المنشورات
جِبْرَائِيل بن بختيشوع بن جورجس
كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ جيد التَّصَرُّف فِي المداواة
عالي الهمة سعيد الْجد حظيا عِنْد الْخُلَفَاء رفيع الْمنزلَة عِنْدهم كثيري الْإِحْسَان إِلَيْهِ
وَحصل من جهتهم من الْأَمْوَال مَا لم يحصله غَيره من الْأَطِبَّاء قَالَ فثيون الترجمان لما كَانَ فِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَة مرض جَعْفَر بن يحيى بن خَالِد بن برمك فَتقدم الرشيد إِلَى بختيشوع أَن يتَوَلَّى خدمته ومعالجته
وَلما كَانَ فِي بعض الْأَيَّام قَالَ لَهُ جَعْفَر أُرِيد أَن تخْتَار لي طَبِيبا ماهرا أكْرمه وَأحسن إِلَيْهِ
قَالَ لَهُ بختيشوع ابْني جِبْرَائِيل أمهر مني وَلَيْسَ فِي الْأَطِبَّاء من يشاكله
فَقَالَ لَهُ أحضرنيه
وَلما أحضرهُ عالجه فِي مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وبرأ فَأَحبهُ جَعْفَر مثل نَفسه
وَكَانَ لَا يصبر عَنهُ سَاعَة وَمَعَهُ يَأْكُل وَيشْرب
وَفِي تِلْكَ الْأَيَّام تمطت حظية الرشيد وَرفعت يَدهَا فَبَقيت منبسطة لَا يُمكنهَا ردهَا
والأطباء يعالجونها بالتمريخ والإدهان وَلَا ينفع ذَلِك شَيْئا
فَقَالَ الرشيد لجَعْفَر بن يحيى قد بقيت هَذِه الصبية بعلتها
قَالَ لَهُ جَعْفَر لي طَبِيب ماهر وَهُوَ ابْن بختيشوع نَدْعُوهُ ونخاطبه فِي معنى هَذَا الْمَرَض فَلَعَلَّ عِنْده حِيلَة فِي علاجه
فَأمر بإحضاره وَلما حضر قَالَ لَهُ الرشيد مَا اسْمك قَالَ جِبْرَائِيل
قَالَ لَهُ أَي شَيْء تعرف من الطِّبّ فَقَالَ أبرد الْحَار وأسخن الْبَارِد وأرطب الْيَابِس وأيبس الرطب الْخَارِج عَن الطَّبْع
فَضَحِك الْخَلِيفَة وَقَالَ هَذَا غَايَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي صناعَة الطِّبّ
ثمَّ شرح لَهُ حَال الصبية فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيل إِن لم يسْخط عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فلهَا عِنْدِي حِيلَة
فَقَالَ لَهُ وَمَا هِيَ قَالَ تخرج الْجَارِيَة إِلَى هَهُنَا بِحَضْرَة الْجمع حَتَّى أعمل مَا أريده وتمهل عَليّ وَلَا تعجل بالسخط
فَأمر الرشيد بإحضار الْجَارِيَة فَخرجت
وَحين رَآهَا جِبْرَائِيل عدا إِلَيْهَا ونكس رَأسه ومسك ذيلها كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يكشفها فانزعجت الْجَارِيَة وَمن شدَّة الْحيَاء والانزعاج استرسلت أعضاؤها وَبسطت يَديهَا إِلَى أَسْفَل ومسكت ذيلها
فَقَالَ جِبْرَائِيل قد بَرِئت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ الرشيد لِلْجَارِيَةِ أبسطي يَديك يمنة ويسرة فَفعلت ذَلِك وَعجب الرشيد وكل من كَانَ بَين يَدَيْهِ
وَأمر الرشيد فِي الْوَقْت لجبرائيل بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم وأحبه مثل نَفسه وَجعله رَئِيسا على جَمِيع الْأَطِبَّاء
وَلما سُئِلَ جِبْرَائِيل عَن سَبَب الْعلَّة قَالَ هَذِه الْجَارِيَة انصب إِلَى أعضائها وَقت المجامعة خلط رَقِيق بالحركة وانتشار الْحَرَارَة وَلأَجل أَن سُكُون حَرَكَة الْجَمَاعَة تكون بَغْتَة جمدت الفضلة فِي بطُون جَمِيع الأعصاب وَمَا كَانَ يحلهَا إِلَّا حَرَكَة مثلهَا
فاحتلت حَتَّى انبسطت حَرَارَتهَا وانحلت الفضلة
قَالَ فثيون وَكَانَ مَحل جِبْرَائِيل يقوى فِي كل وَقت حَتَّى أَن الرشيد قَالَ لأَصْحَابه كل من كَانَت لَهُ إِلَيّ حَاجَة فليخاطب بهَا جِبْرَائِيل لِأَنِّي أفعل كل مَا يسألني فِيهِ ويطلبه مني
فَكَانَ القواد يقصدونه فِي كل أُمُورهم وحاله تتزايد
ومنذ يَوْم خدم الرشيد وَإِلَى أَن انْقَضتْ خمس عشرَة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عِنْده
وَفِي آخر أَيَّام الرشيد عِنْد حُصُوله بطوس مرض المرضة الَّتِي توفّي فِيهَا
وَلما قوي عَلَيْهِ الْمَرَض قَالَ لجبرائيل لم لَا تبرئني فَقَالَ لَهُ قد كنت أَنهَاك دَائِما عَن التَّخْلِيط وَأَقُول لَك قَدِيما أَن تخفف من الْجِمَاع فَلَا تسمع مني
والآن سَأَلتك أَن ترجع إِلَى بلدك فَأَنَّهُ أوفق لمزاجك فَلم تقبل وَهَذَا مرض شَدِيد وَأَرْجُو أَن يمن الله بعافيتك
فَأمر بحبسه
وَقيل لَهُ إِن بِفَارِس أسقفا يفهم الطِّبّ فَوجه من يحضرهُ إِلَيْهِ وَلما حَضَره وَرَآهُ قَالَ لَهُ
الَّذِي عالجك لم يكن يفهم الطِّبّ
فَزَاد ذَلِك أبعاد جِبْرَائِيل
وَكَانَ الْفضل بَين الرّبيع يحب جِبْرَائِيل وَرَأى أَن الأسقف كَذَّاب يُرِيد إِقَامَة السُّوق فَأحْسن فِيمَا بَينه وَبَين جِبْرَائِيل
وَكَانَ الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزِيد وَهُوَ يَقُول لَهُ أَنْت قريب من الصِّحَّة
ثمَّ قَالَ لَهُ هَذَا الْمَرَض كُله من خطأ جِبْرَائِيل
فَتقدم الرشيد بقتْله فَلم يقبل مِنْهُ الْفضل بن الرّبيع لِأَنَّهُ كَانَ يئس من حَيَاته فاستبقى جِبْرَائِيل
وَلما كَانَ بعد أَيَّام يسيرَة مَاتَ الرشيد وَلحق الْفضل بن الرّبيع فِي تِلْكَ الْأَيَّام قولنج صَعب أيس الْأَطِبَّاء مِنْهُ فعالجه جِبْرَائِيل بألطف علاج وَأحسنه فبرأ الْفضل وازدادت محبته لَهُ وعجبه بِهِ
قَالَ فثيون وَلما تولى مُحَمَّد الْأمين وافى إِلَيْهِ جِبْرَائِيل فَقبله أحسن قبُول وأكرمه
ووهب لَهُ أَمْوَالًا جليلة أَكثر مِمَّا كَانَ أَبوهُ يهب لَهُ
وَكَانَ الْأمين لَا يَأْكُل وَلَا يشرب إِلَّا بِإِذْنِهِ فَلَمَّا كَانَ من الْأمين مَا كَانَ وَملك الْأَمر الْمَأْمُون كتب إِلَى الْحسن بن سهل وَهُوَ يخلفه بالحضرة بِأَن يقبض على جِبْرَائِيل ويحبسه لِأَنَّهُ ترك قصره بعد موت أَبِيه الرشيد وَمضى إِلَى أَخِيه الْأمين
فَفعل الْحسن بن سهل هَذَا
وَلما كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ مرض الْحسن بن سهل مَرضا شَدِيدا وعالجه الْأَطِبَّاء فَلم ينْتَفع بذلك فَأخْرج جِبْرَائِيل من الْحَبْس حَتَّى عالجه وبرأ فِي أَيَّام يسيرَة فوهب لَهُ سرا مَالا وافرا
وَكتب إِلَى الْمَأْمُون يعرفهُ خبر علته وَكَيف برأَ على يَد جبرئيل ويسأله فِي أمره
فَأَجَابَهُ بالصفح عَنهُ
قَالَ فثيون وَلما دخل الْمَأْمُون الحضرة فِي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ أَمر بِأَن يجلس جِبْرَائِيل فِي منزله وَلَا يخْدم وَوجه من أحضر ميخائيل المتطبب وَهُوَ صهر جِبْرَائِيل وَجعله مَكَانَهُ وأكرمه إِكْرَاما وافرا كيادا لجبرائيل
قَالَ وَلما كَانَ فِي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ مرض الْمَأْمُون مَرضا صعبا وَكَانَ وُجُوه الْأَطِبَّاء يعالجونه وَلَا يصلح فَقَالَ ليمخائيل الْأَدْوِيَة الَّتِي تُعْطِينِي تزيدني شرا فاجمع الْأَطِبَّاء وشاورهم فِي أَمْرِي
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ أَبُو عِيسَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نحضر جِبْرَائِيل فَإِنَّهُ يعرف مزاجاتنا مُنْذُ الصِّبَا فتغافل عَن كَلَامه
وأحضر أَبُو إِسْحَق أَخُوهُ يوحنا بن ماسويه فثلبه ميخائيل طبيبه وَوَقع فِيهِ وَطعن عَلَيْهِ
فَلَمَّا ضعفت قُوَّة الْمَأْمُون عَن أَخذ الْأَدْوِيَة أذكروه بجبرائيل فَأمر بإحضاره
وَلما حضر غير تَدْبيره كُله فاستقل بعد يَوْم وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام صلح
فسر بِهِ الْمَأْمُون سُرُورًا عَظِيما
وَلما كَانَ بعد أَيَّام يسيرَة صلح صلاحا تَاما وَأذن لَهُ جِبْرَائِيل فِي الْأكل وَالشرب فَفعل ذَلِك
وَقَالَ لَهُ أَبُو عِيسَى أَخُوهُ وَهُوَ جَالس مَعَه على الشّرْب مثل هَذَا الرجل الَّذِي لم يكن مثله وَلَا يكون سَبيله أَن يكرم
فَأمر لَهُ الْمَأْمُون بِأَلف ألف دِرْهَم وبألف كرّ حِنْطَة ورد عَلَيْهِ سَائِر مَا قبض مِنْهُ من الْأَمْلَاك والضياع وَصَارَ إِذا خاطبه كناه بِأبي عِيسَى جِبْرَائِيل وأكرمه زِيَادَة على مَا كَانَ أَبوهُ يُكرمهُ
وانْتهى بِهِ الْأَمر فِي الْجَلالَة إِلَى أَن كَانَ كل من تقلد عملا لَا يخرج إِلَى عمله إِلَّا بعد أَن يلقى جِبْرَائِيل ويكرمه
وَكَانَ عِنْد الْمَأْمُون مثل أَبِيه وَنقص مَحل ميخائيل الطَّبِيب صهر جِبْرَائِيل وانحط
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم دخلت على جِبْرَائِيل دَاره الَّتِي بالميدان فِي يَوْم من تموز وَبَين يَدَيْهِ الْمَائِدَة وَعَلَيْهَا فراخ طيور مسرولة كبار وَقد عملت كردناجا بفلفل وَهُوَ يَأْكُل مِنْهَا وطالبني بِأَن آكل مَعَه
فَقلت لَهُ كَيفَ آكل مِنْهَا فِي مثل هَذَا الْوَقْت من السّنة وسني سنّ الشَّبَاب فَقَالَ لي مَا الحمية عنْدك فَقلت تجنب الأغذية الرَّديئَة
فَقَالَ لي غَلطت لَيْسَ مَا ذكرت حمية
ثمَّ قَالَ لَا أعرف أحدا عظم قدره وَلَا صغر يصل إِلَى الْإِمْسَاك عَن غذَاء من الأغذية كل دهره إِلَّا أَن يكون يبغضه وَلَا تتوق نَفسه إِلَيْهِ
لِأَن الْإِنْسَان قد يمسك عَن أكل الشَّيْء بُرْهَة من دهره ثمَّ يضطره إِلَى أكله عدم أَدَم سواهُ لعِلَّة من الْعِلَل أَو مساعدة لعليل يكون عِنْده أَو صديق يحلف عَلَيْهِ أَو شَهْوَة تتجدد لَهُ
فَمَتَى أكله وَقد أمسك عَن أكله مِنْهُ الْمدَّة الطَّوِيلَة لم تقبله طَبِيعَته ونفرت مِنْهُ وأحدث ذَلِك فِي بدن آكله مَرضا كثيرا وَرُبمَا أَتَى على نَفسه
والأصلح للأبدان تمرينها على أكل الأغذية الرَّديئَة حَتَّى تألفها
وَأَن يَأْكُل مِنْهَا فِي كل يَوْم شَيْئا وَاحِدًا وَلَا يجمع أكل شَيْئَيْنِ رديئين فِي يَوْم وَاحِد وَإِذا أكل من بعض هَذِه الْأَشْيَاء فِي يَوْم لم يعاود أكله فِي غَد ذَلِك الْيَوْم
فَإِن الْأَبدَان إِذا مرنت على أكل هَذِه الْأَشْيَاء ثمَّ اضْطر الْإِنْسَان إِلَى الْإِكْثَار من أكل بَعْضهَا لم تنفر الطبيعة مِنْهُ
فقد رَأينَا الْأَدْوِيَة المسهلة إِذا أدمنها مدمن وألفها بدنه قل فعلهَا وَلم تسهل
وَهَؤُلَاء أهل الأندلس إِذا أَرَادَ أحدهم إسهال طَبِيعَته أَخذ من السقمونيا وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم حَتَّى تلين طَبِيعَته مِقْدَار مَا يلينها نصف دِرْهَم فِي بلدنا وَإِذا كَانَت الْأَبدَان تألف الْأَدْوِيَة حَتَّى تمنعها من فعلهَا فَهِيَ للأغذية وَإِن كَانَت رَدِيئَة أَشد إلفا
قَالَ يُوسُف فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث بختيشوع بن جِبْرَائِيل فَسَأَلَنِي إملاءه عَلَيْهِ وَكتبه عني بِخَطِّهِ
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم حَدثنِي سُلَيْمَان الْخَادِم الْخُرَاسَانِي مولى الرشيد إِنَّه كَانَ وَاقِفًا على رَأس الرشيد بِالْحيرَةِ يَوْمًا وَهُوَ يتغدى إِذْ دخل عَلَيْهِ عون الْعَبَّادِيّ الْجَوْهَرِي وَهُوَ حَامِل صَحْفَة فِيهَا سَمَكَة منعوتة بالسمن فوضعها بَين يَدَيْهِ وَمَعَهَا محشي قد اتَّخذهُ لَهَا
فحاول الرشيد أكل شَيْء مِنْهَا فَمَنعه من ذَلِك جِبْرَائِيل وغمز صَاحب الْمَائِدَة بعزلها لَهُ
وفطن الرشيد فَلَمَّا رفعت الْمَائِدَة وَغسل الرشيد يَده خرج جِبْرَائِيل عَن حَضرته
قَالَ سُلَيْمَان فَأمرنِي الرشيد باتباعه وإخفاء شخصي عَنهُ وَأَن اتفقد مَا يعمله وارجع إِلَيْهِ بِخَبَرِهِ فَفعلت مَا أَمرنِي بِهِ وأحسب أَن أَمْرِي لم يسْتَتر عَن جِبْرَائِيل لما تبينت من تحرزه
فَصَارَ إِلَى مَوضِع من دَار عون ودعا بِالطَّعَامِ فأحضر لَهُ وَفِيه السَّمَكَة ودعا بِثَلَاثَة أقداح من فضَّة فَجعل فِي وَاحِد قِطْعَة مِنْهَا وصب عَلَيْهِ خمرًا من خمر طيرناباذ بِغَيْر مَاء وَقَالَ هَذَا أكل جِبْرَائِيل
وَجعل فِي قدح آخر قِطْعَة وصب عَلَيْهَا مَاء بثلج وَقَالَ هَذَا أكل أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لم يخلط السّمك بِغَيْرِهِ
وَجعل فِي الْقدح الثَّالِث قِطْعَة من السّمك وَمَعَهَا قطعا من اللَّحْم من ألوان مُخْتَلفَة وَمن شواء وحلواء وبوارد وفراريج وَبقول وصب عَلَيْهِ مَاء بثلج وَقَالَ هَذَا طَعَام أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن خلط السّمك بِغَيْرِهِ
وَرفع الثَّلَاثَة الأقداح إِلَى صَاحب الْمَائِدَة وَقَالَ احتفظ بهَا إِلَى أَن ينتبه أَمِير الْمُؤمنِينَ من قائلته
قَالَ سُلَيْمَان الْخَادِم ثمَّ أقبل جِبْرَائِيل على السَّمَكَة فَأكل مِنْهَا حَتَّى تضلع
وَكَانَ كلما عَطش دَعَا بقدح مَعَ الْخمر الصّرْف فشربه ثمَّ نَام
فَلَمَّا انتبه الرشيد من نَومه دَعَاني فَسَأَلَنِي عَمَّا عِنْدِي من خبر جِبْرَائِيل وَهل أكل من السَّمَكَة شَيْئا أم لم يَأْكُل فَأَخْبَرته بالْخبر فَأمر بإحضار الثَّلَاثَة الأقداح فَوجدَ الَّذِي صب عَلَيْهِ الْخمر الصّرْف قد تفتت وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء
وَوجد الَّذِي صب عَلَيْهِ المَاء بالثلج قد رَبًّا وَصَارَ على أَكثر من الضعْف مِمَّا كَانَ وَوجد الْقدح الَّذِي السّمك وَاللَّحم فِيهِ قد تَغَيَّرت رَائِحَته وَحدثت لَهُ سهوكة شَدِيدَة
فَأمرنِي الرشيد بِحمْل خَمْسَة آلَاف دِينَار إِلَى جِبْرَائِيل وَقَالَ من يلومني على محبَّة هَذَا الرجل الَّذِي يدبرني هَذَا التَّدْبِير
فأوصلت إِلَيْهِ المَال
وَقَالَ إِسْحَق بن عَليّ الرهاوي فِي كتاب أدب الطَّبِيب عَن عِيسَى بن ماسة أَن يوحنا بن ماسويه أخبرهُ أَن الرشيد قَالَ لجبرائيل بن بختيشوع وَهُوَ حَاج بِمَكَّة يَا جِبْرَائِيل علمت مرتبتك عِنْدِي
قَالَ يَا سَيِّدي وَكَيف لَا أعلم قَالَ لَهُ دَعَوْت لَك وَالله فِي الْموقف دُعَاء كثيرا ثمَّ الْتفت إِلَى بني هَاشم فَقَالَ عَسى أنكرتم قولي لَهُ فَقَالُوا يَا سيدنَا ذمِّي فَقَالَ نعم وَلَكِن صَلَاح بدني وقوامه بِهِ وَصَلَاح الْمُسلمين بِي
فصلاحهم بصلاحه وبقائه
فَقَالُوا صدقت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
ونقلت من بعض التواريخ قَالَ جِبْرَائِيل بن بختيشوع المتطبب اشْتريت ضَيْعَة بسبعماية ألف دِرْهَم فنقدت بعض الثّمن وَتعذر عَليّ بعضه فَدخلت على يحيى بن خَالِد وَعِنْده وَلَده وَأَنا أفكر
فَقَالَ مَالِي أَرَاك مفكرا فَقلت اشْتريت ضَيْعَة بسبعمائة ألف فنقدت بعض الثّمن وَتعذر عَليّ بعضه
قَالَ فَدَعَا بالدواة وَكتب يعْطى جِبْرَائِيل سَبْعمِائة ألف دِرْهَم
ثمَّ دفع إِلَى كل وَاحِد من وَلَده فَوَقع فِيهِ ثلثمِائة ألف
قَالَ فَقلت جعلت فدَاك قد أدّيت عَامَّة الثّمن وَإِنَّمَا بَقِي أَقَله
قَالَ اصرف ذَلِك فِيمَا يَنُوبك ثمَّ صرت إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مَا أَبْطَأَ بك قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كنت عِنْد أَبِيك وأخوتك فَفَعَلُوا بِي كَذَا وَكَذَا وَإِنَّمَا ذَلِك لخدمتي لَك
قَالَ فَمَا حَالي أَنا ثمَّ دَعَا بدابته فَركب إِلَى يحيى فَقَالَ يَا أَبَت أَخْبرنِي جِبْرَائِيل بِمَا كَانَ فَمَا حَالي أَنا من بَين ولدك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مر بِمَا شِئْت يحمل إِلَيْهِ
فَأمر لي بِخَمْسِمِائَة ألف
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم الحاسب الْمَعْرُوف بِابْن الداية كَانَ لأم جَعْفَر بنت أبي الْفضل فِي قصر عِيسَى بن عَليّ الَّذِي كَانَت تسكنه مجْلِس لَا يجلس فِيهِ إِلَّا الْحساب والمتطببون وَكَانَت لَا تَشْتَكِي عِلّة إِلَى متطبب حَتَّى يحضر جَمِيع أهل الصناعتين وَيكون مقامهم فِي ذَلِك الْمجْلس إِلَى وَقت جلوسها فَكَانَت تجْلِس لَهُم فِي أحد موضِعين إِمَّا عِنْد الشباك الَّذِي على الدّكان الْكَبِير المحاذي للشباك وللباب الأول من أَبْوَاب الدَّار أَو عِنْد الْبَاب الصَّغِير المحاذي لمَسْجِد الدَّار
فَكَانَ الْحساب والمتطببون يَجْلِسُونَ من خَارج الْموضع الَّذِي تجْلِس فِيهِ
ثمَّ تَشْتَكِي مَا تَجِد فيتناظر المتطببون فِيمَا بَينهم حَتَّى يجتمعوا على الْعلَّة والعلاج فَإِن كَانَ بَينهم اخْتِلَاف دخل الْحساب بَينهم وَقَالُوا بِتَصْدِيق الْمُصِيب عِنْدهم
ثمَّ تسْأَل الْحساب عَن اخْتِيَار وَقت لذَلِك العلاج
فَإِن اجْتَمعُوا على وَقت وَإِلَّا نظر المتطببون فِيمَا بَين الْحساب وحكموا لألزمهم الْقيَاس فاعتلت عِنْد اجتماعها على الْحَج آخر حجَّة حجتها عِلّة أجمع متطببوها على إِخْرَاج الدَّم من سَاقيهَا بالحجامة وَاخْتَارَ الْحساب لَهَا يَوْمًا تحتجم فِيهِ وَكَانَ ذَلِك فِي شهر رَمَضَان فَلم يُمكن أَن تكون الْحجامَة إِلَّا فِي آخر النَّهَار
فَكَانَ مِمَّن يخْتَلف إِلَيْهَا من الْحساب الْحسن بن مُحَمَّد الطوسي التَّمِيمِي الْمَعْرُوف بالأبح وَعمر بن الفرخان الطَّبَرِيّ وَشُعَيْب الْيَهُودِيّ
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم وَكنت مَتى عرضت للأبح عِلّة أَو عاقه عَن حُضُور دَار أم جَعْفَر عائق حضرت عَنهُ
فَحَضَرت ذَلِك الْمجْلس فِي الْوَقْت الَّذِي وَقع الِاخْتِيَار على حجامة أم جَعْفَر فِيهِ فوافيت ابْنا لداؤد بن سرافيون حَدثا يشبه أَن يكون ابْن أقل من عشْرين سنة قد أمرت أم جَعْفَر بإحضاره مَعَ المتطببين ليتأدب بِحُضُور ذَلِك الْمجْلس وَقد تقدّمت إِلَى جَمِيع من يطِيف بهَا من المتطببين فِي تَعْلِيمه وتوقيفه عناية بِهِ لمَكَان أَبِيه من خدمتها فوافيته وَهُوَ يلاحي متطببا رَاهِبًا أحضر دارها فِي ذَلِك الْيَوْم من أهل الأهواز فِي شرب المَاء للمنتبه من نَومه لَيْلًا
فَقَالَ ابْن داؤد مَا الله خلق بأحمق مِمَّن يشرب مَاء بعد انتباهه من نَومه
ووافى جِبْرَائِيل عِنْدَمَا قَالَ الْغُلَام هَذَا القَوْل بَاب الْبَيْت فَلم يدْخل الْمجْلس إِلَّا وَهُوَ يَقُول أَحمَق وَالله مِنْهُ من تتضرم نَار على كبده فَلم يطفئها
ثمَّ دخل فَقَالَ من صَاحب الْكَلَام الَّذِي سمعته فَقيل لَهُ ابْن داؤد فعنفه على ذَلِك وَقَالَ لَهُ كَانَت لأَبِيك مرتبَة جليلة فِي هَذِه الصِّنَاعَة وتتكلم بِمثل مَا سمعته مِنْك فَقَالَ لَهُ الْغُلَام فكأنك أعزّك الله تطلق شرب المَاء بِاللَّيْلِ عِنْد الانتباه من النّوم فَقَالَ جِبْرَائِيل المحرور الجاف الْمعدة وَمن تعشى وَأكل طَعَاما مالحا فَأَطْلقهُ لَهُ
وَأَنا أمنع مِنْهُ الرطبي الْمعد وَأَصْحَاب البلغم المالح لِأَن فِي مَنعهم من ذَلِك شِفَاء من رطوبات معدهم وَأكل بعض البلغم المالح بَعْضًا
فَسكت عَنهُ جَمِيع من حضر ذَلِك الْمجْلس غَيْرِي فَقلت يَا أَبَا عِيسَى قد بقيت وَاحِدَة
قَالَ وَمَا هِيَ قلت أَن يكون العطشان يفهم من الطِّبّ مثل فهمك فيفهم عطشه من مرار أَو من بلغم مالح
فَضَحِك جِبْرَائِيل ثمَّ قَالَ لي مَتى عطشت لَيْلًا فأبرز رجلك من لحافك وتناوم قَلِيلا فَإِن تزايد عطشك فَهُوَ من حرارة أَو من طَعَام يحْتَاج إِلَى شرب المَاء عَلَيْهِ فَاشْرَبْ
وَأَن نقص من عطشك شَيْء فَأمْسك عَن شرب المَاء فَإِنَّهُ من بلغم مالح
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم وَسَأَلَ أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي جِبْرَائِيل عَن عِلّة الورشكين فَقَالَ هُوَ اسْم ركبته الْفرس من الْكسر والصدر وَاسم الصَّدْر بِالْفَارِسِيَّةِ الفصيحة ور والعامة تسميه بر
وَاسم الْكسر أشكين فَإِذا جمعت اللفظتين كَانَتَا ورشكين أَي هَذِه الْعلَّة من الْعِلَل الَّتِي يجب أَن يكسر عَلَيْهَا الصَّدْر وَهِي عِلّة لَا تستحكم بِإِنْسَان فيكاد ينْهض مِنْهَا
وَإِن من نَهَضَ مِنْهَا لم يُؤمن عَلَيْهِ النكسة سنة إِلَّا أَن يخرج مِنْهُ استفراغ دم كثير تقذفه الطبيعة من الْأنف أَو من أَسْفَل فِي وَقت الْعلَّة أَو بعْدهَا قبل السّنة فَمَتَى حدث ذَلِك سلم مِنْهُ
فَقَالَ أَبُو إِسْحَق كالمتعجب سنة قَالَ نعم جعلني الله فدَاك
وَعلة أُخْرَى يستخف بهَا النَّاس وَهِي الحصبة
فَإِنِّي مَا أمنت على من أَصَابَته من النكسة سنة إِلَّا أَن يُصِيبهُ بعقبها استطلاق بطن يكَاد أَن يَأْتِي على نَفسه أَو يخرج بِهِ خراج كثير فَإِذا أَصَابَهُ أحد هذَيْن أمنت عَلَيْهِ
قَالَ يُوسُف وَدخل جِبْرَائِيل على أبي إِسْحَق يَوْمًا بعقب عِلّة كَانَ فِيهَا وَقد أذن لَهُ فِي أكل اللَّحْم الغليظ فحين جلس وضعت بَين يَدَيْهِ كشكية رطبَة فَأمر برفعها فَسَأَلته عَن السَّبَب فَقَالَ مَا أطلقت لخليفة قطّ حم يَوْمًا وَاحِدًا أكل الكشك سنة كَامِلَة
قَالَ أَبُو إِسْحَق أَي الكشكين أردْت الَّذِي بِلَبن أم الَّذِي بِغَيْر لبن قَالَ الَّذِي بِغَيْر لبن لَا أطلق لَهُ أكله سنة وعَلى قِيَاس مَا يُوجِبهُ الطِّبّ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يُطلق لَهُ أكل الكشك الْمَعْمُول بِلَبن إِلَّا بعد استكمال ثَلَاث سِنِين
حدث مَيْمُون بن هرون قَالَ حَدثنِي سعيد بن اسحق النَّصْرَانِي قَالَ قَالَ لي جِبْرَائِيل بن بختيشوع كنت مَعَ الرشيد بالرقة وَمَعَهُ الْمَأْمُون وَمُحَمّد الْأمين ولداه وَكَانَ رجلا بادنا كثير الْأكل وَالشرب فَأكل فِي بعض الْأَيَّام أَشْيَاء خلط فِيهَا وَدخل المستراح فَغشيَ عَلَيْهِ وَأخرج فقوي عَلَيْهِ الغشي حَتَّى لم يشك فِي مَوته
وَأرْسل إِلَيّ فَحَضَرت وجسست عرقه فَوَجَدته نبضا خفِيا وَقد كَانَ قبل ذَلِك بأيام يشكو امتلاء وحركة الدَّم فَقلت لَهُم يَمُوت وَالصَّوَاب أَن يحجم السَّاعَة
فَأجَاب الْمَأْمُون إِلَيْهِ وأحضر الْحجام وَتَقَدَّمت بإقعاده فَلَمَّا وضع المحاجم عَلَيْهِ ومصها رَأَيْت الْموضع قد احمر فطابت نَفسِي وَعلمت أَنه حَيّ
فَقلت للحجام اشرط
فَشرط فَخرج الدَّم فسجدت شكرا لله
وَجعل كلما خرج الدَّم يُحَرك رَأسه ويسفر لَونه إِلَى أَن تكلم
وَقَالَ أَيْن أَنا فطيبنا نَفسه وغديناه بصدر دراج وسقيناه شرابًا وَمَا زلنا نشمه الروائح الطّيبَة ونجعل فِي أَنفه الطّيب حَتَّى تراجعت قوته وَأدْخل النَّاس إِلَيْهِ ثمَّ وهب الله عافيته فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام دَعَا صَاحب حرسه فَسَأَلَهُ عَن غَلَّته فِي السّنة فَعرفهُ أَنَّهَا ثلثمِائة ألف دِرْهَم
وَسَأَلَ حَاجِبه عَن غَلَّته فَعرفهُ أَنَّهَا ألف دِرْهَم
فَقَالَ مَا انصفناك حَيْثُ غلات هَؤُلَاءِ وهم يحرسوني من النَّاس على مَا ذكرُوا وَأَنت تحرسني من الْأَمْرَاض والأسقام وَتَكون غلتك مَا ذكرته وَأمر بإقطاعي غلَّة ألف ألف دِرْهَم
فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي مَالِي حَاجَة إِلَى الإقطاع وَلَكِن تهب لي مَا اشْترِي بِهِ ضيَاعًا غَلَّتهَا ألف ألف دِرْهَم فَجَمِيع ضياعي أَمْلَاك لَا اقطاع
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم حَدثنِي أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَن جِبْرَائِيل لَجأ إِلَيْهِ حِين انتهبت الْعَوام دَاره فِي خلَافَة مُحَمَّد الْأمين فأسكنه مَعَه فِي دَاره وحماه مِمَّن كَانَ يحاول قَتله
قَالَ أَبُو إِسْحَق فَكنت أرى من هلع جِبْرَائِيل وَكَثْرَة أسفه على مَا تلف من مَاله وَشدَّة اغتمامه مَا لم أتوهم أَن أحدا بلغ بِهِ الوجد بِمَالِه مثل الَّذِي بلغ بجبرائيل
قَالَ أَبُو إِسْحَق فَلَمَّا ثارت المبيضة فظهرت العلوية بِالْبَصْرَةِ والأهواز أَتَانِي وَهُوَ مسرور كَأَنَّهُ قد وصل بِمِائَة ألف دِينَار فَقلت لَهُ أرى أَبَا عِيسَى مَسْرُورا فَقَالَ إِنِّي وَالله لمسرور عين السرُور
فَسَأَلته عَن سَبَب سروره فَقَالَ إِنَّه حَاز العلوية ضيَاعًا وضربوا عَلَيْهَا الْمنَار
فَقلت لَهُ مَا أعجب أَمرك انتهبت لَك الْعَوام جُزْءا من مَالك فَخرجت نَفسك من الْجزع إِلَى مَا خرجت إِلَيْهِ وتحوز العلوية جَمِيع مَا تملك فَيظْهر مِنْك من السرُور مثل الَّذِي ظهر فَقَالَ جزعي بِمَا ركبني بِهِ الْعَوام لِأَنِّي أُوتيت فِي مَنَامِي وسلبت فِي عزي وأسلمني من يجب عَلَيْهِ حمايتي
وَلم يتعاظمني مَا كَانَ من العلوية لِأَنَّهُ من أكبر الْمحَال عَيْش مثلي فِي دولتين بِنِعْمَة وَاحِدَة وَلَو لم تفعل العلوية فِي ضياعي مَا فعلوا وَقد كَانَ يجب عَلَيْهِم مَعَ علمهمْ بِصِحَّة طويتي لموَالِي الَّذين أنعم الله عَليّ بنعمتهم الَّتِي ملكونيها أَن يتقدموا فِي حفظ وكلائي والوصاة بضياعي ومزارعي وَإِن يَقُولُوا لم يزل جِبْرَائِيل مائلا إِلَيْنَا فِي أَيَّام دولة أَصْحَابه ومتفضلا علينا من أَمْوَاله وَيُؤَدِّي إِلَيْنَا أَخْبَار سادته
فَكَانَ الْخَبَر مَتى تأدى بذلك إِلَى السُّلْطَان قتلني فسروري بحيازة ضياعي وبسلامة نَفسِي مِمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّال ملكوه مِنْهَا فَلم يهتدوا إِلَيْهِ
قَالَ يُوسُف وحَدثني فرخ الْخَادِم الْمَعْرُوف بِأبي خُرَاسَان مولى صَالح بن الرشيد ووصيه قَالَ كَانَ مولَايَ صَالح بن الرشيد على الْبَصْرَة وَكَانَ عَامله عَلَيْهَا أَبُو الرَّازِيّ
فَلَمَّا أحدث جِبْرَائِيل ابْن بختيشوع عمَارَة دَاره الَّتِي فِي الميدان سَأَلَ مولَايَ أَن يهدي لَهُ خَمْسمِائَة ساجة وَكَانَت الساجة بِثَلَاثَة عشر دِينَارا فَاسْتَكْثر مولَايَ المَال
وَقَالَ لَهُ أما خَمْسمِائَة فَلَا وَلَكِنِّي أكتب إِلَى ابْن الرَّازِيّ فِي حمل مِائَتي ساجة إِلَيْك
وَقَالَ جِبْرَائِيل فَلَيْسَتْ بِي حَاجَة إِلَيْهَا
فال فرخ فَقلت لسيدي أرى جِبْرَائِيل سيدبر عَلَيْك تدبيرا بغيضا
فَقَالَ جِبْرَائِيل أَهْون عَليّ من كل هَين لِأَنِّي لَا أشْرب لَهُ دَوَاء وَلَا أقبل لَهُ علاجا
ثمَّ استزار مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون فَلَمَّا اسْتَوَى الْمجْلس بالمأمون قَالَ لَهُ جِبْرَائِيل أرى وَجهك متغيرا
ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ فجس عرقه وَقَالَ لَهُ يشرب أَمِير الْمُؤمنِينَ شربة سكنجبين وَيُؤَخر الْغَدَاء حَتَّى يفهم الْخَبَر فَفعل الْمَأْمُون مَا أَشَارَ بِهِ وَأَقْبل يجس عرقه فِي الْوَقْت بعد الْوَقْت ثمَّ لم يشْعر بِشَيْء حَتَّى دخل غلْمَان جِبْرَائِيل وَمَعَهُمْ رغيف وَاحِد وَمَعَهُ ألوان قد اتَّخذت من قرع وماش وَمَا أشبه ذَلِك
فَقَالَ إِنِّي أكره لأمير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْكُل فِي يَوْمه هَذَا شَيْئا من لُحُوم الْحَيَوَان فَليَأْكُل هَذِه الألوان فَأكل مِنْهَا ونام
فَلَمَّا انتبه من قائلته قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَائِحَة النَّبِيذ تزيد فِي الْحَرَارَة والرأي لَك الِانْصِرَاف
فَانْصَرف الْمَأْمُون وَتَلفت نَفَقَة مولَايَ كلهَا
فَقَالَ لي مولَايَ يَا أَبَا خُرَاسَان التَّمْيِيز بَين مِائَتي ساجة وَخَمْسمِائة ساجة واستزارة الْخَلِيفَة لَا يَجْتَمِعَانِ
قَالَ يُوسُف وحَدثني جورجس بن ميخائيل عَن خَاله جِبْرَائِيل وَكَانَ جِبْرَائِيل لَهُ مكرما لِكَثْرَة علمه لِأَنِّي لم أر فِي أهل هَذَا الْبَيْت بعد جِبْرَائِيل أعلم مِنْهُ على عجب كَانَ فِيهِ شَدِيدا وسخف كثير إِن جِبْرَائِيل أخبرهُ أَنه أنكر من الرشيد قلَّة الرزء للطعام أول الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَأَنه لم يكن يرى فِي مَائه وَلَا فِي مجسة عرقه مَا يدل على عِلّة توجب قلَّة الطَّعَام فَكَانَ يَقُول للرشيد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بدنك صَحِيح سليم بِحَمْد الله من الْعِلَل وَمَا أعرف لتركك اسْتِيفَاء الْغذَاء معنى
فَقَالَ لي لما أكثرت عَلَيْهِ من القَوْل فِي هَذَا الْبَاب قد استوخمت مَدِينَة السَّلَام وَأَنا أكره الاستبعاد عَنْهَا فِي هَذِه الْأَيَّام
أفتعرف مَكَانا بِالْقربِ مِنْهَا صَحِيح الْهَوَاء فَقلت لَهُ الْحيرَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ قد نزلنَا الْحيرَة مرَارًا فأجحفنا بعون الْعَبَّادِيّ فِي نزولنا بَلَده وَهِي أَيْضا بعيدَة
فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فالأنبار طيبَة وظهرها فاصح هَوَاء من الْحيرَة فَخرج إِلَيْهَا فَلم يَزْدَدْ فِي طَعَامه شَيْئا بل نقص وَصَامَ يَوْم الْخَمِيس قبل قَتله جعفرا بيومين وَلَيْلَة
وأحضر جعفرا عشاءه وَكَانَ أَيْضا صَائِما فَلم يصب الرشيد من الطَّعَام كثير شَيْء
فَقَالَ لَهُ جَعْفَر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو استزدت من الطَّعَام فَقَالَ لَو أردْت ذَلِك لقدرت عَلَيْهِ
إِلَّا أَنِّي أَحْبَبْت أَن أَبيت خَفِيف الْمعدة لأصبح وَأَنا أشتهي الطَّعَام وأتغدى مَعَ الْحرم
ثمَّ بكر بالركوب غَدَاة يَوْم الْجُمُعَة متنسما وَركب مَعَه جَعْفَر بن يحيى فرأيته وَقد أَدخل يَده فِي كم جَعْفَر حَتَّى بلغ بدنه فضمه إِلَيْهِ وعانقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَسَار يَده فِي يَد جَعْفَر أَكثر من ألف ذِرَاع
ثمَّ رَجَعَ إِلَى مضربه وَقَالَ بحياتي أما اصطبحت فِي يَوْمك هَذَا وَجَعَلته يَوْم سرُور فَإِنِّي مَشْغُول بأهلي
ثمَّ قَالَ لي يَا جِبْرَائِيل أَنا أتغدى مَعَ حرمي فَكُن مَعَ أخي تسر بسروره
فسرت مَعَ جَعْفَر واحضر طَعَامه فتغدينا واحضر أَبَا زكار الْمُغنِي وَلم يحضر مَجْلِسه غَيرنَا وَرَأَيْت الْخَادِم بعد الْخَادِم يدْخل إِلَيْنَا فيساره فيتنفس عِنْد مسارتهم إِيَّاه وَيَقُول وَيحك يَا أبي عِيسَى لم يطعم أَمِير الْمُؤمنِينَ بعد وَأَنا وَالله خَائِف أَن تكون بِهِ عِلّة تَمنعهُ من الْأكل
وَيَأْمُر كلما أَرَادَ أَن يشرب قدحا أَبَا زكار أَن يُغْنِيه
(إِن بني الْمُنْذر حِين انقضوا ... بِحَيْثُ شاد الْبيعَة الراهب)
(أضحوا وَلَا يُرهبهُمْ رَاهِب ... حَقًا وَلَا يرجوهم رَاغِب)
(كَانَت من الْخَزّ لبوساتهم ... لم يجلب الصُّوف لَهُم جالب)
(كَأَنَّمَا جئتهم لعبة ... سَار إِلَى لبن بهَا رَاكب) السَّرِيع
فيغنيه أَبُو زكار هَذَا الصَّوْت وَلَا يقترح عَلَيْهِ غَيره
فَلم تزل هَذِه حَالنَا إِلَى أَن صليت الْعَتَمَة
ثمَّ دخل إِلَيْنَا أَبُو هَاشم مسرور الْكَبِير وَمَعَهُ خَليفَة هرثمة بن أعين وَمَعَهُ جمَاعَة كَثِيرَة من الْجند
فَمد يَده خَليفَة هرثمة إِلَى يَد جَعْفَر ثمَّ قَالَ لَهُ قُم يَا فَاسق قَالَ جِبْرَائِيل وَلم أكلم وَلم يُؤمر فِي بِأَمْر وصرت إِلَى منزلي من سَاعَتِي وَأَنا لَا أَعقل
فَمَا أَقمت فِيهِ إِلَّا أقل من مِقْدَار نصف سَاعَة حَتَّى صَار إِلَيّ رَسُول الرشيد يَأْمُرنِي بالمصير إِلَيْهِ فَدخلت إِلَيْهِ وَرَأس جَعْفَر فِي طشت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لي يَا جِبْرَائِيل أَلَيْسَ كنت تَسْأَلنِي عَن السَّبَب فِي قلَّة رزئي للطعام فَقلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الفكرة فِيمَا ترى أصارتني إِلَى مَا كنت فِيهِ وَأَنا الْيَوْم يَا جِبْرَائِيل عِنْد نَفسِي كالناقة
قدم غذائي حَتَّى ترى من الزِّيَادَة على مَا كنت ترَاهُ عجبا وَإِنَّمَا كنت آكل الشَّيْء بعد الشَّيْء لِئَلَّا يثقل الطَّعَام عَليّ فيمرضني
ثمَّ دَعَا بطعامه فِي ذَلِك الْوَقْت فَأكل أكلا صَالحا من ليلته
قَالَ يُوسُف حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَنه تخلف عَن مجْلِس مُحَمَّد الْأمين أَمِير الْمُؤمنِينَ أَيَّام خِلَافَته عَشِيَّة من العشايا لدواء كَانَ أَخذه وَإِن جِبْرَائِيل بن بختيشوع باكره غَدَاة الْيَوْم الثَّانِي وأبلغه سَلام الْأمين وَسَأَلَهُ عَن حَاله كَيفَ كَانَت فِي دوائه
ثمَّ دنا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي تجهيز عَليّ بن عِيسَى بن ماهان إِلَى خُرَاسَان ليَأْتِيه بالمأمون أَسِيرًا فِي قيد من فضَّة وجبرائيل بَرِيء من دين النَّصْرَانِيَّة إِن لم يغلب الْمَأْمُون مُحَمَّدًا ويقتله ويحوز ملكه فَقلت لَهُ وَيحك وَلم قلت هَذَا القَوْل وَكَيف قلته قَالَ لِأَن هَذَا الْخَلِيفَة الموسوس سكر فِي هَذِه اللَّيْلَة فَدَعَا أَبَا عصمَة الشيعي صَاحب حرسه وَأمر بسواده فَنزع عَنهُ وَألبسهُ ثِيَابِي وزناري وقلنسوتي وألبسني أقبيته وسواده وسيفه ومنطقته وأجلسني فِي مجْلِس صَاحب الحرس إِلَى وَقت طُلُوع الْفجْر وَأَجْلسهُ فِي مجلسي وَقَالَ لكل وَاحِد مني وَمن أبي عصمَة قد قلدتك مَا كَانَ يتقلده صَاحبك
فَقلت إِن الله مغير مَا بِهِ من نعْمَة لتغييره مَا بِنَفسِهِ مِنْهَا
وَأَنه إِذا جعل حراسته إِلَى نَصْرَانِيّ
والنصرانية أذلّ الْأَدْيَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عقد دين غَيرهَا التَّسْلِيم لما يُرِيد بِهِ عدوه من الْمَكْرُوه مثل الإذعان لمن سَخَّرَهُ بالسخرة وَأَن يمشي ميلًا أَن يزِيد على ذَلِك ميلًا آخر وَإِن لطم لَهُ خد حول الآخر ليلطم غير ديني
فَقضيت بِأَن عز الرجل زائل وقضيت أَنه حِين أَجْلِس فِي مجْلِس متطببه الْحَافِظ عِنْده لِحَيَاتِهِ والقائم بمصالح بدنه وَالْخَادِم لطبيعته أَبَا عصمَة الَّذِي لَا يفهم من كل ذَلِك قَلِيلا وَلَا كثيرا بِأَنَّهُ لَا عمر لَهُ وَأَن نَفسه تالفة
قَالَ أَبُو إِسْحَق فَكَانَ على مَا تفاءل جِبْرَائِيل بِهِ
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم وَسمعت جِبْرَائِيل بن بختيشوع يحدث أَبَا إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَنه كَانَ عِنْد الْعَبَّاس بن مُحَمَّد إِذْ دخل عَلَيْهِ شَاعِر امتدحه فَلم يزل جِبْرَائِيل يسمع مِنْهُ إِلَى أَن صَار إِلَى هَذَا الْبَيْت وَهُوَ
(لَو قيل للْعَبَّاس يَا ابْن مُحَمَّد ... قل لَا وَأَنت مخلد مَا قَالَهَا) الْكَامِل
قَالَ جِبْرَائِيل فَلَمَّا سَمِعت هَذَا الْبَيْت لم أَصْبِر لعلمي أَن الْعَبَّاس أبخل أهل زَمَانه
فَقلت لَا فَتَبَسَّمَ الْعَبَّاس ثمَّ قَالَ لي اغرب قبح الله وَجهك أَقُول هَذَا الشَّاعِر الَّذِي يشار إِلَيْهِ هُوَ ربيعَة الرقى
قَالَ يُوسُف وَحدث جِبْرَائِيل أَبَا إِسْحَاق فِي هَذَا الْمجْلس أَنه دخل على الْعَبَّاس بعد فطر النَّصَارَى بِيَوْم وَفِي رَأسه فضلَة من نبيذه بالْأَمْس وَذَلِكَ قبل أَن يخْدم جِبْرَائِيل الرشيد
فَقَالَ جِبْرَائِيل للْعَبَّاس كَيفَ أصبح الْأَمِير أعزه الله فَقَالَ الْعَبَّاس أَصبَحت كَمَا تحب
فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيل وَالله مَا أصبح الْأَمِير على مَا أحب وَلَا على مَا يحب الله وَلَا على مَا يحب الشَّيْطَان
فَغَضب الْعَبَّاس من قَوْله ثمَّ قَالَ لَهُ مَا هَذَا الْكَلَام قبحك الله قَالَ جِبْرَائِيل فَقلت عَليّ الْبُرْهَان
فَقَالَ الْعَبَّاس لتَأْتِيني بِهِ وَإِلَّا أَحْسَنت أدبك وَلم تدخل لي دَارا فَقَالَ جِبْرَائِيل الَّذِي كنت أحب أَن تكون أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَنت كَذَلِك قَالَ الْعَبَّاس لَا
قَالَ جِبْرَائِيل وَالَّذِي يحب الله من عباده الطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمرهم بِهِ ونهاهم عَنهُ
فَأَنت أَيهَا الْملك كَذَلِك فَقَالَ الْعَبَّاس لَا واستغفر الله
قَالَ جِبْرَائِيل وَالَّذِي يحب الشَّيْطَان من الْعباد أَن يكفروا بِاللَّه ويجحدوا ربوبيته فَأَنت كَذَلِك أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس لَا وَلَا تعد إِلَى مثل هَذَا القَوْل بعد يَوْمك هَذَا
قَالَ فثيون الترجمان وَلما عزم الْمَأْمُون على الْخُرُوج إِلَى بلد الرّوم فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ مرض جِبْرَائِيل مَرضا شَدِيدا قَوِيا
فَلَمَّا رَآهُ الْمَأْمُون ضَعِيفا التمس مِنْهُ إِنْفَاذ بختيشوع ابْنه مَعَه إِلَى بلد الرّوم
فَأحْضرهُ وَكَانَ مثل أَبِيه فِي الْفَهم وَالْعقل والسرو
وَلما خاطبه الْمَأْمُون وَسمع حسن جَوَابه فَرح بِهِ فَرحا شَدِيدا وأكرمه غَايَة الْإِكْرَام وَرفع مَنْزِلَته وَأخرجه مَعَه إِلَى بلد الرّوم
وَلما خرج الْمَأْمُون طَال مرض جِبْرَائِيل إِلَى أَن بلغ الْمَوْت وَعمل وَصيته إِلَى الْمَأْمُون وَدفعهَا إِلَى ميخائيل صهره وَمَات
فَمضى فِي تجميل مَوته مَا لم يمض لأمثاله بِحَسب اسْتِحْقَاقه بأفعاله الْحَسَنَة وخيريته وَدفن فِي دير مارسرجس بِالْمَدَائِنِ
وَلما عَاد ابْنه بختيشوع من بلد الرّوم جمع للدير رهبانا وأجرى عَلَيْهِم جَمِيع مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ
وَقَالَ فثيون الترجمان إِن جنس جورجس وَولده كَانُوا أجمل أهل زمانهم بِمَا خصهم الله بِهِ من شرف النُّفُوس ونبل الهمم وَمن الْبر وَالْمَعْرُوف والإفضال وَالصَّدقَات وتفقد المرضى من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَالْأَخْذ بأيدي المنكوبين والمرهوقين على مَا يتَجَاوَز الْحَد فِي الصّفة وَالشَّرْح
أَقُول وَكَانَت مُدَّة خدمَة جِبْرَائِيل بن بختيشوع للرشيد مُنْذُ خدمه وَإِلَى أَن توفّي الرشيد ثَلَاثًا وَعشْرين سنة
وَوجد فِي خزانَة بختيشوع بن جِبْرَائِيل مدرج فِيهِ عمل بِخَط كَاتب جِبْرَائِيل بن بختيشوع الْكَبِير واصطلاحات بِخَط جِبْرَائِيل لما صَار إِلَيْهِ فِي خدمته الرشيد يذكر أَن رزقه كَانَ من رسم الْعَامَّة فِي كل شهر من الْوَرق عشرَة آلَاف دِرْهَم يكون فِي السّنة مائَة وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم فِي مُدَّة ثَلَاثَة وَعشْرين سنة ألفا ألف وسِتمِائَة وَسِتُّونَ ألفا ونزله فِي الشَّهْر خَمْسَة آلَاف دِرْهَم يكون فِي السّنة سِتُّونَ ألف دِرْهَم فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ألف ألف وثلثمائة وَثَمَانُونَ ألف دِرْهَم
وَمن رسم الْخَاصَّة فِي الْمحرم من كل سنة من الْوَرق خَمْسُونَ ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ألف ألف وَمِائَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم
وَمن الثِّيَاب خَمْسُونَ ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ألف ألف وَمِائَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم
تَفْصِيل ذَلِك الْقصب الْخَاص الطرازي عشرُون شقة
الملحم الطرازي عشرُون شقة
الْخَزّ المنصوري عشر شقَاق
الْخَزّ الْمَبْسُوط عشر شقَاق
الوشي الْيَمَانِيّ ثَلَاثَة أَثوَاب
الوشي النصيبي ثَلَاثَة أَثوَاب
الطيالسة ثَلَاثَة طيالس
وَمن السمور والفنك والقماقم والدلق والسنجاب للقبطين
وَكَانَ يدْفع إِلَيْهِ فِي مدْخل صَوْم النَّصَارَى فِي كل سنة من الْوَرق خَمْسُونَ ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين ألف ألف وَمِائَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم
وَفِي يَوْم الشعانين من كل سنة ثِيَاب من وشي وقصب وملحم وَغَيره بِقِيمَة عشرَة آلَاف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة مِائَتَا ألف وَثَلَاثُونَ ألفا وَفِي يَوْم الْفطر فِي كل سنة من الْوَرق خَمْسُونَ ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ألف ألف وَمِائَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم وَثيَاب بِقِيمَة عشرَة آلَاف دِرْهَم على الْحِكَايَة يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة مِائَتَا ألف وَثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم
ولفصد الرشيد دفعتين فِي السّنة كل دفْعَة خَمْسُونَ ألف دِرْهَم من الْوَرق مائَة ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ألفا ألف وثلثمائة ألف دِرْهَم
ولشرب الدَّوَاء دفعتين فِي السّنة كل دفْعَة خَمْسُونَ ألف دِرْهَم مائَة ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ألفا ألف وثلثمائة ألف دِرْهَم
وَمن أَصْحَاب الرشيد على مَا فصل مِنْهُ مَعَ مَا فِيهِ من قيمَة الْكسْوَة وَثمن الطّيب وَالدَّوَاب وَهُوَ مائَة ألف دِرْهَم من الْوَرق فَيكون أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة تِسْعَة آلَاف ألف وَمِائَتَا ألف دِرْهَم
تَفْصِيل ذَلِك عِيسَى بن جَعْفَر خَمْسُونَ ألف دِرْهَم زبيدة أم جَعْفَر خَمْسُونَ ألف دِرْهَم العباسة خَمْسُونَ ألف دِرْهَم إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم الْفضل بن الرّبيع خَمْسُونَ ألف دِرْهَم فَاطِمَة أم مُحَمَّد سَبْعُونَ ألف دِرْهَم كسْوَة وَطيب ودواب مائَة ألف دِرْهَم
وَمن غلَّة ضيَاعه بجندي سَابُور والسوس وَالْبَصْرَة والسواد فِي كل سنة قِيمَته بعد المقاطعة وَرقا ثَمَانِي مائَة ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة ثَمَانِيَة عشر ألف ألف وَمِائَة ألف دِرْهَم
وَكَانَ يصير إِلَيْهِ من البرامكة فِي كل سنة من الْوَرق ألفا ألف وَأَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وتفصيل ذَلِك يحيى بن خَالِد ستماية ألف دِرْهَم جَعْفَر بن يحيى الْوَزير ألف ألف وَمِائَتَا ألف دِرْهَم الْفضل ابْن يحيى ستماية ألف دِرْهَم يكون فِي مُدَّة ثَلَاث عشرَة سنة أحد وَثَلَاثِينَ ألف ألف ومائتي ألف دِرْهَم
يكون جَمِيع ذَلِك مُدَّة أَيَّام خدمته للرشيد وَهِي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وخدمته للبرامكة وَهِي ثَلَاث عشرَة سنة سوى الصلات الجسام فَإِنَّهَا لم تذكر فِي هَذَا المدرج من الْوَرق ثَمَانِيَة وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم
وَثَمَانمِائَة ألف دِرْهَم ثَلَاثَة آلَاف ألف وَأَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم
التَّذْكِرَة الْخراج من ذَلِك وَمن الصلات الَّتِي لم تذكر فِي النَّفَقَات وَغَيرهَا على مَا تضمنه المدرج الْمَعْمُول من الْعين تِسْعمائَة ألف دِينَار وَمن الْوَرق تسعون ألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم
تَفْصِيل ذَلِك مَا صرفه فِي نفقاته وَكَانَت فِي السّنة ألفي ألف ومائتي ألف دِرْهَم على التَّقْرِيب
وجملتها فِي السنين الْمَذْكُورَة سَبْعَة وَعِشْرُونَ ألف ألف دِرْهَم وستماية ألف دِرْهَم
ثمن دور وبساتين ومنتزهات ورقيق ودواب والجمازات سَبْعُونَ ألف ألف دِرْهَم ثمن آلَات وَأجر وصناعات وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى ثَمَانِيَة آلَاف ألف دِرْهَم
مَا صَار فِي ثمن ضيَاع ابتاعها لخاصته اثْنَا عشر ألف ألف دِرْهَم
ثمن جَوَاهِر وَمَا أعده للذخائر عَن قيمَة خَمْسمِائَة ألف دِينَار خَمْسُونَ ألف ألف دِرْهَم
مَا صرفه فِي الْبر والصلات وَالْمَعْرُوف وَالصَّدقَات وَمَا بذل بِهِ حَظه فِي الكفالات لأَصْحَاب المصادرات فِي هَذِه السنين الْمُقدم ذكرهَا ثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم
مَا كابره عَلَيْهِ أَصْحَاب الودائع وجحدوه ثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم
ثمَّ وصّى بعد ذَلِك كُله عِنْد وَفَاته إِلَى الْمَأْمُون لِابْنِهِ بختيشوع وَجعل الْمَأْمُون الْوَصِيّ فِيهَا فسلمها إِلَيْهِ وَلم يعْتَرض فِي شَيْء مِنْهَا عَلَيْهِ بتسعماية ألف دِينَار
وجبرائيل بن بختيشوع هُوَ الَّذِي يعنيه أَبُو نواس فِي قَوْله
(سَأَلت أخي أَبَا عِيسَى ... وَجِبْرِيل لَهُ عقل)
(فَقلت الراح تعجبني ... فَقَالَ كثيرها قتل)
(فَقلت لَهُ فَقدر لي ... فَقَالَ وَقَوله فصل)
(وجدت طبائع الْإِنْسَان ... أَرْبَعَة هِيَ الأَصْل)
(فَأَرْبَعَة لأربعة ... لكل طبيعة رَطْل) الوافر
وَذكر أَبُو الْفرج عَليّ بن الْحُسَيْن الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب الْمُجَرّد فِي الأغاني هَذِه الأبيات
(أَلا قل للَّذي لَيْسَ ... على الْإِسْلَام وَالْملَّة)
(لجبريل أبي عِيسَى ... أخي الأنذال والسفلة)
(أَفِي طبك يَا جِبْرِيل ... مَا يشفي ذَوي الْعلَّة)
(غزال قد سبى عَقْلِي ... بِلَا جرم وَلَا زلَّة) الهزج
قَالَ أَبُو الْفرج وَالشعر لِلْمَأْمُونِ فِي جِبْرَائِيل بن بختيشوع المتطبب
والغناء لمتيم خَفِيف رمل
وَمن كَلَام جِبْرَائِيل بن بختيشوع قَالَ أَرْبَعَة تهدم الْعُمر
إِدْخَال الطَّعَام على الطَّعَام قبل الانهضام
وَالشرب على الرِّيق
وَنِكَاح الْعَجُوز
والتمتع فِي الْحمام
ولجبرائيل بن بختيشوع من الْكتب رِسَالَة إِلَى الْمَأْمُون فِي الْمطعم وَالْمشْرَب
كتاب الْمدْخل إِلَى صناعَة الْمنطق
كتاب فِي الباه
رِسَالَة مختصرة فِي الطِّبّ
كناشه
كتاب فِي صَنْعَة البخور أَلفه لعبد الله الْمَأْمُون
مصادر و المراجع :
١- عيون الأنباء في طبقات
الأطباء
المؤلف: أحمد بن
القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى:
668هـ)
المحقق: الدكتور
نزار رضا
الناشر: دار
مكتبة الحياة - بيروت
21 يوليو 2024
تعليقات (0)