المنشورات

في الوجديات:

سقاها وحيا تربها وابل القطر ... وإن أصبحت قفراء في مهمه قفر
طواها البلى طي الشباب رداءه ... وليس لما يطوي الجديدان2 من نشر
مرابض آساد ومأوى أراقم ... تجاور في قيعانها الغيل بالجحر1
يكاد يضل النجم في عرصاتها2 ... ويزورّ عن ظلمائها البدر من ذعر
لقد فعلت أيدي السوافي بنؤيها3 ... وأحجارها ما يفعل الدهر بالحر
وقفت بها في وحشة الليل وقفة ... أثار شجاها كامن الوجد في صدري
ذكرت بها العهد القديم الذي مضى ... ولم يبق منه غير بالٍ من الذكر
وعيشا حسبناه من الحسن روضة ... كساها الحيا منه أفانين من زهر
فأنشأت أبكي والأسى يتبع الأسى ... إلى أن رأيت الصخر يبكي إلى الصخر
وما حيلة المحزون إلا لواعج ... تفيض بها الأحشاء أو عبرة تجري
وما أنس م الأشياء لا أنس ليلة ... جلاها الدجى قمراء في ساحة القصر
كأن النجوم في أديم سمائها ... سفائن فوضى سابحات على نهر
كأن الثريا في الدجنة طرة1 ... مرصعة الأطراف باللؤلؤ النثر
كأن سهيلا حاسد كلما رأى ... أخا نعمة يرميه بالنظر الشزر2
كأن السها3 حق تعرض باطل ... إليه فألقى دونه مسبل الستر
كأن الدجى فحم سرى في سواده ... من الفجر نار فاستحال إلى جمر
كأن نسيم الفجر في الجو خاطر ... من الشعر يجري في فضاء من الفكر
وفي القصر بين الظل والماء غادة ... تميس بلا سكر وتنأى بلا كبر
تريك عيونا ناطقات صوامتا ... فما شئت من خمر وما شئت من سحر
لهوتُ بها حتى قضى الليل نحبه ... وأدرجه المقدار في كفن الفجر
لعمرك ما راحت بلبي صبابة ... ولا نازعتني مهجتي سورة1 الخمر
ولا هاجني وجد ولا رسم منزل ... عفاء ولكن هكذا سنة الشعر
ومن كان ذا نفس كنفسي قريحة ... من الهم لا يُعنى بوصل ولا هجر
كأني ولم أسلخ2 ثلاثين حجة ... ولم يجر يوما خاطر الشيب في شعري
أخو مائة يمشي الهوينا كأنه ... إذا ما مشى في السهل في جبل وعر
إذا شاب قلب المرء شاب رجاؤه ... وشاب هواه وهو في ضحوة العمر
حييت بآمالي قلما كذبنني ... قنعت فلم أحفل بقل ولا كثر
وأصبحت لا أرجو سوى الجرعة التي ... أذوق إذا ما ذقتها راحة القبر
وليست حياة المرء إلا أمانيا ... إذا هي ضاعت فالحياة على الأثر
جزى الله عني اليأس خيرا فإنه ... كفاني ما ألقى من الأمل المر
وراض جماحي للزمان وحكمه ... بما شاء من عدل وما شاء من جور
فما أنا إن ساء الزمان بساخط ... ولا أنا إن سر الزمان بمغتر
وقال في شأن غني من الأغنياء غلبته المدنية الحديثة على بساطته الطبيعية, فابتنى قصرا فخما كان سببا في فساد حاله, وسوء مصيره:
يا صاحب القصر الذي شاده ... فاستنفد المذخور من وجده1
أقمته كالطود في هضبة ... ترد عادي الدهر عن قصده
أزرته الأبراج في جوها ... فانتظم الأنجم في عقده
أطلعت فيه كوكبا دانيا ... أغنى عن الشاسع في بعده
قلصت ظل الليل عنه وما ... رعيت حق الله في مده
أنشأت روضا زاهرا حوله ... يعطر الكون شذا نده
ورحت بالرتبة في صدره ... تدل دل الملك في جنده
كأنما الرتبة كل الذي ... ينيله الكوكب من سعده
هب أنه اللوفر1 في حسنه ... أو قصر بوكنهام2 في جده
وهبك روكفيلر3 تحوي الذي ... يضلل الحاسب في عده
فالمال إن أجهده ربه ... فالفقر والعدم مدى جهده
والمال كالطائر إن هوّمت ... حراسه طار إلى فنده1
والمجد للمال وكل الذي ... تراه من مجد فمن مجده
هذا شهاب ساطع مشرق ... والليلة الليلاء من بعده
بنيت للبنك فأغنيته ... بجدك المبذول عن جده
بنيت ما لو قدَروا قدرَه ... لقيل هذا الميت في لحده
وأدتَ فيه الأمل المرتجى ... حيا ولم تأس على وأده
أغمدت فيه صارما طالما ... تثلم الدهر على حده
واريتَ فيه ولدا ليته ... قضى قرير العين في مهده
وليته ما شب في زخرف ... يبكي يد الدهر على رغده
فليس من يأسى على مطلب ... ناء كمن يأسى على فقده
غدرت بالبيت الذي بثك الـ ... ـود فلم تبق على وده
هدمته والمجد ظل له ... فما بقاء الظل من بعده
لكنت من كوخك في نعمة ... تذيب قلب الدهر من حقده
وكان ينتابك مسترفدا ... من بت محتاجا إلى رفده
فاليوم لا القصر كما ترتجي ... منه ولا الكوخ على عهده
واليوم رب القصر يذري دما ... من جفنه آنا ومن كبده
يدعو إليه الموت من بعد ما ... نالت يد الأيام من أيده
واسود ذاك الجون من جلده ... وابيض ذاك الجون من فوده1
هل يعلم الشرقي أن الردى ... سر بصدر الدهر لم يبده
وأنه يفجؤنا بالأسى ... يوما خروج السيف من غمده
وأن هذا الدهر في هزله ... يغر بالكاذب من وعده
فهزله أنفذ من جده ... ورهوه أسرع من وخده2
ويح لمصر ولأبنائها ... مما يريغ3 الدهر من كده
نعيش بالهم ونرضى به ... عيشا ونقضي العمر في نقده
كشارب الكأس يرى عابسا ... منه ولا يقوى على رده
فإن لمحنا بارقا خاطفا ... لا نسمع القاصف من رعده
نسرع خوض البحر في جزره ... وجزره ينبئ عن مده
والكل ظمآن يرى صادرا ... وما قضى الإربة من ورده














مصادر و المراجع :      

١- النظرات

المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ)

الناشر: دار الآفاق الجديدة

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ- 1982م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید