المنشورات
الكرازن والعصائب ومشادّ الطرر والذوائب
وكتبت عَلَلُ على قَلَنْسُوةٍ لها ديباجٍ، وهي جارية محمد بن المأمون:
ما يَمَلّ الحبيب طول التجنّي ... لبَلائي به ولا الصدّ عنّي
كلّ يومٍ يقول لي: لكَذبتِ، ... يتجنّى ولا يرى ذاك مني
ربما جئته لأُسلفه العُذ ... ر لبعض الذنوب قبل التجنّي
وكتبت جارية المارِقي على قَلَنْسوةٍ لها بذهب:
كتب الشوق في فؤادي كِتاباً ... هو بالشوق والهوى مختومُ
رحم الله معشراً فارَقوني ... لا يُطيعون في الهوى من يَلومُ
ساق طَرفي إلى فُؤادي بَلائي ... إنّ طَرفي على فُؤادي مَشومُ
وكان على قَلَنْسُوة جارية محمد بن سعيد الفارسي مكتوباً:
أنا بعد القضاء سمتُ فؤادي ... وأصبتُ الغَداة عيني بعيني
لم تزَل بي حوادثُ الدهر حتى ... فرّقت بين من أحِبّ وبَيني
وكتبت جارية الحَباب على قَلَنْسوتها:
الله يحفظُهُ على شَحط النوى ... ما كان أوصلَه إلى تعذيبهِ
وكتبت جارية ابن السُّلَمي على كَرْزنها:
الشمس تطلُعُ للمَغيب ولا أرى ... شَوقي إليكَ على الزمان يَغيبُ
وكتبَت بَنان الشاعرة على قَلَنسوةٍ لجاريتها:
إنْ كنتُ خُنتُ ولم أُضمر خيانتكم ... فالله يأخذ ممن خان أو ظلما
سماحةً من مُحِبٍّ خان صاحبه ... ما خان قطّ محبٌّ يَعرف الكَرما
والله لا نظرَتْ عيني إليكَ ولا ... سالت مَساربُها شوقاً إليكَ دما
وقال الجاحظ: رأيتُ نشوان جارية زلزل وعليها عِصابةٌ مكتوبٌ عليها:
عينٌ مُسهَّدةٌ في مائها غرقَت ... يا ليتها ذهبت لو لم تكُن خُلقَت
لم تذهبِ النفسُ إلا عند لحظتها ... ولا بكت بدمٍ إلا لمِا أرِقَت
يا مقلةً سوف أبكيها ويا كَبِداً ... بها أحاطَ الهوى والشوق فاحترقَت
وكان على كَرزَنها:
الحبّ يُعرف في وجوه ذوي الهوى ... باللحظ قبل تَصافُح الأجفان
قال: ورأيتُ على قَلَنسوة تَباريح:
أهلُ الهوى في الأرض تَلقاهُمُ ... يمشون أحياءً كأمواتِ
وكتبت شادنُ جارية خَنَث قيِّمة جواري المأمون على وِقايةٍ تجمع بها ذوائبها:
بيضاء تسحب من قيامٍ فَرعَها ... وتغيب فيه وهو جَثْلٌ أسْحَمُ
فكأنّها فيه نهارٌ مُشرقٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مُظلِمُ
وقال علي بن الجَهم: حضَرتُ مجلس بعض الظرفاء فخرجتْ علينا جارية كأنها تمثال، وعليها عصابة قد أرسلت لها طرفين، على صدرها مكتوبٌ:
من يكُن صبّاً وفيّاً ... فزِمامي في يديه
خُذ مليكي بعِناني ... لا أُنازعك عليه
قال: فوثَبت فأخذتُ بطَرفي العِصابة وقلتُ: أنا والله صبّ، وأوفى خَلْق الله لمحبٍّ! قالت: إنه لا بدّ للفرس من سوطٍ قلتُ: يا غلام! هات السوط. قالت: هيهاتِ! ذاك سَوطُ الدوابّ وسوطُ مثلي شَبيه فضةٍ، وعِلاقته ذهب.
وكان على قَلَنسوة زَينَ مغنِّية إسماعيل
أُقيم على الآصال منتظراً لها ... وقد أشرفَت من هَول ذاك على نحبي
أموتُ وأسْتحيي الهوى أن أذمّه ... وإنْ كنتُ منه في عَناء وفي كَرْبِ
وقال الزبير بن بكّار: رأيتُ على قَلَنسوة بعض المغنّيات:
أدميتَ باللحظات وجنتها ... فاقْتصّ ناظرها من القلبِ
وعلى عصابتها:
فإذا نظرتَ إلى محاسنها ... أخرجْتَها عُطُلاً من الذنبِ
وقال الماوردي: رأيتُ جارية لبعض ولد المأمون، وعليها قَلَنسوة عليها مكتوبٌ:
يا تارك الجسم بلا قَلب ... إنْ كان يَهواكَ فما ذنبي؟
يا مفرَداً بالحُسن أفردتَني ... منك بطول الشوق والكَرْبِ
وعلى كَرزَن لها:
أنا العبد المقرّ بطول رقٍّ ... وليس عليك من عبدٍ خِلافُ
قال: ورأيتُ على جارية لا هي كَرزَناً مكتوباً عليه:
عذّبه بالهجر مولاه ... وزاده شوقاً وأضْناهُ
فدمعه يجري على خدّه ... ولم تنمْ للوَجد عيناهُ
قد كتب الحُبُّ على قلبه: ... مُتْ كمَداً يرحمُك اللهُ
وكتبت جارية لعيسى بن جعفر بن المنصور، وكانت قيّمةً له، على كَرزَنها:
ليت النقابَ على القِباح مُحرَّمٌ ... وعلى المِلاح خطيئةٌ لا تُغفرُ
وكتبت على وقايةٍ تجمع بها ضَفائرها:
جزى الله البَراقع من ثيابٍ ... عن العينين شرّاً ما بقينا
يُغطّين المِلاح فلا تَراهم ... ويستُرن القِباح فيستوينا
وكتبت عارم جارية جناح على كَرزنها، وكانت تتعشّق بعض ولد الحسن بن وهَب:
وإني لأخلو مذ فقدتُكَ دائباً ... فأنقُشُ تمثالاً لوجهك في التُّربِ
فأسقيه من دمعي وأبكي تضرُّعاً ... إليه كما يبكي العبيد إلى الربِّ
وكتبت ابنةُ الرُّصافية، وكانت تتعشّق ابن الرشيد، على كَرزَنها:
قالوا: عليكِ سبيلَ الصبر! قلتُ لهم: ... هيهاتِ! إنّ سبيل الصبر قد ضاقا
ما يرجع الطرف عنه حين يُبصره ... حتى يعودَ إليه الطَّرفُ مُشتاقا
قال افضل بن الربيع، قال أبي: رأيتُ على عصابة دبسيّة جارية أبي حرب:
محاسنُ وجهكَ تمحو الذنوبا ... وتعمَلُ في القلب شيئاً عَجيبا
فمِنْ ثمّ تهجُرُني ظالماً ... تجنّى وتُحصي عليّ الذنوبا
وكتبت شَمسة الطُّنبورية على عصابتها، وكانت تُغنّي الرشيد:
لا لصبرٍ هجرتُكم علم الل ... هـ ولكن لشدّة الاشتياق
رُبّ سرٍّ شاركتُ فيه ضميري ... وطواه اللسان عند التلاقي
وكان على قَلَنسوة شمائل جارية الماهانية:
ليلي بوجهك مشرقٌ ... وظلامه في الليل ساري
فالناسُ في سَدَفِ الظلا ... م ونحن في ضوء النهارِ
وكان على كَرزن مُشتاق جارية إسحاق بن علي الهاشمي مكتوباً بالذهب سطران:
إن كان قلبي يهوى وصل غيركُمُ ... إذاً فعاقبني الرحمن في بَصري
أو لم يكُن بكمُ ما عشتُ ذا كَلَفٍ ... فأنزل الله بي يا سيّدي خَدَري
وكان على عصابتها مكتوباً بالذهب:
ما كنتُ إلا حُلُماً ... رأته عيني في الوَسَنٍ
يا سمَحَ الفعل ويا ... أحسن من كل حسَنْ
مصادر و المراجع :
١- الموشى = الظرف والظرفاء
المؤلف: محمد بن
أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)
المحقق: كمال
مصطفى
الناشر: مكتبة
الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد
الطبعة: الثانية،
1371 هـ - 1953 م
20 يوليو 2024
تعليقات (0)