المنشورات
تَوَقُّعِ الأَمْرِ وَمُفَاجَأَتِهِ
يُقَالُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَتَوَقَّعُهُ، وَأَتَرَقَّبُهُ، وَأَتَرَصَّدُهُ، وَأَنْتَظِرُهُ، وَأُقَدِّرُهُ، وَأَظُنُّهُ، وَأَحْتَسِبُهُ، وَأَتَوَهَّمُهُ، وَأَتَخَيَّلُهُ.
وَلَمْ يَعْدُ الأَمْرُ مَا كَانَ فِي حِسْبَانِي، وَفِي تَقْدِيرِي، وَمَا كَانَ يُصَوِّرُهُ لِي الظَّنُّ، وَتُمَثِّلُهُ لِي الْفِرَاسَة، وَتُحَدِّثُنِي بِهِ الظُّنُون.
وَهَذَا مَا أَسْفَرَتْ عَنْهُ الدَّلائِل، وَشَفَّتْ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَأَوْمَأَتْ إِلَيْهِ الْمُقَدِّمَات، وَنَطَقَتْ بِهِ شَوَاهِد الْحَال، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ، وَيَتَمَثَّلُ لِحِسِّي، وَيَخْطُرُ بِبَالِي، وَيَجْرِي فِي خَلَدِي، وَيَهْجِسُ فِي صَدْرِي، وَيَتَخَالَجُ فِي صَدْرِي، وَيَحُكُّ فِي صَدْرِي.
وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ كَذَا، وَأُوقِعَ فِي نَفْسِي، وَأُلْقِيَ فِي خَلَدِي، وَأُلْقِيَ فِي رُوعِي، وَنُفِثَ فِي رُوعِي.
وَهَذَا أَمْر كُنْت أَتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ كَذَا، وَأُحَاذِرُ، وَأُشْفِقُ، وَقَدْ أَوْجَسْتُ مِنْهُ خِيفَة، وَتَوَجَّسْتُ مِنْهُ شَرّاً، وَكُنْتُ أُضْمِرُ حِذَاره، وَأَسْتَشْعِرُ خَشْيَته، وَكَأَنَّمَا كُنْتُ أَسْتَشِفُّهُ مِنْ وَرَاءِ حُجُبِ الْغَيْبِ، وَكَأَنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ بِلَحْظ الْغَيْب.
وَتَقُول فِي ضِدِّهِ: فَجِئَهُ الأَمْر، وَبَغَتَهُ، وَبَدَهَهُ، وَدَهَمَهُ، وَجَاءَهُ الأَمْرُ بَغْتَة، وَفَجْأَة، وَفُجَاءَة، وَفَاجَأَهُ عَلَى غَفْلَة، وَعَلَى حِينِ غِرَّة، وَبَاغَتَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُهُ، وَدَاهَمَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَتَوَقَّعُهُ، وَهَذَا أَمْر لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسْبَانِ، وَلَمْ يَجْرِ فِي خَاطِر، وَلَمْ يَخْطُرْ فِي بَال، وَلَمْ يَهْجِسْ فِي ضَمِير، وَلَمْ يَحُكَّ فِي صَدْر، وَلَمْ يَضْطَرِبْ بِهِ جَنَان، وَلَمْ تَخْتَلِجْ بِهِ حَاسَّة، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِهِ خَاطِر، وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ ظَنّ، وَلَمْ يَسْبِقْ بِهِ حَدْس، وَلَمْ يَسْنَحْ فِي فِكْر، وَلَمْ يَتَصَوَّرْ فِي وَهْم، وَلَمْ يَتَمَثَّلْ فِي خَيَال، وَلَمْ يَرْتَسِمْ فِي مُخَيِّلَة، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي سَمَاءِ الْوَهْمِ سَحَاب.
وَتَقُولُ مَا شَعَرْتُ إِلا بِكَذَا، وَمَا رَاعَنِي إِلا مَجِيء فُلان، وَقَدْ أَظَلَّنِي أَمْر كَذَا عَلَى غَيْرِ حِسْبَان، وَعَلَى غَيْرِ اِنْتِظَار، وَمَا قَدَّرْتُ أَنْ يَكُونَ الأَمْر كَذَا، وَلا خِلْتُهُ، وَلا ظَنَنْتُهُ، وَلا حَسِبْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ الأَمْر عَلَى مَا رَجَمْتُهُ، وَمَا تَوَهَّمْتُهُ، وَهَذَا أَمْر مَا رَبَأْتُ رَبْأَهُ أَيْ مَا شَعَرْتُ بِهِ وَلا تَهَيَّأْتُ لَهُ.
وَيُقَالُ اغْتَرَّهُ الأَمْر إِذَا أَتَاهُ عَلَى غِرَّة، وَمَا زَالَ فُلان يَتَوَقَّعُ غِرَّة فُلان حَتَّى أَصَابَهَا أَيْ يَتَرَصَّدُ غَفْلَته، وَقَدْ اِهْتَبَلَ غِرَّته، وَاهْتَبَلَ غَفْلَته، وَافْتَرَصَهَا، وَانْتَهَزَهَا، أَيْ اغْتَنَمَهَا، وَيُقَالُ اهْتَبَلَ الصَّيْد أَيْ اغْتَرَّهُ، وَتَغَفَّلَ فُلانا، وَاسْتَغْفَلَهُ، أَيْ تَحَيَّنَ غَفْلَته لِيَخْتلهُ.
وَيُقَالُ طَرَأَ عَلَيْهِ أَمْرُ كَذَا، وَدَرَأَ عَلَيْهِ، إِذَا أَتَاهُ فَجْأَةً أَوْ أَتَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ، وَطَرَأَ عَلَى الْقَوْمِ، وَدَرَأَ عَلَيْهِمْ، إِذَا طَلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرُونَ.
وَانْبَثَقَ عَلَيْهِمْ الأَمْرُ هَجَمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِ، وَانْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ الدَّوَاهِي إِذَا أَتَتْهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَغْتَة، وَكَذَلِكَ اِنْبَثَقَ عَلَيْهِمْ الْقَوْم، وَانْفَجَرُوا، وَقَدْ صَبَّحُوهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ أَيْ غَافِلُونَ.
وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ " مِنْ مَأْمَنِهِ يُؤْتَى الْحَذِر ".
وَيُقَالُ: هَجَمَ عَلَى الْقَوْمِ، وَدَمَرَ عَلَيْهِمْ، وَدَمَقَ عَلَيْهِمْ، وَانْدَمَقَ، إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
وَوَغَلَ عَلَى الْقَوْمِ فِي شَرَابِهِمْ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى، وَوَرَشَ عَلَيْهِمْ فِي طَعَامِهِمْ كَذَلِكَ، وَهُوَ وَاغِل، وَوَارِش.
مصادر و المراجع :
١- نجعة الرائد وشرعة
الوارد في المترادف والمتوارد
المؤلف: إبراهيم
بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن جنبلاط بن سعد الْيَازِجِيّ
الْحِمْصِيّ نصراني الديانة (المتوفى: 1324هـ)
الناشر: مطبعة
المعارف، مصر
عام النشر: 1905
م
17 يوليو 2024
تعليقات (0)