المنشورات

تميم بن أبي

فيقول: أيكم تميم بن أبيّ؟ فيقول رجل منهم: ها أنا ذا. فيقول أخبرني عن قولك:
يا دار سلمى خلاءً لا أكلِّفها ... إلاّ المرانة حتى تسأم الدنيا
ما أردت بالمرانة؟ فقد قيل: إنّك أردت اسم امرأة، وقيل: هي اسم ناقةٍ، وقيل: العادة. فيقول تميم: والله ما دخلت من باب الفردوس ومعي كلمة من الشعر ولا الرَّجز، وذلك أنّي حوسبت حساباً شديداً، وقيل لي: كنت فيمن قاتل عليَّ بن أبي طالب. وانبرى لي النَّجاشي الحارثيّ، فما أفلتُّ من اللهب حتى سفعني سفعات.
وإن حفظك لمبقىً عليك، كأنّك لم تشهد أهوال الحساب، ومنادي الحشر يقول: أين فلان ابن فلان؟ والشّوس الجبابرة من الملوك تجذبهم الزّبانية إلى الجحيم، والنسِّوة ذوات التِّيجان يصرن بألسنة الوقود، فتأخذ في فروعهنَّ وأجسادهنَّ، فيصحن: هل من فداء؟ هل من عذرٍ يقام؟ والشباب من أولاد الأكاسرة يتضاغون في سلاسل النار ويقولون: نحن أصحاب الكنوز، نحن أرباب الفانية، ولقد كانت لنا إلى الناس صنائع وأيادٍ فلا فادي ولا معين!
فهتف داعٍ من قبل العرش: " أولم نعمِّركم ما يتذكّر فيه من تذكَّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " لقد جاءتكم الرسل في زمانٍ بعد زمانٍ، وبذلت ما وكّد من الأمان، وقيل لكم في الكتاب: " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفَّى كلُّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون " فكنتم في لذات السَّاخرة واغلين، وعن أعمال الآخرة متشاغلين، فالآن ظهر النبأ، لا ظلم اليوم إنَّ الله قد حكم بين العباد.
فيقول، أنطقه الله بكل فضل، إن شاء ربُّه أن يقول: أنا أقص عليك قصّتي: لما نهضت أنتفض من الرّيم، وحضرت حرصات القيامة، والحرصات مثل العرصات، أبدلت الحاء بالعين ذكرت الآية: " تعرج الملائكة والرُّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، فاصبر صبراً جميلاً فطال علي الأمد، واشتد الظمأ والومد، والومد: شدَّة الحرِّ وسكوت الرّيح، كما قال أخوكم النّميري:
كأن بيض نعامٍ في ملاحفها ... جلاه طلٌّ وقيظ ليله ومد
وأنا رجل مهياف أي سريع العطش، فافتكرت فرأيت أمراً لا قوام لمثلي به. ولقيني الملك الحفيظ بما زبر من فعل الخير، وجدت حسناتي قليلة كالنُّفا في العام الأرمل والنفأ الرياض، والأرمل قليل المطر. إلا أن التوبة في آخرها كأنها مصباح أبيلٍ، رفع لسالك السبيل. فلمَّا أقمت في الموقف زهاء شهر أو شهرين، وخفت في العرق من الغرق، زينت لي النفس الكاذبة أن أنظم أبياتاً












مصادر و المراجع :      

١- رسالة الغفران

المؤلف: أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان، أبو العلاء المعري، التنوخي (المتوفى: 449هـ)

الناشر: مطبعة (أمين هندية) بالموسكي (شارع المهدي بالأزبكية) - مصر

صححها ووقف على طبعها: إبراهيم اليازجي

الطبعة: الأولى، 1325 هـ - 1907 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید