المنشورات

أَبُو الحكم

هُوَ الشَّيْخ الأديب الْحَكِيم أَبُو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الْبَاهِلِيّ الأندلسي المربي
كَانَ فَاضلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة متقنا للصناعة الطبية مُتَعَيّنا فِي الْأَدَب مَشْهُورا بالشعر
وَكَانَ حسن النادرة كثير المداعبة محبا للهو والخلاعة
وَكثير من شعره يُوجد مرائي فِي أَقوام كَانُوا فِي زَمَانه أَحيَاء وَإِنَّمَا قصد بذلك اللّعب والمجون
وَكَانَ محبا للشراب مدمنا لَهُ ويعاني الخيال وَكَانَ إِذا طرب يخرج فِي الخيال ويغني لَهُ
(يَا صياد النحلة جاك الْعَمَل ... قُم اخْرُج من بكرَة هَات الْعَسَل)
وَكَانَ يعرف الموسيقى ويلعب بِالْعودِ وَيجْلس على دكان فِي جيرون للطب
ومسكنه فِي دَار الْحِجَارَة باللبادين وَله مدائح كَثِيرَة فِي بني الصُّوفِي الَّذين كَانُوا رُؤَسَاء دمشق والمتحكمين فِيهَا وَذَلِكَ فِي أَيَّام مجير الدّين أبق بن مُحَمَّد بن بوري بن أتابك طغتكين
وسافر أَبُو الحكم إِلَى بَغْدَاد وَالْبَصْرَة وَعَاد إِلَى دمشق وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته
وَتُوفِّي رَحمَه الله لساعتين خلتا من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِدِمَشْق
وَقَالَ أَبُو الْفضل بن الملحي وَكتب بهَا إِلَى أبي الحكم فِي أثْنَاء كتاب كتبه إِلَيْهِ شاكرا لفعله
(إِذا مَا جزى الله امْرَءًا بفعاله ... فجازى الْأَخ الْبر الْحَكِيم أَبَا الحكم)
(هُوَ الفيلسوف الْفَرد والفاضل الَّذِي ... أقرّ لَهُ بالحكمة الْعَرَب والعجم)
(يدبر تَدْبِير الْمَسِيح مريضه ... فَلَو راءه أبقراط زلت بِهِ الْقدَم)
(فينتاشني من قَبْضَة الدَّهْر بَعْدَمَا ... ألم بأنواع من الضّر والألم)
(وبوأني من رَأْيه خير معقل ... فبرأ من ضري وأبرا من السقم)
(وَمَا زَالَ يهديني إِلَى كل مَنْهَج ... بآراء مفضال لَهُ سنّهَا الْكَرم)
(يضيء سنا أفكارها فَكَأَنَّهَا ... شموس جلا أشراقها حندس الظُّلم)
(وَقَامَ بأَمْري إِذْ تقاعد أسرتي ... مقَام أبي فِي كرمتي أَو مقَام أم)
(وأنقض ظَهْري مَا تحامل ثقله ... ووكل بِي طرفا إِذا نمت لم ينم)
(وَضم وَلم يمنن لجسمي شفاءه ... فلولاه قد أَصبَحت لَحْمًا على وَضم)
(فَأصْبح سلمي الدَّهْر بعد حروبه ... عَلَيْهِ سَلام الله مَا أَوْرَق السّلم) الطَّوِيل
وَكَانَ أَبُو الحكم يهاجي جمَاعَة من الشُّعَرَاء الَّذين كَانُوا فِي وقته ويهاجونه وللعرقلة وَهُوَ أَبُو الندى حسان بن نمير الْكَلْبِيّ يهجو أَبَا الحكم
(لنا طَبِيب شَاعِر أشتر ... أراحنا من شخصه الله)
(مَا عَاد فِي صبحة يَوْم فَتى ... إِلَّا وَفِي بَاقِيه رثاه) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا فِيهِ
(يَا عين سحي بدمع ساكب وَدم ... على الْحَكِيم الَّذِي يكنى أَبَا الحكم)
(قد كَانَ لَا رحم الرَّحْمَن شيبته ... وَلَا سقى قَبره من صيب الديم)
(شَيخا يرى الصَّلَوَات الْخمس نَافِلَة ... ويستحل دم الْحجَّاج فِي الْحرم) الْبَسِيط
أَقُول وصف العرقلة لأبي الحكم فِي هجوه إِيَّاه بِأَنَّهُ اشْتَرِ الْعين لَهُ سَبَب وَهُوَ أَن أَبَا الحكم خرج لَيْلَة وَهُوَ سَكرَان من دَار زين الْملك أبي طَالب بن الْخياط فَوَقع فانشج وَجهه فَلَمَّا أصبح زَارَهُ النَّاس يسألونه كَيفَ وَقع فَكتب هَذِه الأبيات وَتركهَا عِنْد رَأسه فَكَانَ إِذا سَأَلَهُ إِنْسَان يُعْطِيهِ الأبيات يقْرؤهَا
(وَقعت على رَأْسِي وطارت عمامتي ... وَضاع شمشكي وانبطحت على الأَرْض)
(وَقمت وأسراب الدِّمَاء بلحيتي ... ووجهي وَبَعض الشَّرّ أَهْون من بعض)
(قضى الله إِنِّي صرت فِي الْحَال هتكة ... وَلَا حِيلَة للمرء فِيمَا بِهِ يقْضِي)
(وَلَا خير فِي قصف وَلَا فِي لذاذة ... إِذا لم يكن سكر إِلَى مثل ذَا يُفْضِي) الطَّوِيل
وَأخذ الْمرْآة فَرَأى الْجرْح فِي وَجهه غائرا تَحت الجفن بعد وقعته فَقَالَ
(ترك النَّبِيذ بوجنتي ... جرحا ككس النعجة)
(وَوَقعت منبطحا على ... وَجْهي وطارت عَمَّتي)
(وَبقيت منهتكا فَلَو ... لَا اللَّيْل بَانَتْ سوءتي)
(وَعلمت أَن جَمِيع ذَلِك ... من تَمام اللَّذَّة)
(من لي بِأُخْرَى مثل تِلْكَ ... وَلَو بحلق اللِّحْيَة) الْكَامِل
وَمن شعر أبي الحكم وديوان شعره هُوَ روايتي عَن الشَّيْخ شمس الدّين أبي الْفضل المطواع والكحال عَن الْحَكِيم أَمِين الدّين أبي زَكَرِيَّا يحيى البياسي عَن أبي الْمجد عَن وَالِده أبي الحكم الْمَذْكُور قَالَ يمدح الرئيس مؤيد الدّين أَبَا الفوراس بن الصُّوفِي
(رقت لما بِي إِذْ رَأَتْ أوصابي ... وَشَكتْ فقصر وجدهَا عَمَّا بِي)
(مَا ضرّ يَا ذَات اللما الْمَمْنُوع لَو ... داويت حر جوى بِبرد رضاب)
(من هائم فِي حبكم متقنع ... بمرار طيف أَو برد جَوَاب)
(أَن تسعفي بِالْقربِ مِنْك فَإِنَّمَا ... تحيين نفسا آذَنت بذهاب)
(لَا تنكري أَن بَان صبري بعدكم ... واعتادني ولهي لعظم مصابي)
(فالصبر فِي كل المواطن دَائِما ... مستحسن إِلَّا عَن الأحباب)
(هَيْهَات أَن يصفو الْهوى لمتيم ... لَا بُد من شهد هُنَاكَ وصاب)
(مَا لي وللحدق المراض تذيبني ... أَتَرَى لحيني وكلت بعذابي)
(وَكَذَا الْعُيُون النجل قدما لم تزل ... من شَأْنهَا الفتكات بالألباب)
(مَا لي وحظي لَا يني متباعدا ... أَدْعُو فَلَا أَنْفك غير مجاب)
(لَوْلَا رَجَاء أبي الفوارس لم أزل ... مَا بَين ظفر للخطوب وناب)
(دَعْنِي أخبر بعض مَا قد حَاز من ... شرف وَإِن أعيا ذَوي الأسهاب)
(فَلَقَد غَدا فرضا مديح مؤيد الدّين ... الْهمام على ذَوي الْآدَاب)
(من قيس عيلان نمته هوَازن ... وسليم البادون فِي الْأَعْرَاب)
(وَالْبَيْت من أَبنَاء صعصعة سما ... بُنْيَانه فِي جَعْفَر بن كلاب)
(مِنْهُم لبيد والطفيل وعامر ... وَأَبُو برَاء هازم الْأَحْزَاب)
(وَبَنُو ربيعَة إِن نسبت وخَالِد ... مِنْهُم وعَوْف فِي ذَوي الْأَنْسَاب)
(ورث الْعلَا مِنْهُم بَنو الصُّوفِي إِذْ ... قرنوا الأيادي الغر فِي الأحساب)
(وحوى الْمسيب مَا بِهِ افْتَخرُوا كَمَا ... حازت فَذَلِك جمع كل حِسَاب)
(فِي ذرْوَة الشّرف الرفيع سما بِهِ ... مجد قديم من صميم لباب)
(وَأحل أندية المكارم ناشئا ... فسما على القرناء والأضراب)
(مَا مفعم لجب طما آذيه ... وأمده منهل صوب سَحَاب)
(بأعم سيبا من نوال بنانه ... أَو مُزْبِد ذُو زخرة وعباب)
(لليث صولته على أعدائه ... بل دونه أَن صال لَيْث الغاب)
(وَله إِلَى أشياعه وعداته ... يَوْمَانِ يَوْم ندى وَيَوْم ضراب)
(يَا دولة عبق الندى والجود فِيهِ ... أرجائها من فتية انجاب)
(بشجاعها وجمالها وبعزها ... وبزينها تبقى على الأحقاب)
(حسبي بِمَا نسبوا إِلَيْهِ وَإِن غَدَتْ ... أَسمَاؤُهُم تغني عَن الألقاب)
(أكْرم بهم عربا إِذا افتخر الورى ... جاؤوا بِخَير أرومة ونصاب)
(شادوا الْعلَا بندى وَعز باذخ ... ومشارع للمعتفين عَذَاب)
(قوم ترى لِذَوي النِّفَاق لديهم ... ذل العبيد لسطوة الأرباب)
(يَا أَيهَا الْمولى الَّذِي نعماؤه ... مبذولة للطارق المتناب)
(إِنِّي لأعْلم أَن برك بِي غَدا ... لسعادتي من أوكد الْأَسْبَاب)
(وتيقنت نَفسِي هُنَاكَ بأنني ... سأرود من نعماك خير جناب)
(لَا زلت ترقى فِي المكارم دَائِما ... مَا لَاحَ برق فِي خلال سَحَاب)
وَقَالَ أَيْضا يمدح الرئيس جمال الدولة أَبَا الْغَنَائِم أَخا الممدوح
(سَوَاء علينا هجرها ووصالها ... إِذا نكثت يَوْمًا ورثت حبالها)
(وَمَا بَرحت ليلى تجود بوعدها ... وَيمْنَع منا بذلها ونوالها)
(ويطمعنا ميعادها فِي دنوها ... وَلَا وصل إِلَّا أَن يزور خيالها)
(أما مِنْك إِلَّا عذرة وتعلل ... لطال علينا عذرها واعتلالها)
(سقام بجسمي من جفونك أَصله ... وَقُوَّة عشق نقص جسمي كمالها)
(فَإِن تسعفي صبا يكن لَك أجره ... بقربك يَا من شف جسمي زيالها)
(وَمَا ذكرتك النَّفس إِلَّا تَفَرَّقت ... وعاودها من بعد هدي ضلالها)
(وَمَا بَرحت تعتادني زفرَة إِذا ... طمعت لَهَا بالبرء راث اندمالها)
(وَمن عبرات لَا يني الدَّهْر كلما ... دَعَا للهوى دَاع أجَاب أَنا لَهَا)
(تصدى الْكرَى عَن مقلتي فتنثني ... دموع على الْخَدين يهمي انسجالها)
(وَكَيف يؤاتي النّوم أَو يطْرق الْكرَى ... جفونا بِمَاء المقلتين اكتحالها)
(إِذا قلت أَنْسَاهَا على نأي دارها ... تصور فِي عَيْني وقلبي مثالها)
(ودوية تردي المطايا تنوفة ... يحار القطا فِيهَا إِذا خب آلها)
(قطعت بفتلاء الذراعين عرمس ... أمون قواها غير باد كلالها)
(تؤم بِنَا ربع الْمُسلم حَيْثُ لَا ... يخيب لَهَا سعي وينعم بالها)
(وَلَوْلَا جمال الْملك مَا جِئْتهَا وَلَا ... ترامت صحاريها بِنَا ورمالها)
(إِلَى أسرة لَا يجهل النَّاس قدرهَا ... ويحمد بَين الْعَالمين فعالها)
(إِذا أشكلت دهماء فَالرَّأْي رأيها ... وَإِن راب خطب فالمقال مقالها)
(أَو اضطرمت نَار الوغى بكماتها ... وَطَالَ عَلَيْهِم حميها واشتعالها)
(ترى لَهُم بَأْسا يقصر دونه ... أسود الشرى قدامها ونزالها)
(بِأَيْدِيهِم خطية يزنية ... تساقي بأكواب المنايا نهالها)
(وبيض تقد الدارعين صوارم ... رهاف جلا الاطباع مِنْهَا صقالها)
(وهم يطْعمُون الضَّيْف من قمع الذرى ... إِذا ناوحت نكباء ريح شمالها)
(فَمَا لبني الصُّوفِي فِي النَّاس مشبه ... ذَوي الْبَأْس وَالْأَيْدِي المهاب مصالها)
(سما لَهُم مجد قديم ورفعة ... شَدِيد عراها لَا يخَاف انحلالها)
(بني جَعْفَر فِي الْعَرَب خير قَبيلَة ... سما فِي نزار فخرها واختيالها)
(تقَابل فيهم من سليم دوابة ... كَمَا قابلت يمنى الْيَدَيْنِ شمالها)
(أيا ابْن عَليّ حزت أرفع رُتْبَة ... إِذا رامها من رامها لَا ينالها)
(بك الدولة الغراء تزهى على الورى ... وَحقّ لَهَا إِذْ أَنْت فيهاجمالها)
(وَلَو أَنَّهَا أمست سناء ورفعة ... سَمَاء علينا كنت أَنْت هلالها)
(إِذا مَا ذَوُو الشحناء أموك خيبوا ... وَعَاد عَلَيْهِم بعد ذَاك وبالها)
(سأظفر من دهري بأرغد عيشة ... بنعماك إِن فاءت عَليّ ظلالها)
(فَمَا لِذَوي الْحَاجَات عَنْك تَأَخّر ... لِأَنَّك عَم المكرمات وخالها)
(فدونكها كالدر لَا مستعارة ... فينكر مِنْهَا ضعفها واختلالها)
(وَلَكِن نتاج الْفِكر عذراء حسنها ... يروق إِذا شان القوافي انتحالها)
(فَلَا نعْمَة إِلَّا ومنك نوالها ... وَلَا مِدْحَة إِلَّا إِلَيْك مآلها) الطَّوِيل
وَقَالَ يمدح عز الدولة أَخا مؤيد الدّين
(دَعَا بك دَاعِي الْهوى فاستجب ... وَقصر عتابك عَمَّن عتب)
(فَمَا الْعَيْش إِن غيض مَاء الشَّبَاب ... وَلم يقْض من طَرفَيْهِ أرب)
(وباكر مُعتقة زانها ... مُرُور اللَّيَالِي بهَا والحقب)
(كَأَن على كأسها لؤلؤا ... إِذا مَا اسْتَدَارَ عَلَيْهَا الحبب)
(يطوف بهَا بابلي اللحاظ ... لذيذ الْمقبل عذب الشنب)
(يَقُول الَّذِي راقه حسنها ... أذي الْخمر من خَدّه تجتلب)
(وَإِلَّا فَمن أَيْن ذَا الإحمرار ... وَهَذَا الصفاء لبِنْت الْعِنَب)
(بَنَات الكروم حَيَاة الكروم ... وَمَوْت الهموم محيا الطَّرب)
(فَقل للَّذي همه أَن يرى ... كَرِيمًا ينفس عَنهُ الكرب)
(أكل امْرِئ يرتجى سيبه ... رويدك مَا النَّاس فَخر الْعَرَب)
(جواد إِذا أَنْت وفيته ... أمنت بِهِ حادثات النوب)
(فقد شاع من ذكره فِي الْأَنَام ... سوى مَا تضمن طي الْكتب)
(ثَنَاء تأرج مِنْهُ الْبِلَاد ... وَذكر فلولاه لم يغترب)
(عفاف وحلم إِلَى سؤدد ... وفخر بآباء صدق نجب)
(وَفضل وَبشر وجود يرَاهُ ... فرضا على نَفسه قد وَجب)
(فَمن قاسه بفتى عصره ... فقد قايس الدّرّ بالمختلب)
(وَمن قَالَ إِن امْرَءًا غَيره ... حوى بعض مَا حازه قد كذب)
(وَلَيْسَ الَّذِي فخره تالد ... كمن فخره طارف مكتسب)
(إِذا ذكر الصَّيْد من عَامر ... وعد مآثرها وانتسب)
(تفاخر قيس بِهِ خندفا ... وتعطيه مِنْهَا أجل الرتب)
(وَلَا سِيمَا إِن غَدا فيهم ... وَسِيطًا بأكرم أم وَأب)
(من الجعفريين فِي باذخ ... من الْعِزّ تنحط عَنهُ الشهب)
(وَعَبْدك يرغب فِي خلعة ... وَمثلك تشريفه يحْتَسب)
(ليرْفَع ذَلِك من قدره ... وَإِن كَانَ قَارب فِيمَا طلب)
(ويشحذ خاطره كلما ... اشرأب إِلَى مدحكم وانتدب)
(فلي كلما ظَفرت راحتي ... بجود المظفر أوفى أرب)
(فَفِي كل دولة أَنْت عز لَهَا ... تنَال الْأَمَانِي بِأَدْنَى سَبَب)
(لِأَنَّك من معشر من يرد ... حِيَاض مكارمهم لم يخب)
(وأعراضهم أبدا لم تزل ... تصان وَأَمْوَالهمْ تنتهب)
(هَنِيئًا لَك الْعِيد فأنغم بِهِ ... وَدم مَا بدا كَوْكَب واحتجب)
(وَمَا الْعِيد أَنْت إِذا مَا حضرت ... سَوَاء علينا نأى أَو قرب)
(وَإِن غيب الْغَيْم عَنَّا الْهلَال ... فلسنا نبالي إِذا لم تغب)
(فدونكها حرَّة تجتلى ... يناديك قَائِلهَا من كثب)
(أَتَاك بهَا إِثْر تهذيبها ... حَكِيم تنخلها وانتخب)
(وَلَا خير فِي حِكْمَة لَا ترى ... مطرزة بفنون الْأَدَب)
وَمن مطبوع قصائده الأرجوزة الَّتِي وسمها بمعرة الْبَيْت يذكر فِيهَا مَا ينَال الْإِنْسَان إِذا عمل دَعْوَة للندماء من الْمضرَّة والغرامة وَهِي هَذِه
(معرة الْبَيْت على الْإِنْسَان ... تطرا بِلَا شكّ من الإخوان)
(فاصغ إِلَى قَول أخي تجريب ... يأتك بالشرح على تَرْتِيب)
(جَمِيع مَا يحدث فِي الدَّعْوَات ... وكل مَا فِيهَا من الْآفَات)
(فَصَاحب الدعْوَة والمسره ... لَا بُد أَن يحْتَمل المضره)
(أَولهَا لَا بُد من ثقيل ... يكرههُ الْقَوْم وَذي تطفيل)
(صَاحبهَا إِن قدم الطعاما ... يحْتَاج أَن يحْتَمل الملاما)
(لَو أَنه يندس فِي حرمه ... لَا بُد أَن يشرعوا فِي ذمه)
(يَقُول بعض عازه إبزار ... وَبَعْضهمْ حافت عَلَيْهِ النَّار)
(وَآخر هَذَا قَلِيل الْملح ... يظْهر أَنِّي فطن ذُو نصح)
(ينهب مَا بَين يَدَيْهِ نهبا ... وَيشْرب المَاء القراح العذبا)
(يرى لَهُ فِي ذَلِك انتفاعا ... وَبعد ذَلِك يطْلب الفقاعا)
(بالثلج فِي الصَّيف وَفِي الشتَاء ... يلْتَمس النَّار بِلَا استحياء)
(وَإِن يعزهم أثر ذَا خلال ... قد نسلوا الْحصْر وَلم يبالوا)
(وَبعد هَذَا يحضر النَّبِيذ ... الطّيب الْمُنْتَخب اللذيذ)
(فواحد يَقُول هَذَا خل ... وَآخر ذَا قافز معتل)
(وَثمّ من يسْأَل عَن راووق ... يَقُول لَا بُد من التصفيق)
(وَعند هَذَا تحضر البواطي ... ويمزج النَّبِيذ باحتياط)
(فواحد يَقُول هَذَا صرف ... ويقلب المَاء وَلَا يكف)
(وَآخر يَقُول ذَا ممعود ... فَاجْتَنبُوا المَاء وَلَا تعودوا)
(وَالنَّقْل لَا بُد مَعَ المشموم ... فَغير مهجور وَلَا مسؤوم)
(فَذا لَهُ فِي نَقله اخْتِيَار ... يروقه الريحان وَالْخيَار)
(وَذَا يَقُول الْورْد والتفاح ... أحسن مَا دارت عَلَيْهِ الراح)
(وَإِن خشيت حجَّة المغاني ... وخوفهم من ضَامِن القيان)
(عجل وقشقل لَهُم الدينارا ... فِي الْحَال إِن كنت تخَاف العارا)
(وَرُبمَا قد حَان مِنْهُم شطحه ... تعيش أَن تنعموا بالصبحه)
(وَإِن دَعَوْت الْقَوْم فِي كانون ... لَا بُد من فَحم على كانون)
(يطير مِنْهُ أبدا شرار ... يثبت فِي الْبسط لَهَا آثَار)
(وَيُصْبِح الْبسَاط بعد الجده ... منقطا كشبه جلد الفهده)
(فضلا عَن الكباب والشرائح ... لكل غاد مِنْهُم ورائح)
(واعزل لَهُم عِنْد انْقِضَاء الْبرد ... مراوحا من بعد مَاء الْورْد)
(وللندامى أبدا فنون ... يظهرها الْخمر فتستبين)
(فَمنهمْ من يُورد الاخبارا ... عجبا لَهَا ويؤثر الاكثارا)
(منعما جشعا لَهُ بالمضغ ... وَلَيْسَ فيهم من إِلَيْهِ يصغي)
(ويمسك الدّور وينسى نَفسه ... قد غيب الأدبار عَنهُ حسه)
(وَمِنْهُم من يزن الكلاما ... تراؤسا وَيظْهر إِلَّا عظاما)
(وَمِنْهُم من يظْهر الوضاعه ... تعمدا كي تضحك الْجَمَاعَة)
(وَمِنْهُم من سكره قَبِيح ... لَا يَأْخُذ الدّور وَلَا يروح)
(وَثمّ من يدْخل وَقت السكر ... صَاح ويحصي هفوات الْخمر)
(وَمِنْهُم من فِي يَدَيْهِ خفه ... إِذا رأى شَيْئا مليحا لفه)
(منيدلا للكم أَو سكينَة ... أَو طاسة التكعيب أَو قنينة)
(وَبَعْضهمْ مُوكل بقلع ... سلاسل تسيل فَوق الشمع)
(يُوهم أَن يكسو بهَا فَتِيلَة ... وَإِنَّمَا ذَلِك مِنْهُ حيله)
(وَلَا تقل فِي الغمز والإيماء ... إِذا مضى الْقَوْم لبيت المَاء)
(فَإِن لقوا جَارِيَة أَو عبدا ... قد قرصوا نهدا وعضوا خدا)
(وَرُبمَا تطرق الْفساد ... وَكَانَ من عرس الْفَتى انقياد)
(أَو أُخْته أَو بنته أَو ابْنه ... لَا سِيمَا إِن راقهم بحسنه)
(وَعِنْدهَا قد تسمح النُّفُوس ... ويطمع النديم والجليس)
(فَإِنَّمَا الْإِنْسَان من لحم وَدم ... لَيْسَ بصخر جامد وَلَا صنم)
(وَإِن يكن فيهم أَبُو تلور ... فَغير مَأْمُون وَلَا مَعْذُور)
(يَأْكُل مَا يلقاه أكلا لما ... بِلَا اكتراث أَو يجيد اللقما)
(لَا يشرب الراح مَعَ الندامى ... لِأَنَّهُ لَا يُؤثر المداما)
(وَإِن تقع عربدة هناكا ... فَلَيْسَ يشقى فيهم سواكا)
(تنكسر الأقداح والقناني ... وَكلما لَاحَ من الْأَوَانِي)
(وَإِن تأدى الْأَمر للجيران ... رَمَوْهُ بالزور والبهتان)
(ثمَّ شكوه عَاجلا للشحنه ... وَرُبمَا تمت عَلَيْهِ محنه)
(ويربح الْإِنْسَان سوء السمعة ... لَا سِيمَا إِن كَانَ ليل جُمُعَة)
(وَإِن فَشَتْ بَينهم جراح ... فَلَيْسَ يُرْجَى للفتى صَلَاح)
(وَإِن تردى بَينهم قَتِيل ... فَذَاك شَيْء أَرْشه قَلِيل)
(وشربهم إِن كَانَ فِي عَلَيْهِ ... فَإِنَّهُ يقرب المنيه)
(وَلَا تكن تنسى أَذَى الندمان ... والقيء فَوق الْبسط فِي الأحيان)
(وَبعده يلْتَمس الطعاما ... ليوصل الشّرْب مَعَ النداما)
(وَلَا الَّذِي يلقى من النقار ... إِذا انْتَبَهت وَقت كنس الدَّار)
(من ربة الْبَيْت إِذا مَا نَامَتْ ... وَخَلفهَا الصعب إِذا مَا قَامَت)
(تذكره عِنْد طُلُوع الشَّمْس ... بِكُل مَا دَار لَهُ بالْأَمْس)
(هَذَا إِذا راحوا فَإِن أَقَامُوا ... واقتصدوا الصبوح ثمَّ نَامُوا)
(فَكيف ترجو بعد ذَا فلاحا ... إِذا بدا الصُّبْح لَهُم ولاحا)
(لوح على الْقَوْم بخندريس ... فِي أثر الجردق والرؤوس)
(واستغن عَن بعض أثاث الدَّار ... إِن صَار رهنا فِي يَد الْخمار)
(وَإِن تضع بعض نعال الْقَوْم ... فَلَيْسَ تَخْلُو عَاجلا من لوم)
(فوص أَن يحفظها الْغُلَام ... لكَي يقل مِنْهُم الملام)
(وَلَا تبال ويك بالخساره ... وَأكْثر السرج على المناره)
(وَمن أَرَادَ مِنْهُم الرواحا ... فَإِنَّهُ يستلب المصباحا)
(مستصحبا فِي يَده قرَابه ... مَمْلُوءَة يُرْضِي بهَا أَصْحَابه)
(وَلَا تفكر فِي فرَاغ الزَّيْت ... فَكل هَذَا من خراب الْبَيْت)
(فَصَاحب الدعْوَة فِي خسران ... لَا سِيمَا إِن لز بالميزان)
(وَصَاحب الْوَقْت بِغَيْر شرب ... أَحَق مَخْلُوق بصقع الجرب)
(يدل مَا يلْزمه من غرم ... أَن الْفَتى لَا شكّ دقن سرم)
(وَكَانَ من ذَا كُله غَنِيا ... لَو كَانَ شهما فطنا ذكيا)
(معرة مَا مثلهَا معرة ... تنحس من يصلى بهَا فِي كرة)
(فالشرب عِنْدِي فِي بيُوت النَّاس ... أحسن من هَذَا على الْقيَاس)
(وَبعد هَذَا كُله فالتوبة ... أوفق مَا دارت عَلَيْهِ النّوبَة) الرجز
وَقَالَ فِي الْبَصْرَة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة
(أَقُول وَقد أشرفت من نهر معقل ... على الْبَصْرَة الغراء حييت من مصر)
(أيا حبذا ساحاتها ورسومها ... وَطيب رباها لَا عرين من الْقطر)
(فكم فِيك من يَوْم لهوت وَلَيْلَة ... بمرتجة الاعطاف طيبَة النشر)
(وَإِن سفرت جنح الظلام نقابها ... رَأَيْت لَهَا وَجها يَنُوب عَن الْبَدْر) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(إِلَّا إِن شرب الراح من أوكد الْفَرْض ... على الْورْد وَالريحَان والنرجس الغض)
(وكل امْرِئ أعْطى الوضاعة حَقّهَا ... فَذَلِك فِي عَيْش لذيذ وَفِي خفض)
(وَمهما يكن بِي دَائِما من دعابة ... فَإِنِّي نقي الثَّوْب وَالنَّفس وَالْعرض)
(وَإِن على أَشْيَاء مِمَّا تريبني ... إِذا صَاحب زلت بِهِ قدم أغضي) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(مَا خير عَيْش يرتجيه امْرُؤ ... حَيَاته تُفْضِي إِلَى مَوته)
(والرزق مَضْمُون فَإِن منفس ... فَاتَ فَلَا تأس على فَوته) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(رحلت فكدرت بالبعد مَا ... صفا بدنوك والاقتراب)
(وكادت تصدع منا الْقُلُوب ... بعْدك لَوْلَا رَجَاء الإياب) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(أَلا يَا من لصب مستهام ... معنى لَا يفِيق من الغرام)
(وَكَيف يفِيق محزون كئيب ... أضرّ بجسمه طول السقام) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(وَيْح المحبين لَيْت لَا خلقُوا ... مَا برحوا فِي الْعَذَاب مذ عشقوا)
(وَلَا رجوا رَاحَة وَلَا فَرحا ... إِلَّا وسدت عَلَيْهِم الطّرق) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا
(ترى درا يُحِيط بِهِ عقيق ... إِذا أبدت ثناياها العذابا)
(وَمَا زَان الخضاب لَهَا بنانا ... وَلَكِن كفها زَان الخضابا) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(قلت لَهَا إِذا عيرتني ضنى ... مَعَ انحناء الظّهْر والارتعاش)
(لَا تهزئي إِن وهنت أعظمي ... حبك مِنْهَا دَاخل فِي المشاش) السَّرِيع
وَقَالَ لغزا فِي عبد الْكَرِيم
(بمهجتي يَا صَاح أفدي الَّذِي ... تيمني تفتير عَيْنَيْهِ)
(صرت لَهُ ثلث اسْمه طَائِعا ... وَهُوَ بوصلي ضد ثُلثَيْهِ)
(كَأَنَّمَا وجنته إِذْ بَدَت ... أنجم خيلان بخديه)
(هِلَال تمّ والثريا لَهُ ... مقلوب مَا يشبه صدغيه) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا لغزا فِي اسْم شفتر وَهُوَ لقب لأبي الْمَعَالِي السّلمِيّ الشَّاعِر
(غزال من بني الْأَصْفَر ... سباني طرفه الأحور)
(لقد فَضله الله ... بِحسن الدل والمنظر)
(بِحَق الشفع وَالْوتر ... وَمَا قد ضمنا كوثر)
(فَهَذَا اسْم قضى الرَّحْمَن ... أَن يلغز أَو يستر) الهزج
وَقَالَ يهجو الطَّبِيب المفشكل الْيَهُودِيّ على سَبِيل المرثية
(أَلا عد عَن ذكرى حبيب ومنزل ... وعرج على قبر الطَّبِيب المفشكل)
(فيا رَحْمَة الله استهيني بقبره ... وكوني عَن الشَّيْخ الوضيع بمعزل)
(وَيَا مُنْكرا جود هديت قذاله ... بمقنعة وأسقله سقل السجنجل)
(وكبكبه فِي قَعْر الْجَحِيم بوجبة ... كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من عل)
(فَلَا زَالَ وكاف تزجيه دِيمَة ... عَلَيْهِ بمنهل من السلح مُسبل)
(لقد حَاز ذَاك اللَّحْد أَخبث جيفة ... وأوضع ميت بَين ترب وجندل)
(سأسبل من بَطْني عَلَيْهِ مدامعي ... وَأوردهُ من مَائِهَا شَرّ منهل)
(لَعَلَّ أَبَا عمرَان حن لشخصه ... وَقَالَ لَهُ أسْرع إِلَيّ وَعجل)
(فَمَا ضم بطن الأَرْض أنجس مِنْهُمَا ... وأنذل من رَهْط الغوي السموأل) الطَّوِيل
وَقَالَ يهجو الأديب نصير الْحلَبِي أَيْضا على سَبِيل المرثية وَكَانَ نصير قد اشْتغل بِالْكِتَابَةِ وَتعرض للشعر والطب والنجوم
(يَا هَذِه قومِي اندبي ... مَاتَ نصير الْحلَبِي)
(يرحمه الله لقد ... كَانَ طَوِيل الذَّنب)
(قد ضجت الْأَمْوَات فِي ... نكهته فِي الترب)
(وودهم لَو عوضوا ... مِنْهُ بكلب أجرب)
(وَالْقَوْم بَين صارخ ... وممعن فِي الْهَرَب)
(ومنكر يَقُول ذَا ... أوضع ميت مر بِي)
(مَا ضم بطن الأَرْض ... بَين شرقها وَالْمغْرب)
(أَخبث مِنْهُ طِينَة ... فِي عجمها وَالْعرب)
(يَا قوم مَا أنجسه ... نصبا على التَّعَجُّب)
(أَوْصَافه من فحشه ... مسطورة فِي الْكتب)
(وَقَوله لمنكر ... أسرفت يَا معذلي
(اما علمت أنني ... شيخ لأهل الادب)
(والنحو وَالْحكمَة ... والمنطق والتطبب) الرجز
وَقَالَ يهجو ملك النُّحَاة
(لقب هَب من باذهنك الورك ... نسيم على عارضي ذَا الْملك)
(وَأَقْبل سيل على اثره ... فَصَارَ على وَجهه مرتبك)
(كَمَا درج المَاء مر الصِّبَا ... ودبج أفق السَّمَاء الحبك) المتقارب
وَقَالَ يهجو أَبَا الْوَحْش الشَّاعِر
(اذا رمت ان أهجو أَبَا الْوَحْش عاقني ... خلائق لؤم عَنهُ لَا تتزحزح)
(تجَاوز حد الذَّم حَتَّى كَأَنَّهُ ... بأقبح مَا يهجى بِهِ الْمَرْء يمدح) الطَّوِيل
وَقَالَ يهجوه أَيْضا
(ان دَامَ فِي غيه وحيش ... وَلم يدع افكه وظلمه)
(سلقت آذانه بعنز ... قد أكلُوا فِي الْحجاز لَحْمه) الْبَسِيط
وَقَالَ ايضا
(لنا صديق جَفا وازور جَانِبه ... قد أوجعتني يَدي مِمَّا أعاتبه)
(ان قيل لي صفه يَوْمًا قلت ذَاك فَتى ... يُحْصى الْحَصَى قبل أَن تحصى مثالبه) الْبَسِيط
وَقَالَ يهجو عليان الْمَعْرُوف بالعكاز الْحلَبِي
(شكا الينا العكاز داءه ... فَلم يجد عندنَا دواءه)
(لَان دَاء الْبغاء أعيا ... كل امْرِئ يَبْتَغِي شفاءه) الْبَسِيط
وَقَالَ ايضا
(اذا عنيت بمحموم نظمت لَهُ ... بَيْتا فان زَاد شَيْئا عَاد مفلوجا)
(فَقل لقوم رَأَوْا طبي لَهُم فرجا ... ليهنهم ان غَدا بالشعر ممزوجا)
(يفرج الْهم عَن أحشاء ذِي حرق ... مضنى ويطعمه فِي الْحَال فروجا) الْبَسِيط
وَقَالَ فِي الشجَاعَة
(ارى الْحَرْب تكسبني نجدة ... اذ خامر الْقلب تذكارها)
(فان أَنا فِي النّوم أبصرتها ... تبين فِي الْفرش آثارها) المتقارب
وَقَالَ فِي قصيدته الَّتِي سَمَّاهَا ذَات المناقب
(ومعشر قد جعلوني قدوة ... يرونني فِيمَا اعاني أوحد)
(تركت أعمارهم اذ ركنوا ... الي فِي الطِّبّ كاعمار الجدا) الرجز
وَقَالَ أَيْضا
(سأظهر فِي اصلاح شأني تغافلا ... ليعذرني من ظن أَنِّي ذُو جهل)
(واهزل مهما قلت شعرًا فان بَدَت ... بِهِ ركة يَوْمًا أحلّت على الْهزْل) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(وطارق ليل أمني بعد هجعة ... فمتعت جَنْبَيْهِ بعجراء من سلم)
(فَلَو سَمِعت اذناك تحتي عواءه ... لَقلت ابْن آوى عج فِي حندس الظُّلم)
(وَقلت لَهُ لَوْلَا شقاؤك لم تسر ... بلَيْل وَلم تحلل بِربع أبي الحكم) الطَّوِيل
وَقَالَ
(لما أَدْرَكته الْوَفَاة فِي ذِي الْقعدَة سنة تسعه وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
(يَا لهف نَفسِي اذا ادرجت فِي الْكَفَن ... وغيبوني عَن الاهلين والوطن)
(وَقيل لَا يبعدن من كَانَ ينشدنا ... أَنا الَّذِي نظر الاعمى فَلم يرني) الْبَسِيط
ثمَّ أنْشد يَوْم الثُّلَاثَاء قبل وَفَاته وَأمر وَلَده أَبَا الْمجد ان يَرْوِيهَا بعد مَوته عَنهُ
(نَدِمت على موتِي وَمَا كَانَ من امري ... فيا لَيْت شعري من يرثيكم بعدِي)
(واني لاختار الرُّجُوع لَو انني ... أرد وَلَكِن لَا سَبِيل الى الرَّد)
(وَلَو كنت أَدْرِي انني غير رَاجع ... لما كنت قد اسرعت سيرا الى اللَّحْد)
(أَلا هَل من الْمَوْت المفرق من بُد ... وَهل لزمان قد تسلف من رد)
(مضى الاهل والاحباب عني وودعوا ... وغودرت فِي دهماء موحشة وحدي)
(لبَعض على بعض لديكم مزية ... وَلَا يعرف الْمولى لدينا من العَبْد)
(لَئِن كنت قد أفرحتكم بمنيتي ... وسركم موتِي وآنسكم فقدي)
(فدقيوس تلميذي عَلَيْكُم خليفتي ... رضيت بِهِ فِي الْهزْل بعدِي وَفِي الْجد)
(فها أَنا قد وليته الامر فاعلموا ... وَعَما قَلِيل سَوف أسْكنهُ عِنْدِي)
(وَلَا تقنطوا من رَحْمَة الله بعد ذَا ... فَلَيْسَ لنا من رَحْمَة الله من بُد)
ولابي الحكم من الْكتب ديوَان شعره وَسمي ديوانه هَذَا نهج الوضاعة
أَبُو الْمجد بن أبي الحكم

هُوَ أفضل الدولة أَبُو الْمجد مُحَمَّد بن أبي الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الْبَاهِلِيّ من الْحُكَمَاء الْمَشْهُورين وَالْعُلَمَاء الْمَذْكُورين والأفاضل فِي الصِّنَاعَة الطبية والاماثل فِي علم الهندسة والنجوم وَكَانَ يعرف الموسيقى ويلعب بِالْعودِ ويجيد الْغناء والايقاع وَالزمر وَسَائِر الْآلَات وَعمل أرغنا وَبَالغ فِي اتقانه وَكَانَ اشْتِغَاله على وَالِده وعَلى غَيره بصناعة الطِّبّ وتميز فِي علمهَا وعملها وَصَارَ من الاكابر من أَهلهَا وَكَانَ فِي دولة السُّلْطَان الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي رَحمَه الله وَكَانَ يرى لَهُ ويحترمه وَيعرف مِقْدَار علمه وفضله
وَلما أناشأ الْملك الْعَادِل نور الدّين البيمارستان الْكَبِير جعل أَمر الطِّبّ إِلَيْهِ فِيهِ وَأطلق لَهُ جامكية وجراية وَكَانَ يتَرَدَّد اليه ويعالج المرضى فِيهِ
وحَدثني شمس الدّين أَبُو الْفضل بن أبي الْفرج الكحال الْمَعْرُوف بالمطواع رَحمَه الله انه شَاهده فِي البيمارستان وان أَبَا الْمجد بن أبي الحكم كَانَ يَدُور على المرضى بِهِ ويتفقد أَحْوَالهم وَيعْتَبر امورهم وَبَين يَدَيْهِ المشارفون والقوام لخدمة المرضى فَكَانَ جَمِيع مَا يَكْتُبهُ لكل مَرِيض من المداواة وَالتَّدْبِير لَا يُؤَخر عَنهُ وَلَا يتوانى فِي ذَلِك قَالَ وَكَانَ بعد فَرَاغه من ذَلِك وطلوعه إِلَى القلعة وافتقاده المرضى من أَعْيَان الدولة يَأْتِي وَيجْلس فِي الايوان الْكَبِير الَّذِي للبيمارستان وجميعه مفروش ويحضر الِاشْتِغَال وَكَانَ نور الدّين رَحمَه الله قد وقف على هَذَا البيمارستان جملَة كَبِيرَة من الْكتب الطبية وَكَانَت فِي الخرستانين اللَّذين فِي صدر الايوان فَكَانَ جمَاعَة من الاطباء والمشتغلين يأْتونَ اليه ويقعدون بَين يَدَيْهِ ثمَّ تجْرِي مبَاحث طبية ويقرئ التلاميذ وَلَا يزَال مَعَهم فِي اشْتِغَال ومباحثة وَنظر فِي الْكتب مِقْدَار ثَلَاث سَاعَات ثمَّ يركب الى دَاره وَتُوفِّي أَبُو الْمجد بن أبي الحكم بِدِمَشْق فِي سنة وَخَمْسمِائة
ابْن البذوخ

هُوَ أَبُو جَعْفَر عمر بن عَليّ بن البذوخ القلعي المغربي كَانَ فَاضلا خَبِيرا بِمَعْرِِفَة الارجدوية المفردة والمركبة وَله حسن نظر فِي الِاطِّلَاع على الامراض ومداواتها واقام بِدِمَشْق سنينا كَثِيرَة وَكَانَت لَهُ دكان عطر باللبادين يجلس فِيهِ ويعالج من يَأْتِي إِلَيْهِ أَو يستوصف مِنْهُ
وَكَانَ يُهَيِّئ عِنْده ادوية كَثِيرَة مركبة يصنعها من سَائِر المعاجين والاقراص والسفوفات وَغير ذَلِك يَبِيع مِنْهَا وَينْتَفع النَّاس بهَا
وَكَانَ معتنيا بالكتب الطبية وَالنَّظَر فِيهَا وَتَحْقِيق مَا ذكره المتقدمون من صفة الامراض ومداواتها
وَله حواش على كتاب القانون لِابْنِ سينا
وَكَانَ لَهُ ايضا اعتناء بِعلم الحَدِيث ويشعر وَله رجز كثير إِلَّا ان اكثر شعره ضَعِيف منحل
وَعمر عمرا طَويلا وَضعف عَن الْحَرَكَة حَتَّى انه كَانَ لم يَأْتِ الى دكانه إِلَّا مَحْمُولا فِي محفة
وَعمي فِي آخر عمره بِمَاء نزل فِي عينه لانه كَانَ كثيرا يغتذي بِاللَّبنِ ويقصد بذلك ترطيب بدنه وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي سنة خمس أَو سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة
وَمن شعر ابْن البذوخ قَالَ وَهُوَ من قصيدة كَبِيرَة لَهُ فِي ذكر الْمَوْت والمعاد فَمن مختارها
(يَا رب سهل لي الْخيرَات افعلها ... مَعَ الانام بموجودي وامكاني)
(فالقبر بَاب الى دَار الْبَقَاء وَمن ... للخير يغْرس أثمار المنى جاني)
(وَخير انس الْفَتى تقوى بِصَاحِبِهِ ... وَالْخَيْر يَفْعَله مَعَ كل انسان)
(يَا ذَا الْجَلالَة والاكرام يَا املي ... اختم بِخَير وتوحيد وايمان)
(ان كَانَ مولَايَ لَا يرجوك ذُو زلل ... بل من أطاعك من للمذنب الْجَانِي)
(عشر الثَّمَانِينَ يَا مولَايَ قد سلبت ... أنوار عَيْني وسمعي ثمَّ اسناني)
(لَا استطيع قيَاما غير مُعْتَمد ... مَا بَين اثْنَيْنِ شكوائي لرحماني)
(وَمَا بَقِي فِي لذيذ يستلذ بِهِ ... لي لَذَّة غير تنصيت لقرآن)
(أَو شَرحه أَو شروحات الحَدِيث وَمَا ... يخْتَص بالطب اَوْ تفكيه لقرآن)
(فالشيخ تعميره يُفْضِي الى هرم ... يذله اَوْ عمى اَوْ دَاء ازمان)
(فموته ستره اذ لَا محيص لَهُ ... عَن الْمَمَات فكم يبْقى لنُقْصَان)
(نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ الْحَيَاة وَمن ... شَرّ الْمَمَات وَشر الانس والجان)
(ان الشُّيُوخ كأشجار غَدَتْ حطبا ... فَلَيْسَ يُرْجَى لَهَا توريق اغصان)
(لم يبْق فِي الشَّيْخ نفع غير تجربة ... وَحسن رَأْي صفا من طول أزمان)
(يَا خَالق الْخلق يَا من لَا شريك لَهُ ... قد جِئْت ضيفا لتقريني بغفران)
(مولَايَ مَالِي سوى التَّوْحِيد من عمل ... فاختم بِهِ منعما يَا خير منان) الْبَسِيط
وَقَالَ فِي مدح كتب جالينوس
(اكرم بكتب لِجَالِينُوسَ قد جمعت ... مَا قَالَ بقراط والماضون فِي الْقدَم)
(كديسقوريدس علم الدَّوَاء لَهُ ... مُسلم عِنْد اهل الطِّبّ فِي الامم)
(فالطب عَن ذين مَعَ بقراط منتشر ... من بعدهمْ كانتشار النُّور فِي الظُّلم)
(بطبهم تقتدي الافكار مشرقة ... ترى ضِيَاء الشفا فِي ظلمَة السقم)
(لَا تبتغي فِي شِفَاء الدَّاء غَيرهم ... فان وجدانه فِي الطِّبّ كَالْعدمِ)
(لانهم كملوا مَا اصلوه فَمَا ... يحْتَاج فيهم الى اتمام غَيرهم)
(الا الدَّوَاء فَمَا تحصى مَنَافِعه ... وعده كَثْرَة فِي الْعَرَب والعجم)
(عد النُّجُوم نَبَات الارض اجمعها ... من ذَا يعد جَمِيع الرمل والأكم)
(فِي كل يَوْم ترى فِي الارض معْجزَة ... من التجارب والآيات وَالْحكم)
وَلابْن البذوخ من الْكتب شرح كتاب الْفُصُول لابقراط ارجوزة
شرح كتاب تقدمة الْمعرفَة لابقراط ارجوزة
كتاب ذخيرة الالباء
الْمُفْرد فِي التَّأْلِيف عَن الْأَشْبَاه
حواش على كتاب القانون لِابْنِ سينا
حَكِيم الزَّمَان عبد الْمُنعم الجلياني

هُوَ حَكِيم الزَّمَان أَبُو الْفضل عبد الْمُنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الاندلسي الجلياني كَانَ عَلامَة زَمَانه فِي صناعَة الطِّبّ والكحل وأعمالهما بارعا فِي الادب وصناعة الشّعْر وَعمل المديحات أَتَى من الاندلس الى الشَّام
وَأقَام بِدِمَشْق الى حِين وَفَاته وَعمر عمرا طَويلا وَكَانَت لَهُ دكان فِي اللبادين لصناعة الطِّبّ
وَكَانَ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب يرى لَهُ ويحترمه
وَله فِي صَلَاح الدّين مدائح كَثِيرَة وصنف لَهُ كتبا وَكَانَ لَهُ مِنْهُ الاحسان الْكثير والانعام الوافر
وَكَانَ حَكِيم الزَّمَان عبد الْمُنعم يعاني ايضا صناعَة الكيمياء
وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي سنة وسِتمِائَة وَخلف وَلَده عبد الْمُؤمن بن عبد الْمُنعم وَكَانَ كحالا ويشعر ايضا وَيعْمل مديحات
وخدم بصناعة الْكحل الْملك الْأَشْرَف أَبَا الْفَتْح مُوسَى بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَتُوفِّي بِمَدِينَة الرها فِي سنة وَعشْرين وسِتمِائَة
وَمن شعر حَكِيم الزَّمَان عبد الْمُنعم الجلياني مِمَّا نقلته من خطه وَهُوَ ايضا مِمَّا سمعته من أبي قَالَ انشدني الْحَكِيم عبد الْمُؤمن الْمَذْكُور فَمن ذَلِك قَالَ يمدح الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين ابا المظفر يُوسُف بن ايوب ووجهها اليه من مَدِينَة دمشق الى مخيمه الْمَنْصُور بِظَاهِر عكا وَهُوَ محاصر للفرنج المحاصرين لمدينة عكا فعرضت عَلَيْهِ فِي شهر صفر سنة سبع وَثَمَانِينَ وخمسائة وَهَذِه القفصيدة تسمى التُّحْفَة الجوهرية
(رفاهية الشهم اقتحام العظائم ... طلابا لعز اَوْ غلابا لضائم)
(فَلم يحظ بالعلياء من هاب صدمة ... فغض عنانا دون قرع الصوارم)
(فَأَي اتضاح كَانَ لَا بعد مُشكل ... وَأي انفساح بَان لَا عَن مآزم)
(هِيَ الهمة الشماء تلحظ غَايَة ... فترمي اليها عَن قسي العزائم)
(فَمَا انساح سرب لم يصل سَبَب الْعلَا ... وَلَا ارْتَاحَ ندب لم يصل بصوارم)
(فَلَيْسَ بحي سالك فِي خسائس ... وَلَيْسَ بميت هَالك فِي مَكَارِم)
(وَمَا النَّاس إِلَّا راحلون وَبينهمْ ... رجال ثوت آثَارهم كالمعالم)
(بعزة بَأْس واطلاع بَصِيرَة ... وهزة نفس واتساع مراحم)
(حظوظ كَمَال اظهرت من عجائب ... بِمِرْآة شخص مَا اختفى فِي العوالم)
(وَمَا يَسْتَطِيع الْمَرْء يخْتَص نَفسه ... الا انما التَّخْصِيص فَقَسمهُ رَاحِم)
(وَأعظم أهل الْفضل من سَاد بالقوى ... فقاد بسبق الطَّبْع أقوى الأعاظم)
(ترى ضمت الأفلاك ملكا كيوسف ... من الْجَبَل اللَّاتِي خلت فِي الأقادم)
(فَمَا مثل ملك ساسه فِي أحادث ... وَلَا مثل حَرْب هاجها فِي ملاحم)
(أباني دَار الْعدْل فِي مارق الوغى ... بمسرب آن من دِمَاء الغواشم)
(فديتك من معل لدينك مبتن ... وأفديك من مبل لضدك هَادِم)
(فَأَنت الَّذِي أيقظت حزب مُحَمَّد ... جهادا وهم فِي غَفلَة المتناوم)
(فحاربت للأيمان لَا لضغائن ... ورابطت للرضوان لَا لمغانم)
(أجدك لن يَنْفَكّ يضْرب هَكَذَا ... قبابك حَيْثُ أشتك سدم الهاذم)
(وَفِي حجرات النَّقْع سيح صوارخ ... كأمواج لج للهضاب ملاطم)
(ومقلعة أمراسها وشراعها ... عنان وخفاق بصعدة داهم)
(فيكف رست فِيهَا خيامك إِذْ جرت ... سفين كَمَاء فِي بحار شياظم)
(فَلم يبْق إِلَّا ملتق بأسنة ... وَلَا يلق إِلَّا متق بحيازم)
(فَلَا طُنب إِلَّا توثب مقدم ... وَلَا وتد إِلَّا تجلد عَارِم)
(فدارك والأبطال ثارت حيالها ... مقرّ سرُور فِي مفر مآثم)
(لِأَنَّك فِيهَا إِذْ هفوا جَالس على ... سَرِير ثبات مطمئن القوائم)
(وَإنَّك فيهم إِذْ سطوا خالس طلي ... كَبِير نياب مرجحنا الشكائم)
(فَأَنت المليك النَّاصِر الْحق ممعنا ... يرى دهم شوق الْحَرْب مهد النواعم)
(أتعشقك الهيجاء أم أَنْت عاشق ... لَهَا فِي وصال من حبيبين دَائِم)
(شتاء وصيفا لَا نزال نرَاك فِي ... مسَاء وصبح كآذان الملازم)
(فهجرت حَتَّى قيل لَيْسَ بقائل ... وَبَيت حَتَّى قيل لَيْسَ بنائم)
(وأرجفت روما إِذْ خرقت فرنجة ... فَكَانُوا غثاء فِي سيول الهزائم)
(كددتهم أَعلَى التلال كَأَنَّهُمْ ... ضباب كدا فزت لأضباب حاطم)
(وفيت لَهُم حَتَّى أحبوك ساطيا ... فهم ووفاء الْعَهْد قيد المخاصم)
(فخانوا فحابوا فانتدوا فتلاوموا ... فَقَالُوا خذلنا بارتكاب الجرائم)
(وَخص صَلَاح الدّين بالنصر إِذْ أَتَى ... بقلب سليم راحما للمسالم)
(فحطوا بأرجاء الهياكل صُورَة ... لَك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم)
(يدين لَهَا قس ويرقى بوصفها ... ويكتبه يشفى بِهِ فِي التمائم)
(يعجل للمرء الْجَزَاء بِفِعْلِهِ ... فطوبى لصبار وبؤس لآثم)
(وَقد يفْسد الْحر الْكَرِيم جليسه ... وتضعف بالإيهام قُوَّة حَازِم)
(إِذا لج لوم من سَفِيه لراشد ... توهم رشدا فِي سفاهة لائم)
(عجبت من الْإِنْسَان يعجب وَهُوَ فِي ... نقائص أَحْوَال قسيم السوائل)
(يرى جَوْهَر النَّفس الطليق فيزدهي ... وَيذْهل عَن أَعْرَاض جسم لَوَازِم)
(دُيُون اضطرار تَقْتَضِي كل سَاعَة ... فتنقرض الْأَعْمَار بَين المغارم)
(وكل فمغمرور بحب حَيَاته ... ويغريه بالأدنى خَفَاء الْخَوَاتِم)
(وجماع مَال لَا انْتِفَاع لَهُ بِهِ ... كَمَا مص مَشْرُوطًا زجاج المحاجم)
(يفِيض وَمَا أوعاه يرعاه مهدفا ... لرشفة صَاد أَو لرشفة صادم)
(وَمن عرف الدُّنْيَا تَيَقّن أَنَّهَا ... مَطِيَّة يقظان وطيفة حالم)
(فَللَّه ساع فِي مناهج طَاعَة ... لِإِيلَافِ عدل أَو لإتلاف ظَالِم)
(أفاتح بَيت الْقُدس سَيْفك مفتح ... لقفل الْهدى مغلاق بَاب المآثم)
(فحكمت فِي الضدين غير معَارض ... فاحكمت فِي نفر الوغى المتخاصم)
(فأطلقت تركا فِي ظُهُور سوابح ... وأغربت شركا فِي بطُون القشاعم)
(غَدَاة قدحت الْبيض فِي آل أصفر ... فَلم يبْق زند مِنْهُم فِي معاصم)
(وَإِذ درجوا كالرمل أعجز عدَّة ... إِلَى تل عكا كالدبى المتراكم)
(وكالنحل ملتفا كوارثه هوى ... من التل تخشى مِنْهُم كالمرادم)
(كَأَن لَهُم فِي تل عكا مصادة ... يحاش لَهَا أسراب وَحش سوائم)
(فسرب كسير موبق فِي حفائر ... وسرب حسير مرهق فِي مقاحم)
(فكم ملك مِنْهُم أَتَاهَا بِكَثْرَة ... فَزَادَهُم نقصا زِيَادَة عادم)
(يشقون من أسبان أثباج زاخر ... وَمن رومة الْكُبْرَى فجاج مخارم)
(فهالوا بنجدي جاريات ووخد ... وذابوا بحدي مخدم لَك هاضم)
(غسلت الطّراز الْأَخْضَر الرقم مِنْهُم ... بِصَوْت نجيع أَحْمَر الْقطر ساجم)
(وَلَو أنبت المرج النُّفُوس لأينعت ... بِمَا ساح فِيهِ عَن حَشا وغلاصم)
(قليب كلى يسقى بإشطان ذابل ... وَعين طلى تجْرِي بميزاب صارم)
(وأضلع فرسَان نعال سوابك ... وأرؤس أَعْيَان غواشي البراجم)
(كَذَا فليرصع جَوْهَر القَوْل متحف ... بِهِ لمليك مثل يُوسُف عَالم)
(فَتى ذهنه يَرْمِي بشهب خواطر ... تشق دجون المغمضات العواتم)
(يهاب رَقِيق الشّعْر رقة طبعه ... كَمَا هاب مِنْهُ الْيَأْس غلب الضراغم)
(وينتحل الوصاف رونق نَعته ... كَمَا انتحلت جدواه وَطف الغمائم)
(وَمَا زلت أجلو من حلاه عرائسا ... يظل بهَا أهل النهى فِي ولائم)
(بمنتظم التَّفْضِيل طلق كَأَنَّهُ ... مفلج ثغر مستنير المباسم)
(معَان كبهر السحر فِي قعد نَاظر ... وَلَفظ كشذر التبر فِي عقد ناظم)
(سما عَن حضيض الشّعْر فِي أوج حِكْمَة ... وَجل بصاحي الْفِكر عَن نهج هائم)
(ستنسى بذكراه أقاويل من مضى ... وينبت نورا شَائِعا فِي الأقالم)
(كَمَا شاع هَذَا الْأَمر فِي الْخلق مزريا ... بتبع إِعْرَاب وكسرى أعاجم)
(ففرضا أرى مدحي لَهُ متجنبا ... مديح سواهُ كاجتناب الْمَحَارِم)
(وَلَيْسَ اجتداء بل تَحِيَّة شَاكر ... وتأييد آثَار وتأييد عازم)
(فيا خير قوام على خير مِلَّة ... يكافح عَنْهَا كل ألب مقاوم)
(تمسك بِحَبل الله معتصما بِهِ ... فَلَيْسَ سواهُ نَاصِر نصر عَاصِم)
(تمسك بِمن أَعْطَاك مَا قد رجوته ... ويعطيك مَا ترجو لحسنى الْخَوَاتِم)
(بعثت بهَا والشوق يقدم ركبهَا ... إِلَى مجْلِس فِيهِ منى كل قادم)
(بعيد المدى عدن الجدا نَار من عدا ... مُفِيد الْهدى مَرْوِيّ صدى كل حائم)
(سَلام على ذَاك الْمقَام الَّذِي بِهِ ... أقيم عَمُود المكرمات العظائم) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(أتاح لَهُ نَجوَاهُ بعض شقائه ... فباح بِمَا أخفاه من برحائه)
(مَتى لمحت عين العليل طبيبه ... فَلَا بُد أَن يومي إِلَيْهِ بدائه)
(وَكم فِي الْهوى من مكتس برد وجده ... وملتحف من دائه بردائه)
(سباه حبيب غَابَ فِي فيض حسنه ... فأعشى عيُونا أولعت ببهائه)
(وَلَيْسَ لَهُ ثَان يلاذ بِهِ فَمن ... حواه هَوَاهُ لم يزل فِي حوائه) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(على سوق شوقي تستقل الركائب ... وَعَن صون دمعي تستهل السحائب)
(فَمَا الْبَرْق إِلَّا من حنيني نابض ... وَلَا الرَّعْد إِلَّا من أنيني نادب)
(نأيتم فَلَا صَبر من الْقلب حَاضر ... لدي وَلَا قلب عَن الذّكر غَائِب)
(فَفِي كل وَقت لي إِلَيْكُم تطلع ... وَفِي كل حَال لي عَلَيْكُم معاتب)
(وَيَا لَيْت شعري بَعدنَا من صحبتم ... فَمَا بعدكم غير الْهوى لي صَاحب) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(بذلت وقتا للطب كَيْلا ... ألْقى بني الْملك بالسؤال)
(فَكَانَ وَجه الصَّوَاب لي أَن ... أصون نَفسِي بالابتذال)
(لَا بُد للجسم من قوام ... فَخذه من جَانب اعْتِدَال)
(واقرب من الْعِزّ فِي اتضاع ... واهرب من الذل فِي الْمَعَالِي) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(يَا مُنكر الْمسْح إِذْ رَآهُ ... أحسن مِمَّا قد اقتناه)
(اصبر لَهُ أَرْبَعِينَ يُمْسِي ... أنعم للجسم من سواهُ)
(لَا يَسْتَقِيم المريد حَتَّى ... يقوى قواه على هَوَاهُ) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(أقبل ذُو دولة فَقَالُوا ... لمثل ذَا فَاتخذ ملاذا)
(فَقلت للحاضرين حَولي ... أجائز أَن يَمُوت هَذَا)
(قَالُوا نعم قلت فَهُوَ طل ... يعطش من ظَنّه رذاذا)
(قد ذل من لَاذَ بالفواني ... وَعز من بالقديم لاذا) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(من لم يسل عَنْك فَلَا تسألن ... عَنهُ وَلَو كَانَ عَزِيز النَّفر)
(وَكن فَتى لم تَدعه حَاجَة ... إِلَى امتهان النَّفس إِلَّا نفر) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تصدق عَلَيْك عقد صدَاق ... واغن بالمطل فِيهِ عَن ترويج)
(وَمَتى مَا ذكرت يَوْم الْخطب ... فلتكن خطْبَة بِلَا تَزْوِيج) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا نرى نَفرا عِنْد الْمُلُوك سموا ... وَمَا لَهُم همة تسمو وَلَا ورع)
(وَأَنت ذُو همة فِي الْفضل عالية ... فَلم ظمئت وهم فِي الجاه قد كرعوا)
(فَقلت باعوا نفوسا واشتروا ثمنا ... وصنت نَفسِي فَلم اخضع كَمَا خضعوا)
(قد يكرم القرد إعجابا بخسته ... وَقد يهان لفرط النخوة السَّبع) الْبَسِيط
ولحكيم الزَّمَان عبد الْمُنعم الجلياني عدَّة من الْكتب
فَمَا قَالَه من منظوم الْكَلَام ومطلقه عشرَة دواوين الأول ديوَان الحكم وميدان الْكَلم يشْتَمل على الْإِشَارَة إِلَى كل غامض الْمدْرك من الْعلم وَإِلَى كل صَادِق المنسك من الْعَمَل وَإِلَى كل وَاضح المسلك من الْفَضِيلَة وَهُوَ نظم وَالثَّانِي ديوَان المشوقات إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى وَهُوَ نظم
وَالثَّالِث ديوَان أدب السلوك وَهُوَ كَلَام مُطلق يشْتَمل على مشارع كَلِمَات الْحِكْمَة المبصرات
وَالرَّابِع كتاب نَوَادِر الْوَحْي وَهُوَ يشْتَمل على كَلَام حِكْمَة مُطلق فِي غَرِيب معَان من الْقُرْآن الْعَظِيم وَمن حَدِيث الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْخَامِس كتاب تَحْرِير النّظر وَهُوَ يشْتَمل على كَلِمَات حِكْمَة الْمُفْردَات فِي البسائط والمركبات والقوى والحركات
وَالسَّادِس كتاب سر البلاغة وصنائع البديع فِي فصل الْخطاب
وَالسَّابِع ديوَان الْمُبَشِّرَات والقدسيات وَهُوَ نظم وتدبيج وَكَلَام مُطلق يشْتَمل على وصف الحروب والفتوح الْجَارِيَة على يَد صَلَاح الدّين أبي المظفر يُوسُف بن أَيُّوب فاتح مَدِينَة الْبَيْت الْمُقَدّس فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
وَالثَّامِن ديوَان الْغَزل والتشبيب والموشحات والدوبيتي وَمَا يتَّصل بِهِ منظوما
وَالتَّاسِع ديوَان تشبيهات وألغاز ورموز وأحاجي وأوصاف وزجريات وأغراض شَتَّى منظوما
والعاشر ديوَان ترسل ومخاطبات فِي معَان كَثِيرَة وأصناف من الْخطب والصدور والأدعية
وَله أَيْضا من الْكتب كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر من خَصَائِص الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب أَلفه فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
تعاليق فِي وصفات أدوية مركبة













مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید