المنشورات

صُعُوبَةِ الأَمْرِ وَسُهُولَتِهِ

يُقَالُ فُلان يُزَاوِلُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَطْلَباً صَعْباً، وَيُحَاوِلُ أَمْراً بَعِيداً، وَيَطْلُبُ خُطَّة مَنِيعَة، وَيَرُومُ أَمْرًا مُعْضِلا، وَقَدْ رَكِبَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ قُحْمَة مَنِيعَة، وَرَكِبَ مَرْكَباً وَعْراً، وَمَرْكَباً جَمُوحاً.
وَإِنَّهُ لأَمْر صَعْب الْمُمَارَسَةِ، شَدِيد الْمَطْلَبِ، كَؤُود الْمَطْلَب، وَعْر الْمُلْتَمَس، وَعْر الْمُرْتَقَى، وَعْث الْمُبْتَغَى، مُعْجِز الْمَؤُونَة، بَعِيد الْمَرَامِ، عَزِيز الْمَنَال، مَنِيع الدَّرَك.
وَقَدْ صَعُبَ الأَمْرُ عَلَيْهِ، وَتَصَعَّبَ، وَاسْتَصْعَبَ، وَتَعَسَّرَ، وَتَعَذَّرَ،وَتَوَعَّرَ، وَالْتَوَى، وَالْتَاثَ، وَأَعْضَلَ.
وَتَقُولُ قَدْ عَالَجْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ شِدَّة، وَعَانَيْتُ فِيهِ صَعَدا، وَلَقِيتُ مِنْهُ بَرْحاً بَارِحاً، وَقَاسَيْتُ فِيهِ نَصَباً نَاصِباً، وَأَرْهَقَنِي أَمْراً صَعْباً، وَكَلَّفَنِي خُطَّة شَدِيدَة، وَبَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، وَبَلَغَ مِنِّي الْمَشَقَّة، وَوَقَعْتُ مِنْهُ فِي كَبَد، وَكَابَدْتُ مِنْهُ عَقَبَةً كَؤُودا، وَقَاسَيْتُ فِيهِ كَؤُودا بَاهِراً، وَقَدْ عَنَّانِي طَلَبُهُ، وَبَرَّحَ بِي، وَشَقَّ عَلَيَّ، وَاشْتَدَّ عَلَيَّ، وَجَهَدَنِي، وَبَهَرَنِي، وَتَكَاءَدَنِي، وَتَصَاعَدَنِي، وَتَصَعَّدَنِي، وَأَعْنَتَنِي.
وَهَذَا أَمْر قَدْ خُضْت إِلَيْهِ غَمَرَات الْحَوَادِث، وَرَكِبْتُ فِيهِ أَكْتَاف الشَّدَائِد، وَاقْتَعَدْتُ ظُهُور الْمَكَارِهِ، وَإِنَّهُ لأَمْر لا يُبْلَغُ إِلا بِشَقِّ الأَنْفُسِ، وَلا يُنَالُ إِلا بِعَرَق الْقِرْبَة، وَأَمْر دُونَهُ خَرْط الْقَتَاد. وَتَقُولُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فُلان يَطْلُبُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَطْلَباً مُحَالا، وَيَرُومُ مَرَاما مُسْتَحِيلا، وَقَدْ حَدَّثَتْهُ نَفْسه بِمَا لا يَكُونُ، وَأَطْمَعَتْهُ فِيمَا لا مَطْمَعَ فِيهِ، وَلا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَلا يَقَعُ فِي الإِمْكَانِ، وَلا تَصِلُ إِلَيْهِ مَقْدِرَة، وَلا يَبْلُغُ إِلَيْهِ مُرْتَقَى هِمَّة، وَلا تُبَلِّغُ إِلَيْهِ وَسِيلَة، وَلا يَعْلَقُ بِهِ سَبَب، وَلا تَظْفَرُ بِهِ أُمْنِيَّة، وَلا يَقَعُ فِي حِبَالَة أَمَل، وَلا تَنَالُهُ حِيلَةُ مُحْتَال.
وَقَدْ اِمْتَنَعَ عَلَيْهِ الأَمْرُ، وَاسْتَحَالَ عَلَيْهِ، وَأَعْجَزَهُ، وَأَعْيَاهُ، وَأَعْيَا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَمْرٌ مِنْ وَرَاءِ الطَّاقَةِ، وَمِنْ فَوْقِ الإِمْكَانِ، وَإِنَّهُ لأَمْر يَسِمُ طَالِبه بِالْعَجْزِ، وَيَرْمِيه بِالْفَشَلِ، وَإِنَّمَا هُوَ جِسْرٌ لا يُعْبَرُ، وَكَنَف لا يُوطَأُ، وَعَقَبَة لا تُرْتَقَى.
وَتَقُولُ مَالِي بِهَذَا الأَمْرِ يَدَانِ، وَلا يَد لَك فِي هَذَا الأَمْرِ، وَلا قِبَلَلَك بِهِ، وَلا يَسَعُهُ طَوْقك، وَهُوَ أَمْرٌ يَقْصُرُ عَنْهُ بَاعك، وَيَفُوتُ مَبْلَغ ذَرْعك، وَإِنَّهُ لأَمْر مِنْ دُونِهِ شَيْب الْغُرَاب، وَمُخّ النَّعَام، وَمُخّ الْبَعُوض، وَلَبَن الطَّيْر
وَيُقَالُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ تَأَتَّى لَهُ الأَمْر، وَتَيَسَّرَ، وَاسْتَيْسَرَ، وَتَسَهَّلَ، وَتَسَنَّى، وَتَهَيَّأَ، وَانْقَادَ، وَاسْتَقَادَ، وَقَدْ لانَتْ لَهُ أَعْطَاف الأُمُور، وَعَنَتْ لَهُ رِقَابهَا، وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ قِيَادِهَا،وَاسْتَسْلَمَتْ إِلَيْهِ بِأَعِنَّتِهَا، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ مَقَالِيدهَا.
وَقَدْ طَلَبَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَطْلَباً سَهْلا، وَرَامَ شَيْئاً أَمَماً، وَهَذَا أَمْر يَسِير، وَمَيْسُور، سَهْل الْمُلْتَمَس، سَلِس الْمَطْلَب، سَلِس الْمَقَادَة، دَانِي الْمَنَال، مَبْذُول الْمَنَال، قَرِيب النُّجْعَة، قَرِيب الْمَنْزِع، مُذَلَّل الأَغْصَان، دَانِي الْقُطُوف.
وَهَذَا أَمْر لا كُلْفَةَ فِيهِ عَلَيْك، وَلا مَشَقَّةَ، وَلا عُسْرَ، وَلا صُعُوبَةَ، وَلا عَنَاءَ، وَلا مَؤُونَةَ، وَهُوَ عَلَى حَبْل ذِرَاعك، وَعَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ.
وَيُقَالُ شَارَفَ الأَمْر إِذَا دَنَا مِنْهُ وَقَارَبَ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ، وَقَدْ كَثَبَهُ الأَمْرُ، وَأَكَثَبَهُ، وَطَفَّ لَهُ، وَأَطَفَّ، وَاسْتَطَفَّ، وَسَنَحَ، وَأَعْرَضَ، وَأَشْرَفَ، إِذَا دَنَا مِنْهُ وَأَمْكَنَهُ.
وَفِي الأَمْثَالِ " كَثَبَكَ الصَّيْدُ فَارْمِهِ "، و " أَعْرَضَ لَك الصَّيْدُ فَارْمِهِ ".
وَيُقَالُ أَتَاهُ هَذَا الأَمْرُ غَنِيمَة بَارِدَة، وَمَغْنَماً بَارِداً، وَأَتَاهُ عَلَى اِغْتِمَاض، وَهَذَا أَمْر أَتَاك هَنِيئاً، وَنَالَ فُلان الْمُلْك وَادِعاً، وَأَدْرَكَ فُلان هَذَا الأَمْر عَفْواً صَفْواً، وَأَتَيْتُهُ بِهِ رَهْواً سَهْواً، كُلّ ذَلِكَ لِمَا يُنَالُ عَلَى غَيْرِ كُلْفَة.
وَيُقَالُ افْعَلْ ذَلِكَ فِي سَرَاحٍ وَرَوَاحٍ أَيْ فِي سُهُولَة وَاسْتِرَاحَة.











مصادر و المراجع :      

١- نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد

المؤلف: إبراهيم بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن جنبلاط بن سعد الْيَازِجِيّ الْحِمْصِيّ نصراني الديانة (المتوفى: 1324هـ)

الناشر: مطبعة المعارف، مصر

عام النشر: 1905 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید