المنشورات

الإضمار يناسب ما تقدم من الحذف.

من سنن العرب الإضمار إيثارا للتخفيف وثقة بفهم المُخاطب فمن ذلك إضمار "أنَّ" وحذفها من مكانها كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} 7: أي أن يريكم البرق وقال طرفة: [من الطويل]
ألا أيُّهذا الزجري أحضُرَ الوَغى ... وأن أشْهَدَ اللذاتِ هل أنتَ مخلدي. 
فأضمرَ "أنَّ" أولا ثمَّ أظهرها ثانيا في بيت واحد وتقديره: ألا أيهذا الزاجري أن أحضُرَ الوغى. وفي ذلك يقول بعض أدباء الشعراء: [من المتقارب]
تَفَكَّرت في النَّحوِ حتى مَلِلْتْ ... وأَتْعَبْتُ نَفْسي لَهُ والبَدَنْ.
فَكنت بِظاهِرِهِ عالماً ... وكنت بباطنه ذا فِطَنْ.
خلا أنَّ باباً عليهِ العفاء ... في النَّحوِ يا ليتهُ لمْ يَكُنْ.
إذا قُلتُ لِمْ قيلَ لي هكذا ... على النَّصبِ؟ قيلَ بإضمارِ أنْ.
ومن ذلك إضمار "مَنْ" كقوله عزَّ وجَلَّ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} 1 أي إلا من له. ومن ذلك إضمار "مِنْ" كما قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} 2 أي من قومه. ومن ذلك إضمار "إلى" كما قال جلَّ جلاله: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} 3 أي إلى سيرتها الأولى. ومن ذلك إضمار الفعل كما قال الله عزَّ وجلَّ: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} 4 وتقديره: فضُرِبَ فيُحيي كذلك يُحيي الله الموتى. ومثله: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} 5 وتقديره: فضرب فانفَجَرَت. ومثله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 6 وتقديره: فَحَلَقَ ففديَة. ومن ذلك إضمار "القول" كما قال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} 7؟ في ضمنه "قيقال لهم: أكفرتم" لأن "أمَّا" لا بدَّ لها في الخبر من فاء فلمّا أضمر القول أضمر الفاء ومثله: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ} 8 أي يقولون: هذا يومكم. وقال الشنفرى: [من الطويل]
فلا تدفنوني إنَّ دَفني مُحَرَّمٌ ... عليكُمْ ولكنْ خامري أمَّ عامِرِ.
أي التي يقال لها: خامري أم عامر وهي الضبع.







مصادر و المراجع :

١-فقه اللغة وسر العربية

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

المحقق: عبد الرزاق المهدي

الناشر: إحياء التراث العربي

الطبعة: الطبعة الأولى 1422هـ - 2002م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید