المنشورات

الزنانير والتكك والمناديل

قال عليُّ بن الجَهم: رأيتُ في منطقة واجد الكوفية زُنّاراً منسوجاً مكتوباً فيه:
لستُ أدري أطال ليليَ أم لا ... كيف يدري بذاك من يتقلّى؟
لو تفرّغتُ لاستطالة ليلي ... وارعْي النجوم كنتُ مُخِلاّ
ورأيتُ جارية في بيعة ماري مريم، في دار الروميّين، بمدينة السلام، كأنها فِلقةُ قمرٍ، خارجةً من الهيكل، في وسطها زُنّارٌ عليه بيتان:
زُنّارُها في خصرها يَطرب ... وريحها من طيبها أطيبُ
ووجهها أحسن من حَلْيها ... ولونها من لونها أعجبُ
وقرأت في زُنّار وقايةٍ لبعض القصريّات:
أليس عجيباً أنّ بيتاً يَضمّني ... وإياك لا نخلو ولا نتكلّمُ
ورأيتُ جارية أُبُلِّيّة لبعض المخنَّثين، وقد علّقت طبلاً في عُنقها بزُنّارٍ عليه مكتوبٌ:
آوَّتاهُ من بدني كلّه ... فتّتَ مني مَفْصِلاً مَفْصِلا
وعلى تِكّتها مكتوب:
غابوا فأضحى الجسمُ من بعدهم ... لا تُبصر العين له فيّا
واخجْلتا منهم ومن قولهم ... ما ضَرّكَ البُعدُ لنا شيّا
بأيّ وجهٍ أتلقّاهمُ ... إذا رأوني بعدهم حيّا
وكان على تِكّة هاتف جارية العاجي مكتوباً:
ولي عاذلٌ قد شفّ بعَذله ... وواشٍ بنَبل الحبّ يرمي مَقاتلي
كفى حَزناً والحمد لله أنني ... تقطّع قلبي بين واشٍ وعاذِلِ
وكتبت خاضع المُغنّية على زُنّار كانت تشد به طُرّتها:
ما أتْيَهَ المعشوق في نفسه ... وأبيّنُ الذُّلّ على العاشقِ
وأخبرني من قرأ على طَرفَي تِكّة لقَينةٍ:
ما أُراني حُلّتِ التِّكَ ... ة إلاّ لهَناتِ
وإنما خُلّي للتِّ ... كّة إنجاز العِداتِ
وأخبرني آخر أنه قرأ على تكّةٍ لبعض المَواجن:
إقطع التكّة حتى ... تذهب التكّةُ أصلا
ثم قُل للردف أهلاً ... بكَ يا رِدفُ وسَهلا
وكتبت سَلْم جارية لَمَم إلى فتىً كانت تحبّه في منديل دَبيقي بالذهب:
هاءنذا يُسقطُني للبلى ... عن فُرُشي أنفاس عُوّادي
لو يجد السِّلكُ على دِقّةٍ ... خَلْقاً لأضحى بعض حُسّادي
فكتب إليها في منديل آخر:
لا تسألي كيف حالي بعد فُرقتكُم ... ها فانظري وأجيلي طَرْف ممتحِنِ
تري بلىً لم يدع مني سوى شبحٍ ... لو لم أقلْ ها أنا للناس لم أبِنِ
وقرأتُ على منديلٍ لبعض الظرفاء وقد أدرج فيه كتاباً:
وإني لتَغشاني لذكراكِ فترةٌ ... كما انتفض العُصفور بلّله القَطرُ
عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها ... فلمّا انقضى ما بيننا سكَنَ الدهرُ
وكتب آخر على منديل:
إن بعض العِتاب يدعو إلى العَتْ ... ب ويُودي به الحبيبُ الحبيبا
وإذا ما القلوب لم تُضمر الح ... بّ فلن يعطفَ العِتاب القُلوبا
وأخبرني من رأى على منديل ممسَّك لبعض الظِّراف:
أنا مبعوثٌ إليكِ ... أُنسُ مولاتي لديكِ
صَنَعتني بيديها ... فامسحي بي شَفَتيكِ
وكتب أخر على منديل أهداه:
أنا منديل محبٍّ لم يزل ... ناشفاً بي من دموع مُقْلتيهِ
ثم أهداني إلى محبوبةٍ ... تمسحُ القهوة بي من شَفَتيهِ
وقرأتُ على منديلٍ لبعض الظراف:
إن يكُن حبلُكِ من حبلي وَهى ... وإلى شَوقي إليكِ المُنتهى
لم يُذكّرْنيكِ شوقٌ حادثٌ ... إنما يذكُرُ من كان سَها
وكتبت أسماء بنت غَضيض جارية حَمدونة ابنة المَهدي على تِكّتها من الوجهين:
جِلدٌ على أعظُمٍ دقاقِ ... مسكَنُ أنفاسه التراقي
توقَد أحشاؤه فيُطفي ... حُرقتها هاطلُ المآقي
لولا تَسليه بالتبكّي ... إذاً جَنَيناه بانحراقِ
يا ربِّ عجِّلْ وفاة روحي ... قبلَ هُجومي على الفِراقِ
وكتبت على منديلها:
إليكَ أشكو ربِّ ما حلّ بي ... من صدّ هذا العاتب المُذنبِ
صدِّ بلا جُرمٍ ولو قال لي ... لا تشربِ الباردَ لم أشربِ
وكتب أخر على منديل أهداه:
أيا مَن لا أُرجي منه رِفقاً ... ولا من رقّهِ ما عشتُ عِتقا
لقد أنفذتُ دمْعَ العينِ حتى ... بَكيتُ دماً لفَقدكَ ليس يَرقا
وكتبت عِنان جارية الناطفيّ على منديل وجّهَت به إلى أبي نُواس، وكانت تحبه:
أما يُحسنُ مَن أحس ... نَ أن يغضَبَ أن يرضى
أما يَرضى بأنْ صِرتُ ... على الأرض لهُ أرضا














مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید