المنشورات

ذيول الأقمصة والأعلام وطرُز الأردية والأكمام

قال الماوردي: رأيتُ جاريةً، ونحن عند محمد بن عمرو بن مسعدة، لم أشكّ أنه عاشقٌ لها، وإليها مائلٌ، لِما رأيتُ من حركاته إذا نظرت، وسُروره إذا نطقت، وتهلُّله إذا غنّت. وكانت فوق وصف الواصف من الحُسن والجَمال، وعليها قميصٌ موشَّحٌ، ورداء معيَّنٌ، مكتوبٌ في وشاح القميص:
أغيب عنكَ بوُدٍّ لا يُغيّرُهُ ... نأي المحلّ ولا صَرفٌ من الزمنِ
تعتلُّ بالشُّغل عنا ما تُكلّمنا ... الشغل للقلب ليس الشغل للبدنِ
وعلى طراز الرداء:
أقلّ الناس في الدنيا سُروراً ... محبٌّ قد نأى عنه الحبيبُ
قال: ورأيتُ جارية لبعض الهاشميين يُقال لها عَريب، عليها قميصٌ ملحَمٌ، موشَّحٌ بالذهب، مكتوبٌ في وشاحه:
وإني لأهواه مسيئاً ومحسناً ... وأقضي على قلبي له بالذي يَقضي
فحتى متى رَوْحُ الرضى لا ينالني ... وحتى متى أيام سُخطِكَ لا تَمضي
وعلى طراز كُمّه:
إذا صدّ من أهوى وأسلمني الغَري ... ففُرقة من أهوى أحرُّ من الجمرِ
ورأيتُ على ماجِنَ جارية مكاتم المغنّية قميصاً في وشاحه بالذهب:
زَفَراتي ليس تَفنى ... وفؤادي بك مُضنى
أترضاكَ وأُبدي ... لك ... سنا
بأبي كم أتمنّى ... وإلى كم أتمنى
بعدما أصبح قلبي ... في يد الأحرار رَهنا
قال: ورأيتُ في صدر قميص جارية تَباريح الكوفية مكتوباً بالفضة والذهب سطراً وسطراً:
يا فتى! قلتُ إذ دعاني هواه ... مستجيباً لصوته لبّيكا
ما بكت مُقلتي لفقْدك إلا ... جَزَعاً أن أموت شوقاً إليكا
قال: ورأيتُ مرة أخرى عليها دُرّاعَةَ ملْحَمٍ بتَرانين إبرِيسَم ولِبنة سوسَنْجرْد وفي دور اللِّبنة مكتوبٌ:
يا رامياً ليس يدري ما الذي فعلا! ... أمسك عليكَ فإنّ السهم قد قتلا
أصبتَ أسودَ قلبي إذ رمَيتَ فلا ... شُلّت يمينُك أن صَيّرتني مَثلا
وكتبت بَنان جاريةُ الخيزران على تَرانين دُرّاعةٍ لها بذهب:
لم تقُلْ قولاً ولكن حلفت ... أنها أحسنُ عينٍ أُطرِفت
زعمَت أني قد لاحظتُها ... أيُّ عينٍ لحَظَت فاعترفت
أظهرت حُجّة من يعشقها ... واستباحَت غفلةً وانصرفَت
وعلى طراز كُمّها:
ليس بي صبرٌ ولا بي جَلَدٌ ... قد نفى حُبُّكَ عني جَلَدي
وأخبرني بعض أصحابنا قال: أخبرني من رأى في ذيل جارية الحسَن بن قارِن منسوجاً في العَلَم:
أحسنُ ما قد خَلَق الل ... هـ وما لم يَخلفُهْ
شكوى فتاةٍ وفتىً ... يعشقها وتعشقُهْ
نار الهوى دانيةٌ ... تحرقُها وتَحرقُهْ
يا حبّذا الحبّ إذا ... دام ودامت حُرَقُهْ
وكتبت راهي جارية الأحدب قبل أن يشتريها إسحاق بن إبراهيم المَوصلي على وشاح قميصها:
إذا وجدتُ لهيب الشوق في كَبِدي ... أقبلتُ نحو سِقاء القوم أبتَرِدُ
هَبني طفِئتُ ببَرد الماء ظاهره ... فمن لحَرٍّ على الأحشاء يتّقدُ
وكتبت جاريةٌ لقبيحة على رِداء لها رشيديّ:
أراهم يأمرون بقطع وصلي ... مُريهم في أحبّتهم بذاكِ
فإن هُمْ طاوعوك فطاوعيهم ... وإن عاصَوكِ فاعصَيْ من عَصاكِ
وكتبت جارية أبي حرب على رداء لها ممسَّك:
من ألِفَ الحبَّ بكى ... من شَفّه الشوق شَكا
من غاب عنه إلفه ... أو صدّ عنه هلكا
يا مالكاً عذّبني ... بجَوره إذ مَلَكا
رِفقاً بمملوكِكَ ما ... يحلّ ذا الظُّلم لكا
وكتب بعض الظرفاء على طرازٍ مُطْرَفٍ خَزّ:
وهبَتْ شمالٌ أخر الليل قَرّةٌ ... ولا ثوب إلا بُردها وردائيا
فما زال ثوبي طيّباً من ثيابها ... إلى الحَول حتى أنهج الثوب باليا 
وكتبت دبسيّة جارية زُرزور على قُباء مُعَصفَر:
وما البدر المنير إذا تجلّى ... هُدُواً حين ينزل بالعراقِ
بأحسنَ من بُثينةَ يوم قامت ... تهادى في معصْفرةٍ رُقاقِ














مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید