المنشورات

كان الخلفاء الراشدون مُثُلاً عليا

في الرغبة عن شهوات الحياة الدنيا
قال الربيع بن زياد الحارثي: كنت عاملاً لأبي موسى الأشعري على البحرين، فكتب إليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يأمره بالقدوم عليه هو وعماله، وأن يستخلفوا جميعاً. قال: فلما قدمنا أتيت يَرْفأ مولى عُمر فقلت: يا يرفأ مُسْتَرْشِدٌ وابنُ سبيل. . . أيُّ الهيئات أحبُّ إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عمّاله، فأومأ إليّ بالخُشونة. فاتّخذت خُفَّيْن مُطارقين ولبست جُبّة صوف ولُثْتُ عمامتي على رأسي. فدخلنا على عمر، فصفّنا بين يديه، فصعد فينا وصوّب فلم تأخذ عينُه أحداً غيري، فدعاني فقال: من أنْت؟ قلت: الربيع بنُ زياد الحارثي، قال: وما تتولى من أعمالنا؟ قلت: البحرين، قال: كم ترتزق؟ قلت: ألفاً، قال: كثيرٌ. . . فما تصنع به؟ قلت: أتقوّت منه شيئاً وأعودُ به على أقاربَ لي، فما فَضُل عنهم فعلى فقراءِ المسلمين، قال: فلا بأسَ، ارجع إلى موضعك، فرجعت إلى موضعي من
الصّفّ، فصعد فينا وصوّب فلم تقع عينه إلا عليّ فدعاني فقال: كم سِنّك؟ قلت: خمس وأربعون سنةً، قال: الآن حين استحكمت. ثم دعا بالطعام وأصحابي حديثٌ عهدُهم بلين العيش، وقد تجوّعت له، فأتِي بخبزٍ وأكسارِ بعير فجعل أصحابي يعافون ذلك وجعلت آكلُ فأجيد، فجعلت أنظر إليه يلحظُني من بينهم، ثم سبقت مني كلمة تمنيت أنّي سُخْتُ في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس يحتاجون إلى صلاحك، فلو عمدت إلى طعامٍ ألينَ من هذا! فزجرني، ثم قال: كيف قلت! فقلت: أقول - يا أمير المؤمنين -: أن تنظر إلى قوتك من الطّحين فيخبز لك قبل إرادتِك إيّاه بيوم ويطبخ لك اللحم كذلك، فتؤتى بالخبز ليناً واللحم غريضاً. . فسَكَّن من غَرْبِه وقال: أهَهُنا غُرْتَ؟ قلت: نعم، قال: يا ربيع، إنّا لو نشاء ملأنا هذه الرحابَ من صلائقَ وسبائكَ وصِنابٍ، ولكني رأيت الله عزّ وجلَّ نعى على قومه شهواتِهم فقال: أذهبتم طيّباتِكم في حياتِكم الدُّنيا. . ثمَّ أمر أبا موسى بإقراري وأن يستبدل بأصحابي. . . وهذا من الفاروق هو - فضلاً عن أنّه الأليقُ بكلِّ من وُلِّي أمرَ الناس - غايةٌ في السداد والسياسة الرشيدة الحازمة كما قلنا. 









مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید