المنشورات
ابْن بطلَان
هُوَ أَبُو الْحسن الْمُخْتَار بن الْحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلَان
نَصْرَانِيّ من أهل بَغْدَاد وَكَانَ قد اشْتغل على أبي الْفرج عبد الله بن الطّيب وتتلمذ لَهُ وأتقن عَلَيْهِ قِرَاءَة كثير من الْكتب الْحكمِيَّة وَغَيرهَا
ولازم أَيْضا أَبَا الْحسن ثَابت بن إِبْرَاهِيم بن زهرون الْحَرَّانِي الطَّبِيب واشتغل عَلَيْهِ وانتفع بِهِ فِي صناعَة الطِّبّ وَفِي مزاولة أَعمالهَا
وَكَانَ ابْن بطلَان معاصرا لعَلي بن رضوَان الطَّبِيب الْمصْرِيّ وَكَانَت بَين ابْن بطلَان وَابْن رضوَان المراسلات العجيبة والكتب البديعة الغريبة وَلم يكن أحد مِنْهُم يؤلف كتابا وَلَا يبتدع رَأيا إِلَّا وَيرد الآخر عَلَيْهِ ويسفه رَأْيه فِيهِ
وَقد رَأَيْت أَشْيَاء من المراسلات الَّتِي كَانَت فِيمَا بَينهم ووقائع بَعضهم فِي بعض
وسافر ابْن بطلَان من بَغْدَاد إِلَى ديار مصر قصدا مِنْهُ إِلَى مُشَاهدَة عَليّ بن رضوَان والاجتماع بِهِ وَكَانَ سَفَره من بَغْدَاد فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلما وصل فِي طَرِيقه إِلَى حلب أَقَامَ بهَا مُدَّة وَأحسن إِلَيْهِ معز الدولة ثمال بن صَالح بهَا وأكرمه أكراما كثيرا
وَكَانَ دُخُوله الْفسْطَاط فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَأقَام بهَا ثَلَاث سِنِين وَذَلِكَ فِي دولة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه من الْخُلَفَاء المصريين
وَجَرت بَين ابْن بطلَان وَابْن رضوَان وقائع كَثْرَة فِي ذَلِك الْوَقْت ونوادر ظريفة لَا تَخْلُو من فَائِدَة
وَقد تضمن كثيرا من هَذِه الْأَشْيَاء كتاب أَلفه ابْن بطلَان بعد خُرُوجه من ديار مصر واجتماعه بِابْن رضوَان
وَلابْن رضوَان كتاب فِي الرَّد عَلَيْهِ
وَكَانَ ابْن بطلَان أعذب ألفاظا وَأكْثر ظرفا وأميز فِي الْأَدَب وَمَا يتَعَلَّق بِهِ
وَمِمَّا يدل على ذَلِك مَا ذكره فِي رسَالَته الَّتِي وسمها دَعْوَة الْأَطِبَّاء وَكَانَ ابْن رضوَان أطب وَأعلم بالعلوم الْحكمِيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا
وَكَانَ ابْن رضوَان أسود اللَّوْن وَلم يكن بالجميل الصُّورَة
وَله مقَالَة فِي ذَلِك يرد فِيهَا على من عيره بقبح الْخلقَة
وَقد بَين فِيهَا بِزَعْمِهِ أَن الطَّبِيب الْفَاضِل لَا يجب أَن يكون وَجهه جميلا
وَكَانَ ابْن بطلَان أَكثر مَا يَقع فِي عَليّ بن رضوَان من هَذَا الْقَبِيل وأشباهه وَلذَلِك يَقُول فِيهِ فِي الرسَالَة الَّتِي وسمها دَعْوَة الْأَطِبَّاء
(فَلَمَّا تبدى للقوابل وَجهه ... نكصن على أعقابهن من النَّدَم)
(وقلن وأخفين الْكَلَام تسترا ... أَلا ليتنا كُنَّا تَرَكْنَاهُ فِي الرَّحِم) الطَّوِيل
وَكَانَ يلقبه بتمساح الْجِنّ وسافر ابْن بطلَان من ديار مصر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأقَام بهَا سنة وَعرضت فِي زَمَنه أوباء كَثِيرَة
ونقلت من خطه فِيمَا ذكره من ذَلِك مَا هَذَا مِثَاله قَالَ وَمن مشاهير الأوباء فِي زَمَاننَا الَّذِي عرض عِنْد طُلُوع الْكَوْكَب الأثاري فِي الجوزاء من سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة فَإِن فِي تِلْكَ السّنة دفن فِي كَنِيسَة لوقا بعد أَن امْتَلَأت جَمِيع المدافن الَّتِي فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة أَرْبَعَة عشر ألف نسمَة فِي الخريف
فَلَمَّا توَسط الصَّيف فِي سنة سبع وَأَرْبَعين لم يوف النّيل فَمَاتَ فِي الْفسْطَاط وَالشَّام أَكثر أَهلهَا وَجَمِيع الغرباء إِلَّا من شَاءَ الله
وانتقل الوباء إِلَى الْعرَاق فَأتى على أَكثر أَهله وَاسْتولى عَلَيْهِ الخراب بطروق العساكر المتعادية واتصل ذَلِك بهَا إِلَى سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَعرض للنَّاس فِي أَكثر الْبِلَاد قُرُوح سوداوية وأورام الطحال وَتغَير تَرْتِيب نَوَائِب الحميات واضطرب نظام البحارين فَاخْتلف علم الْقَضَاء فِي تقدمة الْمعرفَة
وَقَالَ أَيْضا بعد ذَلِك وَلِأَن هَذَا الْكَوْكَب الأثاري طلع فِي برج الجوزاء وَهُوَ طالع مصر أوقع الوباء فِي الْفسْطَاط بِنُقْصَان النّيل فِي وَقت ظُهُوره فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَصَحَّ إنذار بطليموس الْقَائِل الويل لأهل مصر إِذا طلع أحد ذَوَات الذوائب وأنجهم فِي الجوزاء
وَلما نزل زحل برج السرطان تَكَامل خراب الْعرَاق والموصل والجزيرة واختلت ديار بكر وَرَبِيعَة وَمُضر وَفَارِس وكرمان وبلاد الْمغرب واليمن والفسطاط وَالشَّام واضطربت أَحْوَال مُلُوك الأَرْض وَكَثُرت الحروب والغلاء والوباء وَصَحَّ حكم بطليموس فِي قَوْله إِن زحل والمريخ مَتى اقترنا فِي السرطان زلزل الْعَالم
ونقلت أَيْضا من خطّ بن بطلَان فِيمَا ذكره من الأوباء الْعَظِيمَة الْعَارِضَة للغلم بفقد الْعلمَاء فِي زَمَانه قَالَ مَا عرض فِي مُدَّة بضع عشرَة سنة بوفاة الْأَجَل المرتضى وَالشَّيْخ أبي الْحسن الْبَصْرِيّ والفقيه أبي الْحسن الْقَدُورِيّ وأقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الطّيب الطَّبَرِيّ على جَمَاعَتهمْ رضوَان الله وَمن أَصْحَاب عُلُوم القدماء أَبُو عَليّ بن الْهَيْثَم وَأَبُو سعيد اليمامي وَأَبُو عَليّ بن السَّمْح وصاعد الطَّبِيب وَأَبُو الْفرج عبد الله بن الطّيب وَمن مُتَقَدِّمي عُلُوم الْأَدَب وَالْكِتَابَة عَليّ ابْن عِيسَى الربعِي وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي ومهيار الشَّاعِر وَأَبُو الْعَلَاء بن نزيك وَأَبُو عَليّ ابْن موصلايا والرئيس أَبُو الْحسن الصَّابِئ وَأَبُو الْعَلَاء المعري
فانطفأت سرج الْعلم وَبقيت الْعُقُول بعدهمْ فِي الظلمَة
أَقُول ولأبن بطلَان أشعار كَثِيرَة ونواد ظريفة وَقد ضمن مِنْهَا أَشْيَاء فِي رسَالَته الَّتِي وسمها دَعْوَة الْأَطِبَّاء وَفِي غَيرهَا من كتبه
وَتُوفِّي ابْن بطلَان وَلم يتَّخذ امْرَأَة وَلَا خلف ولدا
وَلذَلِك يَقُول من أَبْيَات
(وَلَا أحد إِن مت يبكي لميتتي ... سوى مجلسي فِي الطِّبّ والكتب باكيا) الطَّوِيل
وَلابْن بطلَان من الْكتب كناش الأديرة والرهبان كتاب شِرَاء العبيد وتقليب المماليك والجواري كتاب تَقْوِيم الصِّحَّة
مقَالَة فِي شرب الدَّوَاء المسهل مقَالَة فِي كَيْفيَّة دُخُول الْغذَاء فِي الْبدن وهضمه وَخُرُوج فضلاته وَسقي الْأَدْوِيَة المسهلة وتركيبها
مقَالَة إِلَى عَليّ بن رضوَان عِنْد وُرُوده الْفسْطَاط فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة جَوَابا عَمَّا كتبه إِلَيْهِ
مقَالَة فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وَغَيرهَا ومخالفتهم فِي ذَلِك لمسطور القدماء فِي الكنانيش والأقراباذينات وتدرجهم فِي ذَلِك بالعراق وَمَا والاها على اسْتِقْبَال سنة سبع وَسبعين وثلثمائة وَإِلَى سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وصنف ابْن بطلَان هَذِه الْمقَالة بأنطاكية فِي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت قد أهل لبِنَاء بيمارستان أنطاكية
مقَالَة فِي الِاعْتِرَاض على من قَالَ إِن الفرخ أحر من الْفروج بطرِيق منطقية ألفها بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
كتاب الْمدْخل إِلَى الطِّبّ
كتاب دَعْوَة الْأَطِبَّاء ألفها للأمير نصير الدولة أبي نصر أَحْمد بن مَرْوَان ونقلت من خطّ ابْن بطلَان وَهُوَ يَقُول فِي آخرهَا فرغت من نسخهَا أَنا مصنفها بوانيس الطَّبِيب الْمَعْرُوف بالمختار بن الْحسن بن عبدون بدير الْملك المتيح قسطنطين بِظَاهِر الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي آخر أيلول من سنة خمس وَسِتِّينَ وثلثمائة وَألف
هَذَا قَوْله
وَيكون ذَلِك بالتاريخ الإسلامي من سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة
كتاب دَعْوَة الْأَطِبَّاء
كتاب دَعْوَة القسوس
مقَالَة فِي مداواة صبي عرضت لَهُ حَصَاة
مصادر و المراجع :
١- عيون الأنباء في طبقات
الأطباء
المؤلف: أحمد بن
القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى:
668هـ)
المحقق: الدكتور
نزار رضا
الناشر: دار
مكتبة الحياة - بيروت
21 يوليو 2024
تعليقات (0)