المنشورات

بختيشوع بن جورجس

وَمعنى بختيشوع عبد الْمَسِيح لِأَن فِي اللُّغَة السريانية البخت العَبْد ويشوع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَكَانَ بختيشوع يلْحق بِأَبِيهِ فِي مَعْرفَته بصناعة الطِّبّ ومزاولته لأعمالها وخدم هرون الرشيد وتميز فِي أَيَّامه
قَالَ فثيون الترجمان لما مرض مُوسَى الْهَادِي أرسل إِلَى جندي سَابُور من يحضر لَهُ بختيشوع فَمَاتَ قبل قدوم بختيشوع وَكَانَ من خَبره أَنه جمع الْأَطِبَّاء وهم أَبُو قُرَيْش عِيسَى وَعبد الله الطيفوري وداؤد بن سرابيون وَقَالَ لَهُم أَنْتُم تأخذون أَمْوَالِي وجوائزي وَفِي وَقت الشدَّة تتقاعدون بِي
فَقَالَ لَهُ أَبُو قُرَيْش علينا الِاجْتِهَاد وَالله يهب السَّلامَة
فاغتاظ من هَذَا فَقَالَ لَهُ الرّبيع قد وصف لنا أَن بنهر صَرْصَر طَبِيبا ماهرا يُقَال لَهُ عبد يشوع بن نصر فَأمر بإحضاره وَبِأَن تضرب أَعْنَاق الْأَطِبَّاء
فَلم يفعل الرّبيع هَذَا لعلمه باختلال عقله من شدَّة الْمَرَض وَلِأَنَّهُ كَانَ آمنا مِنْهُ
وَوجه إِلَى صَرْصَر حَتَّى أحضر الرجل وَلما دخل على مُوسَى قَالَ لَهُ رَأَيْت القارورة قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهَا أَنا أصنع لَك دَوَاء تَأْخُذهُ وَإِذا كَانَ على تسع سَاعَات تَبرأ وتتخلص وَخرج من عِنْده وَقَالَ للأطباء
لَا تشْغَلُوا قُلُوبكُمْ فَإِنَّكُم فِي هَذَا الْيَوْم تنصرفون إِلَى بُيُوتكُمْ
وَكَانَ الْهَادِي قد أَمر بِأَن يدْفع إِلَيْهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم ليبتاع لَهُ بهَا الدَّوَاء فَأَخذهَا وَوجه بهَا إِلَى بَيته وأحضر أدوية وَجمع الْأَطِبَّاء بِالْقربِ من مَوضِع الْخَلِيفَة وَقَالَ لَهُم دقوا حَتَّى يسمع وتسكن نَفسه فَإِنَّكُم فِي آخر النَّهَار تتخلصون
وَكَانَ كل سَاعَة يَدْعُو بِهِ ويسأله عَن الدَّوَاء فَيَقُول لَهُ هوذا تسمع صَوت الدق فيسكت
وَلما كَانَ بعد تسع سَاعَات مَاتَ وتخلص الْأَطِبَّاء وَهَذَا فِي سنة سبعين وَمِائَة
قَالَ فثيون وَلما كَانَ فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة مرض هرون الرشيد من صداع لحقه فَقَالَ ليحيى بن خَالِد هَؤُلَاءِ الْأَطِبَّاء لَيْسَ يحسنون شَيْئا فَقَالَ لَهُ يحيى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو قُرَيْش طَبِيب والدك ووالدتك
فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بَصيرًا بالطب وَإِنَّمَا كَرَامَتِي لَهُ لقديم حرمته
فَيَنْبَغِي أَن تطلب لي طَبِيبا ماهرا
فَقَالَ لَهُ يحيى بن خَالِد إِنَّه لما مرض أَخُوك مُوسَى أرسل والدك إِلَى جندي سَابُور حَتَّى أحضر رجلا يعرف ببختيشوع
قَالَ لَهُ فَكيف تَركه يمْضِي فَقَالَ لما رأى عِيسَى أَبَا قُرَيْش ووالدتك يحسدانه أذن لَهُ فِي الِانْصِرَاف إِلَى بَلَده فَقَالَ لَهُ أرسل بالبريد حَتَّى يحملوه إِن كَانَ حَيا
وَلما كَانَ بعد مُدَّة مديدة وافى بختيشوع الْكَبِير ابْن جورجس وَوصل إِلَى هرون الرشيد ودعا لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وبالفارسية
فَضَحِك الْخَلِيفَة وَقَالَ ليحيى بن خَالِد أَنْت منطقي فَتكلم مَعَه حَتَّى اسْمَع كَلَامه
فَقَالَ لَهُ يحيى بل نَدْعُو بالأطباء فدعى بهم وهم أَبُو قُرَيْش عِيسَى وَعبد الله الطيفوري وَدَاوُد بن سرابيون وسرجس
فَلَمَّا رَأَوْا بختيشوع قَالَ أَبُو قُرَيْش يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ فِي الْجَمَاعَة من يقدر على الْكَلَام مَعَ هَذَا لِأَنَّهُ كَون الْكَلَام هُوَ وَأَبوهُ وجنسه فلاسفة فَقَالَ الرشيد لبَعض الخدم أحضرهُ مَاء دَابَّة حَتَّى نجربه فَمضى الْخَادِم وأحضره قَارُورَة المَاء
فَلَمَّا رَآهُ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ هَذَا بَوْل إِنْسَان
قَالَ لَهُ أَبُو قُرَيْش كذبت هَذَا مَاء حظية الْخَلِيفَة
فَقَالَ لَهُ بختيشوع لَك أَقُول أَيهَا الشَّيْخ الْكَرِيم لم يبل هَذَا إِنْسَان الْبَتَّةَ
وَإِن كَانَ الْأَمر على مَا قلت فلعلها صَارَت بَهِيمَة
فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة من أَيْن علمت أَنه لَيْسَ ببول إِنْسَان قَالَ لَهُ بختيشوع لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قوام بَوْل النَّاس وَلَا لَونه وَلَا رِيحه
قَالَ لَهُ الْخَلِيفَة بَين يَدي من قَرَأت قَالَ لَهُ قُدَّام أبي جورجس قَرَأت
قَالَ لَهُ الْأَطِبَّاء أَبوهُ كَانَ اسْمه جورجس وَلم يكن مثله فِي زَمَانه وَكَانَ يُكرمهُ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور إِكْرَاما شَدِيدا ثمَّ الْتفت الْخَلِيفَة إِلَى بختيشوع فَقَالَ لَهُ مَا ترى أَن نطعم صَاحب هَذَا المَاء فَقَالَ شَعِيرًا جيدا
فَضَحِك الرشيد ضحكا شَدِيدا وَأمر فَخلع عَلَيْهِ خلعة حَسَنَة جليلة ووهب لَهُ مَالا وافرا
وَقَالَ بختيشوع يكون رَئِيس الْأَطِبَّاء كلهم وَله يسمعُونَ ويطيعون
ولبختيشوع بن جورجس من الْكتب كناش مُخْتَصر
كتاب التَّذْكِرَة أَلفه لِابْنِهِ جِبْرَائِيل













مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید