المنشورات

الماليخوليا والأغذية السوداوية

والمضادة لَهَا والمستعدين للماليخوليا وبالضد الثَّالِثَة من الْأَعْضَاء الآلمة الوسواس السوداوي لَا يكون من البلغم الْبَتَّةَ وَيكون من الْخَلْط الْأسود. لَا من الْمرة السَّوْدَاء الردية الَّتِي من احتراق الصَّفْرَاء فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون من هَذَا الْخَلْط الِاخْتِلَاط الردى الَّذِي مَعَه توثب على النَّاس وحدّة ألف شَدِيدَة قَالَ وَقد يكون الوسواس السوداوي إِمَّا أَن يكون لِأَن مَا فِي الدِّمَاغ نَفسه من الدَّم الَّذِي فِي عروقه وَقد تغير إِلَى السوداوية وَلَيْسَ دم سَائِر الْبدن كَذَلِك أَو يكون الدَّم الَّذِي فِي سَائِر الْبدن كَذَلِك قَالَ وَالدَّم الَّذِي فِي عروق الدِّمَاغ تميل إِلَى السوداوية إِمَّا لِأَنَّهُ يتَوَلَّد فِيهِ نَفسه وتولده يكون من حرارة كَثِيرَة فِي الْموضع نَفسه يحرق ذَلِك الدَّم ويشيطه وَإِمَّا أَن ينصب إِلَيْهِ من جَمِيع الْبدن وَإِذا كَانَ الدَّم الَّذِي فِي جَمِيع الْبدن سوداوياً فابدأ بالفصد والإسهال وَإِمَّا إِن كَانَ الَّذِي فِي الرَّأْس مِنْهُ فَقَط كَذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى فصد لهَذِهِ الْعلَّة اللَّهُمَّ إِلَّا لشَيْء آخر يحْتَاج فِيهِ إِلَى الفصد وميز هَل الدَّم السوداوي فِي الْبدن كُله أَو فِي الرَّأْس وَحده من حَال الْبدن فَإِن الْأَبْيَض السمين قل مَا يتَوَلَّد فِيهِ والقضيف الشَّديد الأدمة والازب الْوَاسِع الْعُرُوق يتَوَلَّد فِيهِ هَذَا الْخَلْط وَالْبدن الْأَحْمَر اللَّوْن جدا رُبمَا يَعْتَرِيه المزاج السوداوي وَبعد هَذَا صَاحب الْبدن الْأَشْقَر وخاصة إِذا كَانُوا قد تعبوا تعباً شَدِيد أَو اهتموا ولطفوا التَّدْبِير.
وَانْظُر هَل احْتبسَ استفراغ دم سوداوي أَو غَيره كَانَ يعتاده من بواسير أَو طمث أَو خلفة أَو قيء وَهل كَانُوا يستعملون الأغذية المولدة للسوداء مثل لُحُوم الْمعز وَالْبَقر وَلَا سِيمَا الثيران والتيوس من الْمعز وَلُحُوم الْحمير وَالْجَزُور والثعالب والأرانب والخنازير الْبَريَّة والأصداف أَو النمكسود من كل حَيَوَان.
والكرنب يُولد السَّوْدَاء كثيرا وقضبان الشّجر الَّذِي يكبس بالملح وَحدهَا أَو مَعَ الْخلّ لي هَذِه كالرواصيل والكواميخ والعدس فِي غَايَة التوليد للسوداء والجبن الْعَتِيق وَالْخبْز الَّذِي لَيْسَ ينقى من)
النخالة إِذا أدمن والبذور الردية وَالشرَاب الغليظ الْأسود من أَكثر شَيْء فِي توليد السَّوْدَاء وَمَتى أَكثر الْإِنْسَان مِنْهُ ثمَّ نالته حرارة بِسَبَب عَارض من تَعب أَو غَيره والجبن الْعَتِيق والإكثار من الرياضة والحميات الطَّوِيلَة أَو الحادة والأدوية والأغذية المسخنة أَو عجز الطحال عَن جذب السَّوْدَاء فَإِن كل هَذِه مَعَ حَال الْهَوَاء وَسن العليل يدلّك هَل دَمه سوداوي أم لَا فَإِذا نظرت فِي هَذِه فحقق ذَلِك كُله بفصد الْعرق فَإِن رَأَيْت الدَّم اسود فَأرْسلهُ بِقدر الْقُوَّة وَإِن رَأَيْته صافياً وَمن الوسواس السوداوي صنف آخر يكون ابتداؤه من الْمعدة وَيُسمى المراقى وَيتبع هَذِه الْعلَّة جشاء حامض وبزاق رطب كثير وحرقة فِيمَا دون الشراسيف وقرقرة تحدث بهم بعد أَن يَأْكُلُوا بِوَقْت صَالح ألف وَرُبمَا هاج بهم مَعَ ذَلِك وجع فِي الْبَطن لَا يسكن حَتَّى يستمرى الطَّعَام وَإِذا تعبوا تقيئوا طعامهم نيا على حَاله مَعَ ضروب بلاغم حامضة بضرس ومرار حاد ويعرض لَهُم فِي هَذِه الْعلَّة على أَكثر الْأَمر مُنْذُ الصبى ثمَّ يطول بهم.
قَالَ وَقَالَ ديوقلس وَالْعلَّة فِي هَذَا الصِّنْف إِن مَا فِي الماساريقا مِنْهُم حرارة مُجَاوزَة الْمِقْدَار وَإِن دمهم فِي ذَلِك الْموضع قد غلظ وَالدَّلِيل على أَن الْعلَّة بهم فِي هَذِه الْعُرُوق أَن الْغذَاء لَا يصل إِلَى أبدانهم.
وَقد قَالَ قوم أَن بهم فِي نَاحيَة البواب ورم حَار وَدَلِيل ذَلِك إِن طعامهم يبْقى إِلَى الْيَوْم الثَّانِي لِأَنَّهُ ينفذ إِلَى أَسْفَل وَيعلم أَن بهم ورما حاراً من الحرقة الَّتِي تعرض لَهُم وَمن انتفاعهم بالأغذية الْبَارِدَة.
قَالَ جالينوس والأعراض المقوية لهَذِهِ الْعلَّة التفرغ وخبث النَّفس وَالْأَمر فِي أَن معدهم ممتلية رياحاً وَإِنَّهُم يَجدونَ للجشاء وللقيء خَفَاء ظَاهرا وديوقلس لم يذكر كَيفَ يعرض لَهُم من الورم الْحَار فِي الْمعدة وأعراض الماليخوليا وَلَعَلَّه عسر عَلَيْهِ ذَلِك وَنحن نشرحه.
فَنَقُول إِنَّه يشبه أَن يكون فِي الْمعدة من هَؤُلَاءِ شَيْء من الورم الْحَار الدموي وَالدَّم المحتقن فِي ذَلِك الْموضع أَشد غلظاً وَأقرب إِلَى السوداوية فيصعد مِنْهُ بخار سوداوي إِلَى الدِّمَاغ فتعرض عِنْد ذَلِك أَعْرَاض الماليخوليا كَمَا إِنَّه إِذا صعد إِلَى الرَّأْس بخار لطيف أحدث فِي الْعين أَعْرَاض المَاء وَإِذا صعدت عَلَيْهِ أبخرة الصَّفْرَاء حدث الصداع والأكال قَالَ ويعرض لَهُم من التخيلات أَشْيَاء عَجِيبَة متفننة حَتَّى أَن أحدهم ظن إِنَّه قد صَار خزفا وَآخر إِنَّه ديك وَآخر خَافَ من وُقُوع السَّمَاء عَلَيْهِ وَبَعْضهمْ يحب الْمَوْت وَبَعْضهمْ يفزع مِنْهُ والفزع وَالْخَوْف لَازم لَهُم فِي كل حِين)
وَالسَّبَب فِي ذَلِك بخارات السَّوْدَاء إِذا صعدت إِلَى الدِّمَاغ ووحشة كَمَا يتوحش النَّاس من الظلمَة فَإِذا تغير مزاج الدِّمَاغ تَغَيَّرت لذَلِك أَفعَال النَّفس قَالَ فَمَتَى حدثت هَذِه الْأَعْرَاض فِي الْمعدة ثمَّ تبع ذَلِك أَعْرَاض الماليخوليا وَكَانَ العليل إِنَّمَا يجد الْخُف والراحة بالقيء والجشاء وَالْبرَاز وجودة الهضم فالعلة مراقية والفزع وخبث النَّفس عرض تَابع فَأَما مَتى كَانَت الْأَعْرَاض الْخَاصَّة بالوسواس السوداوي عَظِيمَة فَلَيْسَتْ مراقية لي فقد أَشَارَ إِلَى أَن المراقية ألف لَا يكون مَا يتبعهَا من أَعْرَاض الماليخوليا عَظِيما وَكَذَلِكَ وجدته فِيمَا رَأَيْته والمعدة إِمَّا أَن لَا يُوجد فِيهَا شَيْء من هَذِه الْأَعْرَاض وَإِمَّا يُوجد شَيْء قَلِيل فالعلة فِي الدِّمَاغ نَفسه وَحِينَئِذٍ فَانْظُر فِي الدِّمَاغ نَفسه يتَوَلَّد ذَلِك الدَّم السوداوي أم فِي الْبدن كُله بالدلائل الَّتِي ذكرت فَإِذا لم تكن تِلْكَ مَوْجُودَة وَلم يكن الْبدن مِمَّا يُولد سَوْدَاء فمل إِلَى أَن الْعلَّة فِي الرَّأْس وَيكون أَكثر ذَلِك بعقب عِلّة حادة تصيب الرَّأْس إِمَّا احتراق فِي الشَّمْس وَإِمَّا قرانيطس أَو صداع دَائِم وَسَائِر مَا يحمى الرَّأْس وَقد يكون أَيْضا فِي عقب السهر الطَّوِيل وَأَنا أعالج هَذَا الْجِنْس بالاستحمام الْمُتَوَاتر والأغذية المولدة للخلط الْجيد الرطب وَلَا أحتاج إِلَى غير ذَلِك مَا دَامَت الْعلَّة لم تطل فَيصير الْخَلْط عسر الْقلع وَالْخُرُوج عَن مَوْضِعه وَأما إِذا أزمنت فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى أَشْيَاء أبلغ مِنْهَا لي يمْنَع أَن يكون السَّبَب فِي المراقية ورما حارا أَو ثبات الطَّعَام نيا بِحَالهِ والجشاء الحامض والبزاق الرطب الْكثير الْمِقْدَار والقيء الَّذِي يضرس وَأكْثر من ذَلِك كُله إِنَّه لَيْسَ هُنَاكَ حمى فَإِنَّهُ لَيْسَ أعجب من أَن يكون ورما حارا فِي ماساريقا وَلَا يتبعهُ عَطش وَلَا حمى وَلَا قيء مرار صرف وَلَيْسَ شَيْء فِيمَا يظْهر يقوى هَذَا الرَّأْي بل كُله ينقصهُ إِلَّا إِن انتفاعهم بالأغذية الْبَارِدَة وتستخبر بعلة ذَلِك وَكَثْرَة النفخ فِيهَا أَيْضا لَيْسَ مِمَّا يلْزم الورم الْحَار لَكِن الاشبه أَن تكون هَذِه الْعلَّة سَببهَا كَثْرَة مَا يبطن فِي الْمعدة من السَّوْدَاء عَن الطحال وَالدَّلِيل على ذَلِك إِنَّهُم كلهم مطحولون كَمَا قد ذكر جالينوس فِي الْخَامِسَة من هَذَا الْكتاب وَهَذَا قَوْله.
فَأَما الْعلَّة الْمَعْرُوفَة بالمراقية فَإِن صَاحبهَا يكون حَزينًا آيسا من الْخَيْر ويشتد عَلَيْهِم مَتى اتخموا وجلهم مَعَ ذَلِك مطحولون وَهَذَا مِمَّا يَدْعُو إِلَى أَن هَذَا الْعُضْو قد تنصب مِنْهُ إِلَى الْمعدة رُطُوبَة ردية من جنس الصديد وَإِنَّمَا يعرض لَهُم سوء الهضم من برد معدهم وَلذَلِك يبْقى الْغذَاء فِي معدهم بِحَالهِ وجلهم بِكَثِير الْأكل لِأَن السَّوْدَاء يهيج الشَّهْوَة الْكُلية بلذعها لفم الْمعدة كَمَا يفعل الْخلّ والأشياء الحامضة والنفخ يلْزمهُم لفساد الهضم ولضعف الْحَرَارَة وَمن نفخ السَّوْدَاء أَيْضا)
الْخَاصَّة بهَا والوجع من حر السَّوْدَاء ولذعها للمعدة وانتفاعهم بالأشياء الْبَارِدَة يكون لِأَنَّهَا تعدل فِي الْمعدة لِأَن هَذِه الأغذية رطبَة فتصلح من رداءة السَّوْدَاء وحدتها ألف وَلَيْسَ ينْتَفع بهَا على طَرِيق قلع الْعلَّة لِأَنَّهَا لَا تفعل ذَلِك فيهم إِلَّا إِذا أزمنت زَمَانا طَويلا لِأَن الْخَلْط الْأسود إِنَّمَا يتَوَلَّد من حر الكبد وَالطحَال يمتار هَذَا الْخَلْط مِنْهُ فَإِذا قل تولده على امتياره مِنْهُ قل لذَلِك مَا يَدْفَعهُ إِلَى الْمعدة وَهُوَ أعظم علاج الماليخوليا وَيعلم أَن نفع الْبَارِدَة لَهُم على مَا ذكرنَا لَا على طَرِيق مَا يطغى ذَلِك لسوء مزاج لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك كَانُوا سيدمنونها وَلكنه يهيج بهم مِنْهَا نفخ وينقلون عَلَيْهَا فَلذَلِك يدعوننا اذلا معرفَة عِنْدهم بِأَنَّهُم لَو أزمنوها قلعت عَنْهُم وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ مِنْهَا بتسكين وجع الْمعدة إِذا هاج سَاعَة فَقَط وَقد سقيت رجلا ميفختجا وَمَاء الشّعير أُرِيد بذلك اسْتِبْرَاء هَذَا الْأَمر فَكَانَ انتفاعه بالميفختج فِي تسكين الوجع أَكثر وَكَانَ احْمَد عَاقِبَة وَهَذَا الْكَلَام يَنْبَغِي أَن يفرد لمقالة لي جمَاعَة علاج الماليخوليا عَلَيْك فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلين بترطيب الْبدن فَإِنَّهُ إِذا رطب برأَ الْبَتَّةَ وَلَا تدع استفراغ الْخَلْط الْأسود فِي خلال ذَلِك بالإسهال الدَّائِم والفصد إِن احتجت إِلَيْهِ وَترك الأغذية المولدة للسوداء وَالتَّدْبِير المطف بل اسْتعْمل المغلظ فَإِن تَكْثِير الْخَلْط البلغمي فِي الْبدن يبرؤ الوسواس السوداوي وَإِمَّا المراقية فَخذ فِي تَدْبِير الكبد لِئَلَّا يكثر تولد السَّوْدَاء فِيهَا فَإِن لم يتهيأ فَعَلَيْك بإدمان الاستفراغ للخلط الْأسود بالإسهال ثمَّ جوارشات تسهل السَّوْدَاء وتقوى فَم الْمعدة ويحط النفخ إِذا أدمنتها فِي أَيَّام الرَّاحَة كالمتخذ من الهليلج الْأسود والإفتيمون والكندر وقوفم الْمعدة كل يَوْم بالافسنتين والكندر فَإِذا فسد الطَّعَام لِئَلَّا يخالط الطَّعَام فلتقيئه ثمَّ يَأْكُل بعد استنظاف الأول وقيئه قبل الطَّعَام لِئَلَّا يخالط الطَّعَام مَا قد سبق وسال وخاصة مَتى أحس بالحموضة قبل الطَّعَام واعطه الأغذية الحلوة الدسمة وَلَا تُفَارِقهُ إسهال السَّوْدَاء وفصد الباسليق والمحاجم على الطحال والأدوية المحمرة.
السَّادِسَة من الْأَعْضَاء الآلمة قَالَ إِن الطحال إِذا كَانَت فِيهِ علل وَدفع عَن نَفسه فضلا رديا فَرُبمَا صبه إِلَى فَم الْمعدة فأحدث الماليخوليا قَالَ إِن الطحال إِذا صب إِلَى فَم الْمعدة فضلا سوداويا أورث كآبة والوسواس السوداوي وَرُبمَا يهيج الشَّهْوَة وَرُبمَا لم تهج بِهِ وأفسد الهضم فِي الْحَالين جَمِيعًا من قوى النَّفس قَالَ فِي الماليخوليا يغلب على النَّفس بَغْتَة الْهم والفزع واليأس من الْخَيْر ويعرض أضداد ذَلِك من سَبَب ضد ذَلِك جَوَامِع الثَّالِثَة من الْأَعْضَاء الآلمة ألف قَالَ إِذا كَانَ الدِّمَاغ قد اجْتمع فِيهِ خلط سوداوي فَحِينَئِذٍ نق الْبدن بالخربق الْأسود لي هَذَا هُوَ مَا)
قَالَ جالينوس يحْتَاج إِلَى علاج أقوى من هَذَا وَإِذا كَانَ يصير إِلَيْهِ هَذَا الْخَلْط من الْمعدة فعلامته أَن تخف أعراضه إِذْ أحس استمراء وبالضد وَكَثْرَة الجشاء والقراقر والبزاق والالتهاب والوجع بَين الْكَتِفَيْنِ والوجع البلغمي والمراري.
وَإِن كَانَ جَمِيع دَمه سوداويا فافصده وَتعلم أَن الدَّم السوداوي فِي الدِّمَاغ وَحده وَلَيْسَ الوسواس عَن جَمِيع الدَّم الَّذِي فِي الْبدن وَلَا مراقى من أَن لَا يكثر أعراضه وَلَا يقوى بعقب التخم وَلَا يخف بعقب حسن الاستمراء وَلَا الْبدن مِمَّا يُولد سَوْدَاء وَلَا دَمه إِذا فصدته أسود وَيكون قد تقدم ذَلِك هم أَو سهر ويعرض كثيرا للشمس ويداوى هَذَا النَّوْع بالحمام بِالْمَاءِ العذب الفاتر وترطيب الرَّأْس بالأغذية الجيدة الْخَلْط.
وَمَا كَانَ من الْعُرُوق فبالفصد والمراقية بالحقن وَفِي بَاب الصرع دَوَاء عَجِيب للماليخوليا.
السَّادِسَة من الْفُصُول قَالَ كَانَ رجل يجْرِي مِنْهُ دم بواسير فاحتبس فَحدث مِنْهُ وسواس سوداوي فاستفرغته أخلاطاً سوداويا فبرأ ثمَّ كنت استفرغه أبدا مِنْهَا إِذا شعر بِالْعِلَّةِ فيسكن عَنهُ مَعَ استفراغها مَا كَانَ بَدَأَ بِهِ من ذَلِك الوسواس ويستفيد بالإسهال معينا لاستفراغ الْخَلْط الْأسود وَكَانَ الدَّوَاء يفتح بواسيره أَيْضا فَيجْرِي مِنْهُ الدَّم الردى ليقال فِي أَن قوى النَّفس أقوى يجب مِنْهُ أَن يشرب الشَّرَاب بإعتدال عِنْد الماليخوليا وَلَا شَيْء افضل لَهُ مِنْهُ وَلَا علاج أبلغ فِي رفع الماليخوليا من الأشغال الاضطرارية الَّتِي فِيهَا مَنَافِع أَو مَخَافَة عَظِيمَة تملأ النَّفس وتشغلها جدا والأسفار والنقلة فَإِنِّي رَأَيْت الْفَرَاغ أعظم شَيْء فِي توليده والفكر فِيمَا مضى وَكَانَ يكون وَيَنْبَغِي أَن يعالج هَذَا الدَّاء بالأشغال فَإِن لم يتهيأ فبالصيد وَالشطْرَنْج وَشرب الشَّرَاب والغناء والمباراة فِيهِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَجْعَل للنَّفس شغلاً عَن الأفكار العميقة لِأَن النَّفس إِذا تفرغت تفكرت فِي الْأَشْيَاء العميقة الْبَعِيدَة وَإِذا فَكرت فِيهَا فَلم تقدر على بُلُوغ عللها حزنت واغتمت واتهمت عقلهَا فَإِذا زَاد وقوى فِيهَا هَذَا الْعرض كَانَ ماليخوليا وَقد برِئ غير وَاحِد مِنْهُم بهدم وَقع أَو بغرق أَو حرق أَو خوف من سُلْطَان ألف وكل هَذَا يدل على أَن النَّفس إِذا عرض لَهَا بَغْتَة أَمر اضطراري شغلها عَن الْعِنَايَة والفكر بِغَيْرِهِ لي الماليخوليا قد يكون والأخلاط جَيِّدَة وَلَا يحْتَاج إِلَى دوائه وَيكون ذَلِك من فكره فِي شَيْء مَا يدْفع وعلاج هَذَا النَّوْع يكون بِحل ذَلِك الْفِكر فَإِنَّهُ كَانَ رجل شكا إِلَيّ وسألني أَن أعَالجهُ من مرّة زعم سوداوية فَسَأَلته مَا يجد فَقَالَ أفكر فِي الله تَعَالَى من أَيْن جَاءَ وَكَيف ولد الْأَشْيَاء فَأَخْبَرته أَن هَذَا فكر يعم الْعُقَلَاء أجمع فبرأ)
من سَاعَته قد كَانَ اتهمَ عقله حَتَّى إِنَّه كَاد أَن يقصر فِيمَا يسْعَى فِيهِ من مَصَالِحه وَغير وَاحِد من هَؤُلَاءِ عالجته بِحل فكره.
الثَّالِثَة من السَّادِسَة من ابيذيميان أَصْحَاب المراقية يشتهون الْجِمَاع شَهْوَة دائمة ويعرض لَهُم إِذا استعملوه انتفاخ فِي الْبَطن خَاصَّة لمن اسن مِنْهُم وَإِنَّمَا تكْثر شهوتهم للجماع لِأَن الرِّيَاح تكْثر فيهم فِيمَا دون الشراسيف وَالْجِمَاع يُخَفف عَنْهُم ذَلِك قَالَ وَأَصْحَاب الماليخوليا لَا يخلون أَن يفزعوا من شَيْء مَا لِأَن هَذِه الْعلَّة إِنَّمَا هِيَ الْفَزع من شَيْء مَا فَإِذا كَانَت خَفِيفَة خُفْيَة فزعوا من شَيْء أَو شَيْئَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَإِذا كَانَت ظَاهِرَة فزعوا من أَشْيَاء كَثِيرَة.
الْخَامِسَة من السَّادِسَة قَالَ الْجِمَاع يضر لصَاحب الوسواس السوداوي. قَالَ فِي الثَّامِنَة من السَّادِسَة أَصْحَاب الوسواس السوداوي قد يتقيئون خلطاً أسود فَرُبمَا خف بذلك عَنْهُم مرضهم وَرُبمَا لم يخف.
الْيَهُودِيّ قَالَ الماليخوليا إِذا خف بعقب لين الْبَطن وَخُرُوج الرِّيَاح والاستمراء التَّام فالعلة مراقية قَالَ وَمن كَانَ من أَصْحَاب الماليخوليا شَدِيد الْحزن فالفه فِي مجالسة النَّاس وَالشرَاب والغناء والأسفار الطَّوِيلَة والنقلة. الطَّبَرِيّ قَالَ الوسواس يكون من الْحر واليبس وَقد صدق فَإِن الماليخوليا لَيْسَ بوسواس بل إِنَّمَا هُوَ تفرغ وظنون كَاذِبَة.
اهرن قَالَ المراقية علامتها أَن يعرض لأصحابها نفخة إِذا طعموا وخاصة إِن كَانَ شَيْء بطى الهضم وجشاء حامض والتهاب فِي المراق وقراقر ووجع شَدِيد يبلغ من الْبَطن إِلَى بَين الْكَتِفَيْنِ وَلَا يسكن إِلَّا بعد الهضم ثمَّ يهيج إِذا طعموا أَيْضا. 

وَقد يعرض أَيْضا ذَلِك أَحْيَانًا عِنْد خلاء الْبَطن وَالصَّوْم وَيكون مَا يتقيئوه بضرس من حموضة مَعَ حراقة ويعرض ذَلِك للصبيان فَكلما شبوايزيد ذَلِك بهم.
قَالَ ألف وينتفعون بِالطَّعَامِ الْبَارِد ويستريحون إِلَيْهِ قَالَ وَإِن طَال الْمقَام بأصحاب الماليخوليا فِي غم ووحشة أَو هول اخْتلطت عُقُولهمْ فَإِذا رَأَيْت الماليخوليا من غير هَذِه أَعْرَاض فَلَيْسَتْ مراقية فعالج الكاين من الدَّم فِي الْبدن كُله الْأسود بفصد الأكحل ثمَّ بإسهال السَّوْدَاء متوترا ثمَّ بالأغذية الجيدة الْخَلْط وَمَا كَانَ فِي الرَّأْس وَحده فبالسعوط والغرور والأطلية اللطيفة الحارة لي ينظر فِي ذَلِك والمراقية بالأغذية اللطيفة وجودة الهضم وَالْحمام وعالج جَمِيعهم بِالْحَدَثِ وَالسُّرُور والفرح وأطعمهم الزيرباجات واسقهم شرابًا لذيذا طيبا وَإِن فصدتهم فَلم تَرَ الدَّم أسود فَاعْلَم إِنَّه)
قد أَخْطَأت فِي حدسك بِأَن الدَّم كُله أسود فاقطعه مَكَانك وَإِن كَانَ أسود فَاسْتَكْثر من إِخْرَاجه وَأَصْحَاب المراقية فاسهلهم إِن كَانَت معدهم قَوِيَّة فِي مرّة وَاحِدَة والافغى مرار كَثِيرَة قَلِيلا قَلِيلا وعالج الرَّأْس فِي الْعلَّة الْأُخْرَى بعد سَائِر العلاج بِمَا يُقَوي الرَّأْس لِئَلَّا يقبل مَا يصعد إِلَيْهِ من بخار الْبَطن واسقه سكنجبينا فَإِنَّهُ ينقي الْمعدة واحقنه إِن احْتَاجَ بالحقنة اللينة واسعطه بالطيب ليقوى رَأسه بِمثل هَذَا مسك جزؤ كافور نصف جزؤ زعفران وصبر جزؤ جزؤ سكر طبرزد جزؤين اسعطه بدانق بِلَبن جَارِيَة لي تَقْوِيَة الدِّمَاغ وَاجِب فِي هَذِه الْعلَّة إِلَّا الرَّابِعَة من النبض قَالَ فَلِأَن نبض الْعرق الْعَظِيم المستبطن بِعظم الصلب يظْهر فِي الموسوسين فِي بَعضهم عِنْد الهزال المفرط.
بولس قَالَ الماليخوليا إِمَّا لغَلَبَة السَّوْدَاء على الدِّمَاغ وَحده وَإِمَّا لِأَن الْبدن كُله سوداوي وَإِمَّا لِأَن الْبَطن ورمه حَار فِي الجداول قد طَال احتباسه فتصعد مِنْهُ بخارات سوداوية وَهَذِه الْعلَّة تسمى المراقية ويعمها كلهَا الْخَوْف وخبث النَّفس والأفكار الردية الْبَاطِلَة وَالْغَم الْبَاطِل وَرُبمَا كَانَ مَعَه ضحك وَقد يحدث فِي التَّدْبِير السوداوي المزاج واحتباس أَشْيَاء كَانَت تستفرغ فاستدل على الشراسيفى بِفساد الهضم والجشاء الحامض والثقل فِي الْبَطن والحرقة وانجذاب المراق إِلَى فَوق وتخفف هَذِه الْأَعْرَاض بجودة الهضم وتلين الْبَطن وَخُرُوج الرِّيَاح والقيء والجشاء فَإِذا لم يظْهر هَذَا وَلَا كَانَ الْبدن سوداويا فَإِن الْعلَّة فِي الدِّمَاغ مُفردا فعالج الَّذِي من الدِّمَاغ بانفراد بالإكثار من الْحمام وَالتَّدْبِير المولد للخلط الْجيد المرطب وَمَا يطيب النَّفس وَلَا يحْتَاج إِلَى علاج آخر غير الترطيب إِذا لم يكن مزمنا فَإِن كَانَ مزمنا فاسهل أَولا مَرَّات كَثِيرَة بِرِفْق واعطه بعد طبيخ الافسنتين ويتجرع عِنْد النّوم شَيْئا من الْخلّ الثقيف ويصطبغ بِهِ كثيرا والأجودان يكون فِيهِ عنصل أَو جعدة أَو زراوند لي ينظر فِيهِ إِذا كَانَ دم الْبدن كُله أسود فافصده أَولا ثمَّ أرحه ليقوى ثمَّ أسهله بالخربق الْأسود أَو بقثاء الْحمار وَافْتَحْ أَفْوَاه البواسير إِن كَانَت بِهِ وإدرار الْبَوْل والعرق نَافِع لَهَا وَلَا ينظر فِيهِ وَإِذا كَانَ الوجع فِي الشراسيف فكمد تِلْكَ الْمَوَاضِع ونطلها بطبيخ السداب والشبت والافسنتين والفوتنج والفنجنكشت وَحب الْغَار فَإِن هَذِه تسكن الوجع وتحط النفخ والأجود أَن يصير فِي الضماد سعد أَيْضا وَاصل السوس وَشَجر مَرْيَم وتترك هَذِه الأضمدة زَمَانا طَويلا على هَذِه الْمَوَاضِع وَيكون الْمَرِيض قد يجوع وضع عَلَيْهِ المحاجم بالنَّار فَإِن كَانَ هُنَاكَ وجع وورم حَار فليستعمل الشَّرْط أَيْضا وعالج بالخردل وضع عَلَيْهِ الأضمدة المحللة القوية)
المحمرة فِيمَا بَين الْكَتِفَيْنِ والبطن أَيْضا وَإِذا طَالَتْ هَذِه الْعلَّة فَاسْتعْمل الْقَيْء بالخربق وَبِالْجُمْلَةِ فَلْيَكُن تدبيرهم وتدبير كل من بِهِ مرض سوداوي مَا يُولد خلطا جيدا ويرطب وَيمْنَعُونَ مِمَّا يُؤَكد السَّوْدَاء.
الْإِسْكَنْدَر الافروديسي قَالَ ليَدع أَصْحَاب السَّوْدَاء الكرنب والجرجير والخردل والثوم وَلُحُوم الْبَقر الغليظة واليابسة والحزيفة والحامضة وَالْملح يُولد مرّة وليلزموا اللَّهْو الدَّائِم وَاللَّذَّات وَالْحمام وَالصَّيْد واشغال الْفِكر والانتقال.
شَمْعُون قَالَ أَعْرَاض الماليخوليا الكآبة والحزن وَالْخَوْف والضجر وبغض النَّاس وَحب الْخلْوَة والضجر بِنَفسِهِ وبالناس قَالَ أدخلهُ الآبزن فِي بَيته لَا فِي الْحمام وأعطه الْأَطْعِمَة الرّطبَة الدسمة السريعة الهضم وأسهله سَوْدَاء وليسافر وينتقل فِي الْمنَازل وليجتمع مَعَ النَّاس على الشَّرَاب ابْن مَا سويه فِي كِتَابه فِي الماليخوليا قَالَ سُقُوط الشَّهْوَة فِي هَذِه الْعلَّة ردية لِأَنَّهَا تكون من اليبس وَقلة الْأكل تجفف جدا.
الثَّالِثَة من مسَائِل أبيذيميا قَالَ يسهل الْوُقُوع فِي الوسواس السوداوية لمن كَانَ حَار ألف الْقلب رطب الدِّمَاغ لِأَنَّهُ بِسَبَب حرارة الْقلب يكثر تولد السَّوْدَاء وبسبب رُطُوبَة الدِّمَاغ قبُوله لما يصعد إِلَيْهِ وتأثره عَنهُ.
المستعدون للماليخوليا أَصْحَاب اللثغة والحدة وخفة اللِّسَان وَكَثْرَة الطَّرب واللون المفرط الْحمرَة والأدمة وَكَثْرَة الشّعْر وخاصة فِي الصَّدْر وسواده وغلظه وسعة الْعُرُوق وَغلظ الشفتين لِأَن بعض هَذِه الدَّلَائِل تدل على رُطُوبَة الدِّمَاغ وَبَعضهَا على غَلَبَة الْخَلْط الْأسود.
أريباسوس قَالَ عالج الشراسيفى بالقيء والإسهال والجشاء والهضم الْجيد وَإِذا كَانَ التفزع وخبث النَّفس قَوِيا فَلم يتَبَيَّن فِي الْبَطن فَسَاد فالعلة فِي الدِّمَاغ ويعالج بإدمان الْحمام والأغذية المرطبة فَإِن كَانَت عسرة مزمنة فيقيئون بالافتيمون وَالصَّبْر تنقية جَيِّدَة متواترة فَإِن لم ينجع فبشحم الحنظل والخربق.
أغلوقن قَالَ الْعلَّة الَّتِي لَهَا تكْثر السَّوْدَاء فِي الْعُرُوق إِمَّا أَن يكون الكبد حارة يُولد دَمًا سخنا أسود وَإِمَّا أَن يكون الطحال لَا يجذب هَذَا الْفضل وَإِمَّا أَن تكون الأغذية تولد السَّوْدَاء. 

الصُّحُف معجون عَجِيب للسوداء والسدر افتيمون بسفايج خَمْسَة خَمْسَة حِجَارَة أرمينية ثَلَاثَة دَرَاهِم أهليلج كابلى سَبْعَة دَرَاهِم غاريقون واسطو خودوس عشرَة عشرَة ملح هندي)
شَحم حنظل هليلج آملج حاشا خربق أسود ثَلَاثَة ثَلَاثَة تَرَبد عشرُون درهما يعجن بسكنجبين الْعَسَل.
روفس فِي كِتَابه للمرة السَّوْدَاء قَالَ الماليخوليا يجب أَن يدارك فِي ابْتِدَائه والأعسر علاجه من جِهَتَيْنِ من قبل تمكن الْخَلْط وَمن قبل عسر إِجَابَة العليل إِلَى الْقبُول وعلامة ابْتِدَائه أَن يعرض للْإنْسَان خوف وفزع وَظن ردى فِي شَيْء وَاحِد وَيكون سَائِر أَسبَابه لَا عِلّة بهَا مثل أوهامهم أَن مِنْهُم يخَاف الرَّعْد أَو يولع بِذكر الْمَوْت أَو بالاغتسال أَو يبغض طَعَاما أَو شرابًا أَو نوعا من الْحَيَوَان ويتوهم إِنَّه قد ابتلع حَيَّة أَو نَحْو ذَلِك فيدوم فيهم بعض هَذِه الْأَعْرَاض مُدَّة ثمَّ تقوى وَتظهر أَعْرَاض ماليخوليا كَامِلَة ويشتد على الْأَيَّام فَإِذا رَأَيْت شَيْئا مِنْهَا فبادر بالعلاج.
قَالَ فَإِذا عرضت فِي أبدان أَصْحَاب الماليخوليا قُرُوح دلّ ذَلِك على موت قريب وَهِي قُرُوح تظهر فِي الجنبين والصدر وَظَاهر الْبدن فَفِيهَا حرارة مؤلمة جدا قريبَة من الْجَمْر فِيمَا يعرض فِيهِ من الحكة وَغير ذَلِك ويعرض الماليخوليا للرِّجَال أَكثر مِمَّا يعرض للنِّسَاء غير أَنه إِذا عرض للنِّسَاء كَانَ مَا يتخيله الْحس وغمهن أقوى وَلَا يعرض للصبيان وَقد يعرض للغلمان فِي الندرة وللاحداث فإمَّا الكهول والمشايخ فبالاختصاص يعرض لَهُم وخاصة الْمَشَايِخ فَإِن الماليخوليا يكَاد أَن يكون عرضا لَازِما للشيخوخة لِأَن الْمَشَايِخ بالطبع ضيقو الصُّدُور قليلو الْفَرح سَيِّئَة أَخْلَاقهم هَمهمْ ردى ونفخهم فِي الْبَطن كثير وَهَذِه أَعْرَاض الماليخوليا وَأبْعد الْأَزْمِنَة من الماليخوليا الشتَاء لجودة الهضم فِيهِ ثمَّ الصَّيف لِأَنَّهُ يُطلق الْبَطن ويذيب الفضول فَأَما من لم يُطلق بَطْنه مِنْهُم فَإِنَّهُ يهيج عَلَيْهِ فِيهِ هيجانا عَظِيما شَدِيدا والموقعة فِي الماليخوليا الْإِكْثَار من الشَّرَاب وَترك الرياضة توقع فِي الماليخوليا لي هَذَا توقع فِي النَّوْع الشراسيفى فَأَما هَذَا التَّدْبِير فنافع للماليخوليا لِأَن الماليخوليا إِنَّمَا هُوَ يبس ويصلحه الْإِكْثَار من الدَّم الْجيد الرطب.
قَالَ وَقد يُوقع فِيهِ شدَّة الْفِكر والهم وَقد يعرض لبَعض هَؤُلَاءِ أَن يولعوا بالأحلام وبالأخبار عَمَّا يكون فيصيبون فِيهِ قَالَ وَإِذا عرض الماليخوليا رُبمَا خفى ابتداؤه الْأَعْلَى المهرة من الْأَطِبَّاء لِأَن الطَّبِيب الحاذق قد يُمَيّز خبث النَّفس والقنوط وَالْغَم الْعَارِض بِسَبَب آخر مِمَّا يعرض للنَّاس.
قَالَ وَمن العلامات الدَّالَّة على ابْتِدَاء الماليخوليا حب التفرد والتخلي من النَّاس على غير وَجه حَاجَة مَعْرُوفَة أَو عِلّة كَمَا يعرض للأصحاء لحبهم الْبَحْث والستر لِلْأَمْرِ الَّذِي يجب ستره وَقد يَنْبَغِي أَن يتفقد عَلامَة متداولة ويبادر بعلاجه لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائه أسهل مَا يكون ويعسر مَا يكون)
إِذا استحكم وَأول مَا يسْتَدلّ بِهِ عِلّة وُقُوع الْإِنْسَان فِي الماليخوليا أَن يسْرع الْغَضَب والحزن والفزع بِأَكْثَرَ من الْعَادة وَيُحب التفرد والتخلي فَإِن كَانَ مَعَ هَذِه الْأَشْيَاء بالصورة الَّتِي أصف فليقو ظَنك وَيكون لَا يفتح عَيْنَيْهِ فتحا جيدا كَأَن بِهِ خفشا وَتَكون أَعينهم ألف ثَابِتَة قَلِيلا وشفاههم غَلِيظَة اديم الألوان زعر الْأَبدَان صُدُورهمْ وَمَا يَلِيهِ عَظِيم ومادون ذَلِك من الْبَطن ضامر وحركتهم قَوِيَّة سريعة لَا يقدرُونَ على التمهل لألثغ دقاق الْأَصْوَات ألسنتهم سريعة الْحَرَكَة بالْكلَام قَالَ وَلَيْسَ يظْهر فِي كل هَؤُلَاءِ قيء وإسهال مَعَه كيموس أسود بل رُبمَا كَانَ الْأَكْثَر الظَّاهِر مِنْهُم البلغم فَإِن ظهر فِي الاستفراغ شَيْء أسود دلّ على غَلَبَة ذَلِك وكثرته فِي أبدانهم وخف مِنْهُم مرضهم قَلِيلا على أَن مِنْهُم من يخف مَرضه بِخُرُوج البلغم مِنْهُ أَكثر مِمَّا يخف بِخُرُوج الْخَلْط الْأسود وَظُهُور الْخَلْط الْأسود فيهم يكون إِمَّا بالقيء أَو البرَاز أَو الْبَوْل أَو قُرُوح فِي الْجَسَد أَو بهق أَو كلف أَو جرب أَو سيلان البواسير وَمَا أَكثر مَا يعرض الدوالي لَهُم وَالَّذين لَا يظْهر فيهم الْخَلْط الْأسود أعْسر علاجا على أَنه وَإِن كَانَ خُرُوج البلغم يخف عَنْهُم فَإِن الْغَالِب عَلَيْهِم الْخَلْط الْأسود فإليه يَنْبَغِي أَن يقْصد بالاستفراغ وَلَيْسَ من كَثْرَة السَّوْدَاء فِي الْبدن كَانَ الْغَالِب الماليخوليا وَلَكِن إِذا كَانَت منتشرة فِي الدَّم كُله كالبول الَّذِي لَا يرسب ثفله فَأَما إِذا كَانَت راسبة فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت كَثِيرَة لَا يكون مِنْهَا ذَلِك قَالَ فَأَما إِذا تميزت من الدَّم كَيفَ كَانَ إِلَى ظَاهر الْبدن كالحال فِي الجرب والبهق الْأسود أَو خرجت عَنهُ كالحال فِي الْبَوْل وَالْبرَاز الْأسود وعظيم الطحال والدوالي لم يكن لَهُ الماليخوليا.
لي لِأَن فِي حَال الانتشار يحْتَاج الدِّمَاغ إِلَى أَن يغتذي بِدَم أسود فِي حَال الْحِيَازَة عَنهُ وَلذَلِك قد يهيج الماليخوليا كثيرا فِي الرّبيع وَفِي أَصْحَاب الدِّمَاء السود لِأَن الرّبيع من شَأْنه أَن يثور الأخلاط ويغلي الدَّم كَمَا يغلي فِي ذَلِك الْوَقْت مَاء الْعُيُون ويكدر حَتَّى يَرْمِي بِمَا أَسْفَلهَا إِلَى أَعْلَاهَا وكالحال فِي الْعصير الَّذِي يكون الَّذِي يكون حَال الدَّم فِي الرّبيع قَالَ وللدم أَيْضا أَوْقَات يتكدر فِيهَا شوايب كَمَا يغلي الْعُيُون فِي أَوْقَات مَعْلُومَة يكدر فِيهَا مَاؤُهَا وَيَرْمِي بِمَا فِي أَسْفَلهَا إِلَى فَوق وَمن دَلَائِل هَذَا الْمَرَض كَثْرَة الِاحْتِلَام والدوار ودوي الْأذن وَثقل الرَّأْس وَهَذِه تكون بِسَبَب الرّيح المتثور الَّذِي فِي السَّوْدَاء فَإِن كَانَ مَعهَا ريح كَمَا أَن مَعَ جَمِيع الْأَشْيَاء الْبَارِدَة ريح وَلست أَعنِي الجامد لَكِن لن تبلغ من حرهَا أَن يلطف البخارات.)
قَالَ وشهوة الْجِمَاع فيهم أَيْضا دَلِيل على أَن فِي السَّوْدَاء ريحًا ألف كَثِيرَة وَأَصْحَاب الطبايع الفاضلة مستعدون لِأَن الطبايع الفاضلة سريعة الْحَرَكَة كَثِيرَة الْفِكر.
قَالَ وَالَّذين لَهُم الماليخوليا يحسن حَالهم ويخف بِإِطْلَاق الْبَطن والجشاء الْقَيْء لي هَذِه فِي الشراسيفية لَا فِي غَيرهَا وَلم يذكر روفس إِلَّا هَذَا الضَّرْب ولإني لأعجب من جالينوس كَيفَ لم العلاج أسهلهم بالأفتيمون وَالصَّبْر فَإِنَّهُمَا مَعًا يلين إسهالهما وينفعان الْمعدة ويحتاجون إِلَى ذَلِك لأَنهم سيئوا الهضم واعطهم كل يَوْم بعد النفض بهما شَيْئا قَلِيلا واعطهم كل يَوْم ثَلَاثِينَ درهما من عصارة الأفسنتين وَلَا تغب الإسهال عَنْهُم مَا ذكرت فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك لم يعرض لَهُم النفخ الْكثير وَلم تَجف طبايعهم وجاد هضمهم وأدر بَوْلهمْ وَهَذَا أصلح مَا يكون لَهُم وليرتاضوا قَلِيلا ويأكلوا أغذية جَيِّدَة وأجود التَّعَب لَهُم الْمَشْي وَمن كَانَ مِنْهُم هضمه رديا فليستعمل الْحمام قبل الْغذَاء وَليكن الْغذَاء سريع الهضم بَعيدا من توليد النفخ ملينا للبطن ويسقوا شرابًا أَبيض باعتدال وليتجرعوا الْخلّ الثقيف عِنْد النّوم ويصتبغوا فِي أغذيتهم فَإِن ذَلِك يعين على جودة الهضم وخاصة إِذا كَانَ عنصليا وَإِن أمكن فليفصدوا وخاصة فِي ابْتِدَاء هَذَا السقم بعد ذَلِك إِذا تراجعت الْقُوَّة فانفض السَّوْدَاء بِقُوَّة بشحم الحنظل والخربق الْأسود وَلَا تدع اسْتِعْمَال الملينة للبطن فيهم كل يَوْم ليدوم لَهُم لين الْبَطن والأفتيمون أَنْفَع شَيْء فِي ذَلِك والفوتنج والأسارون وَمَاء الْجُبْن وإدامة الأفسنتين فَإِنَّهُ قد برأَ خلق كثير مِنْهُم بإدامته وَمِنْهُم ضَعِيف الْمعدة فَحِينَئِذٍ الْقَيْء الْبَتَّةَ واغذهم بالأغذية الملينة كخبز السميذ وَلحم الدَّجَاج وَالْجَرَاد والسمك الصغار وأعن لَهُم بتخصب أبدانهم إِذا سمنوا انتقلوا عَن أَخْلَاقهم الردية وبرؤا برأَ تَاما وَمن كَانَ مَعَهم يحْتَمل شرب الْخمر فَلَا يحْتَاج إِلَى علاج سواهُ فَإِن فِيهِ وَحده جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي علاج هَذِه الْعلَّة ويسئل عَن السَّبَب البادي وَالتَّدْبِير وضاده بالعلاج فَمن كَانَ وَقع فِيهِ من التحفظ ولطف التَّدْبِير فأوسع عَلَيْهِ بالضد واغب علاجهم مُدَّة ثمَّ عاوده فَإِنَّهُم رُبمَا خَرجُوا من الْعلَّة فِي الْمدَّة الَّتِي تغب فِيهَا عَن العلاج وإدمان العلاج يوهن الطبيعة وَظُهُور البهق فيهم عَلامَة قَوِيَّة على الصّلاح فِي الصَّدْر والبطن خَاصَّة وَالظّهْر وَكَذَلِكَ الجرب المتقرح وَعَلَيْك بإسخان شراسيفهم بالتكميد الدَّائِم ليجود هضمهم وَيذْهب نَفَخَهُمْ ونطلهم بالمياه المحللة للرياح بطبيخ الفوتنج والسداب فَإِن هَذِه تحلل النفخ وَتعين على الهضم وَلَكِن أطبخها بالزيت وامرخهم بِهِ وَإِن طبخت بِالْمَاءِ صُوفًا وَضعه على الْبَطن.)
وَإِن ضمدتهم بالبزور المقشية للرياح فَهُوَ جَائِز وَليكن ذَلِك بِاللَّيْلِ وتدهن أَيْضا الْبَطن بدهن السوسن واعن بِأَن يكون أبدا مدثرا مسخنا وضع عَلَيْهِ المحاجم إِن احتجت إِلَى ذَلِك لشدَّة النفخ وقوهم بالطيب وَإِذا منعت فِي العلاج فضع ضماد الْخَرْدَل على الْبَطن فَإِنَّهُ عَظِيم النَّفْع ليستأصل الوجع أصلا وخاصة فِي أَوَاخِر عللهم وَعند إمارات الْبرد ينصب مَادَّة إِلَى بعض الْأَعْضَاء فَإِنَّهُ كثير مَا يكون ذَلِك فيورثهم الفالج والصرع فَإِن ظَنَنْت شَيْئا فَعَلَيْك بتقوية الْموضع إِن كَانَ شريفا فَلَا توهم العليل إِن بِهِ ماليخوليا لَكِن أَنَّك إِنَّمَا تعالجه من سوء الهضم فَقَط وساعده على كثير من رَأْيه وألهه وفرحه واشغله عَن الْفِكر لي لَا يذكر هَذَا الرجل شَيْئا سوى المراقبة لي الَّذين يهيج بهم الماليخوليا فِي الرّبيع لَيْسَ فَسَاد فِي أدمغتهم لَكِن دم عروقهم سوداوي فتثور فِي ذَلِك الْآثَار حَتَّى يبلغ الدِّمَاغ.
سرافيون الماليخوليا وسواس بِلَا حمى فَهِيَ ثَلَاثَة أَصْنَاف إِمَّا ن يكون فِي الدِّمَاغ نَفسه خلط أسود وَإِمَّا أَن يكون الدَّم الَّذِي فِي الْبدن كُله اسود والمراقي وَهُوَ الَّذِي يحدث عَن فلغموني فِي جداول الكبد فَيصير الدَّم هُنَاكَ سوداويا ويرتفع مِنْهُ بخار سوداوي إِلَى الرَّأْس وَاللَّازِم لهَذِهِ الْعلَّة الْخَوْف وَالْغَم والولوع لشَيْء مَا بإفراط ويكثرون النّظر فِي الأَرْض ويسود شُعُورهمْ وَإِن كَانُوا قد شابوا عَاد أسود لي هَذَا غَايَة مَا يكون من اليبس.
قَالَ والمراقية مَعهَا جشاء حامض وَكَثْرَة البزاق وقرقرة فِي الْبَطن ووجع بَين الْكَتِفَيْنِ وبراز بلغمي وانتفاخ المراق.
قَالَ ابدأ بفصد ألف الأكحل والصافن وخاصة فِي النِّسَاء وَمن احْتبسَ عَنهُ البواسير ثمَّ أرحه أَيَّامًا واغذه فِيهَا بلحوم الحملان والجدأ وَالطير وجنبه الباذنجان والكرنب والعدس والجبن الْعَتِيق وَلحم الْبَقر والمالح واغذهم بالمرطبة واسقهم شرابًا أَبيض فَإِن كَانَت هُنَاكَ حرارة كَثِيرَة فبسكنجبين سكري لي ينظر فِيهِ لِأَن الْخلّ مولد للسوداء إِذا أدمن قَالَ جذبه فِي الإسهال للسوداء إِن كَانَت حرارة بالمطبوخات وَإِلَّا مَاء الْحُبُوب تريحهم فِيمَا بَينهم وَيحسن تدبيرهم.
وَإِن كَانُوا نحفاء محرورين فاسقهم مَاء الْجُبْن والافتيمون والهليلج الْأسود فَإِن استفرغت السَّوْدَاء بِكَثْرَة فَخذ فِي الْأَدْوِيَة الَّتِي تَنْفَع الْقلب بعد أَن تعرف حَاله وَإِن كَانَ حاميا أعْطه السفوفات الَّتِي تُعْطى للخفقان الحارو بالضد واسقه مِثْقَال ترياق بِمَاء لِسَان الثور أَو دَوَاء الْمسك فَإِن لَهُ فعلا فِي هَذِه الْعلَّة بِمَاء الترنجان وَإِن حدث بهم سهر فَلَا تدع ترطيب الرَّأْس فَإِن)
لم ينجع علاجك فِي أول مرّة فارح العليل ثمَّ كرر عَلَيْهِ التَّدْبِير مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاث فَإِن هَذَا الْخَلْط عسر المواطاة للأدوية وَرطب الْبدن ووسع مسامه ثمَّ اسهل أَيْضا إِن شَاءَ الله تَعَالَى لي يَصح من كَلَام جالينوس فِي جَمِيع هَذِه الْمَوَاضِع إِنَّه يتوقى الْحَرَارَة فِي هَؤُلَاءِ ويميل إِلَى الترطيب وَلَا يحْتَاج فِي صِحَة هَذَا الرَّأْي إِلَى دَلِيل أعظم من أَنه قل مَا يعرض للنِّسَاء وَالصبيان والخصيان والباردي المزاج لي جملَة علاج الماليخوليا غير المراقية الفصد والإسهال الْمُتَوَاتر من السَّوْدَاء وتبريد الكبد خَاصَّة وتقوية الطحال على الجذب وَفتح أَفْوَاه البواسير وَلُزُوم الْحمام وَالشرَاب وَالنَّوْم وَأما الَّذِي فِي الدِّمَاغ خَاصَّة بِالشرابِ الْكثير المزاج وَالْمَاء العذب وترطيب الرَّأْس وتبريده.
المراقية فَأَما المراقية فالقيء وَالشرَاب وَالتَّدْبِير المقلل للسوداء توليدا أَو استفراغا لِئَلَّا يجد الطحال مَا يجذب وَيدْفَع بعد على الْمعدة وفصد الأسيلم ليَكُون الطحال مشتاقا إِلَى الجذب الاسكندر من مقَالَته فِي الماليخوليا قَالَ أسْرع بعلاج الماليخوليا فَإِنَّهُ إِن طَال بِسَبَب الدِّمَاغ سوء مزاج لابث يصير لَهُ شبه بِالْحَال الطبيعي لَا يبرؤ الْبَتَّةَ وَمَتى احتجت أَن تسهلهم فرطبهم أَولا بالأغذية والأشربة وَالْحمام أَيَّامًا ثمَّ ألف أسهلهم فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يواتيك فَإِن اكتفوا بِمَا أسهلت والافارحهم أَيَّامًا والزمهم الْغذَاء الرطب وَالْحمام الفاتر والدعة والسكون ثمَّ عاود الإسهال أَيْضا بأقوى من الأول وأسهلهم بايارج فيقرا والسقمونيا إِن كَانَت إمارات الْحَرَارَة والاحتراقات وَليكن أحد عشر سقموينا وَمن الايارج سِتَّة وَتِسْعين قيراطاً لي يَجْزِي ثلث هَذَا قَالَ وَإِيَّاك أَن تسهلهم بالايارجات الْكِبَار وبالقوية الاسخان فَإِن هَذِه يؤديهم إِلَى غَايَة الْجُنُون لِأَنَّهُ يحرق دِمَاءَهُمْ ويخرجها إِلَى غَايَة اليبس والحدة وَاحْمَدْ الْوُجُوه فِي إسهال هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يسخن ثمَّ أقصد بعقب الإسهال قصد الْغذَاء المرطب فَإِنِّي قد ابرأت خلقا مِنْهُم بِالتَّدْبِيرِ المرطب فَقَط.
وأبلغ الأغذية فِي ذَلِك كشك الشّعير ثمَّ السّمك الصخري والدجاج والخس والهندبأ وَالْخيَار وَالْعِنَب وَأما التِّين فَلَا يَأْكُلُونَهُ ويدع الْحَلْوَى كُله لي ينظر فِيهِ وَكَذَلِكَ الحريف والمالح كالمرى والخردل والجبن وَيَشْرَبُونَ خمرًا مائيا وَالْحمام العذب بَالغ النَّفْع لَهُم لِأَنَّهُ يعدل بَعضهم أخلاطهم ويستفرغ أَيْضا وَلَا ينصب على الرَّأْس مَاء حَار جدا بل فاتر ويمرخ الْبدن بعد الْحمام بالبنفسج ودهن المرد واغسل رَأسه بالخطمى ولعاب بذر قطونا وَإِن خرج من الْحمام عطشانا فاسقه)
ماءا قَلِيلا قَلِيلا واحتل لمن كَانَت بِهِ ظنون ردية فِي ازالتها بالْكلَام والحيل وتمثل صَاحب الْحَيَّة وَأَمْثَاله وَإِذا لم تكن إمارات حرارة كَثِيرَة وَكَانَت السَّوْدَاء ظَاهِرَة فأسهله بالافتيمون مَعَ مَاء الْجُبْن فِي الصَّيف وَفِي الشتَاء مَاء الْعَسَل قدر قوطولى وَمن الافتيمون اثْنَتَيْنِ وَسبعين قيراطا مَعَ مثله إيارج فيقرا ثمَّ أرحه أَيَّامًا ورطبه ثمَّ أعد عَلَيْهِ الإسهال فَإِن كفيت وَإِلَّا فَاسق إيارج فَإِنَّهُ يسهل السَّوْدَاء فَإِن لم تنجع هَذِه فَلَيْسَ إِلَّا الخربق وَالْحجر الأرمني.
والقدماء كَانُوا يستعملون الخربق وَأما أَنا فَإِنِّي أقدم الْحجر الأرمني على الخربق فَإِن فعله لَا يقصر عَلَيْهِ وَلَا خطر فِيهِ وَالْحجر الأرمني إِن غسل أسهل وَإِن لم يغسل قيأ مَعَ ذَلِك فاغسله مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَإِن أَحْبَبْت أَن لَا يقيء الْبَتَّةَ ويبلغ من قُوَّة فعله أَن أمره يبين على العليل فِي أَيَّام يسيرَة والشربة ثَلَاثِينَ قيراطا إِلَى سِتَّة وَثَلَاثِينَ قيراطا أقصاه فَإِن احتجت فعاوده فَإِنَّهُ لَا يسخن وَلَا لَهُ كَيْفيَّة ردية وَلَا بشاعة وَقد يخلط بِهِ إيارج وَأما أَنا فأركبه على هَذِه الْجِهَة إيارج فيقرا نصف أُوقِيَّة وَالْأُوقِية ألف ثَمَان مَثَاقِيل والمثقال خَمْسَة عشر قيراطا والقيراط أَربع شعيرات افتيمون نصف أُوقِيَّة غاريقون أَربع غراميات والغرامى سِتَّة قِيرَاط سقمونيا غراميا وَاحِدًا وَفِي نُسْخَة أُخْرَى نصف أُوقِيَّة قرنفل خمسين حَبَّة عددا حجر أرمني أَربع غراميات يعجن بشراب الْورْد والسفرجل أَو بِمَاء ورق الاترج الشربة من أَربع عشر غرامى إِلَى أَربع وَهُوَ يُقَوي الْمعدة مَعَ إِخْرَاج السَّوْدَاء.
قَالَ وَكثير من هَؤُلَاءِ يعرض لَهُم من الإسهال تشنج أَكثر مِمَّا يعرض لسَائِر النَّاس لغَلَبَة اليبس عَلَيْهِم فَإِن حدث عَلَيْهِم شَيْء من ذَلِك فاقعدهم فِي المَاء الفاتر واسقهم مِنْهُ واعطهم خبْزًا منقعا فِي خمر ممزوج واسقهم رب الحصرم ممزوجا بِالْمَاءِ الْبَارِد القراح يعظم نفعهم لَهُم فِي هَذَا الْوَقْت ثمَّ ليناموا ثمَّ يدخلُوا الْحمام اللين ويغتذوا لما يخرجُوا.
قَالَ ووقهم الْخَرْدَل والثوم وَالْملح والكرنب والعدس والجرجير وَلُحُوم الْبَقر وَالْخبْز الخشكار والمرى وَالْأسود من الشَّرَاب ورد فِي الْحمام والأغذية الرّطبَة ومره بِالسَّفرِ والنقلة والإكثار من الإخوان والندماء وَالشرَاب وَالْعَسَل والشغل بالطرب وَكرر عَلَيْهِ العلاج مرّة بعد مرّة وارحه فِي الْأَزْمِنَة المفرطة الطَّبْع حَتَّى يبرأ إِن شَاءَ الله تَعَالَى لي لم أر شَيْئا أشر فِي هَذِه الْعلَّة من الْوحدَة وَلذَلِك أرى أَن الَّذين يَجْلِسُونَ هَؤُلَاءِ وحدهم يسيئون وَلَا يَنْبَغِي أَن يجلسوا أَيْضا مَعَ أمثالهم بل يكون عِنْدهم نَاس عقلاء يكلمونهم بِالصَّوَابِ ويعرفونهم مَوَاضِع الخطاء فِي كَلَامهم.)
السَّابِعَة من آراء ابقراط قَالَ تغلب أَولا على الْبدن الْمرة الْحَمْرَاء الناصعة ثمَّ بعْدهَا الْمرة السَّوْدَاء.
الثَّالِثَة من البحران قَالَ إِن السَّوْدَاء إِنَّمَا يتَوَلَّد إِذا أفرطت الْحَرَارَة جدا والمراقية ينفى فِيهَا بِحَال الطحال أَو يوضع عَلَيْهِ محاجم لِئَلَّا يُرْسل شَيْئا إِلَى الْمعدة والأدوية المحمرة.
القهلمان قَالَ الصَّبْر جيد للماليخوليا وَحَدِيث النَّفس لِأَنَّهُ يسهل السَّوْدَاء لي مطبوخ جربناه يُؤْخَذ مشمش رَطْل اهليلج أسود وسنا وافتيمون عشْرين عشْرين خربق أسود خَمْسَة مرماخورعشرة حرمل عشرَة فاشرا عشرَة كَمَا شرم عشرَة يطْبخ بحطب الْكَرم حَتَّى يتهرى ويصفى ويسقى فَإِنَّهُ يسكن وينقى أخلاطا سوداوية وَإِن قصر فزده فِي الحرمل.
مَاء الْجُبْن يصلح أَن يسل بِهِ أصَاحب الماليخوليا لأَنهم لايحتملون الإسهال بدواء حاد قَالَ ألف والإسهال بالخربق الْأسود ينفع مِنْهُ.
اسحق قَالَ إِذا أحس الْإِنْسَان بفكر أَكثر مِمَّا عهد فاسقه افتيمونا بالكنجبين على قدر قوته إِذا كَانَ مَعَ الماليخوليا سهر وتوثب فبرد مَا أمكنك مَعَ الترطيب.
أَبُو جريج قد برأَ خلق كثير من الماليخوليا بالأفتيمون إِذا خلط بالافسنتين ويسقوه الافتيمون مُفردا الاقحوان ينفع أَصْحَاب السَّوْدَاء إِذا أكل أَو شرب يَابسا كَمَا يشرب الافتيمون أَربع درخميات مَعَ سكنجبين وملح الحاشا يقرب فعله من الافتيمون بذر البادروج ينفع إِذا سقى من يتَوَلَّد فِي بدنه سَوْدَاء والبادروج نَفسه ينفع.
بيديغورس قَالَ خَاصَّة البسفائج لإِخْرَاج السَّوْدَاء والماذريون واليتوعات تسهل السَّوْدَاء لحم الحملان خاصته النَّفْع من السَّوْدَاء الْخَرْدَل نَافِع من أدواء السَّوْدَاء وَمِمَّا يسهل السَّوْدَاء مرق الديك الْعَتِيق الْمَطْبُوخ باللبلاب. ابْن ماسويه القرطم والسلق والحاشا يصلح للربع وَبِالْجُمْلَةِ لمن يحْتَاج أَن ينقى من الْخَلْط الْأسود دَائِما.
حب لَهُ يخرج السَّوْدَاء الْخَاصَّة ويبرىء بقوته الْكَلْب والماليخوليا اهليلج أسود افتيمون مثقالين مثقالين ملح هندي نصف مِثْقَال بسفايج مِثْقَال حِجَارَة أرمينية مِثْقَال غاريقون مِثْقَال خربق أسود مِثْقَال الشربة مثقالين قَالَ الهليلج الكابلي نَافِع للسوداء.
بيديغورس قَالَ الكندس ينقى السَّوْدَاء روفس المَاء الفاتر جيد لأَصْحَاب السَّوْدَاء.











مصادر و المراجع :

١-الحاوي في الطب

المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)

المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي

الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م

عدد الأجزاء: 7

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید