المنشورات

عمرَان الإسرائيلي

هُوَ الْحَكِيم أوحد الدّين عمرَان بن صَدَقَة
مولده بِدِمَشْق فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
وَكَانَ أَبوهُ أَيْضا طَبِيبا مَشْهُورا
واشتغل عمرَان على الشَّيْخ رَضِي الدّين الرَّحبِي بصناعة الطِّبّ وتميز فِي علمهَا وعملها وَصَارَ من أكَابِر المتعينين من أَهلهَا وحظي عِنْد الْمُلُوك واعتمدوا عَلَيْهِ فِي المداواة والمعالجة ونال من جهتهم من الْأَمْوَال الجسيمة وَالنعَم مَا يفوق الْوَصْف
وَحصل من الْكتب الطبية وَغَيرهَا مَا لَا يكَاد يُوجد عِنْد غَيره وَلم يخْدم أحدا من الْمُلُوك فِي الصُّحْبَة وَلَا تقيد مَعَهم فِي سفر وَإِنَّمَا كل مِنْهُم إِذا عرض لَهُ مرض أَو لمن يعز عَلَيْهِ طلبه
وَلم يزل يعالجه ويطببه بألطف علاج وَأحسن تَدْبِير إِلَى أَن يفرغ من مداواته
وَلَقَد حرص بِهِ الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب بِأَن يستخدمه فِي الصُّحْبَة فَمَا فعل وَكَذَلِكَ غَيره من الْمُلُوك
وحَدثني الْأَمِير صارم الدّين التبنيني رَحمَه الله أَنه لما كَانَ بالكرك وَبِه صَاحب الكرك يَوْمئِذٍ الْملك النَّاصِر دَاوُد بن الْملك الْمُعظم
وَكَانَ الْملك النَّاصِر قد توعك مزاجه واستدعى الْحَكِيم عمرَان إِلَيْهِ من دمشق فَأَقَامَ عِنْده مديدة وعالجه حَتَّى صلح فَخلع عَلَيْهِ ووهب لَهُ مَالا كثيرا وَقرر لَهُ جامكية فِي كل شهر ألفا وَخَمْسمِائة دِرْهَم ناصرية وَيكون فِي خدمته وَأَن يسلف مِنْهَا عَن سنة وَنصف سَبْعَة وَعشْرين ألف دِرْهَم فَمَا فعل
أَقُول وَكَانَ السُّلْطَان الْملك الْعَادِل لم يزل يصله بالإنعام الْكثير وَله مِنْهُ الجامكية الوافرة والجراية وَهُوَ مُقيم بِدِمَشْق ويتردد إِلَى خدمَة الدّور السُّلْطَانِيَّة بالقلعة
وَكَذَلِكَ فِي أَيَّام الْملك الْمُعظم وَكَانَ قد أطلق لَهُ أَيْضا جامكية وجراية تصل إِلَيْهِ ويتردد إِلَى البيمارستان الْكَبِير ويعالج المرضى بِهِ وَكَانَ بِهِ أَيْضا فِي ذَلِك الْوَقْت شَيخنَا مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ رَحمَه الله وَكَانَ يظْهر من اجْتِمَاعهمَا كل فَضِيلَة ويتهيأ للمرضى من المداواة كل خير وَكنت فِي ذَلِك الْوَقْت أتدرب مَعَهُمَا فِي أَعمال الطِّبّ
وَلَقَد رَأَيْت من حسن تَأتي الْحَكِيم عمرَان فِي المعالجة وتحققه للأمراض مَا يتعجب مِنْهُ
وَمن ذَلِك أَنه كَانَ يَوْمًا قد أَتَى البيمارستان مفلوج والأطباء قد ألحوا عَلَيْهِ بِاسْتِعْمَال المغالي وَغَيرهَا من صفاتهم فَلَمَّا رَآهُ وصف لَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم تدبيرا يَسْتَعْمِلهُ ثمَّ بعد ذَلِك أَمر بفصده وَلما فصد وعالجه صلح وبرأ برأَ تَاما كَذَلِك أَيْضا رَأَيْت لَهُ أَشْيَاء كَثِيرَة من صِفَات مزاوير وألوان كَانَ يصفها للمرضى على حسب ميل شهواتهم وَلَا يخرج عَن مُقْتَضى المداواة فينتفعون بهَا
وَهَذَا بَاب عَظِيم فِي العلاج
ورأيته أَيْضا وَقد عالج أمراضا كَثِيرَة مزمنة كَانَ أَصْحَابهَا قد سئموا الْحَيَاة ويئس الْأَطِبَّاء من برئهم فبروا على يَدَيْهِ بأدوية غَرِيبَة يصفها ومعالجات بديعة عرفهَا
وَقد ذكرت من ذَلِك جملا فِي كتاب التجارب والفوائد وَتُوفِّي الْحَكِيم عمرَان فِي مَدِينَة حمص فِي شهر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقد استدعاه صَاحبهَا لمداواته















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید