المنشورات

سَلامَة بن رحمون

هُوَ أَبُو الْخَيْر سَلامَة بن مبارك بن رحمون بن مُوسَى من أطباء مصر وفضلائها وَكَانَ يَهُودِيّا وَله أَعمال حَسَنَة فِي صناعَة الطِّبّ واطلاع على كتب جالينوس والبحث عَن غوامضها
وَكَانَ قد قَرَأَ صناعَة الطِّبّ افرائيم واشتغل بهَا عَلَيْهِ مُدَّة
وَكَانَ لِابْنِ رحمون أَيْضا اشْتِغَال جيد بالْمَنْطق والعلوم الْحكمِيَّة وَله تصانيف فِي ذَلِك وَكَانَ شَيْخه الَّذِي اشْتغل عَلَيْهِ بِهَذَا الْفَنّ الْأَمِير أَبُو الْوَفَاء مَحْمُود الدولة المبشر بن فاتك
وَلما وصل أَبُو الصَّلْت أُميَّة بن عبد الْعَزِيز ابْن أبي الصَّلْت الأندلسي من الْمغرب إِلَى الديار المصرية اجْتمع بسلامة بن رحمون وَجَرت بَينهمَا مبَاحث ومشاغبات
وَقد ذكره ابْن أبي الصَّلْت فِي رسَالَته المصرية عِنْدَمَا ذكر من رَآهُ من أطباء مصر قَالَ وأشبه من رَأَيْته مِنْهُم وأدخلهم فِي عدد الْأَطِبَّاء رجل من الْيَهُود يدعى أَبَا الْخَيْر سَلامَة بن رحمون فَإِنَّهُ لَقِي أَبَا الْوَفَاء المبشر بن فاتك فَأخذ عَنهُ شَيْئا من صناعَة الْمنطق تخصص بِهِ وتميز عَن أضرابه
وَأدْركَ أَبَا كثير بن الزفان تلميذ أبي الْحسن بن رضوَان فَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض كتب جالينوس
ثمَّ نصب نَفسه لتدريس جَمِيع كتب الْمنطق وَجَمِيع كتب الفلسفة الطبيعية والهيئة وَشرح بِزَعْمِهِ وَفسّر ولخص وَلم يكن هُنَاكَ فِي تَحْصِيله وتحقيقه واستقصائه عَن لطيف الْعلم ودقيقه
بل كَانَ يكثر كَلَامه فيضل ويسرع جَوَابه فيزل
وَلَقَد سَأَلته أول لقائي لَهُ واجتماعي بِهِ عَن مسَائِل استفتحت مباحثه بهَا مِمَّا يُمكن أَن يفهمها من لم يكن يَمْتَد فِي الْعلم بَاعه وَلم يكثر تبحره واتساعه فَأجَاب عَنْهَا بِمَا أبان عَن تَقْصِيره ونطق بعجزه وأعرب عَن سوء تصَوره وفهمه وَكَانَ مثله فِي عظم دواعيه وقصوره عَن أيسر مَا هُوَ متعاطيه كَقَوْل الشَّاعِر
(يشمر للج عَن سَاقه ... ويغمره الموج فِي السَّاحِل) المتقارب
(تمنيتم مِائَتي فَارس ... فردكم فَارس وَاحِد) المتقارب
قَالَ أَبُو الصَّلْت وَكَانَ طَبِيب من أهل أنطاكية يُسمى بجرجس ويلقب بالفيلسوف على نَحْو مَا قيل فِي الغرب أَبُو الْبَيْضَاء وَفِي اللديغ سليم قد تفرغ للتولع بِابْن رحمون والإزراء عَلَيْهِ وَكَانَ يزور فصولا طبية وفلسفية يقررها فِي معَارض أَلْفَاظ الْقَوْم وَهِي محَال لَا معنى لَهَا وفارغة لَا فَائِدَة فِيهَا ثمَّ أَنه ينفذها إِلَى من يسْأَله عَن مَعَانِيهَا ويستوضحه أغراضها
فيتكلم عَلَيْهَا ويشرحها بِزَعْمِهِ دون تيقظ وَلَا تحفظ بل باسترسال واستعجال وَقلة اكتراث واهتبال فيوجد فِيهَا عَنهُ مَا يضْحك مِنْهُ
وأنشدت لجرجس هَذَا فِيهِ وَهُوَ أحسن مَا سمعته فِي هجو طَبِيب مشؤوم
وَأَنا مُتَّهم لَهُ فِيهِ
(إِن أَبَا الْخَيْر على جَهله ... يخف فِي كفته الْفَاضِل)
(عليله الْمِسْكِين من شؤمه ... فِي بَحر هلك مَاله سَاحل)
(ثَلَاثَة تدخل فِي دفْعَة ... طلعته والنعش والغاسل) السَّرِيع
ولبعضهم
(لأبي الْخَيْر فِي العلاج ... يَد مَا تقصر)
(كل من يستطبه ... بعد يَوْمَيْنِ يقبر)
(وَالَّذِي غَابَ عَنْكُم ... وشهدناه أَكثر) الْخَفِيف
وَله
(جُنُون أبي الْخَيْر الْجُنُون بِعَيْنِه ... وكل جُنُون عِنْده غَايَة الْعقل)
(خذوه فغلوه فشدو وثَاقه ... فَمَا عَاقل من يستهين بمختل)
(وَقد كَانَ يُؤْذِي النَّاس بالْقَوْل وَحده ... فقد صَار يُؤْذِي النَّاس بالْقَوْل وَالْفِعْل) الطَّوِيل
ولسلامة بن رحمون من الْكتب كتاب نظام الموجودات مقَالَة فِي السَّبَب الْمُوجب لقلَّة الْمَطَر بِمصْر
مقَالَة فِي الْعلم الإلهي
مقَالَة فِي خصب أبدان النِّسَاء بِمصْر عِنْد تناهي الشَّبَاب
















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید