المنشورات

صفة المتحابين في الله عز وجل

روي عن البراء بن عازب أنه قال: كنت جالساً عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: أتدرون أي عُرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة. قال: إن الصلاة لحسنة، وما هي بها. قلنا: الزكاة. قال: وحسنة، وما هي بها. فذكروا شرائع الإسلام، فلما رآهم لا يصيبون قال: إن أوثق عُرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله.
وأخبرني أبي رحمه الله، بإسناد ذكره عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لعموداً من ذهب عليه منائر من زبرجد تضيء لأهل الجنة، كما يضيء الكوكب الدُّرّي في أفق السماء، قلنا: لمن هذا، يا رسول الله؟ قال: للمتحابين في الله.
وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله.
وقال عليه الصلاة والسلام: الإيمان أن يحبّ الرجل الرجل ليس بينهما نسب قريب، ولا مال أعطاه إياه، لا يحبه إلا لله عز وجل.
ورويناه عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يؤاخي بين الرجلين من أصحابه، فتطول الليلة على أحدهما حتى يرى أخاه.
وروينا عن جرير بن عبد الله البجلي قال: ما حجبني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. وقال عمر بن الخطاب: لقاء الإخوان جلاء الأحزان.
وقال أكثم بن صيفي: لقاء الأحبة مسلاة الهم.
وكان عبد الله بن مسعود يقول لأصحابه: أنتم جلاء حزني.
وروي عن أبي أمامة قال: من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله فقد استكمل الإيمان.
وقد كانت الحكماء تقول: إن ما يجب للأخ على أخيه مودته بقلبه، وتزيينه بلسانه، ورفده بماله، وتقويمه بأدبه، وحسن الذّبّ والمدافعة عنه في غيبته.
وأنشدني أبو بكر بن أبي الدنيا:
إذا المرء لم ينصف أخاه، ولم يكن ... له غائباً يوماً، كما هو شاهده
فلا خير فيه، فالتمس غيره أخاً ... كريماً، على وصل الكريم تعاهده
فإن غبت يوماً، أو شهدت فوجهه، ... على كل حال أينما كنت، واجده
أنشدني أحمد بن يحيى لكثير عزة:
وليس خليلي بالملول ولا الذي، ... إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يدوم وفاؤه، ... ويحفظ سرّي كل دخيل
ولست براض من خليلي بنائل ... قليلٍ، ولا أرضى له بقليل
وأنشدني بعض الأدباء قال: أنشدني أعرابي ببلاد نجد:
وليس خليلي بالمرجى، ولا الذي ... إذا غبت عنه كان عوناً مع الدهر
ولكن خليلي من يصون مودتي، ... ويحفظني، إن كان من دوني البحر
وأنشدني أبو العباس محمد بن يزيد النحوي:
تود عدوي، ثم تزعم أنني ... أودك، إن الرأي عنك لعازب
وليس أخي من ودني رأي عينه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب
وأنشدني يوسف الأعور قال: أنشدني يعقوب بن السكيت لأوس بن حجر:
وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يذمك إن ولى، ويرضيك مقبلا
ولكن أخوك النائي ما كنت آمناً، ... وصاحبك الأدنى، إذا الأمر أعضلا
وأنشدني أبو العيناء قال: أنشدني الجاحظ:
أخوك الذي إن سرّك الأمر سره، ... وإن غبت يوماً ظلّ وهو حزين
يقرب من قربت من ذي مودة، ... ويقصي الذي أقصيته، ويهين
وأنشدني أحمد بن يحيى:
إذا أنت رافقت الرجال، فكن فتىً، ... كأنك مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً، ... على الكبد الحرى لكل صديق
واعلم أن أحسن ما تألف به الناس قلوب أخلائهم، ونفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم، البشر بهم عند حضورهم، والتفقد لأمورهم، وحسن البشاشة، فذلك يثبت المحبة والإخاء، ومنه أحاديث قد ذكرنا بعضها، وقصدنا فيما فيه قناعة.
















مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید