المنشورات

تربية لؤلؤية:

كتبتْ إليَّ سيدة فاضلة بما هذه ترجمته, منقولًا إلى أسلوبي وطريقتي:
... أما بعد, فهذا الذي كنا ظننا وظنت، فاقرأ الفصل الذي انتزعته لك من مجله* ... وستعرف منه وتنكر، وترى فيه النهار مبصرًا والليل أعمى ... وتجد فتاة اليوم على ما وقع بها من الظِّنَّة، وكثر فيها من أقوال السوء, لا تَشْمَس على الريبة ولا تريد أن تنتفي منها، بل هي تعمل لتحقيقها، وتبغي مع تحقيقها أن يتعالم الناس ذلك منها، وتريد مع هذين أن يطلقوا لها ما شاءت، ويسوِّغوها مقارفة الإثم، ويقروها على منكراتها.
أمَا إنه إذا كانت أمهاتنا الجاهلات هن أمسنا الذاهب بلا فائدة، فإن فتياتنا المتعلمات هن يومنا الضائع بلا فائدة، غير أن الجاهلة لم تكن تكسَد ومعها الفضيلة، فأصبحت المتعلمة لم تكد تنفق ومعها الرذيلة، ولتاجر أمي طاهر الاسم تتحرك سوقه وتحيا, خير من تاجر متعلم نجس الاسم قد قامت سوقه وخَمَدَت، فما تتنفس من درهم ولا دينار.
لقد احتذينا على مثال المرأة الأوروبية، فلما أحكمته المتعلمات منا، كُنَّ بين الشرق والغرب كالسَّبِخة النشَّاشة من الأرض، طرف لها بالفلاة وطرف بالبحر؛ فهي رمل في ماء في ملح، لا تخلص لفساد ولا صحة، فاعتبرْ هذه وهذه فستجدهما بحكاية واحدة أصلًا, وطبق الأصل.
وقرأت الفصل الذي أومأتْ إليه السيدة، وكان في كتابها، فإذا هو لكاتبه تزعم "أنها ممن رفعن علم الجهاد لحرية المرأة"، وإذا في أوله:
كتبت آنسة أديبة في عدد سابق من ... الأغر تقول: "أجل، لنفتش عن هذا الرجل كما يفتشون هم عن المرأة، فإن أخطأناهم أزواجًا فلن نخطئهم أصدقاء!!! ".
وكتب بعد هذا أديب فاضل، كما كتبتْ آنسة فاضلة ينحيان "كذا" هذا المنحى، ويطرقان نفس السبيل "كذا" التي اختطَتْها الآنسة الجريئة في غير حق، الثائرة في نَزَق. ثم قالت بعد ذلك: "قرأت مقال الآنسة الثائرة في حيوية صارخة!!!! فجزعت؛ لأن "قاسم أمين" عندما رفع علم الجهاد من أجل حرية المرأة، و"ولي الدين يكن" عندما جاهر بعده في سبيل السفور، و"هدى شعراوي" عندما رفعت صوتها عاليًا تطالب بحرية المرأة, ما ظنت وما ظن واحد من هذين الرجلين أن ثورة المرأة ستتطور إلى حد أن تقف آنسة مهذبة، تكشف عن رأسها تبكي وتستبكي سواها معها، من أجل الزواج".
وأنا فلستُ أدري -والله- مم تعجب هذه الكاتبة، وإني لأعجب من عجبها، وأراها كالتي تكتب عبثًا وهزلًا وهوينًا، مظهرة الجد والقصد والغضب. أئن أطلق للنساء أن يثرن كما تقول الكاتبة، وجاهد فلان وفلان في هذه الثورة فأخذت مأخذها، فانطلقت لشأنها، فأوغلت في حريتها، فامتد بها أمدها شوطًا بعد شوط, ثم جاء خُلُق من أخلاق المرأة يُسفر سُفوره ويرفع الحجاب عن طبيعته ثائرًا هو أيضًا في غير مداراة ولا حذق ولا كياسة، يريد أن يقتحم طريقه ويسلك سبيله، ثم وقف على رغمه في الطريق منكسرًا مما به من اللفة والوثبة يتوجع، يتنهد، يتلذع بهذه المعاني وهذه الكلمات. أئن وقع ذلك جاءت كاتبة من كاتبات السفور تقول للمرأة: جرى عليك وكنت حرة، وتزعزعت وكنت ثابتة، وأفحشتِ وكنت عفيفة، وتعهرت وكنت طاهرة؟
أفلا تقول لها: سفَرَتْ أخلاقك إذ كنت سافرة بارزة، وضاع حياؤك إذ كنت مخلاة مهملة, وغلوت إذ كنت في المبالغة من البدء؟
أفلا تقول لها: لقد تلطفت فجئت بالمعنى المجازي لكلمة "العري"، ولقد أبدعت فكنت امرأة ظريفة اجتماعية مَخِيلة للشعر والفن، وحققت أن واجب الظريفة الجميلة إعطاء الفن غذاء من.... ومن.... ومن لحمها ... ؟
نعم, إن قاسم أمين "رحمه الله" لم يكن يظن ... ولكن أما كان ينبغي أن يظن أن بعض الصواب في الخطأ لا يجعل الخطأ صوابًا؟ بل هو أحرى أن يلبِّسه على الناس فيشبهه عليهم بالحق وما هو به، ويجعلهم يسكنون إليه ويأمنون جانبه فينتهي بهم يومًا إلى أن ينتسف خطؤه صوابه، ويغطي باطله على حقه, ثم تستطرق إليه عوامل لم تكن فيه من قبل، ولا كانت تجد إليه السبيل وهو خطأ محض،فتمد له في الغيّ مدًّا. ثم تنتهي هي أيضًا إلى نهايتها، وتئول إلى حقائقها؛ فإذا كل ذلك قد داخل بعضه، وإذا الشر لا يقف عندما كان عليه، وإذا البلاء ليس في نوع واحد بل أنواع.
ما يرتاب أحد في نية قاسم أمين، ولا نزعم أن له خَفِية سوء أو مضمر شر فيما دعا إليه من تلك الدعوة، ولكني أنا أرتاب في كفايته لما كان أخذ نفسه به وأراه قد تكلف ما لا يحسن، وذهب يقول في تأويل القرآن وهو لا ينفذ إلى حقائقه، ولا يستبطن أسرار عربيته، وكان مناظروه في عصره قومًا ضعفاء, فاستعلاهم بضعفهم لا بقوته، وكانت كلمة الحجاب قد انتفخت في ذهنه بعد أن أفرغت معانيها الدقيقة، فأخذها ممتلئة وجاء بها فارغة، وقال للنساء: غيرن وبدلن. فلما أطعنه وبدلن وغيرن، وجاء الزمن بما يفسر الكلمة من حقائقه وتصاريفه لا من خيالات المتخيل أو المتشيع, إذا معنى التغيير والتبديل هو ما رأيت، وإذا الحجاب الأول على ضلاله كان نصف الشر، وإذا المرأة التي ربحت الشارع هي التي خسرت الزوج! وإذا تلك الدعوة لم تكن نفيًا للحجاب عن المرأة، ولكن نفيًا للمرأة ذاتها وراء حدود الأسرة، كأنها مجرمة عوقبت على فساد سياستها؛ وهي قارة في بيتها ولكنها مع ذلك منفية من مستقبلها.
كانوا يحتجون لنفي الحجاب بالفلَّاحات في سفورهن؛ وغفلوا أقبح الغفلة عن السبب الطبيعي في ذلك, وهو أن السفور إنما عمهن من كونهن لسن في المنزلة الاجتماعية أكثر من بهائم إنسانية مؤنثة؛ ومثل هذا السفور لا يكون على طبيعته تلك إلا في اجتماع طبيعي فطري أساسه الخلط في الأعمال لا التمييز بينها، والاشتراك في شيء واحد هو كسب القوت1 لا الانفراد بما فوق ذلك من أشياء النفس.
ولستُ أرى هذه اللجاجة، أو "الحيوية الصارخة" التي ثارت بفتياتنا, إلا تمردًا من طبيعتهن على الأحوال الظالمة المتصرفة بها؛ ويحسبنه توسعًا من الطبيعة في الحرية، وطلبًا للعالم كله بعد الشارع، وللحقوق كلها بعد نبذ الحجاب؛ وهو في الحقيقة ليس إلا ثورة الطبيعة النسوية على خيبتها مما أصابت من الحرية والشارع والعالم والحقوق، ورغبة منها في أن تحد بحدودها ويؤخذ منها العالم كله بما فيه، وتعطى البيت وحده بما فيه.
إذا أنت كشفت جذور الشجرة لتطلقها بزعمك من حجابها، وتخرجها إلى النور والحرية، فإنما أعطيتها النور، ولكن معه الضعف والحرية، ومعها الانتقاض؛ وتكون قد أخرجتها من حجابها ومن طبيعتها معًا؛ فخذها بعد ذلك خشبًا لا ثمرًا، ومنظر شجرة لا شجرة، لقد أعطيتها من علمك لا من حياتها، وجهلت أنها من أطباق الثرى في قانون حياتها، لا في قانون حجابها. أفليست كذلك جذور الشجرة الإنسانية؟
كل ما يتغير يسهل تغييره على من شاء، ولكن النتائج الآتية من التغيير لا تكون إلا حتمًا مقضيًّا كما يقضى، فلن يسهل تبديلها ولا تحويلها ولا ردها أن تقع. وقد أخطأ جماعة السفور، بل أنا أقول: إنهم جاءونا بالجاهلية الثانية، وإنهم طبُّوا للمرأة المسلمة كذلك الطب الذي أساسه الرائحة الزكية في البخور ... 1!
وما هو الحجاب إلا حفظ روحانية المرأة للمرأة، وإغلاء سعرها في الاجتماع, وصونها من التبذل الممقوت؛ لضبطها في حدود كحدود الربح من هذا القانون الصارم، قانون العرض والطلب؛ والارتفاع بها أن تكون سلعة بائرة ينادى عليها في مدارج الطرق والأسواق: العيون الكحيلة، الخدود الوردية، الشفاه الياقوتية، الثغور اللؤلؤية، الأعطاف المرتجة، النهود الـ ... الـ ... أوليس فتياتنا قد انتهين من الكساد بعد نبذ الحجاب إلى هذه الغاية، وأصبحن إن لم ينادين على أنفسهن بمثل هذا فإنهن لا يظهرن في الطرق إلا لتنادي أجسامهن بمثل هذا؟
وهذه التي كتبت اليوم تطلبهم مخادنين إن أخطأتهم أزواجًا، وتفتش عليهم تفتيشًا بين الزوجات والأمهات والأخوات! هل تريد إلا أن تثب درجة أخرى في مخزيات هذا التطور، فتمشي في الطريق مشي الأنثى من البهائم طَمُوحًا مَطْرُوفة، تذهب عيناها هنا وههنا تلتمس من يخطو إليها الخطوة المقابلة؟
ما هو الحجاب الشرعي إلا أن يكون تربية عملية على طريقة استحكام العادة لأسمى طباع المرأة وأخصها الرحمة, هذه الصفة النادرة التي يقوم الاجتماع الإنساني على نزعها والمنازعة فيها ما دامت سنة الحياة نزاع البقاء، فيكون البيت اجتماعًا خاصًّا مسالمًا للفرد تحفظ المرأة به منزلتها، وتؤدي فيه عملها، وتكون مغرسًا للإنسانية وغارسة لصفاتها معًا.
لقد رأينا مواليد الحيوان تولد كلها: إما ساعية كاسبة لوقتها، وإما محتاجة إلى الحضانة وقتًا قليلًا, لا يلبث أن ينفضي فتكدح لعيشها؛ إذ كانت غاية الحيوان هي الوجود في ذاته لا في نوعه، وكان بذلك في الأسفل لا في الأعلى. غير أن طفل المرأة يكون في بطنها جنينًا تسعة أشهر، ثم يولد ليكون معها جنينًا في صفاتها وأخلاقها ورحمتها أضعاف ذلك، سنة بكل شهر. فهل الحجاب إلا قصر هذه المرأة على عملها، لتجويده وإتقانه وإخراجه كاملًا ما استطاعت؟ وهل قصرها في حجابها إلا تربية طبيعية لرحمتها وصبرها، ثم تربية بعد ذلك لمن حولها برحمتها وصبرها؟
أعرف معلمة ذات ولد، تترك ابنها في أيدي الخدم بعد وصاة علمية سيكولوجية, وتمضي ذاهبة عن يمين الصباح ويمضي زوجها عن شماله. وقد رأيت هذا الطفل مرة، فرأيته شيئًا جديدًا غير الأطفال، له سمة روحانية غير سماتهم، كأنما يقول لي: إنه ليس لي أب وأم، ولكن أب رقم "1"، وأب رقم "2"!
وقد كنتُ كتبت كلمة عن الحجاب الإسلامي قلت فيها: "ما كان الحجاب مضروبًا على المرأة نفسها، بل على حدود من الأخلاق أن تجاوز مقدارها أو يخالطها السوء أو يتدسس إليها؛ فكل ما أدى إلى هذه الغاية فهو حجاب، وليس يؤدي إليها شيء إلا أن تكون المرأة في دائرة بيتها، ثم إنسانًا فقط فيما وراء هذه الدائرة إلى آخر حدود المعاني".
وهذا هو الرأي الذي لم يتنبه إليه أحد، فليس الحجاب إلا كالرمز لما وراءه من أخلاقه ومعانيه وروحه الدينية المعبدية، وهو كالصدفة لا تحجب اللؤلؤة ولكن تربيها في الحجاب تربية لؤلؤية؛ فوراء الحجاب الشرعي الصحيح معاني التوازن والاستقرار والهدوء والاطراد، وأخلاق هذه المعاني وروحها الديني القوي، الذي ينشئ عجيبة الأخلاق الإنسانية كلها؛ أي: صبر المرأة وإيثارها. وعلى هذين تقوم قوة المدافعة, وهذه القوة هي تمام الأخلاق الأدبية كلها، وهي سر المرأة الكاملة؛ فلن تجد الأخلاق على أتمها وأحسنها وأقواها إلا في المرأة ذات الدين والصبر والمدافعة. إنها فيها تشبه أخلاق نبي من الأنبياء.
وقد مُحق الدين والصبر، وتراخت قوة المدافعة في أكثر الفتيات المتعلمات، فابتُلين من ذلك بالضجر والملل، وتشويه النفس؛ ووقع فيهن معنى كمعنى العَفَن في الثمرة الناضجة؛ وجهلن بالعلم حتى طبيعتهن، فما منهن من عرفت أن طبيعتها سلبية في ذاتها، وأنه لا يشدها ويقيمها إلا الصفات السلبية، وملاكها الصبر فروعه وأصوله، وجمالها الحياء والعفة، ورمزها وحارسها والمعين عليها هو الحجاب وحده. إنه إن لم يكن في المرأة هذا فليست المرأة إلا بهذا.
وما تخطئ المرأة في شيء خطأها في محاولة تبديل طبيعتها وجعلها إيجابية، وانتحالها صفات الإيجاب، وتمردها على صفات السلب، كما يقع لعهدنا؛ فإن هذا لن يتم للمرأة، ولن يكون منه إلا أن تعتبر هذه المرأة نقائض أخلاقها من أخلاقها، كما نرى في أوروبا، وفي الشرق من أثر أوروبا؛ فمن هذا تلقي الفتاة حياءها وتبذؤ وتفحش، إن لم يكن بالألفاظ والمعاني جميعًا فبالمعاني وحدها، وإن لم يكن بهذه ولا بتلك فبالفكر في هذه وتلك، وكانت الاستجابة لهذا ما فشا من الروايات الساقطة، والمجلات العارية؛ فإن هذه وهذه ليست شيئًا إلا أن تكون عِلْم الفكر الساقط.
وعادت الفتاة من ذلك لا تبتغي إلا أن تكون امرأة رواية: إما فوق الحياة، وإما في حقائق جميلة تختارها اختيارًا وتفرضها فرضًا على القدَر! تنسى الحمقاء أنها أحد الطرفين، وليست الطرفين جميعًا؛ فتحاول أن تقرر للحياة الجديدة تأويلًا جديدًا لمعاني الشرف والكرامة والعرض والنسب وما إليها؛ فانسلخت من كل شيء، ثم لما أعجزها أن تنسلخ من غريزة الأنوثة طاشت طيشها الأخير، فانسلخت من إنسانية الغريزة.
أما إن غلطة الرجل في المرأة لا تكون إلا من غلطة المرأة في نفسها. وهي قد أُعطيت في طبيعتها كل معاني حجابها؛ فإحساسها محتجب مختبئ أبدًا كأنه في إِتْب1 ومُلاءة وبرقع، وأفكارها طويلة الملازمة لها لا تكاد تتركها، كأنها منها في بيت؛ وطبيعة الحذر لا تبرحها كأنها الحارس الثابت في موضعه، القائم بسلاحه على حفظ هذا الجسم الجميل؛ وطول التأمل موكل بها كأن عمله مصاحبة وحدتها لتخفيفها على نفسها والترفيه منها؛ والدنيا حول المرأة بمذاهب أقدارها، ولكن لها دنيا في داخلها هي قلبها تذهب الأقدار فيه مذاهب أخرى؛ وضغطة الحياة طبيعية فيها، حتى لا يساورها هم من الهموم إلا صار كأنه من عادتها. والتي تمزقها الحياة كلما ولدت لا تكون الحياة إلا رحيمة بها إذا ضغطتها!
فخروج المرأة من حجابها خروج من صفاتها، فهو إضعاف لها، وتضرية للرجال بها. وماذا تجدي عادة الحذر إذا أفسدتها عادة الاسترسال والاندفاع؟ فيكون حذرًا ليكون إغفالًا، ثم يكون إغفالًا ليعود الزلة والغلطة؛ ومتى رجع غلطة فهذا أول السقوط، ومبدأ الانقلاب والتحول. وليس الفرق بين امرأة نَفُور من الريبة، شَمُوس لا تُطلع الرجال ولا تطمعهم؛ وبين امرأة قَرور على الريبة، هَلُوك فاجرة, ليس الفرق إلا حجاب الحذر أسدل على واحدة، وانكشف عن أخرى.
وإذا قرت المرأة في فضائلها، فإنما هي في حجابها ودينها، وإنما ذلك الحجاب ضابط حريتها الصحيحة، باعتبارها امرأة غير الرجل؛ فهو مسمى بالحجاب لاتصاله بالحرية وضبطه لها، ولكن الضعفاء الذين يعرفون ظاهرًا من الرأي لا يدركون مذهبه، ولا يحققون ما ينتهي إليه، وينفذون في حكمهم على الظاهر لا على البصيرة, هؤلاء لا يعرفون معنى الحجاب إلا في القماش والكساء والأبنية، كأن حجاب الأخلاق النسوية شيء يصنعه الحائك والباني والمستعبد، ولا تصنعه الشريعة والأدب والحياة الاجتماعية؛ فهم كما ترى حين يأتون بنصف العلم، يأتون بنصف الجهل.
لم يخلق الله المرأة قوة عقل فتكون قوة إيجاب، ولكنه أبدعها قوة عاطفة لتكون قوة سلب؛ فهي بخصائصها والرجل بخصائصه؛ والسلب بطبيعته متحجب صابر هادئ منتظر، ولكنه بذلك قانون طبيعي تتم به الطبيعة.
وينبغي أن يكون العلم قوة لصفات المرأة لا ضعفًا، وزيادة لا نقصًا؛ فما يحتاج العالم إذا خرج صوتها في مشاكله أن يكون كصوت الرجل صيحة في معركة, بل تحتاج هذه المشاكل صوتًا رقيقًا مؤثرًا محبوبًا مجمعًا على طاعته, كصوت الأم في بيتها.
أيتها الفتاة، إن صدق الحياة تحت مظاهرها, لا في مظاهرها التي تكذب أكثر مما تصدق؛ فساعدي الطبيعة واحجُبي أخلاقكِ عن الرجل؛ لتعمل هذه الطبيعة فيه بقوتين دافعتين: منها ومنك، فيسرع انقلابه إليك وبحثه عنك؛ وقد يجد الفاسق فاسقات وبغايا، ولكن الرجل الصحيح الرجولة لن يجد غيرك.
وإنما سفورك وسفور أخلاقك إفساد لتدبير الطبيعة، وتمكين للرجل نفسه أن يُرْجِف بكِ الظن، ويسيء فيك الرأي؛ وعقابك على ذلك ما أنت فيه من الكساد والبَوَار؛ عقاب الطبيعة لمستقبلك بالحرمان، وعقاب أفكارك لنفسك بالألم!












مصادر و المراجع :      

١- وحي القلم

المؤلف: مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية

الطبعة: الأولى 1421هـ-2000م

عدد الأجزاء: 3

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید