المنشورات

الخال والخؤولة

بقي بعد ذلك أن نورد شيئاً مما قالوا في الخؤولة والخال: والقول في ذلك ينشعب أيضاً، فقد قالوا في مدح الخال وذمّه، وقالوا في معنى نزاع الولد إلى خاله، فلننتقِ شيئاً مما قالوا في هذه المعاني، فأما قولهم في اعتبار الخؤولة وكونها كالأبوة، فمن ذلك ما يُروى أن الأسود بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليه، فبسط صلى الله عليه وسلم له رداءه، فقال الأسود: حسبي أن أجلس على ما أنت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس
فإن الخال والدٌ. . . ومن طريف هذا الباب ما يُروى أن الحجاج قال لابن معمر: إنك تزعم أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: والله لأقتلنك، فقال ابن معمر: أليس الله يقول: ومن ذريته داوود وسليمان، إلى قوله: وزكريا ويحيى وعيسى، وإنما عيسى بن مريم: ابن بنت، فقال نجوت. . . وأما من عدّ الخؤولة ليست من النسب والقرابة، فمن قولهم في ذلك - والقائل ضَمْرَة بن ضمرة بن جابر بن قَطَن - شاعر جاهلي - وقيل غيره -:
إذا كنْتَ في سَعْدٍ وأُمُّكَ مِنْهُمُ ... غريباً فلا يَغْرُرْكَ خالُك منْ سَعْدِ 

فإنَّ ابنَ أُخْتِ القومِ مُصْغًى إناؤُه ... إذا لم يُزاحِمْ خالَه بأبٍ جَلْدِ
وتقدَّم شاب إلى عبد الله بن الحسين رضي الله عنه فقال: إن جدي أوصى بثلث ماله لولد ولده، وأنا من ولد بنته، والوصي ليس يعطيني منه، فقال: لا حق لك فيه، أما سمعت قول الشاعر:
بنُونَا بنُو أبْنَائِنَا وبَنَاتُنا ... بَنُوهُنَّ أبْنَاءُ الرِّجالِ الأباعِدِ
يقول: إن بني أبنائنا مثلُ بنينا، أما بنو بناتِنا فليسوا مِنّا وإنما هم أبناء الأجانب، فبنونا خبر مقدم وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر، وهذا البيت لا يعرف قائله على شهرته. قال الإمام العيني: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر، والفرضيون - علماء المواريث - على دخول أبناء الأبناء في الميراث وأن الانتساب إلى الآباء، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه، ولم أر أحداً منهم عزاه إلى قائله.
وقالوا في نزاع الولد إلى خاله:
عليكَ الخالَ إنَّ الخالَ يَسْرِي ... إلى ابْنِ الأُخْتِ بالشَّبَهِ المُبِينِ
وقالوا:
لِكلِّ امْرِئٍ شَكْلٌ يَقَرُّ بعَيْنِه ... وقُرَّةُ عَيْنِ الفَسْلِ أنْ يَصْحَبَ الفَسْلا
وتَعْرِفُ في مَجْدِ امْرِئٍ مَجْدَ خالِهِ ... ويَنْذُلُ أنْ تَلْقَى أَخا أُمِّهِ نَذْلا 

الفسل: النذل الذي لا مروءة له ولا جلد وقال رافع بن هريم: - شاعر مخضرم أدرك الإسلام وأسلم، يخاطب بني أخوته -:
فَهَلاَّ عيْرَ عَمِّكُمُ ظَلَمْتُمْ ... إذا ما كنتُمُ مُتَظلِّمِينا
عفاريتاً عليَّ وأكْلِ مَالي ... وَجُبْناً عَنْ رجالٍ آخرينا
ولو كنتُمْ لِمُكْيِسَةٍ أكاسَتْ ... وكَيْسُ الأُمِّ كَيْسٌ للبنينا
ولكن أمُّكُمْ حَمُقَتْ فجئتم ... غِثاثاً ما نرى فيكم سَمِينا
وموضع هذه الأبيات باب إنجاب الأمهات في كتاب النساء وترى نظائر له هناك.
قوله متظلمينا، تقول: تظلمني مالي: أي ظلمني مالي، وما في: إذا ما كنتم: زائدة، والمكيسة: المرأة التي تلد أولاداً أكياساً، وأكاست المرأة: ولدت ولداً كيساً، والكيس: خلاف الحمق، ورجل كيّس: أريب ظريف، وقوله: ولكن أمكم حمقت: أي صارت حمقاء، والغِثاث: جمع غثيث بمعنى مهزول.
 










مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید