المنشورات

وَصِيَّة أرسطوطاليس

قَالَ بطليموس فِي كِتَابه إِلَى غلس فِي سيرة أرسطوطاليس وَلما حضرت أرسطوطاليس الْوَفَاة أوصى بِهَذِهِ الْوَصِيَّة الَّتِي نَحن ذاكروها قَالَ
إِنِّي جعلت وصيي أبدا فِي جَمِيع مَا خلفت انطيبطرس وَإِلَى أَن يقدم نيقاتر فَلْيَكُن أرسطومانس وطيمارخس وأبرخس وديوطالس معتنين بتفقد مَا يحْتَاج إِلَى تفقده والعناية بِمَا يَنْبَغِي أَن يعْنى بِهِ من أَمر أَهلِي وأربليس جاريتي وَسَائِر جواري وعبيدي وَمَا خلفت وَإِن سهل على ثاورسطس وَأمكنهُ الْقيام مَعَهم فِي ذَلِك كَانَ مَعَهم وَمَتى أدْركْت ابْنَتي تولى أمرهَا نيقاتر وَإِن حدث بهَا حدث الْمَوْت قبل أَن تتَزَوَّج أَو بعد ذَلِك من غير أَن يكون لَهَا ولد فَالْأَمْر مَرْدُود إِلَى نيقاتر فِي أمرهَا وَفِي أَمر ابْني نيقوماخس
وتوصيتي إِيَّاه فِي ذَلِك أَن يجْرِي التَّدْبِير فِيمَا يعْمل بِهِ فِي ذَلِك على مَا يَشْتَهِي وَمَا يَلِيق بِهِ لَو كَانَ أَبَا أَو أَخا لَهما وَإِن حدث بنيقاتر حدث الْمَوْت قبل أَن تتَزَوَّج ابْنَتي أَو بعد تَزْوِيجهَا من غير أَن يكون لَهَا ولد فأوصى نيقاتر فِيمَا خلفت بِوَصِيَّة فَهِيَ جَائِزَة نَافِذَة
وَإِن مَاتَ نيقاتر عَن غير وَصِيَّة وَسَهل على ثاوفرسطس وَأحب أَن يقوم فِي الْأَمر مقَامه فَذَلِك لَهُ فِي جَمِيع مَا كَانَ يقوم بِهِ نيقاتر من أَمر وَلَدي وَغير ذَلِك مِمَّا خلفت وَإِن لم يحب ثاوفرسطس الْقيام بذلك فَليرْجع الأوصياء الَّذين سميت إِلَى أنطيبطرس فيشاوروه فِيمَا يعْملُونَ بِهِ فِيمَا خلفت ويمضوا الْأَمر على مَا يتفقون عَلَيْهِ
وليحفظني الأوصياء ونيقاتر فِي أربليس فَإِنَّهَا تسْتَحقّ مني ذَلِك لما رَأَيْت من عنايتها بخدمتي واجتهادها فِيمَا وَافقنِي ويهيئوا لَهَا جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَإِن هِيَ أحبت التَّزْوِيج فَلَا تُوضَع إِلَّا عِنْد رجل فَاضل
وليدفع إِلَيْهَا من الْفضة سوى مَا هُوَ لَهَا طالنطن وَاحِد وَهُوَ مائَة وَخمْس وَعِشْرُونَ رطلا وَمن الْإِمَاء ثَلَاث مِمَّن تخْتَار مَعَ جاريتها الَّتِي لَهَا وغلامها وَإِن هِيَ أحبت الْمقَام بخلقيس فلهَا السُّكْنَى فِي دَاري دَار الضِّيَافَة الَّتِي إِلَى جَانب الْبُسْتَان وَإِن اخْتَارَتْ السُّكْنَى فِي الْمَدِينَة بأسطاغيرا فلتسكن فِي منَازِل آبَائِي وَأي الْمنَازل اختارته فليتخذ الأوصياء لَهَا فِيهِ مَا تذكر إِنَّهَا تحْتَاج إِلَيْهِ مِمَّا يرَوْنَ إِن لَهَا فِيهِ مصلحَة وَبهَا إِلَيْهِ حَاجَة
أما أَهلِي وَوَلَدي فَلَا حَاجَة بِي إِلَى أَن أوصيهم بأمرهم
وليعن نيقاتر بمرمقس الْغُلَام حَتَّى يردهُ إِلَى بَلَده وَمَعَهُ جَمِيع مَا لَهُ على الْحَالة الَّتِي يشتهيها
ولتعتق جاريتي أمبراقيس وَإِن هِيَ بعد الْعتْق أَقَامَت على خدمَة ابْنَتي إِلَى أَن تتَزَوَّج فليدفع إِلَيْهَا خَمْسمِائَة درخمى وجاريتها
وَيدْفَع إِلَى ثاليس الصبية الَّتِي ملكناها قَرِيبا غُلَام من مماليكنا وَألف درخمى وَيدْفَع إِلَى سمينس ثمن غُلَام يبتاعه لنَفسِهِ غير الْغُلَام الَّذِي كَانَ دفع إِلَيْهِ ثمنه ويوهب لَهُ سوى ذَلِك شَيْء على مَا يرى الأوصياء
وَمَتى تزوجت ابْنَتي فليعتق غلماني ثاخن وفيلن وأولمبوس وَلَا يُبَاع ابْن أولمبوس وَلَا أحد مِمَّن خدمني من غلماني وَلَكِن يقرونَ مماليك فِي الْخدمَة إِلَى أَن يدركوا مدرك الرِّجَال فَإِذا بلغُوا ذَلِك فليعتقوا وَيفْعل بهم فِيمَا يُوهب لَهُم حسب استحقاقهم
قَالَ حنين بن إِسْحَاق فِي كتاب نَوَادِر الفلاسفة أصل اجتماعات الفلاسفة إِنَّه كَانَت الْمُلُوك من اليونانية وَغَيرهَا تعلم أَوْلَادهَا الْحِكْمَة والفلسفة وتؤديهم بأصناف الْآدَاب وتتخذ لَهُم بيُوت الذَّهَب المصورة بأصناف الصُّور
وَإِنَّمَا جعلت الصُّور لارتياح الْقُلُوب إِلَيْهَا واشتياق النّظر إِلَى رؤيتها
فَكَانَ الصّبيان يلازمون بيُوت الصُّور للتأديب بِسَبَب الصُّور الَّتِي فِيهَا وَكَذَلِكَ نقشت الْيَهُود هياكلها وصورت النَّصَارَى كنائسها وَبَيْعهَا وزوق الْمُسلمُونَ مَسَاجِدهمْ
كل ذَلِك لترتاح النُّفُوس إِلَيْهَا وتشتغل الْقُلُوب بهَا
فَإِذا حفظ المتعلم من أَوْلَاد الْمُلُوك علما أَو حِكْمَة أَو أدبا صعد على درج إِلَى مجْلِس مَعْمُول من الرخام المصور المنقوش فِي يَوْم الْعِيد الَّذِي يجْتَمع فِيهِ أهل المملكة إِلَى ذَلِك الْبَيْت بعد انْقِضَاء الصَّلَاة والتبرك فيتكلم بالحكمة الَّتِي حفظهَا وينطق بالأدب الَّذِي وعاه على رُؤُوس الأشهاد فِي وَسطهمْ وَعَلِيهِ التَّاج وحلل الْجَوَاهِر
ويحيي الْمعلم وَيكرم ويبر ويشرف الْغُلَام
ويعد حكيما على قدر ذكائه وفهمه
وتعظم الهياكل وتستر ويشعل فِيهَا النيرَان والشمع وتبخر بالدخن الطّيبَة ويتزين النَّاس بأنواع الزِّينَة
وَبَقِي ذَلِك إِلَى الْيَوْم للصابئة وَالْمَجُوس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى إثباتات فِي الهياكل وللمسلمين مَنَابِر فِي الْمَسَاجِد
قَالَ حنين بن إِسْحَاق وَكَانَ أفلاطون الْمعلم الْحَكِيم فِي زمن روفسطانيس الْملك وَكَانَ اسْم ابْنه نطافورس
وَكَانَ أرسطوطاليس غُلَاما يَتِيما قد سمت بِهِ همته إِلَى خدمَة أفلاطون الْحَكِيم فَاتخذ روفسطانس الْملك بَيْتا للحكمة وفرشه لِابْنِهِ نطافورس وَأمر أفلاطون بملازمته وتعليمه
وَكَانَ نطافورس غُلَاما مُتَخَلِّفًا قَلِيل الْفَهم بطيء الْحِفْظ
وَكَانَ أرسطوطاليس غُلَاما ذكيا فهما جادا معبرا وَكَانَ أفلاطون يعلم نطافورس الْحِكْمَة والآداب فَكَانَ مَا يتعلمه الْيَوْم ينساه غَدا وَلَا يعبر حرفا وَاحِدًا
وَكَانَ أرسطوطاليس يتلقف مَا يلقى إِلَى نطافورس فيحفظه ويرسخ فِي صَدره ويعي ذَلِك سرا عَن أفلاطون ويحفظه
وأفلاطون لَا يعلم بذلك من سر أرسطوطاليس وضميره حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْعِيد زين بَيت الذَّهَب وألبس نطافورس الحلى وَالْحلَل وَحضر الْملك روفسطانس وَأهل المملكة وأفلاطون وتلاميذه وَانْقَضَت الصَّلَاة وَصعد أفلاطون الْحَكِيم ونطافورس إِلَى مرتبَة الشّرف ودراسة الحكم على الأشهاد والملوك فَلم يؤد الْغُلَام نطافورس شَيْئا من الْحِكْمَة وَلَا نطق بِحرف من الْآدَاب فأسقط فِي يَد أفلاطون وَاعْتذر إِلَى النَّاس بِأَنَّهُ لم يمْتَحن علمه وَلَا عرف مِقْدَار فهمه وَأَنه كَانَ واثقا بِحِكْمَتِهِ وفطنته
ثمَّ قَالَ يَا معشر التلامذة من فِيكُم يضطلع بِحِفْظ شَيْء من الْحِكْمَة وينوب عَن نطافورس فبدر أرسطوطاليس فَقَالَ أَنا أَيهَا الْحَكِيم فازدراه وَلم يَأْذَن لَهُ فِي الْكَلَام
ثمَّ أعَاد القَوْل على تلامذته فبدرهم أرسطوطاليس فَقَالَ أَنا يَا معلم الْحِكْمَة أضطلع بِمَا ألقيت من الْحِكْمَة إِلَى نطافورس
فَقَالَ لَهُ أرق فرقي أرسطوطاليس الدرج بِغَيْر زِينَة وَلَا استعداد فِي أثوابه الدنيئة المبتذلة فَهدر كَمَا يهدر الطير وأتى بأنواع الْحِكْمَة وَالْأَدب الَّذِي أَلْقَاهُ أفلاطون إِلَى نطافورس وَلم يتْرك مِنْهَا حرفا وَاحِدًا
فَقَالَ أفلاطون أَيهَا الْملك هَذِه الْحِكْمَة الَّتِي لقنتها نطافورس قد وعاها أرسطوطاليس سَرقَة وحفظها سرا مَا غادر مِنْهَا حرفا فَمَا حيلتي فِي الرزق والحرمان
وَكَانَ الْملك فِي مثل ذَلِك الْيَوْم يرشح ابْنه للْملك ويشرفه وَيعْلي مرتبته فَأمر الْملك باصطناع أرسطوطاليس وَلم يرشح ابْنه للْملك
وَانْصَرف الْجَمِيع فِي ذَلِك الْيَوْم على اسْتِحْسَان مَا أَتَى بِهِ أرسطوطاليس والتعجب من الرزق والحرمان









مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید