المنشورات

موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ

هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل موفق الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد اللَّطِيف بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي سعد وَيعرف بِابْن اللباد
موصلي الأَصْل بغدادي المولد
كَانَ مَشْهُورا بالعلوم متحليا بالفضائل مليح الْعبارَة كثير التصنيف
وَكَانَ متميزا فِي النَّحْو واللغة الْعَرَبيَّة عَارِفًا بِعلم الْكَلَام والطب
وَكَانَ قد اعتنى كثيرا بصناعة الطِّبّ لما كَانَ بِدِمَشْق واشتهر بعلمها
وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ جمَاعَة من التلاميذ وَغَيرهم من الْأَطِبَّاء للْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَكَانَ وَالِده قد أشغله بِسَمَاع الحَدِيث فِي صباه من جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْمَعْرُوف بِابْن البطي وَأَبُو زرْعَة طَاهِر بن مُحَمَّد الْقُدسِي وَأَبُو الْقَاسِم يحيى بن ثَابت الْوَكِيل وَغَيرهم
وَكَانَ يُوسُف وَالِد الشَّيْخ موفق الدّين مشتغلا بِعلم الحَدِيث بارعا فِي عُلُوم الْقُرْآن والقراءات مجيدا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والأصولين
وَكَانَ متطرفا من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة
وَكَانَ سُلَيْمَان عَم الشَّيْخ موفق الدّين فَقِيها مجيدا
وَكَانَ الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف كثير الِاشْتِغَال لَا يخلي وقتا من أوقاته من النّظر فِي الْكتب والتصنيف وَالْكِتَابَة
وَالَّذِي وجدته من خطه أَشْيَاء كَثِيرَة جدا بِحَيْثُ أَنه كتب من مصنفاته نسخا مُتعَدِّدَة وَكَذَلِكَ أَيْضا كتب كتبا كَثِيرَة من تصانيف القدماء
وَكَانَ صديقا لجدي وَبَينهمَا صُحْبَة أكيدة بالديار المصرية لما كُنَّا بهَا
وَكَانَ أبي وَعمي يشتغلان عَلَيْهِ بِعلم الْأَدَب
واشتغل عَلَيْهِ عمي أَيْضا بكتب أرسطوطاليس
وَكَانَ الشَّيْخ موفق الدّين كثير الْعِنَايَة بهَا والفهم لمعانيها
وأتى إِلَى دمشق من الديار المصرية وَأقَام بهَا مُدَّة وَكثر انْتِفَاع النَّاس بِعِلْمِهِ
ورأيته لما كَانَ مُقيما بِدِمَشْق فِي آخر مرّة أَتَى إِلَيْهَا وَهُوَ شيخ نحيف الْجِسْم ربع الْقَامَة حسن الْكَلَام جيد الْعبارَة وَكَانَت مسطرته أبلغ من لَفظه
وَكَانَ رَحمَه الله رُبمَا تجَاوز فِي الْكَلَام لِكَثْرَة مَا يرى فِي نَفسه
وَكَانَ يستنقص الْفُضَلَاء الَّذين فِي زَمَانه وَكَثِيرًا من الْمُتَقَدِّمين
وَكَانَ وُقُوعه كثيرا جدا فِي عُلَمَاء الْعَجم ومصنفاتهم وخصوصا الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا ونظرائه
ونقلت من خطه فِي سيرته الَّتِي ألفها مَا هَذَا مِثَاله قَالَ إِنِّي ولدت بدار لجدي فِي درب الفالوذج فِي سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة وتربيت فِي حجر الشَّيْخ أبي النجيب لَا أعرف اللّعب وَاللَّهْو وَأكْثر زماني مَصْرُوف فِي سَماع الحَدِيث وَأخذت لي إجازات من شُيُوخ بَغْدَاد وخرسان وَالشَّام ومصر
وَقَالَ لي وَالِدي يَوْمًا قد سَمِعتك جَمِيع عوالي بَغْدَاد وألحقتك فِي الرِّوَايَة بالشيوخ المسان
وَكنت فِي أثْنَاء ذَلِك أتعلم الْخط وأتحفظ الْقُرْآن والفصيح والمقامات وديوان المتنبي وَنَحْو ذَلِك ومختصرا فِي الْفِقْه ومختصرا فِي النَّحْو
فَلَمَّا ترعرعت حَملَنِي وَالِدي إِلَى كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن الْأَنْبَارِي وَكَانَ يَوْمئِذٍ شيخ بَغْدَاد وَله بوالدي صُحْبَة قديمَة أَيَّام التفقه بالنظامية
فَقَرَأت عَلَيْهِ خطْبَة الفصيح فهذر كلَاما كثيرا مُتَتَابِعًا لم أفهم مِنْهُ شَيْئا لَكِن التلاميذ حوله يعْجبُونَ مِنْهُ
ثمَّ قَالَ أَنا أجفو عَن تَعْلِيم الصّبيان احمله إِلَى تلميذي الْوَجِيه الوَاسِطِيّ يقْرَأ عَلَيْهِ فَإِذا توسطت حَاله قَرَأَ عَليّ
وَكَانَ الْوَجِيه عِنْد بعض أَوْلَاد رَئِيس الرؤساء وَكَانَ رجلا أعمى من أهل الثروة والمروءة
فأخذني بكلتي يَدَيْهِ وَجعل يعلمني من أول النَّهَار إِلَى آخِره بِوُجُوه كَثِيرَة من التلطف فَكنت أحضر حلقته بِمَسْجِد الظفرية وَيجْعَل جَمِيع الشُّرُوح لي ويخاطبني بهَا
وَفِي آخر الْأَمر أَقرَأ درسي ويخصني بشرحه
ثمَّ نخرج من الْمَسْجِد فيذاكرني فِي الطَّرِيق فَإِذا بلغنَا منزله أخرج الْكتب الَّتِي يشْتَغل بهَا مَعَ نَفسه فأحفظ لَهُ وأحفظ مَعَه ثمَّ يذهب إِلَى الشَّيْخ كَمَال الدّين فَيقْرَأ درسه ويشرح لَهُ وَأَنا أسمع
وتخرجت إِلَى أَن صرت أسبقه فِي الْحِفْظ والفهم وأصرف أَكثر اللَّيْل فِي الْحِفْظ والتكرار وأقمنا على ذَلِك بُرْهَة كلما جَاءَ حفظي كثر وجاد وفهمي قوي واستنار وذهني احتد واستقام وَأَنا ألازم الشَّيْخ وَشَيخ الشَّيْخ
وَأول مَا ابتدأت حفظت اللمع فِي ثَمَانِيَة أشهر أسمع كل يَوْم شرح أَكْثَرهَا مِمَّا يَقْرَؤُهُ غَيْرِي وأنقلب إِلَى بَيْتِي فأطالع شرح الثَّمَانِينَ وَشرح الشريف عمر بن حَمْزَة وَشرح ابْن برهَان وكل مَا أجد من شروحها
وأشرحها لتلاميذ يختصون بِي إِلَى أَن صرت أَتكَلّم على كل بَاب كراريس وَلَا ينفذ مَا عِنْدِي
ثمَّ حفظت أدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة حفظا متقنا
أما النّصْف الأول فَفِي شهور
وَأما تَقْوِيم اللِّسَان فَفِي أَرْبَعَة عشر يَوْمًا لِأَنَّهُ كَانَ أَرْبَعَة عشر كراسا
ثمَّ حفظت مُشكل الْقُرْآن لَهُ وغريب الْقُرْآن لَهُ وكل ذَلِك فِي مُدَّة يسيرَة
ثمَّ انْتَقَلت إِلَى الْإِيضَاح لأبي عَليّ الفاسي فحفظته فِي شهور كَثِيرَة ولازمت مطالعة شروحه وتتبعته التتبع التَّام حَتَّى تبحرت فِيهِ وجمعت مَا قَالَ الشُّرَّاح
وَأما التكملة فحفظتها فِي أَيَّام يسيرَة كل يَوْم كراسا وطالعت الْكتب المبسوطة والمختصرات وواظبت على المقتضب للمبرد وَكتاب ابْن درسْتوَيْه
وَفِي أثْنَاء ذَلِك لَا أغفل سَماع الحَدِيث والتفقه على شَيخنَا ابْن فضلان بدار الذَّهَب وَهِي مدرسة معلقَة بناها فَخر الدولة بن الْمطلب
قَالَ وللشيخ كَمَال الدّين مائَة تصنيف وَثَلَاثُونَ تصنيفا أَكْثَرهَا فِي النَّحْو وَبَعضهَا فِي الْفِقْه والأصولين وَفِي التصوف والزهد وأتيت على أَكثر تصانيفه سَمَاعا وَقِرَاءَة وحفظا
وَشرع فِي تصنيفين كبيرين أَحدهمَا فِي اللُّغَة وَالْآخر فِي الْفِقْه وَلم يتَّفق لَهُ إِتْمَامهَا وحفظت عَلَيْهِ طَائِفَة من كتاب سِيبَوَيْهٍ وأكببت على المقتضب فأتقنته
وَبعد وَفَاة الشَّيْخ تجردت لكتاب سبيويه ولشرحه للسيرافي
ثمَّ قَرَأت على أبي عُبَيْدَة الْكَرْخِي كتبا كَثِيرَة مِنْهَا كتاب الْأُصُول لِابْنِ السراج وَالنُّسْخَة فِي وقف ابْن الخشاب برباط المأمونية
وقرأت عَلَيْهِ الْفَرَائِض وَالْعرُوض للخطيب التبريزي وَهُوَ من خَواص تلاميذ ابْن الشجري
وَأما ابْن الخشاب فَسمِعت بقرَاءَته مَعَاني الزّجاج على الكاتبة شهدة بنت الأبري وَسمعت مِنْهُ الحَدِيث المسلسل وَهُوَ الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء
وَقَالَ أَيْضا موفق الدّين الْبَغْدَادِيّ إِن من مشايخه الَّذين انْتفع بهم كَمَا زعم ولد أَمِين الدولة بن التلميذ
وَبَالغ فِي وَصفه وَكثر وَهَذَا فلكثرة تعصبه للعراقيين وَإِلَّا فولد أَمِين الدولة لم يكن بِهَذِهِ المثابة وَلَا قَرِيبا مِنْهَا
وَقَالَ إِنَّه ورد إِلَى بَغْدَاد رجل مغربي جوال فِي زِيّ التصوف لَهُ أبهة ولسن مَقْبُول الصُّورَة عَلَيْهِ مسحة الدّين وهيئة السياحة ينفعل لصورته من رَآهُ قبل أَن يُخبرهُ وَيعرف بِابْن نائلي يزْعم أَنه من أَوْلَاد المتلثمة
خرج من الْمغرب لما استولى عَلَيْهَا عبد الْمُؤمن
فَلَمَّا اسْتَقر بِبَغْدَاد اجْتمع إِلَيْهِ جمَاعَة من الأكابر والأعيان وحضره الرضي الْقزْوِينِي وَشَيخ الشُّيُوخ ابْن سكينَة
وَكنت وَاحِدًا مِمَّن حَضَره فأقرأني مُقَدّمَة حِسَاب ومقدمة ابْن بابشاد فِي النَّحْو وَكَانَ لَهُ طَرِيق فِي التَّعْلِيم عَجِيب
وَمن يحضرهُ يظنّ أَنه متبحر وَإِنَّمَا كَانَ متطرفا وَلكنه أمعن فِي كتب الكيمياء والطلسمات وَمَا يجْرِي مجْراهَا وأتى على كتب جَابر بأسرها وعَلى كتب ابْن وحشية
وَكَانَ يجلب الْقُلُوب بصورته ومنطقه وإيهامه
فَمَلَأ قلبِي شوقا إِلَى الْعُلُوم كلهَا وَاجْتمعَ بِالْإِمَامِ النَّاصِر لدين الله وَأَعْجَبهُ
ثمَّ سَافر وَأَقْبَلت على الِاشْتِغَال وشمرت ذيل الْجد وَالِاجْتِهَاد وهجرت النّوم وَاللَّذَّات وأكببت على كتب الْغَزالِيّ الْمَقَاصِد والمعيار وَالْمِيزَان ومحك النّظر
ثمَّ انْتَقَلت إِلَى كتب ابْن سينا صغارها وكبارها وحفظت كتاب النجَاة وكتبت الشِّفَاء وبحثت فِيهِ وحصلت كتاب التَّحْصِيل لبهمنيار تلميذ ابْن سينا
وكتبت وحصلت كثيرا من كتب جَابر بن حَيَّان الصُّوفِي وَابْن وحشية وباشرت عمل الصَّنْعَة الْبَاطِلَة وتجارب الضلال الفارغة وَأقوى من أضلني ابْن سينا بكتابه فِي الصَّنْعَة الَّتِي تمم بِهِ فلسفته الَّتِي لَا تزداد بالتمام إِلَّا نقصا قَالَ وَلما كَانَ فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة حَيْثُ لم يبْق بِبَغْدَاد من يَأْخُذ بقلبي ويملأ عَيْني وَيحل مَا يشكل عَلَيْهِ دخلت الْموصل فَلم أجد فِيهَا بغيتي لَكِن وجدت الْكَمَال بن يُونُس جيدا فِي الرياضيات وَالْفِقْه متطرفا من بَاقِي أَجزَاء الْحِكْمَة قد استغرق عقله وَوَقته حب الكيمياء وعملها حَتَّى صَار يستخف بِكُل مَا عَداهَا
وَاجْتمعَ إِلَيّ جمَاعَة كَثِيرَة وَعرضت عَليّ مناصب فاخترت مِنْهَا مدرسة ابْن مهَاجر الْمُعَلقَة وَدَار الحَدِيث الَّتِي تحتهَا
وأقمت بالموصل سنة فِي اشْتِغَال دَائِم متواصل لَيْلًا وَنَهَارًا
وَزعم أهل الْموصل أَنهم لم يرَوا من أحد قبلي مَا رَأَوْا مني من سَعَة الْمَحْفُوظ وَسُرْعَة وَسُكُون الطَّائِر وَسمعت النَّاس يهرجون فِي حَدِيث الشهَاب السهروردي المتفلسف ويعتقدون أَنه قد فاق الْأَوَّلين والآخرين وَأَن تصانيفه فَوق تصانيف القدماء فهممت لقصده ثمَّ أدركني التَّوْفِيق فطلبت من ابْن يُونُس شَيْئا من تصانيفه وَكَانَ أَيْضا مُعْتَقدًا فِيهَا فَوَقَعت على التلويحات واللمحة والمعارج فصادفت فِيهَا مَا يدل على جهل أهل الزَّمَان وَوجدت لي تعاليق كَثِيرَة لَا أرتضيها هِيَ خير من كَلَام هَذَا الأنوك
وَفِي أثْنَاء كَلَامه يثبت حروفا مقطعَة يُوهم بهَا أَمْثَاله أَنَّهَا أسرار إلهيه
قَالَ وَلما دخلت دمشق وجدت فِيهَا من أَعْيَان بَغْدَاد والبلاد مِمَّن جمعهم الْإِحْسَان الصلاحي جمعا كثيرا مِنْهُم جمال الدّين عبد اللَّطِيف ولد الشَّيْخ أبي النجيب وَجَمَاعَة بقيت من بَيت رَئِيس الرؤساء وَابْن طَلْحَة الْكَاتِب وَبَيت ابْن جهير وَابْن الْعَطَّار الْمَقْتُول الْوَزير وَابْن هُبَيْرَة الْوَزير وَاجْتمعت بالكندي الْبَغْدَادِيّ النَّحْوِيّ وَجرى بَيْننَا مباحثات وَكَانَ شَيخا بهيا ذكيا مثريا لَهُ جَانب من السُّلْطَان لكنه كَانَ معجبا بِنَفسِهِ مُؤْذِيًا لجليسه وَجَرت بَيْننَا مباحثات فأظهرني الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي مسَائِل كَثِيرَة
ثمَّ إِنِّي أهملت جَانِبه فَكَانَ يتَأَذَّى بإهمالي لَهُ أَكثر مِمَّا يتَأَذَّى النَّاس مِنْهُ
وعملت بِدِمَشْق تصانيف جمة مِنْهَا غَرِيب الحَدِيث الْكَبِير جمعت فِيهِ غَرِيب أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وغريب ابْن قُتَيْبَة وغريب الْخطابِيّ وَكنت ابتدأت بِهِ فِي الْموصل وعملت لَهُ مُخْتَصرا سميته الْمُجَرّد وعملت كتاب الْوَاضِحَة فِي إِعْرَاب الْفَاتِحَة نَحْو عشْرين كراسا وَكتاب الْألف وَاللَّام وَكتاب رب وكتابا فِي الذَّات وَالصِّفَات الذاتية الْجَارِيَة على السّنة الْمُتَكَلِّمين
وقصدت بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة الرَّد على الْكِنْدِيّ وَوجدت بِدِمَشْق الشَّيْخ عبد الله بن نائلي نازلا بالماذنة الغربية وَقد عكف عَلَيْهِ جمَاعَة وتحزب النَّاس فِيهِ حزبين لَهُ وَعَلِيهِ فَكَانَ الْخَطِيب الدولعي عَلَيْهِ وَكَانَ من الْأَعْيَان لَهُ منزلَة وناموس
ثمَّ خلط ابْن نائلي على نَفسه فَأَعَانَ عدوه عَلَيْهِ وَصَارَ يتَكَلَّم فِي الكيمياء والفلسفة وَكثر التشنيع عَلَيْهِ
وَاجْتمعت بِهِ فَصَارَ يسألني عَن أَعمال اعْتقد أَنَّهَا خسيسة نزرة فيعظمها ويحتفل بهَا ويكتبها مني وكاشفته فَلم أَجِدهُ كَمَا كَانَ فِي نَفسِي فسَاء بِهِ ظَنِّي وبطريقه ثمَّ باحثته فِي الْعُلُوم فَوجدت عِنْده مِنْهَا أطرافا نزرة فَقلت لَهُ يَوْمًا لَو صرفت زَمَانك الَّذِي ضيعته فِي طلب الصَّنْعَة إِلَى بعض الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة أَو الْعَقْلِيَّة كنت الْيَوْم فريد عصرك مخدوما طول عمرك
وَهَذَا هُوَ الكيمياء لَا مَا تطلبه
ثمَّ اعْتبرت بِحَالهِ وانزجرت بِسوء مَاله والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ
فأقلعت وَلَكِن لَا كل الإقلاع
ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكا يشكو إِلَيْهِ الدولعي وَعَاد مَرِيضا وَحمل إِلَى البيمارستان فَمَاتَ بِهِ
وَأخذ كتبه الْمُعْتَمد شحنة دمشق وَكَانَ متيما بالصنعة
ثمَّ إِنِّي تَوَجَّهت إِلَى زِيَارَة الْقُدس ثمَّ إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكة فاجتمعت ببهاء الدّين بن شَدَّاد قَاضِي الْعَسْكَر يَوْمئِذٍ وَكَانَ قد اتَّصل بِهِ شهرتي بالموصل فانبسط إِلَيّ وَأَقْبل عَليّ
وَقَالَ نَجْتَمِع بعماد الدّين الْكَاتِب فقمنا إِلَيْهِ وخيمته إِلَى خيمة بهاء الدّين فَوَجَدته يكْتب كتابا إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بقلم الثُّلُث من غير مسودة
وَقَالَ هَذَا كتاب إِلَى بلدكم وذاكرني فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَقَالَ قومُوا بِنَا إِلَى القَاضِي الْفَاضِل فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَرَأَيْت شَيخا ضئيلا كُله رَأس وقلب وَهُوَ يكْتب ويملي على اثْنَيْنِ وَوَجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقُوَّة حرصه فِي إِخْرَاج الْكَلَام وَكَأَنَّهُ يكْتب بجملة أَعْضَائِهِ
وسألني القَاضِي الْفَاضِل عَن قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُم خزنتها} أَيْن جَوَاب إِذا
وَأَيْنَ جَوَاب لَو فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} وَعَن مسَائِل كَثِيرَة وَمَعَ هَذَا فَلَا يقطع الْكِتَابَة والإملاء
وَقَالَ لي ترجع إِلَى دمشق وتجري عَلَيْك الجرايات فَقلت أُرِيد مصر فَقَالَ السُّلْطَان مَشْغُول الْقلب بِأخذ الفرنج عكا وَقتل الْمُسلمين بهَا فَقلت لَا بُد لي من مصر فَكتب لي ورقة صَغِيرَة إِلَى وَكيله بهَا
فَلَمَّا دخلت الْقَاهِرَة جَاءَنِي وَكيله وَهُوَ ابْن سناء الْملك وَكَانَ شَيخا جليل الْقدر نَافِذ الْأَمر فأنزلني دَارا قد أزيحت عللها وَجَاءَنِي بِدَنَانِير وغلة
ثمَّ مضى إِلَى أَرْبَاب الدولة وَقَالَ هَذَا ضيف القَاضِي الْفَاضِل فَدرت الْهَدَايَا والصلات من كل جَانب
وَكَانَ كل عشرَة أَيَّام أَو نَحْوهَا تصل تذكرة القَاضِي الْفَاضِل إِلَى ديوَان مصر بمهمات الدولة وفيهَا فصل يُؤَكد الْوَصِيَّة فِي حَقي
وأقمت بِمَسْجِد الْحَاجِب لُؤْلُؤ رَحمَه الله أَقْْرِئ وَكَانَ قصدي فِي مصر ثَلَاثَة أنفس ياسين السيميائي والرئيس مُوسَى بن مَيْمُون الْيَهُودِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الشارعي وَكلهمْ جاؤوني
أما ياسين فَوَجَدته محاليا كذابا مشعبذا يشْهد للشاقاني بالكيمياء وَيشْهد لَهُ الشاقاني بالكيمياء وَيَقُول عَنهُ أَنه يعْمل أعمالا يعجز مُوسَى ابْن عمرَان عَنْهَا
وَأَنه يحضر الذَّهَب الْمَضْرُوب مَتى شَاءَ وَبِأَيِّ مِقْدَار شَاءَ وَبِأَيِّ سكَّة شَاءَ
وَأَنه يَجْعَل مَاء النّيل خيمة وَيجْلس فِيهِ وَأَصْحَابه تحتهَا
وَكَانَ ضَعِيف الْحَال
وَجَاءَنِي مُوسَى فَوَجَدته فَاضلا فِي الْغَايَة قد غلب عَلَيْهِ حب الرياسة وخدمة أَرْبَاب الدُّنْيَا وَعمل كتابا فِي الطِّبّ جمعه من السِّتَّة عشر لِجَالِينُوسَ وَمن خَمْسَة كتب أُخْرَى وَشرط أَن لَا يُغير فِيهِ حرفا إِلَّا أَن يكون وَاو عطف أَو فَاء وصل وَإِنَّمَا ينْقل فصولا لَا يختارها
وَعمل كتابا للْيَهُود سَمَّاهُ الدّلَالَة وَلعن من يَكْتُبهُ بِغَيْر الْقَلَم العبراني
ووقفت عَلَيْهِ فَوَجَدته كتاب سوء يفْسد أصُول الشَّرَائِع والعقائد بِمَا يظنّ أَنه يصلحها وَكنت ذَات يَوْم بِالْمَسْجِدِ وَعِنْدِي جمع كثير فَدخل شيخ رث الثِّيَاب نير الطلعة مَقْبُول الصُّورَة فهابه الْجمع ورفعوه فَوْقهم وَأخذت فِي إتْمَام كَلَامي فَلَمَّا تصرم الْمجْلس جَاءَنِي أَمَام الْمَسْجِد وَقَالَ أتعرف هَذَا الشَّيْخ هَذَا أَبُو الْقَاسِم الشارعي فاعتنقته وَقلت إياك أطلب فَأَخَذته إِلَى منزلي وأكلنا الطَّعَام وتفاوضنا الحَدِيث فَوَجَدته كَمَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين سيرته سيرة الْحُكَمَاء الْعُقَلَاء وَكَذَا صورته
وَقد رَضِي من الدُّنْيَا ببرض لَا يتَعَلَّق مِنْهَا بِشَيْء يشْغلهُ عَن طلب الْفَضِيلَة
ثمَّ لازمني فَوَجَدته قيمًا بكتب القدماء وَكتب أبي نَاصِر الفرابي وَلم يكن لي اعْتِقَاد فِي أحد من هَؤُلَاءِ لِأَنِّي كنت أَظن أَن الْحِكْمَة كلهَا حازها ابْن سينا وحشاها كتبه وَإِذا تفاوضنا الحَدِيث أغلبه بِقُوَّة الجدل وَفضل اللسن ويغلبني بِقُوَّة الْحجَّة وَظُهُور المحجة
وَأَنا لَا تلين قناتي لغمزه وَلَا أحيد عَن جادة الْهوى والتعصب برمزه فَصَارَ يحضرني شَيْئا بعد شَيْء من كتب أبي نصر والاسكندر ثامسطيوس يؤنس نفاري ويلين عَرِيكَة شماسي حَتَّى عطفت عَلَيْهِ أقدم رجل وأؤخر أُخْرَى
وشاع أَن صَلَاح الدّين هادن الفرنج وَعَاد إِلَى الْقُدس فقادتني الضَّرُورَة إِلَى التَّوَجُّه إِلَيْهِ فَأخذت من كتب القدماء مَا أمكنني وتوجهت إِلَى الْقُدس فَرَأَيْت ملكا عَظِيما يمْلَأ الْعين روعة والقلوب محبَّة
قَرِيبا بَعيدا سهلا محببا وَأَصْحَابه يتشبهون بِهِ يتسابقون إِلَى الْمَعْرُوف كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل}
وَأول ليل حَضرته وجدت مَجْلِسا حفلا بِأَهْل الْعلم يتذاكرون فِي أَصْنَاف الْعُلُوم وَهُوَ يحسن الِاسْتِمَاع والمشاركة وَيَأْخُذ فِي كَيْفيَّة بِنَاء الأسوار وحفر الْخَنَادِق ويتفقه فِي ذَلِك وَيَأْتِي بِكُل معنى بديع
وَكَانَ مهتما فِي بِنَاء سور الْقُدس وحفر خندقه يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ وينقل الْحِجَارَة على عَاتِقه ويتأسى بِهِ جَمِيع النَّاس الْفُقَرَاء والأغنياء والأقوياء والضعفاء حَتَّى الْعِمَاد الْكَاتِب وَالْقَاضِي الْفَاضِل ويركب لذَلِك قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى وَقت الظّهْر وَيَأْتِي دَاره ويمد الطَّعَام ثمَّ يستريح
ويركب الْعَصْر وَيرجع فِي الْمسَاء وَيصرف أَكثر اللَّيْل فِي تَدْبِير مَا يعْمل نَهَارا
فَكتب لي صَلَاح الدّين بِثَلَاثِينَ دِينَارا فِي كل شهر على ديوَان الْجَامِع وَأطلق أَوْلَاده رواتب حَتَّى تقرر لي فِي كل شهر مائَة دِينَار
وَرجعت إِلَى دمشق وأكببت على الِاشْتِغَال وإقراء النَّاس بالجامع
وَكلما أمعنت فِي كتب القدماء ازددت فِيهَا رَغْبَة وَفِي كتب ابْن سينا زهادة وأطلعت على بطلَان الكيمياء وَعرفت حَقِيقَة الْحَال فِي وَضعهَا وَمن وَضعهَا وَتكذب بهَا وَمَا كَانَ قَصده فِي ذَلِك
وخلصت من ضلالين عظيمين موبقين
وتضاعف شكري لله سُبْحَانَهُ على ذَلِك فَإِن أَكثر النَّاس إِنَّمَا هَلَكُوا بكتب ابْن سينا وبالكيمياء
ثمَّ إِن صَلَاح الدّين دخل دمشق وَخرج يودع الْحَاج ثمَّ رَجَعَ فَحم ففصده من لَا خبْرَة عِنْده فخارت الْقُوَّة وَمَات قبل الرَّابِع عشر وَوجد النَّاس عَلَيْهِ شَبِيها بِمَا يجدونه على الْأَنْبِيَاء
وَمَا رَأَيْت ملكا حزن النَّاس بِمَوْتِهِ سواهُ لِأَنَّهُ كَانَ محبوبا يُحِبهُ الْبر والفاجر وَالْمُسلم وَالْكَافِر
ثمَّ تفرق أَوْلَاده وَأَصْحَابه أيادي سبأ ومزقوا فِي الْبِلَاد كل ممزق وَأَكْثَرهم توجه إِلَى مصر لخصبها وسعة صدر ملكهَا وأقمت بِدِمَشْق وملكها الْملك الْأَفْضَل وَهُوَ أكبر الْأَوْلَاد فِي السن إِلَى أَن جَاءَ الْملك الْعَزِيز بعساكر مصر يحاصر أَخَاهُ بِدِمَشْق فَلم ينل مِنْهُ بغية
ثمَّ تاخر إِلَى مرج الصفر لقولنج عرض لَهُ فَخرجت إِلَيْهِ بعد خلاصه مِنْهُ فَأذن لي فِي الرحيل مَعَه وأجرى عَليّ من بَيت المَال كفايتي وَزِيَادَة
وأقمت مَعَ الشَّيْخ أبي الْقَاسِم يلازمني صباح مسَاء إِلَى أَن قضى نحبه
وَلما اشْتَدَّ مَرضه وَكَانَ ذَات الْجنب عَن نزلة من رَأسه وأشرت عَلَيْهِ بدواء فَأَنْشد
(لَا أذود الطير عَن شجر ... قد بلوت المر من ثمره) المديد
ثمَّ سَأَلته عَن ألمه فَقَالَ
(مَا لجرح بميت إيلام ... ) الْخَفِيف
وَكَانَ سيرتي فِي هَذِه الْمدَّة أنني أَقْْرِئ النَّاس بالجامع الْأَزْهَر من أول النَّهَار إِلَى نَحْو السَّاعَة الرَّابِعَة
وسط النَّهَار يَأْتِي من يقْرَأ الطِّبّ وَغَيرهم وَآخر النَّهَار أرجع إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر فَيقْرَأ قوم آخَرُونَ
وَفِي اللَّيْل اشْتغل مَعَ نَفسِي
وَلم أزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي الْملك الْعَزِيز وَكَانَ شَابًّا كَرِيمًا شجاعا كثير الْحيَاء لَا يحسن قَول لَا
وَكَانَ مَعَ حَدَاثَة سنه وشرخ شبابه كَامِل الْعِفَّة عَن الْأَمْوَال والفروج
أَقُول ثمَّ إِن الشَّيْخ موفق الدّين أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ بعد ذَلِك مُدَّة وَله الرتب والجرايات من أَوْلَاد الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين وأتى إِلَى مصر ذَلِك الغلاء الْعَظِيم والموتان الَّذِي لم يُشَاهد مثله
وَألف الشَّيْخ موفق الدّين فِي ذَلِك كتابا ذكر فِيهِ أَشْيَاء شَاهدهَا أَو سَمعهَا مِمَّن عاينها تذهل الْعقل وسمى ذَلِك الْكتاب كتاب الإفادة وَالِاعْتِبَار فِي الْأُمُور الْمُشَاهدَة والحوادث المعاينة بِأَرْض مصر
ثمَّ لما ملك السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب الديار المصرية وَأكْثر الشَّام والشرق وَتَفَرَّقَتْ أَوْلَاد أَخِيه الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين وانتزع ملكهم توجه الشَّيْخ موفق الدّين إِلَى الْقُدس وَأقَام بهَا مُدَّة
وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الْجَامِع الْأَقْصَى ويشتغل النَّاس عَلَيْهِ بِكَثِير من الْعُلُوم وصنف هُنَالك كتبا كَثِيرَة
ثمَّ أَنه توجه إِلَى دمشق وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ العزيزية بهَا وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وسِتمِائَة وَشرع فِي التدريس والاشتغال وَكَانَ يَأْتِيهِ خلق كثير يشتغلون عَلَيْهِ ويقرأون أصنافا من الْعُلُوم
وتميز فِي صناعَة الطِّبّ بِدِمَشْق صنف فِي هَذَا الْفَنّ كتبا كَثِيرَة وَعرف بِهِ
وَأما قبل ذَلِك فَإِنَّمَا كَانَت شهرته بِعلم النَّحْو وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة وانتفع النَّاس بِهِ
ثمَّ أَنه سَافر إِلَى حلب وَقصد بِلَاد الرّوم وَأقَام بهَا سِنِين كَثِيرَة وَكَانَ فِي خدمَة الْملك عَلَاء الدّين دَاوُد بن بهران صَاحب أرزنجان
وَكَانَ مكينا عِنْده عَظِيم الْمنزلَة وَله من الجامكية الوافرة والافتقادات الْكَثِيرَة وصنف باسمه عدَّة كتب
وَكَانَ هَذَا الْملك عالي الهمة كثير الْحيَاء كريم النَّفس
وَقد اشْتغل بِشَيْء من الْعُلُوم وَلم يزل فِي خدمته إِلَى أَن استولى على ملكه صَاحب أرزن الرّوم وَهُوَ السُّلْطَان كيقباد بن كيخسرو ابْن قلج أرسلان ثمَّ قبض على صَاحب أرزنجان وَلم يظْهر لَهُ خبر
قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف وَلما كَانَ فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة تَوَجَّهت إِلَى أرزن الرّوم وَفِي حادي صفر من سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة رجعت إِلَى أرزنجان من أرزن الرّوم وَفِي نصف ربيع الأول تَوَجَّهت إِلَى كماخ وَفِي جُمَادَى الأولى تَوَجَّهت مِنْهَا إِلَى دبركي وَفِي رَجَب تَوَجَّهت مِنْهَا إِلَى ملطية وَفِي آخر رَمَضَان تَوَجَّهت إِلَى حلب وصلينا صَلَاة عيد الْفطر بالبهنساء ودخلنا حلب يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شَوَّال فَوَجَدْنَاهَا قد تضاعفت عمارتها وَخَيرهَا بِحسن سيرة أتابك شهَاب الدّين وَاجْتمعَ النَّاس على محبته لمعدلته فِي رَعيته
أَقُول وَأقَام الشَّيْخ موفق الدّين بحلب وَالنَّاس يشتغلون عَلَيْهِ وَكَثُرت تصانيفه
وَكَانَ لَهُ من شهَاب الدّين طغريل الْخَادِم أتابك حلب جَار حسن وَهُوَ متنحل لتدريس صناعَة الطِّبّ وَغَيرهَا ويتردد إِلَى الْجَامِع بحلب ليسمع الحَدِيث ويقرئ الْعَرَبيَّة
وَكَانَ دَائِم الِاشْتِغَال ملازما للكتابة والتصانيف
وَلما أَقَامَ بحلب قصدت إِنِّي أتوجه إِلَيْهِ وَاجْتمعَ بِهِ فَلم يتَّفق ذَلِك وَكَانَت كتبه أبدا تصل إِلَيْنَا ومراسلاته وَبعث إِلَيّ أَشْيَاء من تصانيفه من خطه وَهَذِه نُسْخَة كتاب كتبته إِلَيْهِ لما كَانَ بحلب الْمَمْلُوك يواصل بدعائه وثنائه وشكره وانتمائه إِلَى عبودية الْمجْلس السَّامِي المولوي السيدي السندي الْأَجَل الكبيري العالمي الفاضلي موفق الدّين سيد الْعلمَاء فِي الغابرين والحاضرين جَامع الْعُلُوم المتفرقة فِي الْعَالمين ولي أَمِير الْمُؤمنِينَ
أوضح الله بِهِ سبل الْهِدَايَة وأنار بِبَقَائِهِ طرق الدِّرَايَة وحقق بحقائق أَلْفَاظه صَحِيح الْولَايَة
وَلَا زَالَت سعادته دائمة الْبَقَاء وسيادته سامية الارتقاء وتصانيفه فِي الْآفَاق قدوة الْعلمَاء وعمدة سَائِر الأدباء والحكماء
الْمَمْلُوك يجدد الْخدمَة وَيهْدِي من السَّلَام أطيبه وَمن الشُّكْر وَالثنَاء أعذبه وَيُنْهِي مَا يكابده من أَلِيم التطلع إِلَى مُشَاهدَة أنوار شمسه المنيرة وَمَا يعانيه من الارتياح إِلَى مُلَاحظَة شرِيف حَضرته الأثيرة وَمَا تزايد من القلق وتعاظم عِنْد سَمَاعه قرب المزار من الأرق
(وأبرح مَا يكون الشوق يَوْمًا ... إِذا دنت الديار من الديار) الوافر
وَلَوْلَا قفول الركاب العالي ووصول الجناب الْمُوفق الجلالي لسارع الْمَمْلُوك إِلَى الْوُصُول ولبادر الْمُبَادرَة بالمثول ولجاء إِلَى شرِيف خدمته وفاز بِالنّظرِ إِلَى بهي طلعته فيا سَعَادَة من فَازَ بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَيَا بشرى من مثل بَين يَدَيْهِ وَيَا سرُور من حظي بِوَجْه إقباله عَلَيْهِ وَمن ورد بحار فَضله من غَيرهَا واستضاء بشمس علمه فسرى فِي ضِيَاء منيرها نسْأَل الله تَعَالَى تقريب الِاجْتِمَاع وَتَحْصِيل الْجمع بَين مسرتي الإبصار والإسماع بمنه وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن مراسلات الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف أَنه بعث إِلَى أبي فِي أول كتاب وَهُوَ يَقُول فِيهِ عِنْدِي ولد الْوَلَد أعز من الْوَلَد
وَهَذَا موفق الدّين ولد وَلَدي وأعز النَّاس عِنْدِي وَمَا زَالَت النجابة تتبين لي فِيهِ من الصغر
وَوصف وَأثْنى كثيرا وَقَالَ فِيهِ وَلَو أمكنني أَن آتِي إِلَيْهِ بِالْقَصْدِ ليشتغل عَليّ لفَعَلت
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ قد عزم أَن يَأْتِي إِلَى دمشق وَيُقِيم بهَا ثمَّ خطر لَهُ أَنه قبل ذَلِك يحجّ وَيجْعَل طَرِيقه على بَغْدَاد
وَأَن يقدم بهَا للخليفة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَشْيَاء من تصانيفه
وَلما وصل بَغْدَاد مرض فِي أثْنَاء ذَلِك وَتُوفِّي رَحمَه الله يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وَدفن بالوردية عِنْد أَبِيه وَذَلِكَ بعد أَن خرج من بَغْدَاد وَبَقِي غَائِبا عَنْهَا خمْسا وَأَرْبَعين سنة
ثمَّ إِن الله تَعَالَى سَاقه إِلَيْهَا وَقضى منيته بهَا
وَمن كَلَام موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ مِمَّا نقلته من خطه قَالَ
يَنْبَغِي أَن تحاسب نَفسك كل لَيْلَة إِذا آويت إِلَى مَنَامك وَتنظر مَا اكْتسبت فِي يَوْمك من حَسَنَة فتشكر الله عَلَيْهَا وَمَا اكْتسبت من سَيِّئَة فتستغفر الله مِنْهَا وتقلع عَنْهَا
وترتب فِي نَفسك مِمَّا تعمله فِي غدك من الْحَسَنَات وتسأل الله الْإِعَانَة على ذَلِك
وَقَالَ أوصيك أَن لَا تَأْخُذ الْعُلُوم من الْكتب وَإِن وثقت من نَفسك بِقُوَّة الْفَهم
وَعَلَيْك بالأستاذين فِي كل علم تطلب اكتسابه وَلَو كَانَ الْأُسْتَاذ نَاقِصا فَخذ عَنهُ مَا عِنْده حَتَّى تَجِد أكمل مِنْهُ
وَعَلَيْك بتعظيمه وتوجيبه وَإِن قدرت أَن تفيده من دنياك فافعل وَإِلَّا فبلسانك وثنائك
وَإِذا قَرَأت كتابا فاحرص كل الْحِرْص على أَن تستظهره وتملك مَعْنَاهُ وتوهم أَن الْكتاب قد عدم وَإنَّك مستغن عَنهُ لَا تحزن لفقده
وَإِذا كنت مكبا على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أَن تشتغل بآخر مَعَه ولصرف الزَّمَان الَّذِي تُرِيدُ صرفه فِي غَيره إِلَيْهِ
وَإِيَّاك أَن تشتغل بعلمين دفْعَة وَاحِدَة وواظب على الْعلم الْوَاحِد سنة أَو سنتَيْن أَو مَا شَاءَ الله
فَإِذا قضيت مِنْهُ وطرك فانتقل إِلَى علم آخر
وَلَا تظن أَنَّك إِذا حصلت علما فقد اكتفيت بل تحْتَاج إِلَى مراعاته لينمو وَلَا ينقص ومراعاته تكون بالذاكرة والتفكر واشتغال الْمُبْتَدِئ بالتلفظ والتعلم ومباحثة الأقران
واشتغال الْعَالم بالتعليم والتصنيف
وَإِذا تصديت لتعليم علم أَو للمناظرة فِيهِ فَلَا تمزج بِهِ غَيره من الْعُلُوم فَإِن كل علم مكتف بِنَفسِهِ مستغن عَن غَيره فَإِن استعانتك فِي علم بِعلم عجز عَن اسْتِيفَاء أقسامه كمن يَسْتَعِين بلغَة فِي لُغَة أُخْرَى إِذا علمهَا أَو جهل بَعْضهَا
قَالَ وَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يقْرَأ التواريخ وَأَن يطلع على السّير وتجارب الْأُمَم فَيصير بذلك كَأَنَّهُ فِي عمره الْقصير قد أدْرك الْأُمَم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وَعرف خَيرهمْ وشرهم قَالَ وَيَنْبَغِي أَن تكون سيرتك سيرة الصَّدْر الأول فاقرأ سيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتتبع أَفعاله وأحواله واقتف آثاره وتشبه بِهِ مَا أمكنك وبقدر طاقتك
وَإِذا وقفت على سيرته فِي مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه ومعاملته مَعَ ربه وَمَعَ أَزوَاجه وَأَصْحَابه وأعدائه وَفعلت الْيَسِير من ذَلِك فَأَنت السعيد كل السعيد
قَالَ وَيَنْبَغِي أَن تكْثر إيهامك لنَفسك وَلَا تحسن الظَّن بهَا وَتعرض خواطرك على الْعلمَاء وعَلى تصانيفهم وتتثبت وَلَا تعجل وَلَا تعجب فَمَعَ الْعجب العثار وَمَعَ الاستبداد الزلل
وَمن لم يعرق جَبينه إِلَى أَبْوَاب الْعلمَاء لم يعرق فِي الْفَضِيلَة وَمن لم يخجلوه لم يبجله النَّاس وَمن لم يبكتوه لم يسد وَمن لم يحْتَمل ألم التَّعَلُّم لم يذقْ لَذَّة الْعلم وَمن لم يكدح لم يفلح
وَإِذا خلوت من التَّعَلُّم والتفكر فحرك لسَانك بِذكر الله وبتسابيحه وخاصة عِنْد النّوم فيتشربه لبك ويتعجن فِي خيالك وَتكلم بِهِ فِي مَنَامك
وَإِذا حدث لَك فَرح وسرور بِبَعْض أُمُور الدُّنْيَا فاذكر الْمَوْت وَسُرْعَة الزَّوَال وأصناف المنغصات وَإِذا أحزنك أَمر فَاسْتَرْجع وَإِذا اعترتك غَفلَة فَاسْتَغْفر وَاجعَل الْمَوْت نصب عَيْنك وَالْعلم والتقى زادك فِي الْآخِرَة
وَإِذا أردْت أَن تَعْصِي الله فاطلب مَكَانا لَا يراك فِيهِ
وَاعْلَم أَن النَّاس عُيُون الله على العَبْد يُرِيهم خَيره وَإِن أخفاه وشره وَأَن ستره فباطنه مَكْشُوف لله وَالله يكشفه لِعِبَادِهِ
فَعَلَيْك أَن تجْعَل باطنك خيرا من ظاهرك وسرك أصبح من علانيتك
وَلَا تتألم إِذا أَعرَضت عَنْك الدُّنْيَا فَلَو عرضت لَك لشغلتك عَن كسب الْفَضَائِل
وقلما يتعمق فِي الْعلم ذُو الثروة إِلَّا أَن يكون شرِيف الهمة جدا أَو أَن يثري بعد تَحْصِيل الْعلم
وَإِنِّي لَا أَقُول أَن الدُّنْيَا تعرض عَن طَالب الْعلم بل هُوَ الَّذِي يعرض عَنْهَا لِأَن همته مصروفة إِلَى الْعلم فَلَا يبْقى لَهُ الْتِفَات إِلَى الدُّنْيَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا تحصل بحرص وفكر فِي وجوهها فَإِذا غفل عَن أَسبَابهَا لم تأته وَأَيْضًا فَإِن طَالب الْعلم تشرف نَفسه عَن الصَّنَائِع الرذلة والمكاسب الدنية وَعَن أَصْنَاف التِّجَارَات وَعَن التذلل لأرباب الدُّنْيَا وَالْوُقُوف على أَبْوَابهم
ولبعض إخْوَانِي بَيت شعر
(من جد فِي طلب الْعُلُوم أفاته ... شرف الْعُلُوم دناءة التَّحْصِيل) الْكَامِل
وَجَمِيع طرق مكاسب الدُّنْيَا تحْتَاج إِلَى فرَاغ لَهُ وحذق فِيهَا وَصرف الزَّمَان إِلَيْهَا
والمشتغل بِالْعلمِ لَا يَسعهُ شَيْء من ذَلِك وَإِنَّمَا ينْتَظر أَن تَأتيه الدُّنْيَا بِلَا سَبَب وتطلبه من غير أَن يطْلبهَا طلب مثلهَا وَهَذَا ظلم مِنْهُ وعدوان
وَلَكِن إِذا تمكن الرجل فِي الْعلم وَشهر بِهِ خطب من كل جِهَة وَعرضت عَلَيْهِ المناصب وجاءته الدُّنْيَا صاغرة وَأَخذهَا وَمَاء وَجهه موفورا وَعرضه وَدينه مصون
وَاعْلَم أَن للْعلم عقبَة وَعرفا يُنَادي على صَاحبه ونورا وضياء يشرق عَلَيْهِ وَيدل عَلَيْهِ كتاجر الْمسك لَا يخفى مَكَانَهُ وَلَا تجْهَل بضاعته
وَكَمن يمشي بمشعل فِي ليل مدلهم
والعالم مَعَ هَذَا مَحْبُوب أَيْنَمَا كَانَ وكيفما كَانَ لَا يجد إِلَّا من يمِيل إِلَيْهِ ويؤثر قربه ويأنس بِهِ ويرتاح بمداناته وَاعْلَم أَن الْعُلُوم تغور ثمَّ تَفُور فِي زمَان بِمَنْزِلَة النَّبَات أَو عُيُون الْمِيَاه وتنتقل من قوم إِلَى قوم وَمن صقع إِلَى صقع وَمن كَلَامه أَيْضا نقلته من خطه قَالَ اجْعَل كلامك فِي الْغَالِب بِصِفَات أَن يكون وجيزا فصيحا فِي معنى مُهِمّ أَو مستحسن فِيهِ إلغاز تَامّ وإيهام كثير أَو قَلِيل
وَلَا تَجْعَلهُ مهملا ككلام الْجُمْهُور بل ارفعه عَنهُ وَلَا تباعده عَلَيْهِم جدا
وَقَالَ إياك والهذر وَالْكَلَام فِيمَا لَا يَعْنِي وَإِيَّاك وَالسُّكُوت فِي مَحل الْحَاجة وَرُجُوع النّوبَة إِلَيْك إِمَّا لاستخراج حق أَو اجتلاب مَوَدَّة أَو تَنْبِيه على فَضِيلَة
وَإِيَّاك والضحك مَعَ كلامك وَكَثْرَة الْكَلَام وتبتير الْكَلَام
بل اجْعَل كلامك سردا بِسُكُون بِحَيْثُ يستشعر مِنْك أَن وَرَاءه أَكثر مِنْهُ وَأَنه عَن خميرة سَابِقَة وَنظر مُتَقَدم
وَقَالَ إياك والغلظة فِي الْخطاب والجفاء فِي المناظرة
فَإِن ذَلِك يذهب ببهجة الْكَلَام وَيسْقط فَائِدَته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات وَيصير الْقَائِل مستثقلا سُكُوته وأشهى إِلَى السَّامع من كَلَامه ويثير النُّفُوس على معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته
وَقَالَ لَا تترفع بِحَيْثُ تستثقل وَلَا تتنازل بِحَيْثُ تستخس وتستحقر
وَقَالَ اجْعَل كلامك كُله جدلا وَاجِب من حَيْثُ تعقل لَا من حَيْثُ تعتاد وتألف
وَقَالَ انتزح عَن عادات الصِّبَا وتجرد عَن مألوفات الطبيعة وَاجعَل كلامك لاهوتيا فِي الْغَالِب لَا يَنْفَكّ من خبر أَو قُرْآن أَو قَول حَكِيم أَو بَيت نَادِر أَو مثل سَائِر
وَقَالَ تجنب الوقيعة فِي النَّاس وثلب الْمُلُوك والغلظة على المعاشر وَكَثْرَة الْغَضَب
وَتجَاوز الْحَد فِيهِ
وَقَالَ استكثر من حفظ الْأَشْعَار الأمثالية والنوادر الْحكمِيَّة والمعاني المستغربة
وَمن دُعَائِهِ رَحمَه الله قَالَ اللَّهُمَّ أعذنا من شموس الطبيعة وجموح النَّفس الردية
واسلس لنا مقاد التَّوْفِيق وَخذ بِنَا فِي سَوَاء الطَّرِيق
يَا هادي الْعمي يَا مرشد الضلال يَا محيي الْقُلُوب الْميتَة بِالْإِيمَان يَا مُنِير ظلمَة الضَّلَالَة بِنور الإتقان خُذ بِأَيْدِينَا من مهواة الهلكة نجنا من ردغة الطبيعة طهرنا من درن الدُّنْيَا الدنية بالإخلاص لَك وَالتَّقوى
إِنَّك مَالك الْآخِرَة وَالدُّنْيَا
وتسبيح أَيْضا لَهُ قَالَ سُبْحَانَ من عَم بِحِكْمَتِهِ الْوُجُود وَاسْتحق بِكُل وَجه أَن يكون هُوَ المعبود
تلألأت بِنور جلالك الأفاق وأشرقت شمس معرفتك على النُّفُوس إشراقا وَأي إشراق
ولموفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ من الْكتب كتاب غَرِيب الحَدِيث جمع فِيهِ غَرِيب أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وغريب ابْن قُتَيْبَة وغريب الْخطابِيّ
كتاب الْمُجَرّد من غَرِيب الحَدِيث
كتاب الْوَاضِحَة فِي إِعْرَاب الْفَاتِحَة
كتاب الْألف وَاللَّام
مَسْأَلَة فِي قَوْله سُبْحَانَهُ إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا
مَسْأَلَة نحوية
مَجْمُوع مسَائِل نحوية وتعاليق
كتاب رب
شرح بَانَتْ سعاد
كتاب ذيل الفصيح
الْكَلَام فِي الذَّات وَالصِّفَات الذاتيه الْجَارِيَة على أَلْسِنَة الْمُتَكَلِّمين
شرح أَوَائِل الْمفصل
خمس مسَائِل نحوية
شرح مُقَدّمَة ابْن بابشاذ وَسَماهُ باللمع الكاملية
شرح الْخطب النباتية
شرح الحَدِيث المتسلسل
شرح سبعين حَدِيثا شرح أَرْبَعِينَ حَدِيثا طبية
كتاب الرَّد على ابْن الْخَطِيب الرّيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْإِخْلَاص
كتاب كشف الظلامة عَن قدامَة شرح نقد الشّعْر لقدامة
أَحَادِيث مخرجة من الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ
كتاب اللِّوَاء الْعَزِيز باسم الْملك الْعَزِيز فِي الحَدِيث
كتاب قوانين البلاغة عمله بحلب سنة خمس عشر وسِتمِائَة
حواش على كتاب الخصائص لِابْنِ جني
كتاب الأنصاف بَين ابْن بري وَابْن الخشاب على المقامات للحريري وانتصار ابْن بري للحريري
مَسْأَلَة فِي قَوْلهم أَنْت طَالِق فِي شهر قبل مَا بعد قبْلَة رَمَضَان
تَفْسِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن
كتاب قبسة العجلان فِي النَّحْو
اخْتِصَار كتاب الصناعتين للعسكري
اخْتِصَار كتاب الْعُمْدَة لِابْنِ رَشِيق
مقَالَة فِي الوفق
كتاب الْجَلِيّ فِي الْحساب الْهِنْدِيّ
اخْتِصَار كتاب النَّبَات لأبي حنيفَة الدينَوَرِي وَكتاب آخر فِي فنه مثله
اخْتِصَار مَادَّة الْبَقَاء للتميمي
كتاب الْفُصُول وَهُوَ بلغَة الْحَكِيم سبع مقالات فرغ مِنْهُ فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وسِتمِائَة
شرح كتاب الْفُصُول لأبقراط شرح كتاب تقدمة الْمعرفَة لأبقراط
اخْتِصَار وَشرح جالينوس لكتب الْأَمْرَاض الحادة لأبقراط
اخْتِصَار كتاب الْحَيَوَان لأرسطوطاليس
تَهْذِيب مسَائِل مَا بَال لأرسطوطاليس
كتاب آخر فِي فنه مثله
اخْتِصَار كتاب مَنَافِع الْأَعْضَاء لِجَالِينُوسَ
اخْتِصَار كتاب آراء أبقراط وأفلاطن اخْتِصَار كتاب الجنسين
اخْتِصَار كتاب الصَّوْت
اخْتِصَار كتاب الْمَنِيّ
اخْتِصَار كتاب آلَات التنفس اخْتِصَار كتاب العضل
اخْتِصَار كتاب الْحَيَوَان للجاحظ
كتاب فِي آلَات التنفس وأفعالها سِتّ مقالات مقَالَة فِي قسْمَة الحميات وَمَا يتقوم بِهِ كل وَاحِد مِنْهَا وَكَيْفِيَّة تولدها
كتاب النخبة وَهُوَ خُلَاصَة الْأَمْرَاض الحادة
اخْتِصَار كتاب الحميات للإسرائيلي
اخْتِصَار كتاب الْبَوْل للإسرائيلي
اخْتِصَار كتاب النبض للإسرائيلي
كتاب أَخْبَار مصر الْكَبِير
كتاب أَخْبَار مصر الصَّغِير مقالتان وترجمة كتاب الإفادة وَالِاعْتِبَار فِي الْأُمُور الْمُشَاهدَة والحوادث المعاينة بِأَرْض مصر وَفرغ من تأليفه فِي الْعَاشِر من شعْبَان سنة ثَلَاث وسِتمِائَة بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس
كتاب تَارِيخ وَهُوَ يتَضَمَّن سيرته أَلفه لوَلَده شرف الدّين يُوسُف
مقَالَة فِي الْعَطش
مقَالَة فِي المَاء
مقَالَة فِي إحصاء مَقَاصِد واضعي الْكتب فِي كتبهمْ وَمَا يتبع ذَلِك من الْمَنَافِع والمضار
مقَالَة فِي معنى الْجَوْهَر وَالْعرض
مقَالَة موجزة فِي النَّفس
مقَالَة فِي الحركات المعتاضة
مقَالَة فِي الْعَادَات
الْكَلِمَة فِي الربوبية
مقَالَة تشْتَمل عل أحد عشر بَابا فِي حَقِيقَة الدَّوَاء والغذاء وَمَعْرِفَة طبقاتها وَكَيْفِيَّة تركيبها
مقَالَة فِي البادئ بصناعة الطِّبّ
مقَالَة فِي شِفَاء الضِّدّ بالضد
مقَالَة فِي ديابيطس والأدوية النافعة مِنْهُ
مقَالَة فِي الراوند حررها بحلب فِي جُمَادَى الْآخِرَة من سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة وَكَانَ قد وَضعهَا سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
مقَالَة فِي السقنقور
مقَالَة فِي الْحِنْطَة
مقَالَة فِي الشَّرَاب وَالْكَرم
مقَالَة فِي البحران صَغِيرَة
رِسَالَة إِلَى مهندس فَاضل عَمَلي كتب بهَا من مَدِينَة حلب
اخْتِصَار كتاب الْأَدْوِيَة المفردة لِابْنِ وَافد
اخْتِصَار كتاب الْأَدْوِيَة المفردة لِابْنِ سمحون
كتاب كَبِير فِي الْأَدْوِيَة
المفردة
مُخْتَصر فِي الحميات
مقَالَة فِي المزاج
كتاب الْكِفَايَة فِي التشريح
كتاب الرَّد على ابْن الْخَطِيب فِي شَرحه بعض كليات القانون وَألف كِتَابه هَذَا لِعَمِّي رشيد الدّين عَليّ بن خَليفَة رَحمَه الله وأرسله إِلَيْهِ وَكَانَ تأليفه لذَلِك بحلب قبل توجهه إِلَى بِلَاد الرّوم
كتاب تعقب حَوَاشِي ابْن جَمِيع على القانون
مقَالَة يرد فِيهَا على كتاب عَليّ بن رضوَان الْمصْرِيّ فِي اخْتِلَاف جالينوس وأرسطوطاليس
مقَالَة فِي الْحَواس
مقَالَة فِي الْكَلِمَة وَالْكَلَام
كتاب السَّبْعَة
كتاب تحفة الآمل
مقَالَة فِي الرَّد على الْيَهُود وَالنَّصَارَى
مقالتان أَيْضا فِي الرَّد على الْيَهُود وَالنَّصَارَى
مقَالَة فِي تَرْتِيب المصنفين
كتاب الْحِكْمَة العلائية ذكر فِيهِ أَشْيَاء حَسَنَة فِي الْعلم الإلهي وَألف كِتَابه هَذَا لعلاء الدّين دَاوُد بن بهْرَام صَاحب أرزنجان
مقَالَة على جِهَة التوطئة فِي الْمنطق
حواش على كتاب الْبُرْهَان للفارابي
كتاب الترياق فُصُول منتزعة من كَلَام الْحُكَمَاء حل شَيْء من شكوك الرَّازِيّ على كتب جالينوس
كتاب المراقي إِلَى الْغَايَة الإنسانية
ثَمَان مقالات
مقَالَة فِي ميزَان الْأَدْوِيَة المركبة من جِهَة الكميات
مقَالَة فِي موازنة الْأَدْوِيَة والأدواء من جِهَة الكيفيات
مقَالَة فِي تعقب أوزان الْأَدْوِيَة
مقَالَة أُخْرَى فِي الْمَعْنى وكشف شبه وَقعت لبَعض الْعلمَاء
مقَالَة فِي الْمَعْنى فِي جَوَاب ثَلَاث مسَائِل
مقَالَة سادسة مختصرة
مقَالَة تتَعَلَّق بموازين الْأَدْوِيَة الطبية فِي المركبات قَول أَيْضا فِي الْمَعْنى
مقَالَة فِي التنفس وَالصَّوْت وَالْكَلَام مقَالَة فِي اخْتِصَار كَلَام جالينوس فِي سياسة الصِّحَّة
انتزاعات من كتاب ديسقوريدس فِي صِفَات الحشائش
انتزاعات أُخْرَى فِي مَنَافِعهَا
مقَالَة فِي تَدْبِير الْحَرْب كتبهَا لبَعض مُلُوك زَمَانه فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَوَجَدته أَيْضا وَقد ترجمها
مقَالَة فِي السياسة العملية
كتاب الْعُمْدَة فِي أصُول السياسة
مقَالَة فِي جَوَاب مَسْأَلَة سُئِلَ عَنْهَا فِي ذبح الْحَيَوَان وَقَتله وَهل ذَلِك سَائِغ فِي الطَّبْع وَفِي الْعقل كَمَا هُوَ سَائِغ فِي الشَّرْع
مقالتان فِي الْمَدِينَة الفاضلة
مقَالَة فِي الْعُلُوم الضارة
رِسَالَة فِي الْمُمكن مقالتان
مقَالَة فِي الْجِنْس وَالنَّوْع أجَاب بهَا فِي دمشق سُؤال سَائل فِي سنة أَربع وسِتمِائَة
الْفُصُول الْأَرْبَعَة المنطقية
تَهْذِيب كَلَام أفلاطن
حكم منثورة أيساغوجي مَبْسُوط الْوَاقِعَات
مقَالَة فِي النِّهَايَة واللانهاية
كتاب تأريث الفطن فِي الْمنطق والطبيعي والإلهي
مقَالَة فِي كَيْفيَّة اسْتِعْمَال الْمنطق
وَكتب بِهَذِهِ الْمقَالة إِلَيّ من بِلَاد الرّوم
مقَالَة فِي حد الطِّبّ
مقَالَة فِي البادئ بصناعة الطِّبّ
مقَالَة فِي أَجزَاء الْمنطق التِّسْعَة مُجَلد كَبِير
مقَالَة فِي الْقيَاس
كتاب فِي الْقيَاس خَمْسُونَ كراسا ثمَّ أضيف إِلَيْهِ الْمدْخل والمقولات والعبارة والبرهان فجَاء مِقْدَاره أَربع مجلدات
مقَالَة فِي جَوَاب مَسْأَلَة فِي التَّنْبِيه على سبل السَّعَادَة الطبيعيات من السماع إِلَى آخر كتاب الْحس والمحسوس ثَلَاث مجلدات
كتاب السماع الطبيعي مجلدان
كتاب آخر فِي الطبيعيات من السماع إِلَى كتاب النَّفس
كتاب العجيب
حواش على كتاب الثَّمَانِية المنطقية للفارابي
شرح الأشكال البرهانية من ثَمَانِيَة أبي نصر
مقَالَة فِي تزييف الشكل الرَّابِع
مقَالَة فِي تزييف مَا يَعْتَقِدهُ أَبُو عَليّ بن سينا من وجود أقيسة شَرْطِيَّة تنْتج نتائج شَرْطِيَّة
مقَالَة فِي القياسات المختلطات وَالصرْف
بارير مانياس مَبْسُوط
مقَالَة فِي تزييف المقاييس الشّرطِيَّة الَّتِي يَظُنهَا ابْن سينا
مقَالَة أُخْرَى فِي الْمَعْنى أَيْضا
كتاب النصيحتين للأطباء والحكماء
كتاب المحاكمة بَين الْحَكِيم والكيميائي
رِسَالَة فِي الْمَعَادِن وأبطال الكيمياء
مقَالَة فِي الْحَواس
عهد إِلَى الْحُكَمَاء
اخْتِصَار كتاب الْحَيَوَان لِابْنِ أبي الْأَشْعَث
اخْتِصَار القولنج لِابْنِ أبي الْأَشْعَث
مقَالَة فِي السرسام
مقَالَة فِي الْعلَّة المراقية
مقَالَة فِي الرَّد على ابْن الْهَيْثَم فِي الْمَكَان
مُخْتَصر فِيمَا بعد الطبيعية
مقَالَة فِي النّخل ألفها بِمصْر سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وبيضها بِمَدِينَة أرزنجان فِي رَجَب سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة
مقَالَة فِي اللُّغَات وَكَيْفِيَّة تولدها
مقَالَة فِي الشّعْر
مقَالَة فِي الأقيسة الوضعية
مقَالَة فِي الْقدر
مقَالَة فِي الْملَل
الْكتاب الْجَامِع الْكَبِير فِي الْمنطق وَالْعلم الطبيعي وَالْعلم الإلهي وَهُوَ زهاء عشر مجلدات التَّام تصنيفه فِي نَحْو نَيف وَعشْرين سنة
كتاب المدهش فِي أَخْبَار الْحَيَوَان المتوج بِصِفَات نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ ابتدأت بكراسة مِنْهُ بِدِمَشْق سنة سبع وسِتمِائَة وكمل فِي أَرْبَعَة أشهر بحلب سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَهُوَ فِي مائَة كراس
كتاب الثَّمَانِية فِي الْمنطق وَهُوَ التصنيف الْوسط
















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید