المنشورات

المجالس والأبواب ووجوه المستنظرات وصدور القِباب

قال علي بن الجهم: رأيتُ في صدر قبّةٍ مكتوباً بألوان فُصوصٍ منضَّدةٍ:
لا تُطمعِ النفسَ في السُّلوّ إذا ... أحببتَ حتى تُذيبها كَمَدا
من لم يَذُق لوعة الصُّدود ولم ... يصبرْ على الذُّلّ والشَّقا أبدا
فذاكَ مستظرفُ الفؤاد يرى ... في كلّ يومٍ أحبابه جُدُدا
وأخبرني أبو جعفر القارئ قال: أخبرني بعض شيوخنا أنه قرأ في صدر مجلسٍ لأمير المؤمنين المأمون:
صِلْ مَن هَويتَ ودَع مقالةَ حاسدِ ... ليس الحسود على الهوى بمُساعِدِ
لم يَخلُقِ الرحمن أحسنَ مَنظراً ... من عاشقينِ على فِراشٍ واحِدِ
متعانقين عليهما أُزُرُ الهوى ... متوسِّدين بمِعصَمٍ وبساعِدِ
يا مَن يلومُ على الهوى أهل الهوى ... هل تستطيعُ صَلاحَ قلبٍ فاسِدِ
وقرأتُ على وجه مُستنظَرٍ لبعض الكُتّاب:
هَبَتْ شمالٌ فقلتُ: من بلدٍ ... أنتَ به؛ طابَ ذلك البلدُ
وقبّل الريح من صَبابته ... هل قبّل الريحَ قبله أحَدُ
وأخبرني أحمد بن الحُسين بن المُنجِّم المقرئ أنه قرأ على مُستنظَرٍ لبعض الكتّاب:
لي إلى الريح حاجةٌ لو قضتْها ... كنتُ للريح ما حَييتُ غُلاما
حَجَبوها عنِ الرياح لأني ... قلتُ: يا ريحُ بلّغيها السلاما
لو رَضوا بالحِجاب هانَ ولكن ... منعوها يوم الرياح الكلاما
أخبرني عبد الحميد المَلَطي أنه قرأ على باب مجلسٍ بمَلَطْيَةَ:
لا يمنعنّك خفضَ العيش في دَعَةٍ ... نزوعُ نفسٍ إلى أهل وأوطانِ
تلقَى بكلّ بلادٍ إن حَلَلتَ بها ... أهلاً بأهلٍ وجيراناً بجيرانِ
وفي صدر المجلس أيضاً مكتوبٌ:
إذا كنتَ في أرضٍ غريباً فرَجّها ... ولا تكترث فيها نزوعاً إلى الوَطَنْ
فما هي إلا بلدةٌ مثلُ بلدةٍ ... وخيرُهما ما كان عوناً على الزَّمَنْ
وقرأت على باب دارٍ خَدْشاً في الجصّ بعُودٍ:
هلاّ رجمتُم موقفي بفنائكم ... متعرِّضاً لنسيمكم أتنشَّقُ
مُتّلدِّداً أبكي لِما قد حلّ بي ... مثلَ الغريق بما يرى يتعلّقُ
وأخبرني صديقٌ لي أنه قرأ على باب دار بالحجاز:
يا دارُ! إنّ غزالاً فيكِ عذّبني ... لله درُّكِ ما تحوين يا دارُ
الدارُ تملِكُني ويحي وصاحبها ... قلبي، مليكان: ربُّ الدار والدارُ
يا دارُ لولا غَزالٌ فيكِ عُلّقَني ... ما كان لي فيكِ إقبالٌ وإدبارُ
وأخبرني من قرأ على باب دارٍ بإصطَخْرَ منقوشاً بحجر:
أرى الدارَ من بعد الحبيب ولا أرى ... حبيبي مع الباقين في عَرْصةِ الدارِ
فيا عجباً إذ فارقَ الجارُ جاره ... أليس شديداً فُرقةُ الجار للجارِ













مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید