المنشورات
(الأخلاط الغليظة الَّتِي فِي الصَّدْر)
يحْتَاج إِلَى مَا يجلو واللزجة إِلَى مَا يقطع وَلذَلِك مَاء الْعَسَل مُوَافق جدا لنفث الأخلاط الغليظة بالبصاق والسكنجبين للأخلاط اللزجة وَيَتْلُو مَاء الْعَسَل فِي جلاء الأخلاط الغليظة مَاء الشّعير وَبعد الشَّرَاب الحلو وَيجب أَن يكون شربه بعد نضوج الورم الْحَادِث فِي الرئة وَالْجنب لَا فِي وَقت جساء هَذِه الأورام وَوقت تورّمها فَإِن كَانَ شرب الشَّرَاب الحلو يحدث للعليل عطشاً إِذا شربه فموافقته أقل قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فالشراب الحلو فِي الْأَمْرَاض الحارة مُوَافق لنفث مَا يحْتَاج إِلَى نفثه بالبزاق لِأَنَّهُ يرطب ويجلو باعتدال وَلِأَنَّهُ يُقَوي الْقُوَّة هُوَ نَافِع فِي الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ من ينفث شَيْئا نم صَدره ورئته ويعين على انطلاق الْبَطن قَلِيلا وقرعه للذهن أقل من الشَّرَاب الخمري فَلذَلِك لَا يخَاف مِنْهُ اخْتِلَاط الْعقل قَالَ: فَلذَلِك لَيْسَ ضرب من الشَّرَاب أوفق لمن بِهِ حمى مَعَ مرض الرئة مِنْهُ ومضادّته يسيرَة لَهُ وهيأ الْعَطش والإسخان قَلِيلا إِلَّا أَن يكون الكبد عليلة وَالطحَال فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ رَدِيء يُولد الصَّفْرَاء أَكثر من كل شَيْء خلا الْعَسَل وَلذَلِك يعطش فافتقد مَنَافِعه ومضارّه فِي ذَلِك الْجِسْم واعمل بِحَسبِهِ وأحذره أَكثر فِي أمزاج الْأَبدَان المرارية قَالَ: والخمرة الحلوة إِنَّمَا تعين على النفث إِذا لم يكن غليظاً قَالَ: يتلوها فِي ذَلِك من المعونة على النفث الْخمر المائية الْبَيْضَاء إِلَّا أَنَّهَا على حَال يُقَوي الْقُوَّة أَكثر من المَاء وتقطع وتلطف أَكثر مِنْهُ قَالَ: فَمَتَى كَانَ الشَّرَاب الحلو يعطشه فالأبيض أعون على النفث فِيهِ من الحلو لِأَن الْعَطش يلزج البصاق جدا وَأما الشَّرَاب الخوصيّ الْأسود الْقَابِض فاستعمالك لَهما فِي هَذِه الْعلَّة صَوَاب مَتى لم يكن فِي الرَّأْس ثقل وَلَا خفت اخْتِلَاط الْعقل وَلَا تلزيج النفث وَلَا كَانَ الْبَوْل عسراً قَالَ: وَمَاء الْعَسَل جيد لأَصْحَاب الشوصة إِلَّا أَن يكون أحشاؤهم وارمة وأمزجتهم شَدِيدَة الْحَرَارَة وَإِذا)
كَانَت ألف ألف الأحشاء وارمة فَلَا يعْطى وَأما المحروق فليمزج حَتَّى يصير قَرِيبا من المَاء وَمَاء الْعَسَل فِي أَكثر الْأَمر أقل تهييجاً للعطش من الشَّرَاب الحلو ويعين على النفث مَعُونَة معتدلة ويسكن السعال إلاّ أَنه إِن كَانَ العليل رغب فِيهِ عَطش ولزج البصاق.
قَالَ ج: مَاء الْعَسَل لرقته وَكَثْرَة مائيته أقل تهييجاً للعطش من الشَّرَاب الْأَبْيَض إِلَّا أَنه إِن لبث فِي الْمعدة هيج أَيْضا الْعَطش قَالَ: وَلَيْسَ بقوى أَن يعين على النفث مَعُونَة عَظِيمَة كالسكنجبين فَإِنَّهُ يعين على نفث مَا يحْتَاج إِلَيّ بالبصاق ويسهل النَّفس وَهَذَا هُوَ السكنجبين الْمَعْمُول من مَاء الْعَسَل وَقَلِيل خل قَالَ: والحامض مِنْهُ قوي وَنَفث الأخلاط أَكثر فَإِن لم يقدر على نفثها زَادهَا لزوجة وَرُبمَا لزج البصاق فضر لِأَن الْخلّ وَإِن كَانَ قد يلطف الأخلاط فَإِنَّهُ يجففها فَمَتَى كَانَ للسكنجبين مِقْدَار مّا من الحموضة إلاّ أَنه لَا يبلغ أَن يقطع مَا ينفثه ذَلِك العليل فَإِن لَا يكن حامضاً فَهُوَ خير وَذَلِكَ أَنه حِينَئِذٍ لَا يقوى على التلطيف ويجفف البصاق لِأَن الْخلّ مجفف. لي السكنجبين لَا يعْمل فِي تسهيل النفث عملا متوسطاً لكنه يعْمل بِقُوَّة لتقطيع الْخلّ وَلِأَن مَعَ الْخلّ تجفيفاً فَإِن كَانَت الأخلاط غَلِيظَة جدا حَتَّى يعجز السكنجبين الحامض عَن إخْرَاجهَا بالنفث فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يزيدها رداءة لِأَنَّهُ يحففها.
أبقراط: أَكثر مَا يعرض من السكنجبين الحامض رداءة الْعلَّة وخبثها فَانْظُر عِنْد ذَلِك فِي سَائِر أَمَارَات العليل هَل يتَخَلَّص لِأَن السكنجبين الحامض فِي الْعِلَل الرَّديئَة إِن لم يقو على تلطيف الْخَلْط وإخراجه بالنفث زَاد الْخَلْط غلظاً وَإِن قوى عَلَيْهِ وقطعه احْتَاجَ إِلَى قُوَّة قَوِيَّة حَتَّى ينفث مَا قطعه السكنجبين وإلاّ اختنق العليل وَمَات قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يعْطى الَّذين علتهم رَدِيئَة عسرة النضج من السكنجبين الحامض مفتراً قَلِيلا قَلِيلا لِأَن فتورته تعين على النضج وقليلاً قَلِيلا لِأَن قوته قَوِيَّة وَأما غير الحامض فَإِنَّهُ يرطب الْفَم والحنك ويعين على نفث الأخلاط باعتدال ويؤمن مَعَه الأضرار الَّذِي يكون عَن مَاء الْعَسَل فِي الْأَمْرَاض المرارية إلاّ أَنه يقمع الْمرة.
قَالَ جالينوس: من الْبَين أَن الْخلّ الْقَلِيل إِذا خالط مَاء الْعَسَل كَانَ الْمركب فِي غَايَة النَّفْع وَذَلِكَ أَنه تبقى لَهُ فَضَائِل مَاء الْعَسَل وَهُوَ يسهل النفث غير المفرط واللزوجة وَقد أَمن أَن يهيج المرار وَهُوَ غير ضار للأحشاء وَيخرج الرِّيَاح وَالْبَوْل غير أَنه يسحج وَإِذا كنت تُرِيدُ أَن تسقيه مَعَ مَاء الشّعير فَلَا تسق مَاء الشّعير إلاّ بعد ساعتين أَو أَكثر وَذَلِكَ أَنه فِي هَذِه الْمدَّة يبلغ الْمَوَاضِع الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهَا وَينفذ فِيهَا وَأما اخْتِلَاطه بِمَاء الشّعير فرديء يحدث اضطراباً قَالَ: وَإِنَّمَا يحْتَاج)
إِلَى اسْتِعْمَال السكنجبين مَتى كَانَ مَاء الْعَسَل يهيج الكرب والعطش وَكَانَت لزوجة مَا ينفث أَشد وليلق خل قَلِيل على مَاء الْعَسَل ويطبخ مَعَه فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يقل ضَرَره. لي يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل بدل مَاء الْعَسَل الْجلاب وَمَتى كَانَ الْجلاب ألف ألف يهيج بالعليل عطشاً فامزج بالجلاب شَيْئا من الْخلّ وأطبخه ثَانِيَة حَتَّى يبلغ ثمَّ اسْقِ مِنْهُ فَإِن السكنجبين الَّذِي وَصفه أبقراط إِنَّمَا يهيأ من مَاء الْعَسَل والخل وَأمر بِاسْتِعْمَالِهِ إِذا هيج مَاء الْعَسَل عطشاً وَإِذا احتجت أَن تهيج النفث أَكثر وَأما المَاء فَإِنَّهُ لَا يعين على نفث الأخلاط وَلَا يسكن السعال وَإِن شرب وَحده لكنه إِن شرب مِنْهُ الشَّيْء الْيَسِير بَين شراب السكنجبين وَمَاء الْعَسَل أعَان على النفث وَأما على غير هَذِه الْجِهَة فَلَا لِأَنَّهُ يزِيد فِي الْعَطش ويعظم الأحشاء لِأَنَّهُ يُطِيل اللّّبْث فِي الْبَطن فيسخن جدا فَلذَلِك يزِيد فِي الْعَطش وَلَا ينفذ سَرِيعا إِلَى الْأَعْضَاء فيرطبها وَيطول مكثه ويرهل الْأَعْضَاء وَلَيْسَت لَهُ قُوَّة قَاطِعَة للعطش كالسكنجبين فيبقي ترهله لَهَا فِيهَا فَأَما السكنجبين فيفعل ضد ذَلِك لِأَنَّهُ يسْرع النّفُوذ بالرطوبات إِلَى أقاصي الْجِسْم وَلِأَنَّهُ يقطع فَأَما الْحمام فَإِنَّهُ يسكن وجع الْجنب ويعين على نفث الأخلاط ويجوّد النَّفس ويسكن الوجع الْعَارِض فِي الْجنب والقص والأكتاف فَلذَلِك هُوَ عَظِيم النَّفْع لأَصْحَاب ذَات الرئة وَذَات الْجنب وَاسْتِعْمَال الْحمام فِي هَؤُلَاءِ بعد النضج فَلْيَكُن بِثِقَة واتّكال وَذَلِكَ أَنه يعين على نفث الأخلاط وَمن كَانَ مِنْهُم لَهُ مُعْتَادا فِي صِحَّته فحمهم مرَّتَيْنِ وَأَكْثَرهم احْتِمَالا لَهُ من لَيْسَ مَرضه حاراً جدا وَلَا هُوَ سَاقِط الْقُوَّة على مَا وَصفنَا فِي بَاب الْحمام وَقد يَنْتَفِعُونَ بِهِ قبل النضج إِن لم يكن مرضهم حاراً جدا وقوتهم سَاقِطَة لَكِن إِن كَانَ مرضهم هادئاً وَكَانُوا مِمَّن يسْتَعْمل فيهم الأغذية لِأَن الْحمام يسكن أوجاعهم وينضج ويسهل النفث إِلَّا أَنه لَا يجب أَن يكون إلاّ بعد استفراغ الْجِسْم لِأَنَّهُ مَتى اسْتعْمل قبل الاستفراغ جلب الْموَاد إِلَى الْمَوَاضِع العليلة وَإِن اسْتعْمل بعد استفراغه أعَان على النضج فَأَما اسْتِعْمَاله بعد النضج فَلَا خطر فِيهِ ويعين مَعُونَة عَظِيمَة على نفث الأخلاط وَقَالَ: مُنْتَهى الْمَرَض فِي هَذِه الْعِلَل يكون مَعَ النفث لِأَنَّهُ سَاعَة ينضج وَلَا تزيد أعراضهم الْبَتَّةَ بعد النفث.
الأولى من الْفُصُول: النفث من ذَات الْجنب إِن أسْرع قصرت مدَّته وَإِن أَبْطَأَ طَال فَإِن أركس الْمَذْكُور فِي كتاب إبيذيميا لما لم يقذف شَيْئا إِلَى الْيَوْم الثَّامِن لَكِن كَانَ يسعل سعالاً يَابسا امتدت علته إِلَى أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا على أَن ذَات الْجنب فِي الْأَكْثَر يَأْتِي بحرانها فِي الرَّابِع عشر)
وَإِن تجَاوز فَفِي الْعشْرين لَا محَالة وَلَو كَانَ ابْتَدَأَ ينفث قبل الْيَوْم الثَّالِث لأتاه البحران فِي السَّابِع وَالتَّاسِع وأقصاه الْحَادِي عشر وَلَو أبتدأ ينفث فِي الْيَوْم الثَّالِث لما جَاوز مَرضه الرَّابِع عشر قَالَ: وَذَات الْجنب ورم فَمَا دَامَ لم ينفث العليل شَيْئا وسعاله يَابِس فَإِنَّهُ يدل على أَن الورم لم ينضج الْبَتَّةَ وَهِي الأولى من عدم النضج فَإِذا قذف شَيْئا إلاّ أَنه رَقِيق فَهُوَ الْمنزلَة الثَّانِيَة وَهُوَ أَيْضا دَلِيل على النضج لَيْسَ أَنه أقل فِي ذَلِك من الأول فَإِذا صَار مَا ينفث أغْلظ مِمَّا كَانَ فقد ابْتَدَأَ النضج فَإِذا بلغ مآله أَن يبلغ من الغلظ فقد كمل النضج فَإِذا ظهر ألف ألف النضج التَّام فِي الثَّالِث أَو الرَّابِع فَلَا يُمكن أَن يتَجَاوَز الْمَرَض السَّابِع وَيكون ضَرُورَة أبدا طول هَذَا الْمَرَض وقصره على مِقْدَار النضج وتأخره قَالَ: وعلامة النضج التَّام فِي ذَات الْجنب أَن ينفث العليل بصاقاً أَبيض مستوي الْأَجْزَاء متوسط القوام وَيكون إِلَى الْغَلَط أميل وَلَا يكون فِي الْغَايَة وَيكون ذَلِك فِي جَمِيع أَيَّام الْمَرَض فِي الْخُرُوج وَأما النفث الرَّقِيق فَإِنَّهُ يدل على نضج ضَعِيف خَفِي وَأما النفث الصّرْف الْحمرَة الناصع والأصفر المشبع فَمن غير الحميدة وَأما الكمدة والسوداوية والزنجارية فدلائل الْهَلَاك سهولة النّوم على الْجَانِب العليل فِي ذَات الْجنب من عَلَامَات قلَّة الْعلَّة وَفِي الْعظم والرداءة وبالضد. لي جملَة الْأَعْرَاض الدَّالَّة على عظم الْعلَّة ورداءتها شدَّة الْحمى فِي الْكَيْفِيَّة جدا وَشدَّة عسر النَّفس والوجع فِي شدَّة وخزه وَأَخذه من التراقي إِلَى ضلوع الْخلف وَشدَّة الْعَطش والتلهب وَكَثْرَة الْحَرَارَة فِي الْبَطن وَالْبرد فِي الْأَطْرَاف وَشدَّة الوجع مَعَ القلق والوجع على الْجنب العليل ودوام السعال يَابسا مُدَّة طَوِيلَة وَأَن يكون بعد أَن ظهر النفث بلون ذميم وعسر نفثه وَكَانَ اخْتِلَاط الْعقل والسهر.
قَالَ: وَذَات الْجنب وَنَفث الدَّم متضادان فَإِن عرضا بِإِنْسَان وَاحِد فَيحْتَاج أَن يقْصد لأشدها خطراً لي إِنَّمَا قَالَ متضادان: لِأَن نفث الدَّم يحْتَاج إِلَى مَا يغلظ ويغري وَفِي ذَات الْجنب إِلَى مَا ينضج ويجلو وَيقطع.
مصادر و المراجع :
١-الحاوي في الطب
المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)
المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي
الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت
الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م
عدد الأجزاء: 7
13 سبتمبر 2024
تعليقات (0)