المنشورات

الإنصاف:

إذا كان لك صديق تحبه وتواليه ثم هجمت من أخلاقه على ما لم يحل في نظرك, ولم يتفق مع ما علمت من حاله، وما أطرد عندك من أعماله، أو كان لك عدو تذم طباعه، وتنقم منه شئونه، ثم برقت لك من جانب أخلاقه بارقة خير فتحدثت بما قام في نفسك من مؤاخذة صديقك على الهفوة التي ذممتها، وحمد عدوك على الخلة التي حمدتها، عدك الناس متلونا أو مخادعا أو ذا وجهين تمدح اليوم من تذم بالأمس وتذم في ساعة من تمدح في أخرى, وقالوا: إنك تظهر ما لا تضمر وتخفي غير الذي تبدي، ولو أنصفوك لأعجبوا بك وبصدقك، ولأكبروا سلامة قلبك من هوى النفس وضلالها، ولسموا ما بدا لهم منك اعتدالا لا نفاقا، وإنصافا لا خداعا؛ لأنك لم تغل في حب صديقك غلو من يعميه الهوى عن رؤية عيوبه ولم تتمسك من صداقته بالسبب الضعيف فعنيت بتعهد أخلاقه، وتفقد خلاله، لإصلاح ما فسد من الأولى، واعوج من الأخرى. 
إن صديقك الذي يبسم لك في حالي رضاك وغضبك، وحلمك وجهلك، وصوابك وسقطك، ليس ممن يغتبط بمودته، أو يوثق بصداقته؛ لأنه لا يصلح أن يكون مرآتك التي تتراءى فيها فتكشف لك عن نفسك وتصدقك عن زينك وشينك، وحلوك ومرك، وهو إما جاهل متهور في ميوله وأهوائه فلا يرى غير ما تريد أن ترى نفسه لا ما يجب أن تراه، وإما منافق مخادع قد علم أن هواك في الصمت عن عيوبك وتجرير الذيول عليها فجاراك فيما تريد، ليبلغ منك ما يريد.
فها أنت ترى أن الناس يعكسون القضايا ويقلبون الحقائق فيسمون الصادق كاذبا، والكاذب صادقا، ولكن الناس لا يعلمون.













مصادر و المراجع :      

١- النظرات

المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ)

الناشر: دار الآفاق الجديدة

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ- 1982م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید