المنشورات

منكرو الرسل: عبّاد الأصنام:

وصنف منهم أقروا بالخالق, وابتداء الخلق ونوع من الإعادة، وأنكروا الرسل، وعبدوا الأصنام، وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الدار الآخرة، وحجوا إليها، ونحروا لها الهدايا، وقربوا المقربين، وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر, وأحلوا وحرموا، وهم الدهماء من العرب، إلا شرذمة منهم نذكرهم، وهم الذين أخبر عنهم التنزيل: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} 1 -إلى قوله- {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} 2. فاستدل عليهم بأن المرسلين كلهم كانوا كذلك. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} 3.
شبهات العرب
وشبهات العرب كانت مقصورة على هاتين الشبهتين:
إحداهما: إنكار البعث؛ بعث الأجسام.
والثانية: جحد البعث؛ بعث الرسل.
فعلى الأولى قالوا: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} 1 إلى أمثالها من الآيات، وعبروا عن ذلك في أشعارهم، فقال بعضهم:
حياة ثم موت ثم نشر ... حديث خرافة يا أم عمرو
ولبعضهم في مرثية أهل بدر من المشركين:
فماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزي تكلل بالسنام
يخبرنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء، وهام
ومن العرب من يعتقد التناسخ، فيقول: إذا مات الإنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته، فانتصب طيرا هامة، فيرجع إلى رأس القبر كل مائة سنة, وعن هذا أنكر عليهم الرسول عليه السلام فقال: "لا هامة ولا عدوى، ولا صفر".
وأما على الشبهة الثانية فكان إنكارهم لبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في الصورة البشرية أشد، وإصرارهم على ذلك أبلغ. وأخبر التنزيل عنهم بقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} 2 {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} 3 فمن كان يعترف بالملائكة كان يريد أن يأتي ملك من السماء: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} 4 ومن كان لا يعترف بهم كان يقول: الشفيع والوسيلة لنا إلى الله تعالى هم الأصنام المنصوبة، إما الأمر والشريعة من الله تعالى إلينا فهو المنكر.
أصنام العرب وميولهم
فيعبدون الأصنام التي هي الوسائل: ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا، وكان ود لكلب وهو بدومة الجندل، وسواع لهذيل. وكانوا يحجون إليه وينحرون له، ويغوث لمذحج ولقبائل من اليمن، ويعوق لهمدان، ونسر لذي الكلاع بأرض حمير. وكانت اللات لثقيف بالطائف، والعزي لقريش وجميع بني كنانة وقوم من بني سليم. ومناة للأوس والخزرج وغسان. وهبل أعظم الأصنام عندهم، وكان على ظهر الكعبة، وأساف ونائلة على الصفا والمروة وضعهما عمر بن لحي, وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة، وزعموا أنهما كانا من جرهم إساف بن عمرو، ونائلة بنت سهل تعاشقا ففجرا في الكعبة، فمسخا حجرين. وقيل: لا, بل كانا صنمين جاء بهما عمرو بن لحي فوضعهما على الصفا.
وكان لبني ملكان من كنانة صنم يقال له سعد, وهو الذي يقول فيه قائلهم:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد, فلا نحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة بتنوفة1 ... من الأرض لا يدعو لغي ولا رشد
وكانت العرب إذا لبت وهللت قالت:
لبيك اللهم لبيك ... لبيك لاشريك لك
إلا شريك هو لك ... تملكه وما ملك
ومن العرب من كان يميل إلى اليهودية، ومنهم من كان يميل إلى النصرانية, ومنهم من كان يصبو إلى الصابئة، ويعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلا بنوء من الأنواء، ويقول: مطرنا بنوء كذا. ومنهم من كان يصبوا إلى الملائكة فيعبدهم، بل كانوا يعبدون الجن، ويعتقدون فيهم أنهم بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.











مصادر و المراجع :      

١- الملل والنحل

المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)

الناشر: مؤسسة الحلبي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید