المنشورات

طَبَقَات الْأَطِبَّاء الإسكندرانيين وَمن كَانَ فِي أزمنتهم من الْأَطِبَّاء النَّصَارَى وَغَيرهم

قَالَ الْمُخْتَار بن حسن بن بطلَان أَن الإسكندرانيين الَّذين جمعُوا كتب جالينوس السِّتَّة عشر وفسروها كَانُوا سَبْعَة وهم إصطفن وجاسيوس وثاودوسيوس وأكيلاوس وأنقيلاوس وفلاذيوس وَيحيى النَّحْوِيّ وَكَانُوا على مَذْهَب الْمَسِيح
وَقيل إِن أنقيلاوس الإسْكَنْدراني هُوَ كَانَ الْمُقدم على سَائِر الإسكندرانيين وَإنَّهُ هُوَ الَّذِي رتب الْكتب السِّتَّة عشر لِجَالِينُوسَ
وَقَالَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الإسكندرانيون يقتصرون على قِرَاءَة الْكتب السِّتَّة عشر لِجَالِينُوسَ فِي مَوضِع تَعْلِيم الطِّبّ بالإسكندرية
وَكَانُوا يقرأونها على التَّرْتِيب ويجتمعون فِي كل يَوْم على قِرَاءَة شَيْء مِنْهَا وتفهمه
ثمَّ صرفوها إِلَى الْجمل والجوامع ليسهل حفظهم لَهَا ومعرفتهم إِيَّاهَا
ثمَّ انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُم بتفسير السِّتَّة عشر
وأجود مَا وجدت من ذَلِك تَفْسِير جاسيوس للستة عشر فَإِنَّهُ أبان فِيهَا عَن فضل ودراية
وَعمر من هَؤُلَاءِ الإسكندرانيين يحيى النَّحْوِيّ الإسْكَنْدراني الإسكلاني حَتَّى لحق أَوَائِل الْإِسْلَام
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب الفهرست أَن يحيى النَّحْوِيّ كَانَ تلميذ ساواري
قَالَ وَكَانَ يحيى النَّحْوِيّ فِي أول أمره أسقفا فِي بعض الْكَنَائِس بِمصْر ويعتقد مَذْهَب النَّصَارَى اليعقوبية
ثمَّ رَجَعَ عَمَّا يَعْتَقِدهُ النَّصَارَى من التَّثْلِيث وَاجْتمعت الأساقفة وناظرته فَغَلَبَهُمْ واستعطفته وآنسته وَسَأَلته الرُّجُوع عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَترك إِظْهَاره
فَأَقَامَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ وأبى أَن يرجع فأسقطوه
وَلما فتحت مصر على يَدي عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ دخل إِلَيْهِ وأكرمه وَرَأى لَهُ موضعا
ونقلت من تعاليق الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن بهْرَام السجسْتانِي قَالَ كَانَ يحيى النَّحْوِيّ فِي أَيَّام عَمْرو بن الْعَاصِ وَدخل إِلَيْهِ وَقَالَ إِن يحيى النَّحْوِيّ كَانَ نَصْرَانِيّا بالإسكندرية وَأَنه قَرَأَ على أميونيس وَقَرَأَ أميونيس على برقلس
قَالَ وَيحيى النَّحْوِيّ يَقُول أَنه أدْرك برقلس وَكَانَ شَيخا كَبِيرا لَا ينْتَفع بِهِ من الْكبر
وَقَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل فِي كتاب مَنَاقِب الْأَطِبَّاء بِأَن يحيى النَّحْوِيّ كَانَ قَوِيا فِي علم النَّحْو والمنطق والفلسفة وَقد فسر كتبا كَثِيرَة من الطبيات
ولقوته فِي الفلسفة ألحق بالفلسفة لِأَنَّهُ أحد الفلاسفة الْمَذْكُورين فِي وقته
قَالَ وَسبب قوته فِي الفلسفة أَنه كَانَ فِي أول أمره ملاحا يعبر النَّاس فِي سفينته وَكَانَ يحب الْعلم كثيرا
فَإِذا عبر مَعَه قوم من دَار الْعلم والمدرس الَّذِي كَانَ يدرس الْعلم بِجَزِيرَة الْإسْكَنْدَريَّة يتحاورون مَا مضى لَهُم من النّظر ويتفاوضونه ويسمعه فتهش نَفسه للْعلم
فَلَمَّا قويت رويته فِي الْعلم فكر فِي أمره وَقَالَ قد بلغت نيفا وَأَرْبَعين سنة من الْعُمر وَمَا أرتضيت بِشَيْء وَمَا عرفت غير صناعَة الملاحة فيكف يمكنني أَن أتعرض إِلَى شَيْء من الْعُلُوم فَبَيْنَمَا هُوَ مفكر إِذْ رأى نملة قد حملت نواة تَمْرَة وَهِي تُرِيدُ أَن تصعد بهَا إِلَى علو وَكلما صعدت بهَا سَقَطت فَلم تزل تُجَاهِد نَفسهَا فِي طُلُوعهَا وَهِي فِي كل مرّة يزِيد ارتفاعها عَن الأولى فَلم تزل نَهَارهَا وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا إِلَى أَن بلغت غرضها وأطلعتها إِلَى غايتها
فَلَمَّا رَآهَا يحيى النَّحْوِيّ قَالَ لنَفسِهِ إِذا كَانَ هَذَا الْحَيَوَان الضَّعِيف قد بلغ غَرَضه بالمجاهدة فَأَنا أولى أَن أبلغ غرضي بالمجاهدة
فَخرج من وقته وَبَاعَ سفينته ولازم دَار الْعلم وَبَدَأَ بِعلم النَّحْو واللغة والمنطق فبرع فِي هَذِه الْأُمُور وبرز وَلِأَنَّهُ أول مَا ابْتَدَأَ بالنحو فنسب إِلَيْهِ واشتهر بِهِ وَوضع كتبا كَثِيرَة مِنْهَا تفاسير وَغَيرهَا
وَوجدت فِي بعض تواريخ النَّصَارَى أَن يحيى النَّحْوِيّ كَانَ فِي الْمجمع الرَّابِع الَّذِي اجْتمع فِي مَدِينَة يُقَال لَهَا خلكدونية وَكَانَ فِي هَذَا الْمجمع سِتّمائَة وَثَلَاثُونَ أسقفا على أوتوشيوس وَهُوَ يحيى النَّحْوِيّ وَأَصْحَابه وأوتوشيوس تَفْسِيره بالعربي أَبُو سعيد
وَهَذَا أوتوشيوس كَانَ طَبِيبا حكيما وَأَنَّهُمْ لما أحرموه لم ينفوه كَمَا نفوا المحرومين
وَكَانَ ذَلِك لحاجتهم إِلَى طبه
وَترك فِي مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَلم يزل مُقيما بهَا حَتَّى مَاتَ مرقيان الْملك
وليحيى النَّحْوِيّ هَذَا لقب آخر بالرومي يُقَال لَهُ فيلوبينوس أَي الْمُجْتَهد وَهُوَ وَمن جملَة السَّبْعَة الْحُكَمَاء المصنفين للجوامع السِّتَّة عشر وَغَيرهَا فِي مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة
وَله مصنفات كَثِيرَة فِي الطِّبّ وَغَيره وَترك فِي مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة لعلمه وفضله وطبه
وَقَامَ بعد مرقيان الْملك أسطيريوس الْملك فاعتل هَذَا الْملك عِلّة شَدِيدَة صعبة وَذَلِكَ من بعد سنتَيْن من حرم أوتوشيوس الْمَذْكُور
فَدخل على الْملك وعالجه وبرأ من علته فَقَالَ لَهُ الْملك سلني كل حَاجَة لَك فَقَالَ لَهُ أوتوشيوس حَاجَتي إِلَيْك يَا سَيِّدي أَن أَسْقُف ذورلية وَقع بيني وَبَينه شَرّ شَدِيد وبغى عَليّ وقوى عزم أفلابيانوس بطريرك الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَحمله على أَن جمع لي سوندس أَي مجمع وحرمني ظلما وعدوانا
فحاجتي إِلَيْك يَا سَيِّدي أَن تجمع لي جمعا ينظرُونَ فِي أَمْرِي فَقَالَ لَهُ الْملك أَنا أفعل لَك هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَأرْسل الْملك إِلَى ديسقوروس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة ويوانيس بطرك أنطاكية فَأَمرهمْ أَن يحضروا عِنْده فَحَضَرَ ديسقوروس وَمَعَهُ ثَلَاثَة عشر أسقفا وَأَبْطَأ صَاحب أنطاكية وَلم يحضر
وَأمر الْملك لديسقوروس أَن ينظر فِي أَمر أوتوشيوس وَأَن يحله من حرمه على أَي الْجِهَات كَانَ
وَقَالَ لَهُ متوعدا إِنَّك أَن حللته من حرمه بررتك بِكُل بر وأحسنت إِلَيْك غَايَة الْإِحْسَان وَإِن لم تفعل ذَلِك قتلتك قتلا رديئا
فَاخْتَارَ لنَفسِهِ الْبر على الْقَتْل
فَعمل لَهُ مَجْلِسا هُوَ وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة عشر أسقفا وَمن حضر مَعَه أَيْضا فحسنوا قصَّته وحلوه من حرمه
وَخرج أَسْقُف ذورالية وَأَصْحَابه وَانْصَرفُوا من الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَقد خالفوا رَأْي الْكَنِيسَة
وَبِهَذَا السَّبَب كَانَ تعصب ديسقوروس لأوتوشيوس الْمَذْكُور الْمَعْرُوف بِيَحْيَى النَّحْوِيّ وَمَات مُخَالفا لمَذْهَب الرّوم المعروفين بالملكية
وَمَات وَهُوَ يعقوبي مُخَالف للروم الْمَذْكُورين














مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید