إن المرأة المصرية شقية بائسة ولا سبب لشقائها وبؤسها إلا جهلها وضعف مداركها.
إنها لا تحسن عملا ولا تعرف باب مرتزق ولا تجد بين يديها سلعة تتجر بها وتقتات منها إلا قلب رجل، فإن استطاعت أن تمتلكه عاشت عيشا رغدا، أو لا فلا مفر لها من الشقاء من المهد إلى اللحد.
ودون امتلاكها هذا القلب القاسي المتحجر أهوال عظام وعقبات لو كلف الرجل على ما به من قوة وأيد وسعة حيلة أن يجتاز عقبة واحدة منها لسقط بين اليأس والاستسلام.
متى بلغت الفتاة سن الزواج سواء أكان ذلك على تقدير الطبيعة أو تقدير أولئك الجهلاء أولياء أمر تينك الفتاتين استثقل أهلها ظلها وبرموا بها وحاسبوها على المضغة والجرعة، والقومة والقعدة، ورأوا أنها عالة عليهم، وأن لا حق لها في العيش في منزل لا يستفيد من عملها شيئا، وودوا لو طلع عليهم وجه الخاطب يحمل في جبينه آية البشرى بالخلاص منها.
وإن قوما هذا مبلغ عقولهم من الفهم وقلوبهم من القسوة وهذه منزلة فلذات أكبادهم من نفوسهم لا يمكن بحال من الأحوال أن يفاوضوها في اختيار الزوج أو يحسنوا الاختيار لها.
فإن دخلت هذا المنزل الجديد الذي لا تعرفه ولا تعرف شأنا من شئون صاحبه دخلت في دور الجهاد العظيم بينها وبين قلب الرجل.
فإن كانت ذات جمال أو مال فقد استوثقت لنفسها, وأمنت آلام الهجر وفجائع التطليق، وإلا فهي تقاسي كل صباح ومساء في الحصول على الحسن المجلوب، والجمال المصنوع، آلاما جثمانية تطفئ نور شبيبتها, وتذبل زهرة حياتها، وتلاقي في سبيل مصانعة الزوج ومداراته والبكاء في موضع الابتسام إن ابتسم، والابتسام في موضع البكاء إن بكى، ما يجعل أخلاقها فضاء مملوءا بالكذب والكيد، والخبث والرياء، وهي على ذلك تنتظر من فم زوجها في كل ساعة كلمة الطلاق، كما ينتظر القاتل من فم قاضيه كلمة الإعدام.
ليست كلمة الإعدام من قبيل الاستعمال المجازي فما أنس لا أنسى ليلة زرت فيها صديقا لي فرأيت عند باب منزله امرأة بائسة ليس وراء ما بها من الهم غاية، وكأنما هي الخلال رقة وذبولا، ووراءها صبية ثلاث يدورون حولها، ويجاذبونها طرف ردائها، فتسبل فضل مئزرها على مآقيها المقرحة رأفة بهم أن يلموا ببعض شأنها فيبكوا لبكائها، فسألتها عن شأنها فأخبرتني أنها مطلقة من زوجها, وأن بيدها حكما من المحكمة الشرعية بالنفقة لأولادها وقد مر عليها زمن طويل و"الإدارة" تماطلها في إنفاذه، فجاءت إلى هذا الصديق تستعين به على أمرها، ثم أخذت تشرح من حالها وحال أطفالها في مقاساة الشدة ومعالجة القوت، ما أسال شئوننا، وصعد زفراتنا، وأمسكنا له أكبادنا خشية أن تصدعا.
فخففت أنا وصديقي شيئا من آلامها فانصرفت، وفي صباح تلك الليلة سمعنا أن امرأة فقيرة ماتت بحمى دماغية فسألنا عنها فعلمنا أنها صاحبتنا بالأمس, وأنها ماتت شهيدة الزوجية الفاسدة.
أيها الرجل، إن كنت تعتقد أن المرأة إنسان مثلك وهبها الله مدارك مثل مداركك، واستعدادا مثل استعدادك، فعلمها كيف تأكل لقمتها من حرفة غير هذه الحرفة النكدة، وإلا فأحسن إليها وارحمها كما ترحم كلبك وشاتك.
إن كنت زوجا فلا تطردها من منزلك بعد أن تقضي مأربك منها كما تصنع بنعلك التي تلبسها، وإن كنت أبا فهذه فلذة كبدك لا تضق بها ذرعا ولا تلق بها في حجر وحش ضار يأكل لحمها، ويمتص دمها، ثم يلقي إليك بعظامها.
ويا أيها المحسنون، والله لا أعرف لكم بابا في الإحسان تنفذون منه إلى عفو الله ورحمته أوسع من باب الإحسان إلى المرأة.
افتحوا لها المكاتب، وابنوا لها المدارس, وعلموها من العلم ما يرفع همتها، ويرقي آدابها، ومن الصناعة ما يناسب قوتها, وما يشبع جوعتها، إن نبا بها دهر، أو تجهم لها حظ.
علموها لتجعلوا منها مدرسة يتعلم فيها أولادكم قبل المدرسة، وأدبوها ليتربى في حجرها المستقبل العظيم، للوطن الكريم.
مصادر و المراجع :
١- النظرات
المؤلف: مصطفى
لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ)
الناشر: دار
الآفاق الجديدة
الطبعة: الطبعة
الأولى 1402هـ- 1982م
تعليقات (0)