني وبينكم عتاب
ولا قربى ولا ترعوا علينا ... ولا نسب يعدُّ فلا تحابوا
تركت الأزد خاوية قراها ... تعلوي في مساكنها الكلاب
والجفول: السريعة.
24 إذا اعترك الكلاَّء والماء لم تقد ... بأمراسها حتى تثوب القنابل
الكَّلاء: مجتمعها، والتكلئة: التقدم إلى المكان والوقوف به، يقال: كلَّأت إلى فلان: أي تقدمت إليه في الأمر. والتكلئة: السِّلم في الطعام وغيره، والاسم منه الكُلاة. والأمراس: الحبال. والقنابل: الجماعات. يريد أنها لا تضبط إلا بأعوان كثيرة.
ع: الاعتراك: الازدحام. وكلاء: مجتمع السفن، ومن هذا سمي كلَّاء البصرة كلَّاء لاجتماع سفنه.
35 تخال جبال الثلج لما ترفعت ... أجلَّتها والكيد فيهن كامل
أجلتها: شرعها واحدها جلّ. والكيد: السلاح.
ع: قوله جبال الثلج: أي تحسب من ضخمها جبال الثلج. والأجلَّة: الشرع وهي القلوع واحدها قلع والكيد: السلاح والعُدّة.
36 تشق حباب الماء عن واساقته ... وتفرس حوت البحر منها الكلاكل
ع: حباب الماء: طرائقه. وواسقاته: تتابع أمواجه واطرادها، قال الأصمعي: أصل الفرس: دق العنق، ثم صيِّر كل قتل فرسًا. والكلاكل: الصدور.
37 لقد جرد الحجاج في الدين واجتبى ... جبا لم تغله في الحياض الغوائل
اجتبى: جمع. والجبا: ما جمع من الماء في الحوض، يقال: جبوت وجبيت. تغله تذهب بمائه، والغوائل: شقوق في الحوض وخروق: والجبا: بالفتح ما حول البئر، قال الراجز:
ألا ترى ما بجبا القليب ... من بكرات حلِّئت ونيب
وقال الأخطل:
وأخوهم السفاح ظمَّأ خيله ... حتى وردن جبا الكلاب نهالا
38 ما نام إذ بات الحواصن ولَّها ... وهن سبايا للصدور بلابل
ع: الحواصن: العفائف، يقال: امرأة حاصن وحصان: بيِّنة الحصن والحصانة. ولَّها: قد ذهبت عقولهن من شدة الوجد. وقوله: للصدور بلابل أراد لصدورهن. وهذا خبر السند:
كان الكرك سبوا نسوة من نساء المسلمين، فصاحت امرأة منهن: يا حجّا جاه! ! فبلغه ذلك، فوجّه إلى داهر ملك الدَّيبل يقسم: لئن لم يرد هؤلاء النسوة بأعيانهم ليغزونَّه. فبعث إلهي داهر السُّمن وهم السُّمينة: وهم عبَّادك وهم قوَّام البدِّ يعتذر ويحلف أن هؤلاء ليس من عمله ولا يعرفهم. فكتب في هذا إلى عبد الملك يستأذنه في غزو الهند فأبى، وقال له: الشقة بعيدة ولا أطوِّح بالمسلمين.
فلما قام الوليد، استأذنه في غزو الهند، فأذن له، فوجه محمد بن القاسم بن أبي عقيل ابن عمه، فقتل داهرًا ودرهور، وفتح المولتان من بلاد الهند فلما صار إلى المولتان مات الوليد وقام سليمان بن عبد الملك بعده، فبعث إلى محمد فضربه بالسياط وألبسه المسوح المعداوة التي كانت بين سليمان والحجاج، وكان أنفق في الغزوة خمسين ألف ألف ففتح السند، واسترجع النفقة وزيادة خمسين ألف ألف. والهند فتح الوليد بن عبد الملك.
39 أطيعوا فلا الحجاج مبقٍ عليكم ... ولا جبرئيل ذو الجناحين غافل
40 ألا ربَّ جبار حملت على العصا ... وباب استه عن منبر الملك زائل
ويروى: ألا رب كذَّاب. وقوله: جعلت على العصا: أي صلبته.
41 تمنَّى شبيب منيةً سفلت به ... وذو قطريِّ لفَّه منك وابل
ويروى: فتنة سفلت به. وذو: صلة، أراد: وقطريّ لفَّه.
ع: يعني شبيب بن يزيد الخارجي أحد بني مرة بن همام بن ذهل بن شيبان، وكان خرج على الحجاج فقتل له قوادًا وكسر له عساكر. وقوله: وذو قطري: يعني قطريَّ بن الفجاءة أحد بن مازن بن عمرو بن تميم وهو صاحب الأزارقة، وذو قطري أراد وقطريُّ، وقال عوف بن الأحوص:
إذا ما كنت مثل ذوي عويف ... ودينار فقام عليَّ ناع
أراد: إذا ما كنت مثل عويف ودينار.
42 تقول فلا تلفي لقولك نبوةٌ ... وتفعل ما أنبأت أنك فاعل













مصادر و المراجع :      

١- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب

المحقق: د. نعمان محمد أمين طه

الناشر: دار المعارف، القاهرة - مصر

الطبعة: الثالثة

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید