المنشورات

أَبُو الْعَلَاء بن زهر

هُوَ أَبُو الْعَلَاء زهر بن أبي مَرْوَان عبد الْملك بن مُحَمَّد بن مَرْوَان مَشْهُور بالحذق والمعرفة وَله علاجات مختارة تدل على قوته فِي صناعَة الطِّبّ وإطلاعه على دقائقها
وَكَانَت لَهُ نَوَادِر فِي مداواته المرضى ومعرفته لأحوالهم وَمَا يجدونه من الآلام من غير أَن يستخبرهم عَن ذَلِك بل بنظره إِلَى قواريرهم أَو عِنْدَمَا يجس نبضهم
وَكَانَ فِي دولة الملثمين ويعرفون أَيْضا بالمرابطين وحظي فِي أيامهم ونال الْمنزلَة الرفيعة وَالذكر والجميل
وَكَانَ قد اشْتغل بصناعة الطِّبّ وَهُوَ صَغِير فِي أَيَّام المعتضد بِاللَّه أبي عَمْرو عباد بن عباد
واشتغل أَيْضا بِعلم الْأَدَب وَهُوَ حسن التصنيف جيد التَّأْلِيف
وَفِي زَمَانه وصل كتاب القانون لِابْنِ سينا إِلَى الْمغرب وَقَالَ ابْن جَمِيع الْمصْرِيّ فِي كتاب التَّصْرِيح بالمكنون فِي تَنْقِيح القانون أَن رجلا من التُّجَّار جلب من الْعرَاق إِلَى الأندلس نُسْخَة من هَذَا الْكتاب قد بولغ فِي تحسينها فأتحف بهَا لأبي الْعَلَاء بن زهر تقربا إِلَيْهِ وَلم يكن هَذَا الْكتاب وَقع إِلَيْهِ قبل ذَلِك فَلَمَّا تَأمله ذمه وأطرحه وَلم يدْخلهُ خزانَة كتبه وَجعل يقطع من طرره مَا يكْتب فِيهِ نسخ الْأَدْوِيَة لمن يستفتيه من المرضى وَقَالَ أَبُو يحيى اليسع بن عِيسَى بن حزم ابْن اليسع فِي كتاب الْمغرب عَن محَاسِن أهل الْمغرب أَن أَبَا الْعَلَاء بن زهر كَانَ مَعَ صغر سنه تصرخ النجابة بِذكرِهِ وتخطب المعارف بشكره
وَلم يزل يطالع كتب الْأَوَائِل متفهما ويلقى الشُّيُوخ مستعلما والسعد ينهج لَهُ مناهج التَّيْسِير وَالْقدر لَا يرضى لَهُ من الوجاهة باليسير حَتَّى برز فِي الطِّبّ إِلَى غَايَة عجز الطِّبّ عَن مرامها وَضعف الْفَهم عَن إبرامها وَخرجت عَن قانون الصِّنَاعَة إِلَى ضروب من الشناعة يخبر فَيُصِيب وَيضْرب فِي كل مَا يَنْتَحِلهُ من التعاليم بأوفى نصيب ويشعر سَابق مدى ويغبر فِي وُجُوه الْفُضَلَاء علما ومحتدا ويفوق الجلة سماحة وندى لَوْلَا بذاء لِسَان وعجلة إِنْسَان
وَأي الرِّجَال تكمل خصاله وتتناسب أوصاله
ونقلت من خطّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح الْعَبْدي وَهُوَ من أهل الْمغرب وَله نظر وعناية بصناعة الطِّبّ
قَالَ أَبُو العيناء الْمصْرِيّ وَهُوَ شيخ أَبُو الْعَلَاء بن زهر وَمن قبله انْصَرف من بَغْدَاد وحكايته مَعَه طَوِيلَة قَالَ أَخْبرنِي بِهَذَا الشَّيْخ الطَّبِيب أَبُو الْقَاسِم هِشَام بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَاحب الصَّلَاة بداره بأشبيلية حرسها الله
أَقُول وَكَانَ من جملَة تلاميذ أبي الْعَلَاء بن زهر فِي الطِّبّ أَبُو عَامر بن ينق الشاطبي الشَّاعِر
وَتُوفِّي أَبُو الْعَلَاء بن زهر فِي سنة وَدفن بأشبيلية خَارج بَاب الْفَتْح
وَمن شعر أبي الْعَلَاء بن زهر قَالَ فِي التغزل
(يَا من كلفت بِهِ وذلت عزتي ... لغرامه وَهُوَ الْعَزِيز القاهر)
(رمت التصبر عِنْدَمَا ألْقى الجفا ... وَيَقُول ذَاك الْحسن مَالك نَاصِر)
(مَا الجاه إِلَّا جاه من ملك القوى ... وإطاعه قلب عَزِيز قَادر) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(يَا راشقي بسهام مَا لَهَا غَرَض ... إِلَّا الْفُؤَاد وَمَا لَهَا مِنْهُ عوض)
(وممرضي بجفون حشوها سقم ... صحت وَمن طبعها التمريض وَالْمَرَض)
(أمنن وَلَو بخيال مِنْك يطرقني ... فقد يسد مسد الْجَوْهَر الْعرض) الْبَسِيط
وَقَالَ فِي ابْن مَنْظُور قَاضِي قُضَاة أشبيلية وَقد وَصله عَنهُ أَنه قَالَ أيمرض ابْن زهر على جِهَة الِاسْتِهْزَاء
(قَالُوا ابْن مَنْظُور تعجب دائبا ... إِنِّي مَرضت فَقلت يعثر من مَشى)
(قد كَانَ جالينوس يمرض دهره ... فَمن الْفَقِيه المرتضى أكل الرشا) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(سَمِعت بِوَصْف النَّاس هندا فَلم أزل ... أَخا صبوة حَتَّى نظرت إِلَى هِنْد)
(فَلَمَّا أَرَانِي الله هندا وزيها ... تمنيت أَن أزداد بعدا على بعد) الطَّوِيل
وَلأبي الْعَلَاء ابْن زهر من الْكتب كتاب الْخَواص كتاب الْأَدْوِيَة المفردة كتاب الْإِيضَاح بشواهد الافتضاح فِي الرَّد على ابْن رضوَان فِيمَا رده على حنين بن إِسْحَاق فِي كتاب الْمدْخل إِلَى الطِّبّ
كتاب حل شكوك الرَّازِيّ على كتب جالينوس مجربات مقَالَة فِي الرَّد على أبي عَليّ بن سينا فِي مَوَاضِع من كِتَابه الْأَدْوِيَة المفردة ألفها لِابْنِهِ أبي مَرْوَان
كتاب النكت الطبية كتب بهَا إِلَى ابْنه أبي مَرْوَان
مقَالَة فِي بَسطه لرسالة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنْدِيّ فِي تركيب الْأَدْوِيَة وأمثلة ذَلِك نسخ لَهُ ومجربات أَمر بجمعها عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين بعد موت أبي الْعَلَاء
فَجمعت بمراكش وبسائر بِلَاد العدوة والأندلس وانتسخت فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة













مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید