المنشورات

الإمامية:

هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي عليه السلام؛ نصا ظاهرا، وتعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين، قالوا: وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام، حتى تكون مفارقته الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة، فإنه إنما بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق، فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملا يرى كل واحد منهم رأيا، ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه في ذلك غيره، بل يجب أن يعين شخصا هو المرجوع إليه، وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه، وقد عين عليا رضي الله عنه في مواضع تعريضا، وفي مواضع تصريحا.
أما تعريضاته فمثل أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس في المشهد، وبعث بعده عليا ليكون هو القارئ عليهم، والمبلغ عنه إليهم، وقال: نزل علي جبريل عليه السلام فقال: يبلغه رجل منك، أو قال من قومك، وهو يدل على تقديمه عليا عليه. ومثل أن كان يؤمر علي أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة في البعوث، وقد أمر عليهما عمرو بن العاص في بعث، وأسامة بن زيد في بعث، وما أمر على علي أحدا قط.
وأما تصريحاته فمثل ما جرى في نأنأة الإسلام1 حين قال: من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعته جماعة، ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصي وولي هذا الأمر من بعدي؟ فلم يبايعه أحد حتى مد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك؛ حتى كانت قريش تعير أبا طالب أنه أمر عليك ابنك. ومثل ما جرى في كمال الإسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 2 فلما وصل غدير خم أمر بالدوحات فقممن3، ونادوا: الصلاة جامعة، ثم قال عليه السلام وهو على الرحال: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا هل بلغت؟ ثلاثا" فادعت الإمامية أن هذا نص صريح.
فإنا ننظر من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولى له؟ وبأي معنى؟ فنطرد ذلك في حق علي رضي الله عنه، وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه، حتى قال عمر حين استقبل عليا: طوبى لك يا علي! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
قالوا: وقول النبي عليه السلام: "أقضاكم علي" نص في الإمامة، فإن الإمامة لا معنى لها إلا أن يكون أقضى القضاة في كل حادثة، والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة؛ وهو معنى قول الله سبحانه وتعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} 1 قالوا: فأولوا الأمر، من إليه القضاء والحكم، حتى وفي مسألة الخلافة لما تخاصمت المهاجرون والأنصار، كان القاضي في ذلك هو أمير المؤمنين على دون غيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما حكم لكل واحد من الصحابة بأخص وصف له فقال: "أفرضكم زيد، وأقرؤكم أبي، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ"، كذلك حكم لعلي بأخص وصف له، وهو قوله "أقضاكم علي" والقضاء يستدعي كل علم، وليس كل علم يستدعي القضاء.
ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الواقعية في كبار الصحابة طعنا وتكفيرا وأقله ظلما وعدوانا، وقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عن جملتهم، قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 2 وكانوا إذ ذاك ألفا وأربعمائة، وقال الله ثناء على المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 3 وقال: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} 4 وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} 5 وفي ذلك دليل على عظمة قدرهم عند الله تعالى، وكرامتهم ودرجتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فليت شعري: كيف يستجيز ذو دين الطعن فيهم، ونسبة الكفر إليهم! وقد قال النبي عليه السلام: "عشرة من أصحابي في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح" إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في حق كل واحد.
منهم على الانفراد، وإن نقلت هنات من بعضهم، فليتدبر النقل، فإن أكاذيب الروافض كثيرة، وأحداث المحدثين كثيرة.
ثم إن الإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد: الحسن، والحسين، وعلي بن الحسين رضي الله عنهم على رأي واحد، بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها، حتى قال بعضهم: إن نيفا وسبعين فرق من الفرق المذكورة في الخبر هو في الشيعة خاصة، ومن عداهم فهم خارجون عن الأمة. وهم متفقون في الإمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده، إذ كانت له خمسة أولاد، وقيل ستة: محمد، وإسحاق، وعبد الله، وموسى، وإسماعيل. وعلى. ومن ادعى منهم النص والتعيين: محمد، وعبد الله، وموسى، وإسماعيل. ثم منهم من مات ولم يعقب، ومنهم من مات وأعقب، ومنهم من قال بالتوقف، والانتظار، والرجعة، ومنهم من قال بالسوق والتعدية كما سيأتي ذكر اختلافاتهم عند ذكر طائفة طائفة.
وكانوا في الأول على مذهب أئمتهم في الأصول، ثم لما اختلفت الروايات عن أئمتهم، وتمادى الزمان: اختارت كل فرقة منهم طريقة، فصارت الإمامية بعضها معتزلة: إما وعيدية، وإما تفضيلية، وبعضها إخبارية: إما مشبهة وإما سلفية، ومن ضل الطريق وتاه لم يبال الله به في أي واد هلك.
"أ" الباقرية، والجعفرية الواقفة:
أتباع: محمد1 بن الباقر بن علي زين العابدين، وابنه جعفر2 الصادق، قالوا بإمامتهما وإمامة والدهما زين العابدين، إلا أن منهم من توقف على واحد منهما، وما ساق الإمامة إلى أولادهما، ومنهم من ساق. وإنما ميزنا هذه الفرقة دون الأصناف المتشيعة التي نذكرها، لأن من الشيعة من توقف على الباقر وقال برجعته، كما توقف القائلون بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات.
وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشعية المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثم دخل العراق وأقام بها مدة. ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحدا في الخلافة قط. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط. وقيل: من أنس بالله توحش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس.
وهو من جانب الأب ينتسب إلى شجرة النبوية، ومن جانب الأم ينتسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقد تبرأ عما كان ينسب إليه بعض الغلاة وبرئ منهم، ولعنهم وبرئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول والتشبيه. لكن الشيعة بعده افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهبا، وأراد أن يروجه على أصحابه فنسبه إليه وربطه به، والسيد برئ من ذلك ومن الاعتزال؛ والقدر أيضا.
هذا قوله في الإرادة "إن الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا. فما أراده بناطواه عنا، وما أراده منا أظهره لنا. فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا؟ ".
وهذا قوله في القدر: هو أمر بين أمرين: لا جبر ولا تفويض.
وكان يقول في الدعاء: اللهم لك الحمد إن أطعتك، ولك الحجة إن عصيتك. لا صنع لي ولا لغيري في إحسان ولا حجة لي ولا لغيري في إساءة.
فنذكر الأصناف الذين اختلفوا فيه ونعدهم، لا على أنهم من تفاصيل أشياعه، بل على أنهم منتسبون إلى أصل شجرته، وفروع أولاده؛ ليعلم ذلك.
"ب" الناووسية:
أتباع رجل يقال له: ناووس، وقيل نسبوا إلى قرية ناوسا. قالت إن الصادق حي بعد، ولن يموت حتى يظهر فيظهر أمره. وهو القائم المهدي. ورووا عنه أنه قال: لو رأيتهم رأسي يدهده1 عليكم من الجبل فلا تصدقوا، فإني صاحبكم صاحب السيف.
وحكى أبو حامد الزوزني أن الناووسية زعمت أن عليا باق وستنشق الأرض عنه يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا.
"جـ" الأفطحية:
قالوا: بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبد الله الأفطح، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأمه، وأمهما فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي، وكان أسن أولاد الصادق.
زعموا أنه قال: الإمامة في أكبر أولاد الإمام. وقال: الإمام من يجلس مجلسي. وهو الذي جلس مجلسه، والإمام لا يغسله ولا يصلي عليه ولا يأخذ خاتمه ولا يواريه إلا الإمام. وهو الذي تولى ذلك كله. ودفع الصادق وديعة إلى بعض أصحابه وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها منه وأن يتخذه إماما. وما طلبها منه أحد إلا عبد الله ومع ذلك ما عاش بد أبيه إلا سبعين يوما ومات ولم يعقب ولدا ذكرا.
"د" الشميطية:
أتباع يحيى بن أبي شميط. قالوا إن جعفرا قال: إن صاحبكم اسمه اسم نبيكم، وقد قال له والده رضوان الله عليهما: إن ولد لك ولد فسميته باسمي فهو الإمام، فالإمام بعده ابنه محمد.
"هـ" الإسماعيلية الواقفة:
قالوا إن الإمام بعد جعفر إسماعيل نصا عليه باتفاق من أولاده، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه. فمنهم من قال لم يمت، إلا أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس، وأنه عقد محضرا وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة.
ومنهم من قال موته صحيح، والنص لا يرجع قهقري، والفائدة في النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم. فالإمام بعد إسماعيل: محمد بن إسماعيل؛ وهؤلاء يقال لهم المباركية. ثم منهم من وقف على محمد بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته.
ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم، وهم الباطنية. وسنذكر مذاهبهم على الانفراد. وإنما مذهب هذه الفرقة الوقف على إسماعيل بن جعفر، أو محمد بن إسماعيل. والإسماعيلية المشهورة في الفرق منهم هم الباطنية التعليمية الذين لهم مقالة مفردة.
"و" الموسوية، والمفضلية:
فرقة واحدة قالت بإمامة موسى1 بن جعفر نصا عليه بالاسم، حيث قال الصادق رضي الله عنه: سابعكم قائمكم، وقيل صاحبكم قائمكم، ألا وهو سمي صاحب التوراة.
ولما رأت الشيعة أن أولاد الصادق على تفرق، فمن ميت في حال حياة أبيه ولم يعقب، ومن مختلف في موته، ومن قائم بعد موته مدة يسيرة، ومن ميت غير معقب، وكان موسى هو الذي تولى الأمر وقام به بعد موت أبيه، رجعوا إليه واجتمعوا عليه مثل المفضل بن عمر، وزرارة بن أعين، وعمار الساباطي.
وروت الموسوية عن الصادق رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه: عد الأيام فعدها من الأحد حتى بلغ السبت، فقال له: كم عددت؟ فقال: سبعة، فقال: جعفر سبت السبوت، وشمس الدهور، ونور الشهور. من لا يلهو ولا يلعب، وهو سابعكم قائمكم هذا، وأشار إلى ولده موسى الكاظم. وقال فيه أيضا: إنه شبيه بعيسى عليه السلام.
ثم إن موسى لما خرج وأظهر الإمامة حمله هارون الرشيد من المدينة فحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك. وقيل إن يحيى بن خالد بن برمك سمه في رطب فقتله وهو في الحبس، ثم أخرج ودفن في مقابر قريش ببغداد. واختلفت الشيعة بعده.
فمنهم من توقف في موته وقال: لا ندري أمات أم لم يمت! ويقال لهم الممطورة؛ سماهم بذلك علي بن إسماعيل، فقال: ما أنتم إلا كلاب ممطورة. ومنهم من قطع بموته ويقال لهم القطعية. ومنهم من توقف عليه، وقال إنه لم يمت، وسيخرج بعد الغيبة، ويقال لهم الواقفة.
"ز" الاثنا عشرية:
إن الذين قطعوا بموت موسى الكاظم بن جعفر الصادق وسموا قطعية، ساقوا الإمامة بعده في أولاده، فقالوا: الإمام بعد موسى الكاظم: ولده علي الرضا، ومشهده بطوس. ثم بعده: محمد التقي الجواد أيضا، وهو في مقابر قريش ببغداد. ثم بعده: علي بن محمد النقي؛ ومشهده بقم. وبعده: الحسن العسكري الزكي. وبعده: ابنه محمد القائم المنتظر الذي هو بسر من رأى، وهو الثاني عشر. هذا هو طريق الاثنا عشرية في زماننا.
إلا أن الاختلافات التي وقعت في حال كل واحد من هؤلاء الاثنا عشر، والمنازعات التي جرت بينهم وبين إخوتهم وبني أعمامهم وجب ذكرها لئلا يشذ عنا مذهب لم نذكره ومقالة لم نوردها.
فاعلم أن من الشيعة من قال بإمامة: أحمد بن موسى بن جعفر دون أخيه علي الرضا. ومن قال بعلي: شك أولا في محمد بن علي، إذ مات أبوه وهو صغير غير مستحق للإمامة، ولا علم عنده بمناهجها، وثبت قوم على إمامته واختلفوا بعد موته أيضا، فقال قوم بإمامة موسى بن محمد. وقال قوم آخرون بإمامة علي بن محمد، ويقولون هو العسكري. واختلفوا بعد موته أيضا. فقال قوم بإمامة جعفر بن علي، وقال قوم بإمامة محمد بن علي. وقال قوم بإمامة الحسن بن علي. وكان لهم رئيس يقال له علي بن فلان الطاحن، وكان من أهل الكلام، قوى أسباب جعفر بن علي، وأمال الناس إليه؛ وأعانه فارس بن حاتم بن ماهويه، وذلك أن عليا قد مات، وخلف الحسن العسكري. قالوا: امتحنا الحسن فلم نجد عنده علما، ولقبوا من قال بإمامة الحسن الحمارية، وقووا أمر جعفر بعد موت الحسن، واحتجوا بأن الحسن مات بلا خلف فبطلت إمامته، ولأنه لم يعقب، والإمام لا يموت إلا ويكون له خلف وعقب. وحاز جعفر ميراث الحسن بعد دعاوي ادعاها عليه أنه فعل ذلك من حبل في جواريه وغيرهم. وانكشف أمره عند السلطان والرعية وخواص الناس وعوامهم، وتشتت كلمة من قال بإمامة الحسن وتفرقوا أصنافا كثيرة. فثبتت هذه الفرقة على إمامة جعفر، ورجع إليهم كثير ممن قال بإمامة الحسن، منهم: الحسن بن علي بن فضال؛ وهو من أجل أصحابهم وفقهائهم؛ كثير الفقه والحديث. ثم قالوا بعد جعفر بعلي بن جعفر وفاطمة بنت علي أخت جعفر. وقال قوم بإمامة علي بن جعفر دون فاطمة السيدة. ثم اختلفوا بعد موت علي وفاطمة اختلافا كثيرا. وغلا بعضهم في الإمامة غلوا كأبي الخطاب الأسدي.
وأما الذين قالوا بإمامة الحسن فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة، وليست لهم ألقاب مشهورة، ولكنا نذكر أقاويلهم.
الفرقة الأولى: قالت إن الحسن لم يمت، وهو القائم ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهرا، لأن الأرض لا تخلو من إمام، وقد ثبت عندنا أن القائم له غيبتان، وهذه إحدى الغيبتين، وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة أخرى.
الثانية: قالت إن الحسن مات ولكنه يحيى وهو القائم، لأن رأينا أن معنى القائم هو القيام بعد الموت. فنقطع بموت الحسن ولا نشك فيه، ولا ولد له، فيجب أن يحيا بعد الموت.
الثالثة: قالت إن الحسن قد مات، وأوصى إلى جعفر أخيه، ورجعت الإمامة إلى جعفر.
الرابعة: قالت إن الحسن قد مات، والإمام جعفر. وإنا كنا مخطئين في الائتمام به؛ إذ لم يكن إماما. فلما مات ولا عقب له تبينا أن جعفر كان محقا في دعواه، والحسن مبطلا.
الخامسة: قالت إن الحسن قد مات، وكنا مخطئين في القول به. وإن الإمام كان محمد بن علي أخا الحسن وجعفر؛ ولما ظهر لنا فسق جعفر وإعلانه به؛ وعلمنا أن الحسن كان على مثل حاله إلا أنه كان يتستر، عرفنا أنهما لم يكونا إمامين، فرجعنا إلى محمد، ووجدنا له عقبا، وعرفنا أنه كان هو الإمام دون أخويه.
السادسة: قالت إن الحسن كان له ابن، وليس الأمر على ما ذكروا أنه مات ولم يعقب، بل ولد له ولد قبل وفاة أبيه بسنتين فاستتر خوفا من جعفر وغيره من الأعداء، واسمه محمد وهو الإمام، القائم، الحجة، المنتظر.
السابعة: قالت إن له ابنا، ولكنه ولد بعد موته بثمانية أشهر. وقول من ادعى أنه مات وله ابن باطل، لأن ذلك لو كان لم يخف، ولا يجوز مكابرة العيان.
الثامنة: قالت صحت وفاة الحسن، وصح أن لا ولد له، وبطل ما ادعى من الحيل في سرية له، فثبت أن الإمام بعد الحسن غير موجود، وهو جائز في المعقولات أن يرفع الله الحجة عن أهل الأرض لمعاصيهم، وهي فترة وزمان لا إمام فيه، والأرض اليوم بلا حجة كما كانت الفترة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
التاسعة: قالت إن الحسن قد مات، وصح موته. وقد اختلف الناس هذه الاختلافات ولا ندري كيف هو؟ ولا نشك أنه قد ولد له ابن. ولا ندري قبل موته أو بعد موته؟ إلا أنا نعلم يقينا أن الأرض لا تخلو من حجة، وهو الخلف الغائب، فنحن نتولاه ونتمسك به باسمه حتى يظهر بصورته.
العاشرة: قالت نعلم أن الحسن قد مات، ولا بد للناس من إمام؛ فلا تخلو الأرض من حجة، ولا ندري: من ولده؟ أم من ولد غيره؟
الحادية عشرة: فرقة توقفت في هذا التخابط وقالت: لا ندري على القطع حقيقة الحال، لكنا نقطع في الرضا ونقول بإمامته. وفي كل موضع اختلفت الشيعة فيه، فنحن من الواقفة في ذلك إلى أن يظهر الله الحجة، ويظهر بصورته، فلا يشك في إمامته من أبصره، ولا يحتاج إلى معجزة وكرامة وبينة، بل معجزته اتباع الناس بأسرهم إياه من غير منازعة ولا مدافعة.
فهذه جملة الفرق الإحدى عشرة قطعوا على كل واحدة واحد؛ ثم قطعوا على الكل بأسرهم.
ومن العجب أنهم قالوا: الغيبة قد امتدت مائتين ونيفا وخمسين سنة، وصاحبنا قال إن خرج القائم وقد طعن في الأربعين فليس بصاحبكم، ولسنا ندري كيف تنقضي مائتان ونيف وخمسون سنة في أربعين سنة؟ وإذا سئل القوم عن مدة الغيبة كيف تتصور؟ قالوا: أليس الخضر وإلياس عليهما لاسلام يعيشان في الدنيا من آلاف سنين، لا يحتاجان إلى طعام وشراب؟ فلم لا يجوز ذلك في واحد من آل البيت؟ قيل لهم: ومع اختلافكم هذا كيف يصح لكم دعوى الغيبة؟ ثم الخضر عليه السلام ليس مكلفا بضمان جماعة، والإمام عندكم ضامن، مكلف بالهداية والعدل. والجماعة مكلفون بالاقتداء به والاستنان بسنته، ومن لا يرى كيف يقتدى به؟
فلهذا صارت الإمامية متمسكين بالعدلية في الأصول، وبالمشبهة في الصفات، متحيرين تائهين.
وبين الإخبارية منهم والكلامية سيف وتكفير. وكذلك بين التفضيلية والوعيدية قتال وتضليل، أعاذنا الله من الحيرة.
ومن العجب أن القائلين بإمامة المنتظر مع هذا الاختلاف العظيم الذي بينت لا يستحيون فيدعون فيه أحكام إلهية، ويتأولون قوله تعالى عليه {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} 1.
قالوا: هو الإمام المنتظر الذي يرد إليه علم الساعة. ويدعون فيه أنه لا يغيب عنا، وسيخبرنا بأحوالنا، حين يحاسب الخلق، إلى تحكمات باردة، وكلمات عن العقول شاردة.
لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم
أسامي الأئمة الاثني عشر عند الإمامية:
المرتضى، والمجتبى، والشهيد، والسجاد، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضي، والتقي، والنقي، والزكي، والحجة القائم المنتظر.















مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید