المنشورات

(قوانين أَيْضا للقروح الْبَاطِنَة عَامَّة)

قَالَ: من معرفتنا أَيْضا بطبيعة الْأَعْضَاء ووضعها استخرجنا أَن القروح الْحَادِثَة فِي الْمعدة والصدر والرئة يَنْبَغِي أَن تداوى بِمَا يُؤْكَل وَيشْرب وَالَّتِي تحدث فِي الأمعاء إِن كَانَ فِيمَا هُوَ مِنْهَا قريب من الْمعدة فليداو بِمَا يُؤْكَل وَيشْرب وَإِن كن قَرِيبا من المقعدة فبالحقن إِذا كَانَ لَيْسَ يُمكن أَن يصل شَيْء من الْأَدْوِيَة من الْفَم إِلَى الأمعاء السُّفْلى وقوته بَاقِيَة وَبِهَذَا السَّبَب صَارَت القروح الْحَادِثَة فِي الصَّدْر والرئة يعسر برؤها أَكثر من الَّتِي فِي الْمعدة لِأَن الصَّدْر والرئة موضعهما بعيد يبلغ من بعده أَن قُوَّة الدَّوَاء تضعف قبل أَن يصل إِلَيْهِمَا فَصَارَ لذَلِك يحْتَاج أَن يكون مَا يشرب لَهَا وَمن الْأَدْوِيَة أقوى كثيرا مِمَّا لَو كَانَت تِلْكَ الْأَدْوِيَة تشرب لقرحة فِي الْمعدة وَلذَلِك احْتَاجَ الْأَطِبَّاء أَن يَكُونُوا مَتى احتاجوا إِلَى تنقية الصَّدْر والرئة من قيح فيهمَا سقوا العليل أدوية قَوِيَّة جدا قطاعة تكون من شدَّة الْقُوَّة بِحَالَة لَو أَنه يداوى بهَا قرحَة فِي الْمعدة لهيجها وبددها وَكَذَلِكَ أَيْضا مَتى كَانَ فِي الْمعدة قرحَة تحْتَاج إِلَى تنظيفها من قيحها فتنظفها على نَحْو مَا تنظف الْمعدة من بلغم يكون فِيهَا بالسكنجبين والفجل فمخاطرة الَّذِي يجلو ذَلِك البلغم خطر عَظِيم لَا يُؤمن سوء عاقبته والأجود فِي ذَلِك أَن يجلى ذَلِك الْقَيْح بِشَيْء يَدْفَعهُ إِلَى أَسْفَل وَذَلِكَ أَنه لَا يُؤمن أَن يكون الَّذِي يهيج القرحة ويجذب إِلَيْهَا من حوليها شَيْئا كثيرا رديئاً فَلهَذَا بِعَيْنِه ألف د تعسر معالجة قُرُوح الرئة إِذا قاحت لِأَن قيحها ينقى بالعسال والعسال يهيج الورم والورم ينضج ويقيح وَيحْتَاج إِلَى أَن ينقى فيقعون فِي بلَاء يَدُور فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تعلم أَنه مَتى انْفَسَخ فِي الرئة عرق فَلم يلتحم قبل أَن يرم صَار فِي حد مَا لَا يبرأ.) 

3 - (فِي القروح الْحَادِثَة فِي قَصَبَة الرئة) فَأَما القروح الْحَادِثَة فِي قَصَبَة الرئة فِي الغشاء الدَّاخِل خَاصَّة إِذا كَانَت قَرِيبا من الحنجرة أَو فِي الحنجرة نَفسهَا فقد يُمكن أَن تَبرأ وَقد داوينا نَحن جمَاعَة مِمَّن أَصَابَهُ ذَلِك فبرأ.
قَالَ: فَتى ابْتَدَأَ بِهِ سعال يسير ثمَّ سعل من غَد سعالاً أَشد وَقذف مَعَ ذَلِك شَيْئا يُقَال لَهُ القشور ويحس حسا بَينا أَن القرحة فِي قَصَبَة رئته فِي مَوضِع قريب من اللبة ففتحت فَاه وتفرست فِي حلقه عَسى القرحة فِيهِ فَلَمَّا استقصيت النّظر لم أر فِي حلقه شَيْئا من الْعلَّة وَقع فِي وهمي أَنه لَو كَانَت الْعلَّة فِي الْحلق لَكَانَ الْمَرِيض مَتى مر فِي حلقه شَيْء مِمَّا لَهُ حِدة مِمَّا يُؤْكَل وَيشْرب وجد لذَلِك حسا وألماً وَلم أَرض بِهَذَا حَتَّى أطعمته أَشْيَاء مِمَّا تتَّخذ بالخل والخردل لأصحح تعرفي فَلم يلذعه مِنْهَا شَيْء وَكَانَ يحس حسا بَينا أَن القرحة فِي رقبته وَكَانَ يجد فِي ذَلِك الْموضع مضضاً يضطره إِلَى السعال فأشرت عَلَيْهِ أَن يحْتَمل ذَلِك المضض ويصبر مَا أمكن وَلَا يسعل فَفعل لِأَن المضض كَانَ يَسِيرا واحتلت فِي إدمال القرحة وَكَانَت أَضَع على الْموضع من خَارج الْأَدْوِيَة المجففة وأضجع الْفَتى على قَفاهُ وأعطيه دَوَاء يَابسا مِمَّا يصلح بِمثل هَذِه القروح وأتقدم إِلَيْهِ أَن يمسِكهُ فِي فِيهِ ويدع أَن ينزل مَعَه شَيْء بعد شَيْء إِلَى رئته فَلَمَّا فعلت ذَلِك جعل الْمَرِيض يَقُول: أَنه يجد فِي القروح مس قبض ألف د الدَّوَاء يحسه حسا بَينا ثمَّ أَن هَذَا الْفَتى سَافر إِلَى الْقرْيَة لشرب اللَّبن. 










مصادر و المراجع :

١-الحاوي في الطب

المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)

المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي

الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م

عدد الأجزاء: 7

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید