المنشورات

رأي ديمقريطيس وشيعته:

كان يقول في المبدع الأول: إنه ليس هو العنصر فقط، ولا العقل فقط، بل الأخلاط الأربعة، وهي الاسطقسات: أوائل الموجودات كلها، ومنها أبدعت الأشياء البسيطة كلها دفعة واحدة، وأما المركبة فإنها كونت دائمة دائرة، إلا أن ديمومتها بنوع، ودثورها بنوع. ثم إن العالم بجملته باق غير داثر، لأنه ذكر أن هذا العالم متصل بذلك العالم الأعلى، كما أن عناصر هذه الأشياء متصلة بلطيف أرواحها الساكنة فيها. والعناصر وإن كانت تدثر في الظاهر، فإن صفوها من الروح البسيط الذي فيها، فإذا كان كذلك فليس يدثر إلا من جهة الحواس، فأما من نحو العقل فإنه ليس يدثر، فلا يدثر هذا العالم إذا كان صفوها فيه، وصفوه متصل بالعوالم البسيطة.
وإنما شنع عليه الحكماء من جهة قوله: إن أول مبدع هو العناصر، وبعدها أبدعت البسائط الروحانية، فهو يرتقي من الأسفل إلى الأعلى، ومن الأكدر إلى الأصفى.
ومن شيعته: فليوخوس، إلا أنه خالفه في المبدع الأول، وقال بقول سائر الحكماء، غير أنه قال: إن المبدع الأول هو مبدع الصورة فقط دون الهيولى، فإنها لم تزل مع المبدع.
فأنكروا عليه وقالوا: إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة: لما قبلت الصور، ولما تغيرت منحال إلى حال، ولما قبلت فعل غيرها، إذ الأزلي لا يتغير. وهذا الرأي مما كان يعزى إلى أفلاطون الإلهي، والرأي في نفسه مزيف، والعزوة إليه غير صحيحة.
ومما نقل عن ديمقريطيس وزينون الأكبر وفيثاغورث أنهم كانوا يقولون: إن الباري تعالى متحرك بحركة فوق هذه الحركة الزمانية. وقد أشرنا إلى المذهبين، وبينما المراد بإضافة الحركة والسكون إلى الله تعالى. ونزيده شرحا من احتجاج كل فريق على صاحبه.
قال أصحاب السكون: إن الحركة لا تكون أبدا إلا ضد السكون، والحركة لا تكون إلا بنوع زمان إما ماض وإما مستقبل، والحركة لا تكون إلا مكانية إما منتقلة وإما مستوية، ومن المستوية تكون الحركة المستقيمة، والحركة المعوجة، والمكانية تكون مع الزمان، فلو كان الباري تعالى متحركا، لكان داخلا في الدهر والزمان.
قال أصحاب الحركة: إن حركته أعلى من جميع ما ذكرتموه، وهو مبدع الدهر والمكان، وإبداعه ذلك هو يعنى بالحركة. والله أعلم.















مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید