المنشورات

الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ

يُقَالُ: إِنَّ فُلاناً لَرَجُل صَادِق، بَرّ، ثِقَة، وَرَجُل صَدُوق، وَصَدْق، وَإِنَّهُ لَصَادِق الْخَبَرِ، صَدُوق الْمَقَالِ، صَحِيح النَّبَإِ، وَقَدْ صَدَقَنِي الْحَدِيث، وَصَدَقَنِي الْخَبَر، وَصَدَقَنِي فِيمَا قَالَ، وَأَخْبَرَنِي الْخَبَر عَلَى حَقِّهِ، وَعَلَى صِدْقِهِ.
وَفُلانٌ مِنْ حَمَلَةِ الصِّدْقِ، وَمِنْ الرُّوَاةِ الصَّادِقِينَ، وَمِمَّنْ عُرِفَ بِالصِّدْقِ، وَاتَّسَمَ بِالصِّدْقِ، وَمِمَّنْ يُعْتَقَدُ قَوْله، وَيُوثَقُ بِخَبَرِهِ، وَلا يُقْدَحُ فِي صِدْقِهِ، وَلا يُتَّهَمُ فِيمَا يَقُولُ، وَإِنَّهُ لَيَتَجَافَى عَنْ قَوْلِ الزُّورِ، وَلا يُلَبِّس الْحَقّ بِالْبَاطِلِ، وَلا يَجْرِي لِسَانُهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَإِنَّ لِسَانَهُ لَصُورَة قَلْبِهِ،وَإِنَّهُ لَيَقُول الْحَقّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلا يَخْشَى فِي الْحَقِّ لَوْمَة لائِم.
وَتَقُولُ: قَدْ صَحَّ عِنْدِي خَبَر كَذَا، وَثَبَتَ لَدَيَّ صِدْقُهُ، وَانْجَلَتْ صِحَّته، وَقَدْ اِطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ نَفْسِي، وَنَقَعَتْ بِهِ نَفْسِي، وَاسْتَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِثِقَتِي، وَأَخْلَدْت إِلَيْهِ بِثِقَتِي، وَأَعَرْته جَانِب الثِّقَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ لا يَتَخَالَجُنِي فِيهِ رَيْب، وَلا يَعْتَرِضُنِي فِيهِ شَكّ.
وَهَذَا أَمْر قَدْ بَرَزَ عَنْ ظِلّ الشُّبَهَات، وَتَنَزَّهَ عَنْ مَظَانِّ الزُّور، وَنُفِضَ عَنْهُ غُبَار الرَّيْب، وَإِنَّهُ لَهُو الْحَقّ لا رَيْبَ فِيهِ، وَلا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلا يُتَمَارَى فِي صِدْقِهِ، وَلا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ، وَلا يَحْتَاجُ صِدْقُه إِلَى شَاهِد.
وَهَذَا أَمْر قَدْ تَوَاتَرَتْ بِهِ الرُّوَاة، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُخْبِرُونَ، وَتَنَاصَرَتْ عَلَيْهِ الأَخْبَار، وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الأَنْبَاء، وَتَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَات، وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الآثَار، وَشَهِدَ بِصِدْقِهِ التَّوَاتُر.
وَيُقَالُ: صَدَقَنِي فُلانٌ سِنَّ بَكْرِهِ، وَصَدَقَنِي وَسْمَ قِدْحِهِ.
وَفِي الأَمْثَالِ: " لا يَكْذِبُ الرَّائِدُ "أَهْله "، " وَالْقَوْل مَا قَالَتْ حَذَامِ "، وَيُقَالُ لِلْمُحَدِّث صَدَقْت وَبَرَزْت.
وَيُقَالُ فِي ضِدِّهِ: كَذَبَ الرَّجُلُ، وَأَفَك، وَمَان، وَقَدْ كَذَبَنِي الْخَبَر، وَكَذَبَ فِي حَدِيثِهِ، وَإِنَّ فُلاناً لَيَصِف الْكَذِبَ، وَيَخْتَلِقَ الْكَذِب، وَالْحَدِيث، وَيَفْتَرِيهُ، وَيَبْتَدِعهُ، وَيَفْتَئِته، وَيُلَفِّقهُ، وَيَخْتَرِعهُ، وَيَخْتَرِقهُ، وَيَخْتَرِصهُ، وَيُزَوّرهُ، وَيُمَوِّههُ، وَيُوَشِّيه، وَيُنَمِّقهُ، وَيُرَقِّشهُ، وَيُزَوِّقهُ، وَيُزَخْرِفهُ، وَيُزَيِّنهُ، وَيَصْنَعهُ، وَيُنْشِئهُ، وَيَصُوغهُ، وَيَنْسِجهُ، وَيَسْرُجُهُ، وَيَمْرُجُهُ، وَيَفْتَعِلهُ، وَيَرْتَجِلهُ، وَيَعْتَبِطُهُ.
وَإِنَّهُ لَرَجُل كَذُوب، وَكَذَّاب، أَفَّاك، خَرَّاص، صَوَّاغ زُور، وَنَسَّاج زُور، وَإِنَّهُ لَسَرَّاج، وَسَرَّاج مَرَّاج، وَإِنَّهُ لَيُسَرِّج الأَحَادِيث، وَقَدْ تَسَرّج عَلَيَّ، وَتَكَذَّب عَلَيَّ، وَتَخَرَّص عَلَيَّ، وَافْتَرَى عَلَيَّ حَدِيثاً كَذِباً، وَنَطَقَ عَلَيَّ بُطْلا، وَافْتَأَتَ عَلَيَّ الْبَاطِل، وَزَخْرَفَ عَلَيَّ قَوْل الزُّورِ، وَصَاغَ زُوراً وَكَذِباً، وَإِنَّهُ لَيَكْذِب عَلَيَّ الأَحَادِيث، وَيَتَقَوَّل عَلَيَّ الأَقَاوِيل، وَيَتَقَوَّل عَلَيَّ الْبُهْتَان، وَقَدْ قَوَّلَنِي مَا لَمْ أَقُلْ، وَأَشْرَبَنِي مَا لَمْ أَشْرَبْ.
وَإِنَّمَا جَاءَ بِالْكَذِبِ، وَالإِفْكِ، وَالْعَضِيهَةِ، وَالْمَيْنِ، وَالْبُطْل، وَالْبُهْتَانِ، وَهَذَا مِنْ أَكَاذِيبِ فُلان، وَأَبَاطِيلِهِ، وَتُرَّهَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَفِيكَة أَفَّاك، وَإِفْكَة أَفَّاك، وَفِرْيَة صَوَّاغ، وَإِنَّهُ لَكَذِب بَحْت، وَكَذِب صَرْد، وَكَذِب صُرَاح، وَحَدِيث مُفْتَرىً، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مَصْنُوعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ، وَمِنْ صَرْف الْحَدِيث وَهُوَ تَزْيِينُهُ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ مُرَمَّآت الأَخْبَار أَي مِنْ أَبَاطِيلِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثُ خُرَافَةٍ.
وَيَقُول الْمَكْذُوب عَلَيْهِ: يَا لَلأَفِيكَة، وَيَا لَلْعَضِيهَة، وَيَا لَلْبَهِيتَة، وَيُقَالُ: فُلان يَقُتّ الأَحَادِيث أَيْ يُزَوّرُهَا وَيُحَسِّنهَا، وَإِنَّهُ لَيَتَزَيَّد فِي الْحَدِيثِ، وَيَتَزَايَد فِيهِ، وَيُزَلّف فِيهِ، وَيُزَرّف فِيهِ، وَيُزْهِف فِيهِ، أَيْ يَزِيدُ فِيهِ وَيَكْذِبُ، وَإِنَّهُ لَيُرَقِّي عَلَيَّ الْبَاطِل أَيْ يَتَزَيَّدُ فِيهِ وَيَتَقَوَّلُ مَا لَمْ يَكُنْ.
وَفُلان لا يُوثَقُ بِسَيْل تَلْعَته، وَلا يَصْدُق أَثَره، وَلا تَتَسَالَمُ خَيْلاهُ، وَلا تَتَسَايَرُ خَيْلاهُ، أَيْ لا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ.
وَيُقَالُ: أَرْجَف الْقَوْم إِرْجَافاً إِذَا خَاضُوا فِي الأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ إِيقَاداً لِلْفِتْنَةِ، وَقَدْ أَرْجَفُوا بِكَذَا، وَهَذَا مِنْ أَحَادِيث الْمُرْجِفِينَ، وَمِنْ أَرَاجِيف الْغُوَاة، وَيُقَالُ: هَذَا خَبَر مَكْذُوب، وَمُزَوَّر، وَمَصْنُوع، وَمُفْتَعَل، وَحَدِيث مَوْضُوع، وَمُفْتَرىً، وَهَذَا خَبَر مُتَّهَم، وَمَدْخُول، وَخَبَر لَمْ يُعِرْهُ الصِّدْقُ نُورَهُ، وَهَذَا خَبَر لَمْ أُعِرْهُ ثِقَتِي، وَمَا نَقَعْت بِخَبَرِ فُلان، وَمَا عِجْت بِقَوْلِهِ، وَيُقَالُ: لَيْسَ لِمَكْذُوب رَأْي، وَلا يَعْرِف الْمَكْذُوب كَيْفَ يَأْتَمِر وَإِذَا كَذَبَ السَّفِيرُ بَطَل التَّدْبِير.
وَيُقَالُ: فُلان أَكْذَب مِنْ سَرَاب، وَأَكْذَب مِنْ أَخِيذ الْجَيْش،وَأَكْذَب مِنْ زَرَّاق وَهُوَ الَّذِي يَحْتَالُ وَيَنْظُرُ بِزَعْمِهِ فِي النُّجُومِ، وَهَذَا الأَخِير مِنْ أَمْثَالِ الْمُوَلَّدِين، وَهُوَ أَكْذَبُ مَنْ دَبّ وَدَرَج.

















مصادر و المراجع :      

١- نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد

المؤلف: إبراهيم بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن جنبلاط بن سعد الْيَازِجِيّ الْحِمْصِيّ نصراني الديانة (المتوفى: 1324هـ)

الناشر: مطبعة المعارف، مصر

عام النشر: 1905 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید