المنشورات

الكذب:

كذب اللسان من فضول كذب القلب، فلا تأمن الكاذب على ود، ولا تثق منه بعهد، واهرب من وجهه الهرب كله، وأخوف ما أخاف عليك من خلطائك وسجرائك الرجل الكاذب.
عرف الحكماء الكذب بأنه مخالفة الكلام للواقع ولعلهم جاروا في هذا التعريف الحقيقة العرفية ولو شاءوا لأضافوا إلى كذب الأقوال كذب الأفعال.
لا فرق بين كذب الأقوال وكذب الأفعال في تضليل العقول والعبث بالأهواء وخذلان الحق واستعلاء الباطل عليه، ولا فرق بين أن يكذب الرجل فيقول إني ثقة أمين لا أخون ولا أغدر فأقرضني مالا أؤده إليك ثم لا يؤديه بعد ذلك، وأن يأتيك بسبحة يهمهم بها فتنطق سبحته بما سكت عنه لسانه من دعوى الأمانة والوفاء فيخدعك في الثانية كما خدعك في الأولى، لا بل يستطيع كاذب الأفعال أن يخدعك ألف مرة قبل أن يخدعك كاذب الأقوال مرة واحدة؛ لأنه لا يكتفي بقول الزور بلسانه حتى يقيم على قضيته بينة كاذبة من أحواله وأطواره.
ليس الكذب شيئا يستهان به فهو أس الشرور ورذيلة الرذائل فكأنه أصل والرذائل فروع له، بل هو الرذائل نفسها وإنما يأتي في أشكال مختلفة ويتمثل في صور متنوعة.
المنافق كاذب؛ لأن لسانه ينطق بغير ما في قلبه، والمتكبر كاذب؛ لأنه يدعي لنفسه منزله غير منزلته، والفاسق كاذب؛ لأنه كذب في دعوى الإيمان ونقض ما عاهد الله عليه، والنمام كاذب؛ لأنه لم يتق الله في فتنته، فيتحرى الصدق في نميمته، والمتملق كاذب؛ لأن ظاهره ينفعك وباطنه يلذعك.
لقد هان على الناس أمر الكذب حتى إنك لتجد الرجل الصادق فتعرض على الناس أمره وتظرفهم بحديثه كأنك تعرض عجائب المخلوقات، وتتحدث بخوارق العادات.
فويل للرجل الصادق من حياة نكدة لا يجد فيها حقيقة مستقيمة، وويل له من صديق يخون العهد، ورفيق يكذب الود، ومستشار غير أمين، وجاهل يفشي السر، وعالم يحرف الكلم عن مواضعه، وشيخ يدعي الولاية كذبا، وتاجر يغش في سلعته، ويحنث في أيمانه، وصحفي يتجر بعقول الأحرار كما يتجر النخاس بالعبيد والإماء، ويكذب على نفسه وعلى الله وعلى الناس في كل صباح ومساء،













مصادر و المراجع :      

١- النظرات

المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ)

الناشر: دار الآفاق الجديدة

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ- 1982م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید