المنشورات
مسامير الحبّ
وحدثني أبو العَيناء قال: حدثني الجاحظ قال: كتب بعض الظرفاء إلى مُلْك جارية أبي جعفر:
يا مُلْكُ قد صِرتُ إلى خُطةٍ، ... وكنتُ فيها منْكِ ذا ضَيمِ
يلومني الناسُ على حبّكم، ... والناس أولى فيكِ باللوم
فكتبت إليه:
إنْ تكُنِ الغُلمةُ هاجت بكم، ... فسكّنِ الغُلمةَ بالصومِ
ليس بك الشوقُ، ولكنّما ... تدور من هذا على الكَوْمِ
واعلم أن العشق لا يكون مع الفسق، ومتى مازج العشق الفسق ضَعُفت قُواه، وانفصمت عُراه، وهم لا يريدون غير الرَّفثِ، ويسمونه مسامير الحبّ، وزعموا أن أسباب الحب لا تتصل إلا به، ولا يزال منحلاً، حتى يشدّها ذلك، وينشدون:
العشق داءٌ دويٌّ لا دواء له، ... إلا العناق وإفشاءُ السريراتِ
وليس يُلتذّ طيبُ العيش من أحد ... إلا بعضّكَ، أو رشفِ الثنيّاتِ
ووضعك الصدر فوق الصدر تجمعه ... ضمّاً إليك على ظهر الحشيّاتِ
وينشدون أيضاً في مثل ذلك:
رأيتُ الحبّ ليس له دواءٌ، ... سوى وضع البُطون على البطونِ
وإلصاق الثنايا بالثنايا، ... وأخذٍ بالمَناكب والقُرونِ
وقد ناظرتُ بعضهم مرة من الِمرار، فاحتج بخبر ابن عباس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فاحتجّوا بظاهر الخبر، ولم يفحصوا عن التأويل، وهذا خلاف ما يفعل أهل الظرف والأدب، وغير هذا جاء عن العَرب. وقد بلغني عن الأصمعي أنه قال: قلت لأعرابي مرة: ما العشق فيكم؟
قال: النظرة بعد النظرة، وإن كانت القبلة بعد القُبلة، فهو الوصول إلى الجنّة. فقلت: ليس العشق عندنا كذلك، قال: فما هو عندكم؟ قلت: تفرقُ بين رجليها وتحمل نفسك عليها. فقال: بأبي أنت لستَ بعاشقٍ، إنما أنت طالب ولد.
مصادر و المراجع :
١- الموشى = الظرف والظرفاء
المؤلف: محمد بن
أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)
المحقق: كمال
مصطفى
الناشر: مكتبة
الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد
الطبعة: الثانية،
1371 هـ - 1953 م
19 يوليو 2024
تعليقات (0)