المنشورات

الصفاتية

اعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون الله تعالى صفاته أزلية من العلم، والقدرة، والحياة، والإراد والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزة، والعظمة، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين، والوجه ولا يؤولون ذلك إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسميها صفات خبرية. ولما كانت المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون، سمي السلف صفاتية والمعتزلة معطلة.
فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها وما ورد به الخبر؛ فافترقوا فرقتين:
فمنهم من أوله على وجه يحتمل اللفظ ذلك.
ومنهم من توقف في التأويل، وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبه شيء منها، وقطعنا بذلك؛ إلا أن لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه، مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 ومثل قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 2 ومثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} 3 إلى غير ذلك. ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له، وليس كمثله شيء، وذلك قد أثبتناه يقينا.
 ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف؛ فقالوا لابد من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف. ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود، لا في كلهم بل في القرائين منهم، إذ وجدوا في التوراة ألفاظا كثيرة تدل على ذلك.
ثم الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير، أما الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى وتقدس، وأما التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق. ولما ظهرت المعتزلة والمتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلو والتقصير، ووقعت في الاعتزال وتخطت جماعة من السلف إلى التفسير الظاهر فوقعت في التشبيه.
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل، ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم: مالك بن أنس رضي الله عنهما؛ إذ قال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله، وسفيان الثوري، وداود بن علي الأصفهاني، ومن تابعهم.
حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسائل من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية. ولما كانت المشبهة والكرامية من مثبتي الصفات عددناهم فرقتين من جملة الصفاتية.











مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید