المنشورات

الأَمَلِ وَمَصَايِرُهُ

يُقَالُ: فُلانٌ يَأْمُلُ كَذَا، وَيُؤَمِّلُهُ، وَيَرْجُوهُ، وَيُرْجِيه، وَيَرْتَجِيه، وَهُوَ يَتَرَجَّى كَذَا، وَرَجَّيْتهُ الأَمْرَ فَتَرَجَّاهُ.
وَقَدْ سَمَتْ آمَالُهُ إِلَى نَيْلِ هَذَا الأَمْرِ، وَانْبَسَطَتْ إِلَيْهِ آمَالُه، وَاسْتَرْسَلَ إِلَيَّ بِآمَالِهِ، وَإِنَّهُ لَطَوِيل الأَمَلِ، والإِمْلَة بِالْكَسْرِ، وَمَا أَطْوَلُ إمْلَتَه،وَإِنَّهُ لَرَجُل بَعِيد الطَّرْف، وَبَعِيد مَرْمَى الطَّرْفِ، بَعِيد مَرْمَى الآمَال، وَاسِع فُسْحَة الأَمَل، فَسِيح رُقْعَة الأَمَل، طَوِيل عِنَان الأَمَل، وَقَدْ زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسه كَذَا، وَخَيَّلَتْ لَهُ كَذَا، وَسَوَّلَتْهُ، وَسَهَّلَتْهُ، وَطَوَّقَتْهُ وَطَوَّعَتْهُ.
وَتَقُولُ: مَا زَالَ هَذَا الأَمْر وِجْهَة آمَال فُلان، وَقِبْلَة رَجَائِهِ، وَمُرَاد أَمَانِيهِ، وَحَدِيث أَحْلامِهِ، وَقَدْ لاحَتْ لَهُ فِيهِ بَارِقَة أَمَل، وَنَشَأَتْ لَهُ نَاشِئَة أَمَل، وَاسْتَثْنَى فِيهِ نَسِيم أَمَل، وَتَعَلَّق مِنْهُ بِهُدْب أَمَل، وَمَا زَالَ يَرْقُبُ لَهُ بَرِيد الظَّفَر، وَيَتَرَصَّدُ سَوَانِح الْفُرَص، وَيَتَتَبَّعُ رَائِد النُّجْح، وَيَرْصُدُ بَرْق الآمَال، وَيَشِيمُ مَخَايِل الرَّجَاء.
وَهَذَا أَمْر لا تَتَرَاجَعُ عَنْهُ آمَالُهُ، وَلا يَضْعُفُ فِيهِ رَجَاؤُهُ، وَلا يُخَامِرُهُ فِيه رَيْب، وَلا تَعْتَرِضُهُ شُبْهَة يَأْس، وَهُوَ يَرَى هَذِهِ الْحَاجَةَ عَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ، وَيَرَاهَا عَلَى حَبْل ذِرَاعه، وَيَرَاهَا أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
وَقَدْ نَاطَ آمَاله بِفُلانٍ، وَوَصَلَ بِهِ رَجَاءهُ، وَعَقَدَ بِهِ حَبْلَ أَمَانِيه، وَشَدَّ بِهِ عُرَى آمَاله، وَوَصَلَ أَسْبَابه بِأَسْبَابِهِ.
وَتَقُولُ: جِئْتُك رَجَاء أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَمَا أَتَيْتُك إِلا رَجَاوَة الْخَيْر، وإِنِّي لأَتَوَقَّع مِنْك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَظَنِّي بِك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَفِي أَمَلِي أَنْ يَكُونَ الأَمْر كَذَا، وَفِي مَأْمُولِي، وَفِي مَرْجُوّي، وَفِيمَا يَصِفُهُ لِي جَمِيل الظَّنِّ بِك، وَمَا يَبْعَثُ عَلَيْهِ حُسْن التَّقْدِيرِ فِيك، وَفِيمَا تُحَدِّثُنِي بِهِ نَفْسِي، وَمَا تَزْعُمُهُ آمَالِي.
وَتَقُولُ: قَدْ تَحَقَّقَتْ لِفُلان آمَاله، وَصَدَقَتْ أَمَانِيه، وَقَدْ قَضَى مِنْ الأَمْرِ نَهْمَته، وَبَلَغَ مَا فِي نَفْسِهِ، وَفَازَ مِنْ الأَمْرِ بِنُجْح أَمَانِيه، وَاغْتَبَطَ بِفَلَجٍ مَسْعَاهُ، وَعَادَ عَنْهُ بِمِصْدَاق آمَالِهِ، وَقَدْ أَسْعَفَهُ الدَّهْر بِمُرَادِهِ، وَمَالأَهُ عَلَى إِدْرَاك مُبْتَغَاهُ وَانْقَادَتْ لَهُ أَعْنَاق الآمَال، وَذَلَّتْ لَهُ أَعْرَاف الأَمَانِي، وَعَنَت لَهُ نَوَاصِي الرَّغَائِب، وَأَسْفَرَتْ آمَاله عَنْ وُجُوه الْفَوْز، وَجَاءَتْ آمَاله مُذَيَّلَة بِالنُّجح، وَقَدْ فَلَجَ سَهْمُهُ، وَفَازَ قِدْحه، وَزَكَا مَنْبَت آمَاله، وَأَخْصَبَ زَرْع أَمَانِيّه، وَمَا أَخْطَأَ ظَنُّهُ، وَمَا كَذَبَ رَجَاؤُهُ،وَمَا كَذَبَ رَائِد أَمَانِيه، وَعَادَتْ آمَالُهُ بِيض الْوُجُوه.
وَتَقُولُ فِي خِلافِ ذَلِكَ: قَدْ طَمِعَ فُلان فِي غَيْرِ مَطْمَع، وَزَعَمَ فِي غَيْرِ مَزْعَم، وَكَدَمَ فِي غَيْرِ مَكْدَم، وَرَمَى بآماله غَيْرَ مَرْمى، وَقَدْ مَنَّتْهُ نَفْسه الأَمَانِي، وَفَوَّقَتْهُ نَفْسه الأَمَانِي، وَغَرَّتْهُ خُدَع الآمَال.
وَقَدْ خَابَ رَجَاؤُهُ، وَطَاشَ سَهْمُهُ، وَكَذَبَتْه نَفْسه، وَكَذَبَتْهُ ظُنُونه، وَكَذَبه حَدْسه، وَخَذَلَتْهُ آمَالُه، وَأَخْفَقَتْ آمَالُه، وَضَلَّ رَائِد أَمَله، وَكَذَبه رَائِد أَمَله، وَأَخْطَأَهُ رَائِد التَّوْفِيق، وَقَدْ أَخْلَفَ الدَّهْر ظَنّه، وَشَوَّهَ إِلَيْهِ وُجُوه آمَاله، وَعَارَضَ أَطْمَاعه بِالْيَأْسِ، وَرَدَّ كَوْرَ أَمَانِيّه إِلَى الْحَوْر، وَوَقَفَتْ آمَاله عَلَى شِفَاء الْيَأْس، وَوَقَفَ مِنْ آمَالِهِ عَلَى شَفَا جُرُف هَار، وَتَكَشَّفَ لَهُ بَرْق مُنَاهُ عَنْ سَحَابٍ خُلَّب.
وَقَدْ يَئِسَ مِنْ الأَمْرِ، وَقَنِطَ مِنْهُ، وَأَضْمَرَ الْيَأْسَ مِنْ مَطْلَبِهِ، وَانْقَطَعَ سَحْره مِنْهُ، وَانْقَطَعَ مِنْهُ رَجَاؤُهُ، وَانْبَتَّ حَبْل رَجَائِهِ، وَانْفَصَمَتْ عُرَى آمَالِهِ، وَتَقَوَّضَتْ حُصُون آمَاله، وَتَقَلَّصَ ظِلّ أمَانيه، وَنَضَبَ ضَحْضَاح رَجَائِهِ، وَقَدْ قُطِعَ بِالرَّجُلِ وَقُطِعَتْ بِهِ الأَسْبَابُ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُؤَمِّلُ، وَأَيْقَنَ بِالْيَأْسِ مِمَّا طَلَبَ، وَعَادَ نَاكِثًا مَا أَمَرَّ، وَعَادَ مِيل أَمَانِيه شِبْراً، وَعَادَتْ آمَالُهُ أَقْلَص مِنْ ظِلّ حَصَاة.
وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ أَحْلام نَائِم، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَضْغَاث الأَحْلام، وَوَسَاوِسَ الأَطْمَاع، وَأَحَادِيث الْمُنَى، وَإِنَّمَا هُوَ عَارِضٌ مِنْ الآمَالِ أَخْلَفَ وَدْقَهُ، وَبَارِق مِنْ الْمُنَى كَذَبَ بَرْقُهُ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ مِنْ أَمَلِهِ بِخَيْطٍ بَاطِلٍ، وَاسْتَمْسَكَ مِنْهُ بِحِبَال الْهَبَاء، وَبَنَى رَجَاءهُ عَلَى شَفِيرٍ هَارٍ، وَقَدْ أَصْبَحَ الأَمْر فَوْت يَده، وَجَاوَزَ مَسَافَةَ نِيلِهِ، وَهُوَ عَنْهُ مَنَاط النَّجْم، وَمَنَاط الثُّرَيَّا، وَهُوَ يَرُومُ مِنْهُ مراما بَعِيداً.
وَتَقُولُ: أَيْأَسْته مِنْ الأَمْرِ، وأقْنَطته مِنْهُ،وَقَطَعْت مِنْهُ رَجَاءهُ، وَصَرَمْت حَبْل رَجَائِهِ، وَقَطَعْت مِنْهُ سَحْرَه.
وَهَذَا أَمْر قَدْ حِيلَ دُونَهُ، وَأَمْر لا مَغْمَزَ فِيهِ لِطَالِب، وَلا مَطْمَع لأَمَلٍ، وَأَمْر لَيْسَ لَهُ شَبَح إِلا فِي الْوَهْمِ وَلا خَيَال إِلا فِي التَّمَنِّي، وَأَمْر يَضِيقُ عَنْهُ نِطَاقُ الطَّمَعِ، وَتُبْدِعُ مِنْ دُونِهِ رَكَائِب الأَمَل، وَأَمْر قَدْ أَرْخَى عَلَيْهِ الْقُنُوط سِتَارَه، وَأَمْر دُونَهُ شَيْب الْغُرَاب.
وَتَقُولُ: مَا لِي فِي فُلان رَجِيَّة أَيْ مَا أَرْجُو، وَقَدْ نَفَضْت يَدَيّ مِنْهُ، وَرَجَعْتْ عَنْهُ وأنا أَتَعَثَّرُ فِي أَذْيَالِ الْيَأْسِ.
وَيُقَالُ: رَضِيَ فُلان بِمَقْصِر مِمَّا كَانَ يُحَاوِلُ أَيْ بِدُونِ مَا كَانَ يَطْلُبُ وَيُقَالُ: أَنَا مِنْ هَذَا الأَمْرِ غَيْر صَرِيم سَحْر أَيْ غَيْرِ قَانِط.
وَهَذَا قَدَر قَدْ نَعَشَ اللَّهُ بِهِ عَاثِرَ الآمَالِ، وَأَحْيَا مَيِّت الآمَالِ، وَاهْتَزَّ بِهِ ذَاوِي الأَمَل، وَاخْضَرَّ عُودُ الرَّجَاء، وَأَقْشَعَ ضَبَاب الْيَأْسِ، وَسَفَرَتْ وُجُوه الآمَال، وَبَرَقَتْ ثُغُور الآمَال، وَتَبَلَّجَ صُبْح الْمُنَى، وَنَسَخَ صُبْحُ الرَّجَاءِ ظُلُمَاتِ الْقُنُوطِ.













مصادر و المراجع :      

١- نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد

المؤلف: إبراهيم بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن جنبلاط بن سعد الْيَازِجِيّ الْحِمْصِيّ نصراني الديانة (المتوفى: 1324هـ)

الناشر: مطبعة المعارف، مصر

عام النشر: 1905 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید