المنشورات

خصوم سعد باشا:

2- والله لا ندري ما هي دالتكم علينا وصنيعتكم عندنا ونعمتكم التي قلدتم بها أعناقنا فتطلبوا إلينا كل يوم في خطبكم وبياناتكم ورسائلكم وكل ما تهتف به ألسنتكم وأقلامكم أن ننفض من حول سعد باشا ونلتف من حولكم، ونخذله وننصركم، ونفارق طاعته إلى طاعتكم!
لسعد باشا على الأمة ثلاث أيادٍ لا نستطيع أن ننساها مدى الدهر: أنه أسس الوحدة المصرية التي عجزت عنها القرون الثلاثة عشر الماضية، وأنه نقل الفكرة الوطنية من دور الأماني والأحلام إلى دور الجد والعمل، وأنه نشر الدعوة الوطنية في أنحاء العالم كله حتى وجدت فيه مسألة تسمى "المسألة المصرية" إن لم تتحقق فيها الآمال اليوم فغدا، فماذا قدمتم أنتم إلينا من الخدم وقلدتم به أعناقنا من المنن؟!
هبونا كما تزعموننا قوما سذجا بسطاء طائشي العقول والأحلام لا نستطيع أن نعيش بغير معبود نعبده ونخنع له، أليس من الطبيعي والمعقول أن نفضل عبادة الشمس التي نرى نورها ونشعر بحرارتها ونتمتع بضيائها على عبادة الحشرات التي لا نكاد نشعر بوجودها، ولا نرى لها فائدة في شئون حياتنا؟
من أنتم أيها القوم، وأي شأن لكم عندنا، وما هي الصلة النفسية التي تجمع بيننا وبينكم، وأين مواقفكم التي وقفتموها في خدمة قضيتنا، وأين صحائفكم التي شغلتموها من تاريخ بلادنا، وما الذي يغرنا بكم ويبهرنا من شئونكم لنعبدكم ونستسلم إليكم ونضع في أيديكم قيادنا وقياد حاضرنا ومستقبلنا؟
إنا نعرفكم جميعا بأشخاصكم وأعيانكم, ونعرف جميع ميولكم وأهوائكم والجهة التي تتجهون إليها دائما في شئون حياتكم، والسياسة التي تظاهرونها وتمالئونها مذ برزتم إلى الوجود حتى اليوم، ونعرف أنكم ذلك الفريق الذي يعثر به المستعمر دائما في كل أمة يريد القضاء عليها فيستعين به على أغراضه ومآربه لا أكثر من ذلك ولا أقل، فكيف تطمعون في أن نتخذكم زعماء لنا في سياستنا، بل كيف تطمعون في أن نعدكم مصريين تشتركون معنا في شعورنا وإحساسنا. 
سعد باشا يبني الوحدة الوطنية وأنتم تهدمونها، سعد باشا يحارب خصومنا ويناوئهم وأنتم توالونهم وتظاهرونهم، سعد باشا يبكي دما يوم يستشهد شهيد منا في سبيل وطنه وأنتم تشمتون به وتفرحون وتقولون: هذا جزاء المخاطرة والمجازفة، سعد باشا يثير الثائرة كل يوم على الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية وأنتم ترضون عنها, بل تؤيدونها, بل تشتركون في وضع موادها، سعد باشا يريد أن تتطهر الإدارة المصرية من رذائل الكذب والنفاق والظلم والإرهاق وأنتم تغرونها بارتكاب هذه الرذائل جميعها وتمالئونها عليها وتغضبون وتصخبون كلما شعرتم أن يدا من الأيدي تحاول زحزحة الستار عنها، سعد باشا يصيح في جميع مواقفه ومشاهده يجب أن يكون الشعب حرا مطلقا يختار لنفسه السياسة التي يريدها وأنتم تصيحون يجب أن يساق الشعب إلى السياسة التي تراد منه؛ لأنه شعب جاهل منحط لا يفهم مصلحته ولا يستطيع تقديرها، سعد باشا يصادق الأحرار من أعضاء مجلس النواب الإنجليزي ليستعين بهم على حكومتهم الاستعمارية وأنتم تصادقون أعضاء تلك الحكومة أنفسهم لتستعينوا بهم على استعباد أمتكم وإرهاقها، سعد باشا يربي الأمة على الفضيلة وشرف الخلق ويبث فيها روح الهمة والعزيمة والأنفة والصدق والصراحة والشرف والإباء, وأنتم تفسدون أخلاقهم وتمزقون أديم آدابها, وتطلبون من القاضي أن يحكم بغير ما يعتقد, ومن الشاهد أن يشهد بغير ما يعلم, ومن الفقيه أن يفتي بما يخالف أحكام دينه وقواعده, ومن الموظف أن يعتمد في رقيه وتقدمه على المداهنة والمداجاة لا على الكفاءة والعمل, ومن التلميذ أن يطرق إلى نجاحه في الامتحان باب "التأييد" والتوقيع لا باب الجد والاجتهاد، ومن الفلاح أن يبيع ذمته وضميره برتبة أو لقب أو قضاء مصلحة مالية, ومن الكاتب أن يحول قلمه الذي وضعته الأمة في يده ليدافع به عنها ويذود عن مصلحتها إلى سهم رائش مسموم يصيب به صميم قلبها، ومن الأمة كلها أن تتجرد من شخصيتها وهويتها وتتحول إلى قطيع من الأغنام يسير به كل راعٍ في الطريق التي يريدها.
سعد باشا يقول فيصدق وما عرفنا له كذبة قط مذ عرفناه واتصلنا به حتى اليوم، وأنتم تطلعون علينا كل يوم بأكذوبة جديدة لا ينتهي العجب منها حتى تتبعها أختها, حتى سقطتم من أعيننا سقطة لم تسقطها طائفة من قبلكم، وحتى قال عنكم بعض أصحاب الرأي من الشيوخ المحنكين: إنكم قد أفسدتم من أخلاق الأمة في بضعة شهور فوق ما أفسد الاحتلال الإنجليزي منها في أربعين عاما.
فهل من أجل هذا ننفض من حول سعد باشا ونلتف من حولكم، ونخذله وننصركم، وننزع عن رأسه تاج الزعامة لنضعه فوق رءوسكم؟!
إنكم إذن تريدون أن تقرروا أن أرض مصر قد استحالت إلى دار مارستان كبرى يعيش فيها أربعة عشر مليونا من المخبولين, وأن تشهدوا العالم كله على أننا أمة بلهاء ممرورة لا تستحق استقلالا كاملا ولا ناقصا, بل لا تستحق البقاء في هذا الوجود.
ليس لنا أيها القوم زعيم نعبده ونخنع له غير المبدأ، وما ولينا سعدا باشا زعامتنا إلا لأنه ينزل على إرادتنا، وإرادتنا أن لا ينزل على إرادتكم، ولا يأخذ برأيكم، ولا يسير في أي طريق يعلم أنكم تسيرون فيها، وما دام هذا شأنه فمحال أن نغدر به ونخفر ذمته، ومحال أن نخلي بينكم وبينه ونسمح لكم بشفاء غليلكم منه ونحن شهود نسمع ونرى.
عجبا لكم, فيكم العالم والمستنير والفيلسوف والكهل المجرب والشيخ المحنك, فكيف فاتكم جميعا أن تفهموا أن للطبيعة سنة لا يمكن تحويلها ولا تبديلها، وأن تحويل أمة مستنيرة ذكية عددها أربعة عشر مليونا من الحياة إلى الموت في بضعة شهور ليس بالأمر السهل الهين، وأن نقل الزعامة من يد إلى يد ليس من الأشياء الخاضعة لقانون الحول والقوة, بل لقانون الانتخاب الطبيعي الذي تخضع له الجمعية البشرية منذ أشرقت عليها شمس الحياة حتى اليوم، وأن توجيه النفس الإنسانية من شعور إلى ضده لا يأتي من طريق القوة والقهر, بل من طريق الحجة والإقناع أو من طريق الاستدراج والاستهواء على الأقل.
ما أشد غروركم بأنفسكم أيها القوم! وما أشد احتقاركم لأمتكم! أما غروركم بأنفسكم فلأنكم ظننتم أنكم بإلقاء بعض الخطب وكتابة بعض الرسائل وتدبير بعض المكائد وإنفاق بعض الأموال تستطيعون تحويل الأمة المصرية بأجمعها من حب سعد إلى بغضه، ومن الثقة به إلى الثقة بغيره، ومن التمسك والتشدد في المطالب الوطنية إلى القناعة والتهاون فيها، ومن سوء الظن بالسياسة الإنجليزية إلى حسن الظن بها، ومن السخط على مشروع ملنر إلى الرضا عنه والاغتباط به، بدون استناد إلى حجة ولا برهان، كأن ما تفضون به إلى الناس آيات منزلة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وما طمع صاحب الآيات المنزلة نفسه -جل جلاله- أن يؤمن الناس بآياته ويذعنوا لها دون أن يدعمها بالحجة والبرهان، وأما احتقاركم لأمتكم فهو اعتقادكم أنها أمة بسيطة ساذجة تأتي بها كلمة وتذهب بها كلمة وتعلو بها فكرة وتهبط بها أخرى، وكأنما أنتم تقولون في أنفسكم: إن الروح الوطنية التي تختلج في صدرها إنما هي روح صناعية غرستها الحوادث والظروف, فلم لا تنتزعها الحوادث والظروف، وإن الوحدة الوطنية التي تربط بين أجزائها إنما هي وحدة كاذبة موهومة فلم لا نبددها ونمزق شملها، وإن المنزلة التي نالها سعد باشا فيها إنما نالها بالسفسطة والثرثرة فلم لا نسلط عليها السفسطة والثرثرة لتذهبا بها، وما دام هذا مقدار عقلها وتصورها فمن السهل علينا أن نعدها بأننا نحن الذين سننيلها جميع آمالها ومطالبها لتطمئن إلينا حتى إذا حان وقت الوفاء بوعدنا قدمنا لها القيد الحديدي الذي أعددناه لها, وسميناه خلخالا ذهبيا فتصدق وتغتبط وتستطير فرحا وسرورا.
إن كان هذا هو ما تضمرون في أنفسكم, وما أحسبكم تضمرون غيره, فوالله ما احتقر أحد في العالم هذه الأمة احتقاركم لها ولا رأى شعب من الشعوب فيها حتى الشعب الذي يستعبدها ويستذلها هذا الرأي الذي ترونه، واسمحوا لي أن أقول لكم بعد ذلك: إنه ما دامت أفكاركم وآراؤكم في المجتمع وشئونه والأمم وطبائعها والنفوس ومشاعرها لا يمكن أن تتجاوز هذا القدر الذي وصلت إليه, فليس بينكم رجل واحد يستطيع أن يكون زعيما لأمة أو زعيما لقرية أو زعيما لنفسه.
إلى خصوم سعد باشا:
3- إن كنتم تريدون أن تجردوا سيف القوة والقهر على رءوسنا لتستلوا من بين أشداقنا كلمات الحمد لكم والثناء عليكم, والاعتراف بأنكم أصدق الناس وطنية وأشدهم إخلاصا وأعدلهم حكما وأسدهم رأيا وأبعدهم نظرا, وأنكم خير من يتولى قيادة المسألة المصرية حتى يبلغ بها الغاية المرجوة لها, فلكم ما شئتم وفوق ما شئتم، ولا عار علينا في ذلك؛ ففينا الضعيف والعاجز والمضطر وصاحب الحاجة، ومن قبلكم عالجت محكمة التفتيش في أسبانيا من أهليها مثل ما تعالجون منا اليوم فنطق الموحد بكلمة التثليث، ولبس صاحب العمامة القلنسوة، وعلق حامل المصحف الصليب، ومن قبل ذلك أرغم كثير من أمراء الإسلام العلماء والفقهاء على اتباع المذاهب والنحل التي ينتحلونها, فلم يجدوا بدا من الإذعان لهم والنزول على حكمهم، غير أن لنا عندكم رجاء واحدا لا نضرع إليكم في شيء سواه، وهو أن تعترفوا بالطريقة التي حملتمونا بها على الإذعان والتسليم وألا تكذبوا علينا فتنشروا في الناس أنكم أقنعتمونا فاقتنعنا، وأقمتم لنا الحجة فسلمنا، وأننا آمنا بكم طائعين مختارين، فتلك النكبة العظمى والرزيئة الكبرى التي لا قبل لنا باحتمالها، وخير لنا أن يتحدث الناس عنا أننا ضعفنا وجبنا بين أيديكم فلم نستطع إلا النزول على حكمكم, والتسليم لكم بما تريدون من أن يقولوا عنا: إننا انخدعنا بكم, وصدقنا أكاذيبكم.
لا نطيق أن يتحدث الناس عنا أننا صدقنا أن أصدقاء الحماية بالأمس أعداؤها اليوم، وأن الذين أغمدوا في صدورنا تلك الخناجر المسمومة قد تحولوا اليوم إلى أطباء راحمين يحاولون انتزاعها منا، وأن الفارين من صفوف الجيش الوطني إلى صفوف جيش العدو ليحاربونا معه ويعينوه علينا وطنيون مخلصون، وأن الذين يرمون الأمة بالجهل والغباوة والانقياد إلى زعمائها انقياد القطيع لراعيه بلا تصور ولا إدراك أصدقاء لها, يعطفون عليها ويتمنون لها الخير والسعادة، وأن اتفاق السياستين سياسة الحكومة المصرية وسياسة الحكومة الإنجليزية في الأقوال والأفعال والشعور والإحساس والميول والرغبات والأساليب والتصورات من باب توارد الخواطر ووقوع الحافر على الحافر كما يقول البلاغيون، وأن الديموقراطية الصحيحة هي أن تخضع أكثرية الأمة العظمى لأقليتها الضئيلة المتهالكة, فإن لم تفعل فهي المنقسمة والمنشقة والمنحرفة عن سواء السبيل، وأن الزعيم الوطني يجب أن يكون رجلا مجردا من صفات البطولة والنبوغ والشخصية القوية والذكاء الخارق ليصلح لزعامة الأمة وقيادتها، وأنه كان من الواجب على سعد باشا كلما برز إليه رجل من الرجال وقال له: تنح لي عن زعامة الأمة وقيادتها لأتولاها من دونك وأمدني فوق ذلك بقوتك ونفوذك وثقتك لأستطيع أن أنزل من نفوس الأمة المنزلة التي تنزلها, وأتمتع بحبها واحترامها بدلا منك وجب عليه أن يفعل ذلك, فإن أبى فهو مستبدّ جبار لا تقع تبعة انقسام الأمة وتفرقها إلا على رأسه ولا يؤخذ بها أحد سواه، وأن المفاوض الذي لا يمثل إلا فئة قليلة من الشعب لا تجرؤ أن ترفع صوتها إلا بين جدران الحصون وتحت ظلال السيوف أعظم قوة وأكبر نفوذا وأثبت قدما وأقدر على استنزال مفاوضه على حكمه من الزعيم الذي يمثل أربعة عشر مليونا يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه، وأن المستر سوان وزملاءه القائلين بنظرية استقلال الأمة وحريتها وحقها المطلق في تقرير مصيرها قوم استعماريون محافظون, تجب مقاطعتهم ومجافاتهم وطردهم وإهانتهم، وأن اللورد ملنر منظم الحماية الإنجليزية في مصر ومسجلها عليها رجل حر شريف متسامح تجب مواصلته ومفاوضته والحفاوة به، وأن وفود جماعة من أعضاء مجلس النواب الإنجليزي إلى مصر كما يفد إليها السياح الأوروبيون في كل يوم للاطلاع على الحالة السياسية العامة فيها تداخل في شئوننا الداخلية يجب الغضب له والأنفة منه، أما صدور أمر من السلطة العسكرية الإنجليزية بمنع رجل مصري صميم من الانتقال من بلد إلى بلد فهو سائغ مقبول لا رائحة فيه للتداخل مطلقا, ولا خطر منه على استقلال الإدارة المصرية وحريتها، وأن الواجب علينا أن نصبر ونتريث وأن لا نسيء الظن بأعدائنا قبل أن نرى منهم عين الغدر، وأن نسمح لهم بالزحف علينا، ثم باجتياز العقبات التي تعترضهم في طريقهم إلينا, ثم باحتلال القلاع والحصون المشرفة علينا، ثم بتوجيه فوهات مدافعهم إلى منازلنا وبيوتنا، فإذا شرعوا في إلقاء القنابل وقذفها علمنا أنهم يريدون السوء بنا فحاربناهم وقاومناهم، وأن سعدا باشا زعيم الأمة ورئيسها المفدى وموضوع حبها واحترامها وإجلالها وإعظامها ظمآن إلى الرئاسة يتلهف شوقا إليها ويتهالك وجدا عليها، أما عدلي باشا فهو رجل زاهد فيها قالٍ لها ما يحتمل أن يشاك شوكة في سبيلها.
لا نطيق أن يتحدث الناس عنا أننا صدقناكم في شيء من هذا كله, ولو أننا فعلنا لوضعنا في أيديكم مستندا قويا هو أقوى في دلالته على غباوتنا وجهلنا من جميع المستندات التي جمعتموها حتى اليوم لتكون في يد السياسة الإنجليزية أسلحة تحتج بها علينا, وتدفع بها في صدور الذين يزعمون أننا أمة عاقلة رشيدة, نستطيع أن نحكم أنفسنا بأنفسنا.
اصنعوا بنا ما شئتم، وافتنوا في ظلمنا وإرهاقنا ما أردتم، وخذوا من عرائض الثقة والتأييد ما تملئون به غرف وزارة الخارجية الإنجليزية من أرضها إلى سمائها، فتلك إرادة الله التي لا محيص عنها، ولكن إياكم أن تزعموا أننا أعطيناكم من قلوبنا ما أعطيناكم من ألسنتنا، فذلك ما نغضب له كل الغضب وما يملأ صدورنا غيظا وحنقا.
نقسم لكم بالله أننا ما رأينا في حياتنا ولا في تاريخنا الحاضر أو الغابر أطمع ولا أشره منكم! ألم يكفكم مساعدة الدهر لكم ونزوله على حكمكم, وأن القوة الحربية من ورائكم تمدكم بكل ما تقترحون من سلاح وعدة، وأن في استطاعتكم متى شئتم أن تقهرونا على كل ما تريدون دون أن يحاسبكم عليه محاسب أو يراقبكم مراقب حتى أردتم أن تجمعوا إلى متعة الظلم الوحشي الذي تنعمون به متعة السمعة الحسنة, والذكرى الطيبة!
تريدون أن تظلموا فيسمي الناس ظلمكم عدلا، وأن تقتلوا فيقبّل المقتول أيديكم اعترافا بفضلكم، وأن تختلسوا الثقة من الناس اختلاسا فيشكر لكم هؤلاء الناس تفضلكم بقبول الهدية التي قدموها إليكم، وأن تضعوا الأغلال الثقيلة في عنق الأمة فترقص فرحا وسرورا بالعقود اللؤلؤية الجميلة التي قلدتم بها جيدها، وأن تملئوا الجو هواء ثقيلا خانقا فيستنشقه الناس هواء طلقا عليلا، وأن تضعوا على قرص الشمس حجابا كثيفا حتى ما ينبعث منها شعاع واحد, فيبتهج الناظرون بمنظر نورها المتلألئ الساطع.
لقد رمتم مراما لم يرمه أحد من قبلكم، وبلغتم في الأنانية والذاتية الغاية التي لا غاية وراءها، فآه لو استطعتم أن تفهموا وتيسر لكم أن تعلموا أن المستحيل لا يمكن أن يكون ممكنا, والممكن لا يمكن أن يكون مستحيلا, وألا وجود لشيء في العالم غير الحقيقة المجردة!
آه لو فهمتم أن هذه الأمة التي تحتقرونها وتزدرونها وتصفونها بالجهل والغباوة والغرارة والبساطة أمة عظيمة جدا لا مثيل لها بين الأمم في سلامة فطرتها وذكاء قلبها ودقة شعورها وإحساسها وسمو خصائصها ومزاياها, وأن عيبها الوحيد الذي لا عيب فيها سواه أنكم من أبنائها وسلائلها وأنكم العقبة الكئود التي لا تزال تعثر بها كلما حاولت المضي في طريقها والسعي إلى الغاية التي هيأتها الأقدار لها، ولولاكم ولولا أنكم اليد التي يضربها العدو بها والقنطرة التي يجتازها إليها لما استطاع أن يلمس شعرة من رأسها, ولا أن يخطو خطوة في أرضها, فمتى نفرغ منكم! ومتى يحكم الله بيننا وبينكم!
لا عذر لكم بعد اليوم، فقد قلتم كل شيء وفعلتم كل شيء، واستنفدتم جميع ما وهبكم الله من القوى العقلية والمادية ستة شهور كاملة في سبيل إسقاط سعد باشا فلم تسقطوه, وفي حمل الأمة على التهاون في حقها فلم تستطيعوا، فماذا تنتظرون؟
أمصممون أنتم على الاستمرار في خطتكم هذه إلى النهاية؟ أعازمون على أن تعتبروا الأمة كمية مهملة لا حساب لها، وأن تؤلفوا من هذه الفئة البسيطة المسكينة جمعية وطنية تزعمون أنها الأمة بأجمعها لتصدق لكم على المشروع الإنجليزي المنتظر؟
إن كان هذا هو ما تريدون وما أحسبكم تريدون غير هذا, فاعلموا أن للأمة شأنها المستقل عن شأنكم وشأن مشروعكم وجمعيتكم، وأن ما تعملونه لا ينفعكم ولا ينفع أصدقاءكم، ولا يغني عنكم ولا عنهم شيئا.
إلى خصوم سعد باشا:
4- أتدرون ماذا فعلتم بالأمس في أسيوط وماذا كنتم تريدون أن تفعلوا في كل بلد ينزله سعد باشا في رحلته لو وجدتم إلى ذلك سبيلا؟
إنكم قد وقعتم بأنفسكم على صك اعترافكم بعجزكم وقصوركم وفراغ أيديكم من كل حول وقوة، وإن هذا منتهى ما في وسعكم وكل ما تملك أيمانكم.
أبعد ستة شهور كاملة تكتبون وتخطبون وتدسون وتكيدون وتلفقون وتكذبون وتصادرون حرية الألسنة والأقلام والنظر والتفكير، وتنثرون ذهب المعز، وتجردون سيفه في كل بقعة وأرض؛ لتكوين حزب سياسي عظيم يعضد الإنجليز في سياستهم، ويعين الوزارة على البقاء في مركزها، ويقارع حزب سعد باشا مقارعة البطل للبطل، ينكشف الستار عنكم،فإذا أنتم رؤساء عصابات، وإذا الحزب الذي كونتموه فئة من اللصوص المجرمين حملة الهراوات والنبابيت، وسكان الأحراش والغابات، يستطيع كل إنسان يأمن جانب الحكومة ويملأ يده منها وإن كان أجبن الجبناء، وأضعف الضعفاء، أن يستعين بمثلهم على مثل ما استعنتم بهم عليه؟
أهذا هو الحزب السياسي العظيم الذي هيأتموه للفصل في القضية المصرية، ورشحتموه لعضوية الجمعية الوطنية التي تتولى البتّ في حاضر مصر ومستقبلها؟
أهذا هو الحزب المفكر العامل الذي يمشي إلى أغراضه السياسية بخطوات هادئة رزينة يعجز عن مثلها الجمهور الأهوج المستطار, الذي تنعون عليه كل يوم طيشه وخفته وجهله ورعونته؟
أما إني لو كنت مكان رئيس الوزارة الذي تزعمون أنكم حماته ودعاته، وأنصار سياسته، وعماد وزارته، لأحسنت تأديبكم على غشكم إياي وخديعتكم لي، حينما زعمتم أنكم رؤساء مطاعون في عشائركم وقبائلكم، وأن في استطاعتكم تكوين حزب سياسي قوي يغمر بقوته وعظمته ونبله وشرفه حزب "الرعاع" الذي كونه سعد باشا, فإذا أنتم لا شيء، وإذا الحزب الشريف النبيل الذي كونتموه وسميتموه باسمي، ونسبتموه لي، جماعة من قطاع الطرق يترفع عن الاتصال بهم عمدة قرية صغيرة، فضلا عن رئيس حكومة عظيمة!
ما هكذا تساق الأمم أيها البلهاء، ولا هكذا تقاد الشعوب، ولا بمثل هذه الأساليب توجه الأفكار إلى الخطط السياسية، وما سمعنا قط إلا في عرفكم واصطلاحكم أن النبابيت والعصي والخناجر والبنادق وسيلة من وسائل التأثير والإقناع!
حاربوا الرجل بالألسنة والأقلام كما يحاربكم، وقارعوه بالحجة والبرهان كما يقارعكم، وحاجوه بالصراحة والصدق والنبل والشرف كما يحاجّكم، فإن أمكنكم ذلك فذاك، وإلا فلا تلجئوا إلى الضربة الخائنة الغادرة التي يلجأ إليها المبارز الجبان حينما يعجز عن الثبات أمام خصمه، ويشعر بتفوقه عليه.
ما أقساكم وما أغلظ أكبادكم! أمن أجل تقديم مستند بسيط للسياسة الإنجليزية تعتمد عليه في إثبات أن الرجل الذي يفاوضونه اليوم يمثل الأمة المصرية أو أكثريتها، وأن الاتفاق الذي يعقدونه معه كيفما كان شأنه اتفاق سائغ مشروع, ومن أجل أن يتيسر لوكيل وزارة الخارجية الإنجليزية أن يصرح في مجلس النواب بوجود فتنة في مصر بين حزب زغلول باشا وحزب الحكومة تسفكون دماء أبناء وطنكم, وتقترفون أكبر جريمة تعاقب عليها الشرائع السماوية والأرضية، وتلبسون أنفسكم وأبناءكم وذراريكم العار الذي لا يبلى أبد الدهر!
أليس لكم أولاد تخافون أن ينتقم الله منكم فيهم, ونساء تخشون أن يذرفن الدموع غدا على فلذات أكبادهن بما أذرفتم من دموع أولئك الثكالى المساكين اللواتي فجعتموهن في أولادهن وفلذات أكبادهن؟!
أين هم أولئك العدليون الذين تتحدثون عنهم وتحاولون إقناع السياسة الإنجليزية بوجودهم؟ وفي أي أرض يقطنون وتحت أي سماء يعيشون؟!
أمن أجل بضع شراذم من الضعفاء المخدوعين، وآخرين من المتملقين المداهنين الذين يوجد مثلهم في كل أمة وشعب, والذين يطيرون مع القوة حيث طارت ويقعون معها حيث وقعت ويعضدون كل حكومة حتى حكومة نيرون, تزعمون أن الأمة منقسمة على نفسها, وأنها فريقان: سعديون
وعدليون؟!
لم يتكون حزب سياسي في مصر لعدلي باشا والناس لا يعرفون من أمر الرجل شيئا سوى أن السياسة الإنجليزية اختارته لرئاسة الوزارة والمفاوضة في المسألة المصرية، فإن ذكر ذاكر منهم شيئا من ماضيه لا يذكر له سوى أنه كان عضوا مهما في وزارة الحماية التي ضربت على مصر في سنة 1914, وأنه أول رجل ثغر في جنح الظلام ذلك السد المتين الذي أقامته مصر لمقاطعة لجنة ملنر، وأنه أول رئيس وزارة اجترأت على مفاوضة الإنجليز في المسألة المصرية رغم إرادة الأمة, وإرادة وكلائها.
لِمَ يتكون حزب سياسي لعدلي باشا يتشيع له ويحتد في مناصرته وتأييده ويحمل النبابيت والعصي لمحاربة خصومه قبل أن يحرك يدا أو لسانا في القضية المصرية, وقبل أن يعلم الناس ما هو صانع فيها غدا, أيفي بالوعد الذي وعدهم إياه أم تحول الحوائل بينه وبين الوفاء؟ وهل الثقة إلا نتيجة طبيعية للعمل والإحسان فيه؟
لِمَ يتنكر الناس لسعد باشا ويتحولون من مسالمين له إلى محاربين؟ هل خان الأمانة التي عهدوا بها إليه؟ أم قصر في المطالبة بحقهم، والتعبير عن آمالهم وأمانيهم، أم وعدهم بالنزول على رغبتهم فقادهم بالسيف والنار إلى النزول على رغبته, أم حول الحرب التي كانت بينهم وبين أعدائهم إلى حرب بينهم وبين أنفسهم؟ أم وضع الكمائم في أفواههم فلا ينطقون، والأغلال في أيديهم فلا يتحركون، أم نغص عليهم حياتهم الاجتماعية، وحول ابتساماتهم إلى دموع، ومسراتهم إلى أحزان وآلام، وآمالهم في الحياة السعيدة إلى يأس وكمد؟
ألم يصدروا قرارهم الإجماعي في أمره يوم احتفلوا بقدومه من أوروبا احتفالا لم يظفر به ملك متوج ولا فاتح كبير، فأي الأحداث أحدث بعد ذلك فيتنكروا له، ويضمروا له البغضاء بين جوانحهم؟
ألم يزل يهتف بالاستقلال التام لبلاده كما كان يهتف به من قبل؟
ألم يزل يقارع الأعداء الغاصبين في حاضره, كما كان يقارعهم في ماضيه؟
ألم يحاولوا خداعه والعبث بضميره واستنزاله عن صلابته وعناده في التمسك بحقوق بلاده, فلم يغتر ولم ينخدع, وآثر أن يستهدف لهذه الحرب الهائلة التي يثيرها عليه أعداؤه وأنصار أعدائه من بني وطنه على أن يفرط في ذرة واحدة من حقوق الوطن المقدسة؟ 
ألم يكن في استطاعته أن يقبل رئاسة الوزارة حينما عرضوها عليه ليتمتع برؤية رجال الإدارة الذين يتنافسون اليوم في الإساءة إليه, والنيل من كرامته وهم وقوف على بابه يتلقون أوامره, ويطيرون بها في كل مشرق ومغرب, فلم يفعل وفضل أن يكون فردا من أفراد أمته واقفا بجانبها, يتلقى معها اضطهادات الحكومة ونكاياتها, ويشرب معها بالكأس التي تشرب منها على أن يكون آلة في يد السياسة الإنجليزية لقتلها وخنق حريتها؟
أمن أجل هذا يبغضه الناس ويتنكرون له, ولا يقنعون منه بذلك دون أن يحملوا له الهراوات والعصي ليمنعوه من النزول ببلادهم؟
هل تنازلوا عن مطالبهم الوطنية ونفضوا أيديهم منها, فهم ينكرون عليه تمسكه بها وتشدده فيها؟
هل صفت مياه الود بينهم وبين الإنجليز، وحل الحب والوئام بينهما محل البغضاء والشحناء، فهم لا يريدون منه أن يكدر عليهم هذا الصفاء؟
هل كانوا يجاملون فيه "عدلي باشا" يوم أجلوه وأعظموه, وأحلوه ذلك المحل الأعظم من نفوسهم، فلما تنكر له الرجل وجافاه تنكروا له معه, وغضبوا لغضبته؟
هل كانت وطنيتهم نوبة من نوبات الجنون كما كان يشيع عنهم أعداؤهم, فلما استفاقوا رأوا أن ينتقموا من ذلك الإنسان الذي أثار في نفوسهم تلك العاطفة, وأجّج نارها في صدورهم؟
اللهم لا هذا ولا ذاك، وكل ما في المسألة أن الوزارة تريد البقاء في مركزها، ولا يمكنها البقاء فيه إلا إذا نفذت المشروع الإنجليزي المنتظر، ولا سبيل لها إلى ذلك إلا إذا فضت الأمة من حول سعد باشا وحملتها على الالتفاف حولها وتأييد سياستها، وقد عجزت عن أن تصل إلى ذلك فهي تزعمه وتدعيه, وتمثل هذه الرواية الغريبة التي هي أشبه الأشياء بقصة ذلك الرجل الذي أراد أن يتوسل إلى قلب حبيبته بعمل من أعمال البطولة التي يحبها النساء ويمنحن الرجال عطفهن من أجلها، كأن ينجيها من غرق أو ينقذها من هوة أو يخلصها من أيدي اللصوص, وهو أعجز الناس عن ذلك فاستأجر جماعة من الغوغاء واتفق معهم على تمثيل رواية خلاصتها أنهم يكمنون لها في طريق مرورها تحت جنح الظلام حتى إذا مرت بعربتها هجموا عليها, وتظاهروا بأنهم يريدون قتلها وسلبها, فيمر هو في تلك الساعة كأنه سائر في طريقه مصادفة واتفاقا, فيهجم عليهم هجمة شديدة تلقي الرعب في قلوبهم, ويطلق عليهم مسدسه المحشو بالرصاص الكاذب, فيخافون منه ويفرون من بين يديه فرار الجؤذر من بين يدي الأسد الرئبال، وقد مثل الرواية كما وضعها وكاد ينجح في تمثيلها لولا أن الفتاة كانت ذكية الفؤاد, فقرأت على وجهه حين دنا منها آية التصنع والتكلف فلم تحفل به, ولم تقدم له كلمة شكر على بطولته وشجاعته, وسارت في طريقها وهي تغرب في الضحك عليه وعلى غرابة تصوراته.
هذه هي المسألة لا أكثر من ذلك ولا أقل.
ما أجرأكم أيها القوم على الله, وعلى الناس أجمعين!
أتكذبون على أربعة عشر مليونا من النفوس أحياء يرزقون, يقولون لكم بألسنتهم وأقلامهم وبجميع ما يعرفون من الطرق والوسائل أنهم أنصار سعد باشا وأعداء السياسة الإنجليزية, فتقولون لهم لا بل أنتم أنصار عدلي باشا وأصدقاء السياسة الإنجليزية؟
أيسيل النيل وشاطئاه بالهاتفين للرجل والمرحبين به والخائضين عباب الماء إلى سفينته, مخاطرين بأنفسهم علهم يرون وجهه, أو يسمعون صوته حتى احتجتم في دفعهم وردهم إلى ضرب الرصاص وإعمال السيوف ثم تقولون بعد ذلك: إن البلاد تكره سعدا باشا ولا تطيق رؤيته، أترون بأعينكم لمعان السيوف في أيدي رجال البوليس, وتسمعون بآذانكم طلقات بنادقهم, وتشاهدون مطاردتهم الناس وهدمهم الزينات ووضعهم العقبات ثم تقولون بعد ذلك: إن الإدارة كانت على الحياد, وإن حزب عدلي باشا القوي العظيم في أسيوط هو الذي أرغمها على منع سعد باشا من النزول إلى البر؟
دعونا من سياسة الدسائس والمكائد والمواربة والمداجاة والتلفيق والتأويل؛ فهي سياسة عقيمة لا تصلح تربة مصر الطيبة الطاهرة لإنباتها واستثمارها، ودعونا من أساليب المكر والدهاء والخبث والرياء ومن قتل القتيل والسير وراء نعشه، وخنق الحرية والبكاء عليها، والإخلال بالأمن العام باسم حفظه وصيانته، وانتهاك حرمات الناس باسم حمايتها والذود عنها، وأمثال ذلك من الأساليب العتيقة البالية التي ذهبت وانقضى عصرها بانقضاء عصور الجهالة والسذاجة، وخذوا بنا في الحقائق المجردة الواضحة التي لا لبس فيها, ولا إبهام.
ارفعوا الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية, ودعوا الناس أحرارا يفكرون كيف يريدون ويقولون ما يشاءون مما لا يخرج عن دائرة القانون والنظام، نصدق أنكم قوم أحرار تقدسون الحرية, وتجلّون شأنها.
تزحزحوا قليلا عن تلك الحائط الأجنبية التي تسندون إليها ظهوركم وتستظلون بظلها وتضربون تحت حمايتها، وليكن النضال بيننا وبينكم وجها لوجه، نصدق أنكم أصحاب رأي وعقيدة، وأنكم إنما تعملون بما توحيه إليكم آراؤكم وأفكاركم.
أشيروا على الوزارة بقطع المفاوضات, وقولوا لها: إن الأمة غير راضية عنها ولا عن نتيجتها، نصدق أنكم تنزلون على إرادة الأمة ورغبتها, وأنكم تحترمون إجماعها وتنزلون على حكمها.
اعترفوا بالحقيقة الواقعة التي تعلمونها وتعلمون أن الناس جميعا يعلمونها، وهي أن حزب الحكومة في مصر حزب مصنوع موضوع لو نفس عنه الخناق قليلا, وتخلى عنه العاملان المهمان ذهب "المعز" وسيفه لحظة واحدة لطار في أجواز الفضاء, ولما بقي منه في مكانه إلا أفراد قلائل لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد أو اليدين, وإن مصر لا يوجد فيها إلا حزب واحد تطارده الحكومة وعمالها وأنصارها, نصدق أنكم قوم صادقون مخلصون لا تقولون إلا ما تعتقدون. 
هذه هي السبيل الوحيدة لما تطلبون إلينا من الثقة بكم والاعتماد عليكم, واحترام آرائكم وأفكاركم وإجلال مقاصدكم وغاياتكم, فإن فعلتم فأنتم إخواننا وأصدقاؤنا وأكرم الناس علينا, وإلا فقد علمتم رأينا فيكم وما نحن بظالمين ولا عادين, ونسأل الله لكم الهداية والتوفيق.
إلى خصوم سعد باشا:
5- لو أنكم أيها المنشقون بقيتم تحت لواء زعيمكم لم تفارقوه, ولم تنتقضوا عليه إن لم يكن ذلك من أجله فمن أجل كرامة الأمة وشرفها والإبقاء على وحدتها وجامعتها، ولو أنكم إذ أبيتم إلا أن تفارقوه فارقتموه بهدوء وسكون, لم تثيروا الثائرة عليه, ولم تطعنوا خلقه وشرفه وكرامته تلك الطعنات الداميات التي لا يحتمل وقعها في فؤاده أحقر الناس وأصغرهم في عين نفسه شأنا، ولو أنكم يا أعضاء الوزارة بدلا من أن ترسلوا "رشدي باشا" إليه يوم استعصى عليكم أمره ليؤذنه بالحرب وليقول له: إننا قد قررنا رفض شروطك وإغفال أمرك واطّراحك والاستقلال بالعمل من دونك رغم أنفك وأنف الأمة التي تعتز بها أرسلتموه إلى دار الوكالة البريطانية ليقول لصاحبها: إننا قد عجزنا عن إقناع سعد باشا بالتنازل عن شروطه التي اشترطها للمفاوضة وليس في استطاعتنا وهو زعيم الأمة وقائدها وقلبها الخفاق أن نخاطر بمجافاته ومناوأته إلا إذا قررنا المخاطرة بوحدة الأمة وجامعتها, وذلك ما لا نرضاه لأنفسنا وما يأباه علينا شرفنا وإخلاصنا, فها هي وزارتكم فخذوها إليكم فهي ونحن وكل ما تملك أيدينا فداء لأمتنا ووطننا، ولو أنكم إذ أبيتم إلا البقاء في مراكزكم وإلا أن تذهبوا إلى المفاوضة رغم إرادة الأمة وإرادة زعيمها ذهبتم باسمكم وحدكم دون أن تفتحوا باب العرائض والوفود, وتداخلوا الأمة في شأن الثقة والتأييد, فإن عدتم لها بالنجاح شكرت لكم فضلكم وأولتكم ودها وثقتها, وإلا فلا يعنيها من فشلكم وإخفاقكم شيء.
لو أن ذلك كله كان لبقيت الأمة طول حياتها في موقفها الجليل العظيم الذي وقفته في أعوامها الثلاثة الماضية موقف الاتحاد والتضامن والقوة والبأس والعزة والشرف, ولظلت سائرة في طريق جهادها الوطني تحت قيادة زعيمها حتى تصل إلى الغاية التي رسمتها لنفسها, أو تموت من دونها.
فأنتم يا خصوم سعد باشا وخصوم الأمة جميعها المسئولون عن ذلك الشمل المبدد, والأديم الممزق, والجامعة التي تشوه وجهها وزال رونقها وبهاؤها, وعن حوادث الإسكندرية وطنطا وأسيوط وجرجا, وجميع المظالم التي نزلت بالوطنيين الأبرياء في الأشهر السبعة الماضية من قتل وسجن وإعدام وتشريد وتعذيب واضطهاد, وعن تلك النهاية المحزنة الأليمة التي انتهت بها المفاوضة الأخيرة، فاعترفوا بذلك ولا تكتموه الناس عسى أن تجدوا لكم في زوايا بعض القلوب مكانا للرحمة بكم والإشفاق عليكم, ولا تحاولوا إلقاء التبعة على غيركم فتضموا إلى جرائمكم الماضية جريمة العناد والإصرار.
من الذي عهد إليكم بالاشتغال بقضية مصر السياسية، وأين هو المؤتمر الوطني أو الهيئة النيابية أو الجمعية الوطنية التي عهدت إليكم بذلك واختارتكم له؟! ومتى كانت الشئون السياسية ميدانا للتجارب والاختبارات ينزل فيه كل من أراد أن يجرب حذقه ومهارته؟!
إن الأمة لم توكل في قضيتها غير رجل واحد قد اختار بضعة أفراد منكم فيمن اختاره من أصدقائه ومعارفه للاستعانة بهم على عمله, ثم لم يحمد أمرهم حين أحس منهم الغدر به وبالقضية المصرية فعزلهم وعزلتهم الأمة معه, فما هذا التشبث البارد بعضوية الوفد والوكالة عن الأمة والنطق باسمها والمفاوضة عنها والأمة لا تعرفكم ولا تفهمكم, ولا صلة نفسية بينها وبينكم ولم تعتقد في وقت من أوقاتها أنكم وكلاؤها أو نوابها أو أمناؤها على سياستها حتى أوردتموها بإلحاحكم وفضولكم وسوء سياستكم هذا المورد الوبيل.
لا تلوموا سعدا باشا على فشلكم وإخفاقكم ولوموا أنفسكم، فقد أبلى الرجل البلاء العظيم في نصحكم وتحذيركم, وتنبأ لكم بكل ما وقع لكم اليوم كأنما كان يطالع صحيفة من صحائف الغيب فلم تكترثوا له, ولم تحفلوا بنصحه.
قال لكم: إن المفاوض الإنجليزي لا يحفل ولا يعبأ إلا بمفاوض يعتقد أنه يمثل أمته, وينطق بلسانها نطقا حقيقيا لا تمثيليا, فاتهمتموه بحب الرئاسة والسعي وراء الشخصيات ورميتموه بسوء النية والقصد.
وقال لكم: إن الإنجليز لا يريدون بفتح باب المفاوضة معكم إلا الاستعانة بكم على تمزيق شمل الأمة وتبديد وحدتها, وهي القوة الوحيدة التي تملكها ولا تملك غيرها, وألا خير يرجى من هؤلاء القوم لكم ولا لغيركم, فثرتم في وجهه وسمحتم لأنفسكم أن تسيئوا الظن به ولا تسيئوه بالإنجليز.
وقال لكم: احذروا أن تخطوا خطوة واحدة في طريق المفاوضة قبل أن تستوثقوا لأنفسكم بمرسوم سلطاني يحدد موضوع المفاوضة, ويكون أساسا لها فأنكرتم ذلك عليه, وزعمتم أن في أيديكم من الوعود المؤكدة, والأقسام المغلظة ما يغنيكم عن هذا الاحتياط والاستيثاق.
وقال لكم: إن الإنجليز يخافون أكثر مما يستحيون, وإنهم لا يعرفون في السياسة مودة ولا إخاء, وإنهم لا يريدون من استبدال مفاوض بمفاوض إلا الهرب من شدة الأول والطمع في لين الثاني, فسفهتم رأيه وزعمتم أنهم قوم ذوو أخلاق كريمة وآداب عالية وعواطف شريفة وأمزجة رقيقة, وأنهم يمنحون الصديق الذي يحاسنهم أضعاف ما يمنحون العدو الذي يخاشنهم.
وقال لكم في نهاية الأمر: لا إرادة لي ولا لكم فيما تقضي به الأمة وما تراه في شأني وشأنكم, فلنتحاكم إليها ولننزل جميعا على حكمها, فأكبرتم ذلك منه وسميتموه رجلا ثائرا متمردا لا يخضع لقانون, ولا نظام.
قال لكم كل شيء، وحذركم من كل شيء، فلم تلومونه اليوم وتلقون تبعة إخفاقكم عليه ولم يملأ بغضه صدوركم حتى يصرفكم عن الالتفات إلى عدوكم الحقيقي الذي لعب بكم وعبث بعقولكم, وكون منكم جيشا جرارا لمحاربة أمتكم وتنغيص عيشها وتكدير صفائها حتى إذا قضى حاجته منكم وفرغ من تمزيق شمل الأمة وصدع وحدتها على أيديكم أدار وجهه عنكم, ونبذكم نبذ النواة
بلا رحمة ولا شفقة، وهذا هو المعنى الحقيقي للمفاوضة التي أجراها على أيديكم, وهذا هو كل الغرض المقصود منها.
ليسأل عدلي باشا اللورد ملنر عن هذه النتيجة المحزنة التي انتهى إليها أمره، فهو الذي خدعه وغشه ومناه الأماني الكاذبة ووقف به على رأس ذلك الطريق الجميل الذي ظن أنه ينتهي به إلى زعامة الأمة وقيادتها، ثم لم يلبث أن خذله وتخلى عنه، بل استقال من وظيفته حتى لا يتقيد بالوعد الذي وعده إياه.
ليسأل المنشقون "عدلي باشا" عن السقطة الأدبية العظمى التي هوت بهم من سماء العزة والشرف إلى حضيض المهانة والضعة, فهو الذي زين لهم الانشقاق على زعيمهم والخلاف عليه, وأغراهم باتخاذ خطة في السياسة غير خطته, ففعلوا فكان ذلك عاقبة أمرهم وخاتمة مطافهم.
ليسأل الوزاريون جميعا المنشقين والوزراء عن خيبة الأمل التي لحقت بهم والصدمة الكبرى التي اصطدمتها آمالهم وأمانيهم, فهم الذين خلبوهم واستهووهم وأطمعوهم في الجوائز والمنح والوظائف والرتب يوم يتم لهم الانتصار على أيديهم, فلا هم أدركوا ما أملوا، ولا هم بقوا في صفوف أمتهم يعملون معها, ويجاهدون في سبيلها.
ليسأل كل منكم صاحبه عن نكبته التي نزلت به, ولا تسألوا سعدا باشا عن شيء ولا تلوموه في أمر, بل اشكروا له فضله عليكم ويده عندكم، فلولاه ولولا جهاده ومعارضته ووقوفه في وجهكم ووجه مشروعكم وقفة الأسد الهصور, لتمت على يدكم الجريمة الكبرى، جريمة تسليم البلد إلى أعدائه، ولسجل التاريخ عليكم في صحائفه أنكم أصحاب تلك الجريمة ومقترفوها.
أفهمتم الآن أن سعدا باشا أصدق منكم نظرا وأعلى رأيا وأنفذ بصيرة في بواطن الأشياء، وأنه ما كان يعارضكم يوم عارضكم حبا في الرئاسة أو سعيا وراء الشخصيات كما كنتم تزعمون، بل حرصا على مصلحة البلد وضنا بخلاصه وإنقاذه.
أفهمتم الآن أنه لو كان نزل على رأيكم وخضع لأوهامكم وأحلامكم, وهذا هو ذنبه الوحيد الذي تأخذونه به, لدفن معكم في الهوة التي دفنتم فيها اليوم, ولم يبق في الأمة من بعده صوت صارخ ينادي بحريتها واستقلالها.
أفهمتم الآن أنه لا يوجد بينكم رجل سياسي واحد يكتنه بواطن السياسة ويستشف أعماقها، ويدير معركتها الإدارة الكافلة بفوز الأمة وانتصارها, أو بإنقاذها من خطر الوقوع في ربقة الأسر على الأقل، وأنه لو تم على يدكم إسقاط سعد باشا كما كنتم تريدون لطال حزنكم وبكاؤكم يوم تطلبون غيره ليقوم مقامه, ويملأ فراغه فلا تجدون.
ماذا كان يظن أعضاء بعثتكم بأنفسهم يوم ذهبوا للمفاوضة على الصورة التي ذهبوا عليها، وكيف كانوا يتصورون أن المفاوض الإنجليزي يعطيهم الاستقلال تاما أو ناقصا وقد تقدموا إليه بيد فارغة من كل قوة يستطيع المفاوض أن يعتمد عليها في مقارعة خصمه, واستنزاله على حكمه؟
لا يستطيعون أن يقولوا له: إن الأمة قوية مسلحة تستطيع أن تنتصف لنفسها بنفسها إن لم تنصفوها؛ لأنه يعلم كما يعلمون أنها ضعيفة عزلاء لا تحمل من الأسلحة أكثر من عصي "الساحل" ونبابيت "الحواتكة" ولا أن يقولوا: إنها متحدة يدا واحدة وقد يكون الاتحاد قوة تقوم مقام القوة المادية؛ لأنهم قدموا إليه قبل ذلك الوثائق والمستندات الدالة على أنها منقسمة على نفسها, وأنها فريقان: سعديون وعدليون, يقتتلون في كل مكان يلتقون فيه كما كان يفعل البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا والمسلمون والوثنيون في الهند، ولا أن يقولوا له: إنها متشددة في مطالبها الوطنية لا تقبل فيها مساومة ولا مهاونة؛ لأنهم قالوا له وأقسموا على ما قالوا:
إن أكثريتها قد انفضت من حول سعد باشا والتفت من حولهم، أي: إنها قد تحولت من خطة التشدد والتطرف إلى خطة القناعة والاعتدال، ولا أن يقولوا له: إنها راقية متمدينة تستطيع أن تحكم نفسها بنفسها؛ لأنه يعلم كيف حصلوا على عرائض الثقة التي قدموها إليه وماذا صنعوا بأمتهم في سبيلها، فماذا يعنيه من أمرهم بعد ذلك؟
لا رعاكم الله أيها القوم، ولا رعى يوما اتصلنا بكم فيه، فقد أفسدتم علينا كل شأن من شئون حياتنا، وهدمتم بحمقكم وخرقكم وسوء رأيكم في لحظة واحدة ذلك البناء الفخم الجميل الذي قضينا في بنائه ثلاثة أعوام كاملة، ولم تقنعوا منا بذلك حتى جئتم اليوم تمنون علينا بأن بعثتكم قد قطعت المفاوضات, وأن لها ولكم الحق في الافتخار بذلك.
مرحى مرحى! ألم تكن المفاوضات مقطوعة من قبل اليوم على يد سعد باشا! فهل كان غرض البعثة من ذهابها أن تقطعها مرة أخرى حتى إذا تم لها ذلك عادت تفخر بنفسها وتفخرون بها, وتدعون الناس إلى الاحتفال بها عند قدومها!
تريدون أن نحتفل بها لنجدد بذلك عصر الجاهلية الأولى, أيام ضراعة الشعوب وذلها ومهانتها واستخذائها وتقبيلها يد ضاربها حين يضربها وشرب نخب انتصاره عليها؟
تريدون أن نحتفل بها ليتحدث الناس عنا أننا قد رضينا بجميع المظالم التي نزلت بنا وأغضينا جفوننا على قذاها، وغفرناها لها لأتفه الأسباب وأهونها, فيطمع فينا كل طامع ويعبث بحقوقنا كل عابث؟!
أتريدون أن نحتفل بها لتبرز لنا كل يوم هيئة جديدة تفتح باب المفاوضة في القضية المصرية ثم تقفله لتتمتع بكلمات الثناء عليها، ومشهد الاحتفال بها، ونحن فيما بين هذا وذاك هلكى ضائعون؟!
أتريدون أن نحتفل بها قبل أن نعلم هل نفضت يدها من المفاوضة إلى الأبد, أو أنها قطعتها اليوم لتصلها غدا، وهل صرفت النظر عن عرض مشروع كرزن على الأمة أم تريد عرضه من طريق غير طريقها، وهل الوزارة مصممة على الاستقالة أم تريد البقاء في مركزها أم تريد أن تنحل لتتألف مرة ثانية بصورة أخرى غير صورتها؛ ليبقى لنا شقاؤنا وبلاؤنا الذي نحن فيه مدى الدهر، وهل برئنا من دائها تمام البرء أم لا تزال بقية منه كامنة في أعماق صدورنا, لا نعلم ما الله صانع بها؟!
وبعد, فأين هي المفاوضة التي تزعمون أنها قامت بها, أو أنها قطعتها أو وصلتها؟!
إنها لم تفعل شيئا سوى أنها تقدمت لأداء الامتحان أمام اللورد كرزن في القدرة على حمل مشروعه إلى الأمة, وتنفيذه فيها فأخفقت, فعادت أدراجها.
فهل هذا هو الفخر الذي تزعمونه لها وتنحلونها إياه, وتريدون حملنا بالأساليب الإدارية المعهودة على الاحتفال بها من أجله؟!
إن كان تمزيق شمل الأمة وتبديد وحدتها والاستعانة بالقوة الأجنبية على إخضاعها وإذلالها وسفك الدماء البريئة في الساحات والشوارع, وزج الوطنيين المخلصين أفواجا أفواجا في أعماق السجون, وابتياع الذمم والضمائر ومحاولة إفساد الأخلاق القومية في جميع الدوائر والهيئات حتى في المدارس والمعابد والمحاكم, والتفريق بين الوالد وولده والأخ وأخيه والصديق وصديقه والزوج وزوجه, وإفساد سياسة الأمة عليها وإطماع أعدائها فيها, والهبوط بالمفاوضات بعد ذلك كله, وبعد تضحية جميع هذه الضحايا من مشروع ملنر إلى مشروع كرزن مجدا وفخرا يستحق أصحابه الإجلال والإعظام والاحتفاء والاحتفال فرحمة الله على الفضيلة, وليبك الباكون عليها وعلى مصيرها المحزن الأليم.
كونوا أيها القوم كيفما شئتم وأضمروا لنا من النيات ما أردتم, ورتبوا لنا في أذهانكم كل يوم مكيدة جديدة ودسيسة مبتكرة, فمحال أن تنالوا منا منالا أو تصلوا من طريقنا إلى غاية، فسنبني
بعون الله وإسعاده كل ما هدمتم ونصلح كل ما أفسدتم، وسنعيد إلى بين حظيرتنا جميع إخواننا الذين أفسدتموهم علينا, واختطفتموهم من صفوفنا, لا نضعف ولا نفتر ولا نهن ولا نيأس، فما خلقت الأمم إلا للجهاد، ولا لذة للحياة إلا بالعمل، حتى يأتي عليكم ذلك اليوم الذي تقتنعون فيه تمام الإقناع بأن في الأمة رأيا عاما جديا, لا يسمح لرأس معوج يريد أن يرتفع على حسابها وحساب ظلمها, وإساءتها بالبروز من مكمنه وأن لا قوة في مصر غير قوة الشعب, ولا حكم فيها إلا حكمه.













مصادر و المراجع :      

١- النظرات

المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ)

الناشر: دار الآفاق الجديدة

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ- 1982م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید