المنشورات

الحث على صحبة الإخوان والإغراء على مودة الخلان والرغبة في أهل الصلاح والإيمان

روي عن أبي هريرة: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
وروي عن أبي عمرو العوفي قال: كان يقال اصحب من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مانك، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سقطة سترها، ومن إن قلت صدق قولك، وإن أصبت سدد صوابك، ومن لا يأتيك بالبوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق.
وقال الفضل بن غسان البصري: كان يقال اصحب من ينسى معروفه عندك.
وروي عن معاوية بن قرة قال: نظرت في المودة والإخاء فلم أجد أثبت مودة من ذي أصل.
وأنشدونا لعمر بن عبد العزيز، ولا يعرف له غير هذه الأبيات:
إني لأمنح من يواصلني ... مني صفاء ليس بالمذق
وإذا أخ لي حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرفق
والمرء يصنع نفسه، ومتى ... ما تبله ينزع إلى العرق
ومثله قول زهير بن أبي سلمى:
وما يك من خير أتوه، فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطِّيَّ إلا وشيجه، ... وتغرس إلا في منابتها النخل
ومنه قول الآخر:
والابن ينشو على ما كان والده، ... إن العروق عليها تنبت الشجر
وقال المتوكل الكناني:
عندي لصالح قومي، ما بقيت لهم، ... حمد وذمّ، لأهل الذم، معدود
أجري على سنة من والدي سبقت، ... وفي أرومته ما ينبت العود
وأوصى بعض الحكماء أخاً له فقال: أي أخي! آخ الكريم الأخوة، الكامل المروءة، الذي إن غبت خلفك، وإن حضرت كنفك، وإن لقي صديقك استزاده، وإن لقي عدوك كفه، وإن رأيته ابتهجت، وإن أتيته استرحت.
وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إذا رزقك الله مودة امرئ مسلم فتشبث بها.
وكان سفيان الثوري كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين:
أبل الرجال، إذا أردت إخاءهم، ... وتوسمن إخاءهم وتفقد
فإذا وجدت أخا الأمانة والتقى ... فيه اليدين قرير عين فاشدد
كم من صديق في الرخاء مساعد ... وإذا أردت حقيقة لم توجد
ومثل ذلك قول الآخر:
آخ من آخيت عن خبرته، ... لا يغرنك من الناس الطُّرر
لا ولا الأجسام ما لم تبلهم، ... إنما الناس كأمثال الشجر
منه ما ليست له منظرة، ... وهو صلب عوده حلو الثمر
وترى منه أنيقاً نبته، ... طعمه مرٌّ، وفي العود خَوَر
وقال آخر:
من حمد الناس، ولم يبلهم، ... ثم بلاهم ذم من يحمد
وصار بالوحدة مستأنساً، ... يوحشه الأقرب والأبعد
وروي أن رجلاً من عبد القيس قال لابنه: أي بني، لا تواخ أحداً حتى تعرف موارد أموره ومصادرها، فإذا استبطنت الخبر، ورضيت منه العشرة، فآخه على إقالة العثرة، والمؤاساة عند العُسرة.
وأنشدني محمد بن يزيد المبرّد:
وكنت، إذا الصديق أراد غيظي ... على حنق، وأشرقني بريقي
غفرت ذنوبه، وكظمت غيظي، ... مخافة أن أكون بلا صديق
وأنشدني لبشار بن برد العقيلي:
أخوك الذي لا ينقض، الدهر، عهده، ... ولا عند صرف الدهر يزور جانبه
فخذ من أخيك العفو، واغفر ذنوبه ... ولا تك في كل الأمور تجانبه
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك، لم تلق الذي لا تعاتبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وقال آخر:
ومن لا يغمض عينه عن صديقه، ... وعن بعض ما فيه، يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهداً كل عثرة، ... يجدها، ولا يسلم له، الدهر، صاحب
وأنشدني أحمد بن يحيى لسعيد المساحقي:
فخذ عفو من أحببت لا تبر منه، ... فعند بلوغ العذر رنق المشارب
وقال أبو الأسود الدؤلي:
ولست مستبقياً أخاً لك لا ... تصفح عما يكون من زلله
من ذا الذي هُذبت خلائقه ... في ريثه إن أتى وفي عجله
لا أصحب الخائن اللئيم، ولا ... أقطع وصل الخليل من ملله
أجزيه بالعرف، ما حييت، ولا ... يعدم صفحي للشر من عمله
ومثله قول النابغة الذبياني:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب
وأجاد، والله، الذي يقول:
إذا ما أذاني مفصل فقطعته، ... بقيت وما لي للنهوض مفاصل
ولكن أداويه، فإن صح كان لي، ... وإن هو أدوى كان فيه تحامل
وأنشدت لرجل من طيء:
أرخ على الناس ثوب سترهم، ... أو أجن حلو الثمار من شجره
واستبق ما لم ترد قطيعته، ... بستره ما استقر في ستره
فرب بادي الجميل منه، إذا ... فُتش أبدى التفتيش عن عَوَره
واستصلح الناس، ما استطعت، ولا ... تسرع إلى ضرِّ مبتغي ضرره
وروي عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: أحب إخواني إليَّ أخ إن غبت عنه عذرني، وإن جئته قبلني. وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أوجب عليك حقاً؟ فقال: الذي يسدّ خلتي، ويغفر زلتي، ويقيل عثرتي.
وقال مطيع بن إياس:
إنما صاحبي الذي يغفر الذن ... ب، ويكفيه من أخيه أقله
ليس من يظهر الخلالة إفكاً، ... وإذا قال خالف القول فعله
وصله للصديق يوم، ويوم ... يضمر الهجر ثم ينبت حبله
وأحق الرجال أن يغفر الذن ... ب لإخوانه الموفَّر عقله
وفي حديث سهل بن سعيد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء كثير بأخيه.
وكتب الأحنف بن قيس إلى صديق له: أما بعد فإذا قدم عليك أخ موافق لك، فليكن منك مكان سمعك وبصرك، فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف.
وقال خالد بن صفوان: أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
وقال عمر بن الخطاب: عليكم بإخوان الصدق، فاكتسبوهم، فإنهم زين في الرخاء وعدّة عند البلاء.
وسئل بعض الحكماء: أيّ الكنوز خير؟ فقال: أما بعد تقوى الله فالأخ الصالح.
واعلم أن خير الإخوان من كانت أخوته ومحبته في الله، ولم تكن خلته ولا مؤاخاته لطمع قليل، ولا لغرض عاجل، وليس شيء بذوي العقول، وأهل الديانات والفضل، أفضل من إخلاص المودة في الله، ولعمري إن ذلك يحسن بجميع أهل الملل والأديان، وهو من أوثق عُرى الإيمان، وقد روي فيه أحاديث كثيرة اقتصرنا على بعضها، واختصرنا من أحسنها، وفي البعض كفاية، إن شاء الله.













مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید