المنشورات

المرقيونية:

أصحاب مرقيون. أثبتوا أصلين قديمين متضادين: أحدهما النورن, والثاني الظلمة، وأثبتوا أصلا ثالثا هو المعدل الجامع، وهو سبب المزاج، فإن المتنافرين المتضادين لا يمتزجان إلا بجامع. وقالوا: إن الجامع دون النور في المرتبة وفوق الظلمة، وحصل من الإجتماع والامتزاج هذا العام.
ومنهم من يقول: الامتزاج إنما حصل بين الظلمة والمعدل، إذ هو أقرب منها، فامتزجت به، لتطيب به، وتلتذ بملاذه، فبعث النور إلى العالم الممتزج روحا مسيحية، وهو روح الله وابنه, تحننا على المعدل الجامع السليم الواقع في شبكة الظلام الرجيم، حتى يخلصه من حبائل الشياطين، فمن اتبعه، فلم يلامس النساء، ولم يقرب الزهومات1 أفلت، ونجا، ومن خالفه خسر، وهلك.
قالوا: وإنما أثبتنا المعدل، لأن النور الذي هو الله تعالى لا يجوز عليه مخالطة الشياطين، وأيضا فإن الضدين يتنافران طبعا، ويتمانعان ذاتا ونفسا، فكيف يجوز اجتماعهما وامتزاجهما؟ فلا بد من معدل يكون بمنزلة دون النور، وفوق الظلام، فيقع الامتزاج منه. وهذا على خلاف ما قالته المانوية، وإن كان ديصان أقدم، وإنما أخذ ماني منه مذهبه، وخالفه في المعدل. وهو أيضا خلاف ما قال زردشت، فإنه يثبت التضاد بين النور والظلمة، ويثبت المعدل كالحاكم على الخصمين، الجامع بين المتضادين لا يجوز أن يكون طبعه وجوهره من أحد الضدين وهو الله عز وجل الذي لا ضد له ولا ند.
وحكى محمد بن شبيب عن الديصانية أنهم زعموا أن المعدل هو الإنسان الحساس الدراك، إذ هو ليس بنور محض، ولا ظلام محض. وحكي عنهم: أنهم يرون المناكحة وكل ما فيه منفعة لبدنه وروحه حراما، ويحترزون عن ذبح الحيوان، لما فيه من الألم.
 وحكي عن قوم من الثنوية أن النور والظلمة لا يزالا حيين، إلا أن النور حساس عالم، والظلام جاهل أعمى, والنور يتحرك حركة مستوية مستقيمة، والظلام يتحرك حركة عجرفية1 خرقاء معوجة فبيناهما كذلك إذ هجم بعض هامات الظلام على حاشية من حواشي النور، فابتلع النور منه قطعة على الجهل، لا على القصد والعلم، وذلك كالطفل الذي لا يفصل بين الجمرة والتمرة، وكان ذلك سبب المزاج. ثم إن النور الأعظم دبر في الخلاص، فبنى هذا العالم ليستخلص ما امتزج به من النور، ولا يمكنه استخلاصه إلا بهذا التدبير.















مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید