المنشورات

التَّمِيمِي

هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد التَّمِيمِي
كَانَ مقَامه أَولا بالقدس ونواحيها وَله معرفَة جَيِّدَة بالنبات وماهياته وَالْكَلَام فِيهِ
وَكَانَ متميزا أَيْضا فِي أَعمال صناعَة الطِّبّ والإطلاع على دقائقها وَله خبْرَة فاضلة فِي تركيب المعاجين والأدوية المفردة واستقصى معرفَة أدوية الترياق الْكَبِير الْفَارُوق وتركيبه وَركب مِنْهُ شَيْئا كثيرا على أتم مَا يكون من حسن الصَّنْعَة
وانتقل إِلَى الديار المصرية وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله
وَكَانَ قد اجْتمع فِي الْقُدس بِحَكِيم فَاضل رَاهِب يُقَال لَهُ أنبا زخريا بن ثوابة
وَكَانَ هَذَا الراهب يتَكَلَّم فِي شَيْء من أَجزَاء الْعُلُوم الْحكمِيَّة والطب وَكَانَ مُقيما فِي الْقُدس فِي الْمِائَة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة وَكَانَ لَهُ نظر فِي أَمر تركيب الْأَدْوِيَة
وَلما اجْتمع بِهِ مُحَمَّد التَّمِيمِي لَازمه وَأخذ عَنهُ فَوَائِد وجملا كَثِيرَة مِمَّا يعرفهُ
وَقد ذكر التَّمِيمِي فِي كِتَابه مَادَّة الْبَقَاء صفة سفوف الرجفان الْحَادِث عَن الْمرة السَّوْدَاء الْمُحْتَرِقَة وَذكر أَنه نقل ذَلِك عَن أنبا زخريا
وَقَالَ الصاحب جمال الدّين بن القفطي القَاضِي الأكرم فِي كتاب أَخْبَار الْعلمَاء بأخبار الْحُكَمَاء أَن التَّمِيمِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد كَانَ جده سعيد طَبِيبا وَصَحب أَحْمد بن أبي يَعْقُوب مولى ولد الْعَبَّاس وَكَانَ مُحَمَّد من الْبَيْت الْمُقَدّس وَقَرَأَ علم الطِّبّ بِهِ وَبِغَيْرِهِ من المدن الَّتِي ارتحل إِلَيْهَا واستفاد من هَذَا الشَّأْن جُزْءا متوفرا وَأحكم مَا علمه مِنْهُ غَايَة الْأَحْكَام
وَكَانَ لَهُ غرام وعناية تَامَّة فِي تركيب الْأَدْوِيَة وَحسن اخْتِيَار فِي تأليفها وَعِنْده غوص على أُمُور هَذَا النَّوْع واستغراق فِي طلب غوامضه
وَهُوَ الَّذِي أكمل الترياق الْفَارُوق بِمَا زَاده فِيهِ من الْمُفْردَات وَذَلِكَ بِإِجْمَاع الْأَطِبَّاء على أَنه الَّذِي أكمله
وَله فِي الترياق عدَّة تصانيف مَا بَين كَبِير ومتوسط وصغير
وَقد كَانَ مُخْتَصًّا بالْحسنِ بن عبد الله بن طغج المستولي على مَدِينَة الرملة وَمَا انضاف إِلَيْهَا من الْبِلَاد الساحلية وَكَانَ مغرما بِهِ وَبِمَا يعالجه من الْمُفْردَات والمركبات
وَعمل لَهُ عدَّة معاجين ولخالخ طبية ودخنا دافعة للوباء وسطر ذَلِك فِي أثْنَاء مصنفاته
ثمَّ أدْرك الدولة العلوية عِنْد دُخُولهَا إِلَى الديار المصرية وَصَحب الْوَزير يَعْقُوب بن كلس وَزِير الْمعز والعزيز وصنف لَهُ كتابا كَبِيرا فِي عدَّة مجلدات سَمَّاهُ مَادَّة الْبَقَاء بإصلاح فَسَاد الْهَوَاء والتحزر من ضَرَر الأوباء وكل ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ المعزية
وَلَقي الْأَطِبَّاء بِمصْر وناظرهم وَاخْتَلَطَ بأطباء الْخَاص القادمين من أهل الْمغرب فِي صُحْبَة الْمعز عِنْد قدومه والمقيمين بِمصْر من أَهلهَا
قَالَ وَحكى مُحَمَّد التَّمِيمِي خَبرا عَن وَلَده وَهُوَ قَالَ حَدثنِي وَالِدي رَضِي الله عَنهُ أَنه سكر مرّة سكرا مفرطا غلب فِيهِ على عقله فَسقط فِي بعض الْخَانَات من مَوضِع عَال من أَسْفَل الخان وَهُوَ لَا يعقل فَحَمله صَاحب الخان وخدمه حَتَّى أدخلهُ إِلَى الْحُجْرَة الَّتِي كَانَ ساكنها
فَلَمَّا أصبح قَامَ وَهُوَ يجد وجعا ووهنا فِي مَوَاضِع من جسده وَلَا يعرف لذَلِك سَببا فَركب وَتصرف فِي بعض أُمُوره إِلَى أَن تَعَالَى النَّهَار ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لصَاحب الخان إِنِّي أجد فِي جَسَدِي وجعا وتوهنا شَدِيدا لست أَدْرِي مَا سَببه فَقَالَ لَهُ صَاحب الخان يَنْبَغِي أَن تحمد الله على سلامتك
قَالَ مِم ذَا قَالَ أَو مَا علمت مَا نالك البارحة قَالَ لَا
قَالَ فَإنَّك سَقَطت من أَعلَى الخان إِلَى أَسْفَل وَأَنت سَكرَان
لقَالَ وَمن أَي مَوضِع فأره الْموضع فَلَمَّا رَآهُ حدث بِهِ للْوَقْت من الوجع والضربان مَا لم يجد مَعَه سَبِيلا إِلَى الصَّبْر وَأَقْبل يضج ويتأوه إِلَى أَن جَاءُوهُ بطبيب ففصده وَشد على مفاصله المتوهنة جبارا فَأَقَامَ أَيَّامًا كَثِيرَة إِلَى أَن برأَ وَذهب عَنهُ الوجع
أَقُول وَمِمَّا يُنَاسب هَذِه الْحِكَايَة أَن بعض التُّجَّار كَانَ فِي بعض أَسْفَاره فِي مغارة وَمَعَهُ رفْقَة لَهُ فَنَامَ فِي منزلَة نزلها فِي الطَّرِيق ورفقته جُلُوس فَخرجت حَيَّة من بعض النواحي وصادفت رجله فنهشته فِيهَا وَذَهَبت وانتبه مَرْعُوبًا من الْأَلَم وَبَقِي يمسك رجله ويتأوه مِنْهَا
فَقَالَ لَهُ بَعضهم مَا عَلَيْك إِنَّك مددت رجلك بِسُرْعَة وَقد صادفت رجلك شَوْكَة فِي هَذَا الْموضع الَّذِي يوجعك وَأظْهر لَهُ أَنه أخرج الشَّوْكَة وَقَالَ مَا بَقِي عَلَيْك بَأْس
وتساكن عَنهُ الْأَلَم بعد ذَلِك ورحلوا فَلَمَّا كَانَ بعد عودهم بِمدَّة وَقد نزلُوا فِي تِلْكَ الْمنزلَة قَالَ لَهُ صَاحبه أَتَدْرِي ذَلِك الوجع الَّذِي عرض لَك فِي هَذَا الْموضع من أَي شَيْء كَانَ فَقَالَ لَا
قَالَ إِن حَيَّة ضربتك فِي رجلك ورأيناها وَمَا أعلمناك
فَعرض لَهُ للْوَقْت ضَرْبَان قوي فِي رجله وسرى فِي بدنه إِلَى أَن قرب من قلبه وَعرض لَهُ غشي ثمَّ تزايد بِهِ إِلَى أَن مَاتَ
وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن الأوهام والأحداث النفسانية تُؤثر فِي الْبدن أثرا قَوِيا فَلَمَّا تحقق أَن الآفة الَّتِي عرضت لَهُ كَانَت من نهشة الْحَيَّة تأثر من ذَلِك وسرى مَا كَانَ فِي ذَلِك الْموضع من بقايا السم فِي بدنه
وَلما وصل إِلَى قلبه أهلكه
قَالَ الصاحب جمال الدّين وَلما كَانَ التَّمِيمِي بِبَلَدِهِ الْبَيْت الْمُقَدّس معانيا لصناعة الطِّبّ وَأَحْكَام التركيبات صنف وَركب ترياقا سَمَّاهُ مخلص النُّفُوس وَقَالَ فِيهِ هَذَا ترياق ألفته بالقدس وأحكمت تركيبه مُخْتَصر نَافِع الْفِعْل دَافع لضَرَر السمومات القاتلة المشروبة والمصبوبة فِي الْأَبدَان
بلسع ذَوَات السم من الأفاعي والثعابين وأنواع الْحَيَّات الْمهْلكَة السم والعقارب الجرارات وَغَيرهَا وَذَوَات الْأَرْبَع وَالْأَرْبَعِينَ رجلا وَمن لدغ الرتيلاء والعظايات مجرب لَيْسَ لَهُ مثل
ثمَّ سَاق مفرداته وَصُورَة تركيبه فِي كِتَابه الْمُسَمّى بمادة الْبَقَاء
وَلما كَانَ بِمصْر صنف جوارشن وَركبهُ وَسَماهُ مِفْتَاح السرُور من كل الهموم ومفرح النَّفس أَلفه لبَعض إخوانه بِمصْر وَذكر صُورَة تركبيه وَأَسْمَاء مفرداته غير أَنه رَكبه بِمصْر وسماها الْفسْطَاط اسْمهَا الأول فِي زمن عَمْرو بن الْعَاصِ عِنْد افتتاحها وَذَلِكَ مَذْكُور فِي كِتَابه مَادَّة الْبَقَاء وَكَانَ التَّمِيمِي هَذَا مَوْجُودا بِمصْر فِي سنة سبعين وثلاثمائة
وللتميمي من الْكتب رِسَالَة إِلَى ابْنه عَليّ بن مُحَمَّد فِي صَنْعَة الترياق الْفَارُوق والتنبيه على مَا يغلظ فِيهِ من أدويته ونعت أشجاره الصَّحِيحَة وأوقات جمعهَا وَكَيْفِيَّة عجنه وَذكر مَنَافِعه وتجربته
كتاب آخر فِي الترياق وَقد استوعب فِيهِ تَكْمِيل أدويته وتحرير مَنَافِعه
كتاب مُخْتَصر فِي الترياق
كتاب فِي مَادَّة الْبَقَاء بإصلاح فَسَاد الْهَوَاء والتحرر من ضَرَر الأوباء صنفه للوزير أبي الْفرج يَعْقُوب بن كلس بِمصْر
مقَالَة فِي مَاهِيَّة الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه
كتاب الفاحص وَالْأَخْبَار
















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید