المنشورات
مداراة الناس
قال النظّام: ما يسرّني تركُ المداراة ولي حُمْرُ النّعَم، فقيل له: ولِمَ؟ قال: لأن الأمر إذا غشيك فشخَصْتَ له أرْداك، وإذا طأطأت له تخطّاك. . . وقال شاعر:
وأَنْزَلَني طُولُ النَّوى دارَ غُرْبةٍ ... إذا شِئْتُ لاقَيْتُ امْرَءاً لا أُشاكِلُهْ
فحامَقْتُه حتى يقالَ سَجِيَّةٌ ... ولو كانَ ذا عَقْلٍ لكنْتُ أعاقِلُهْ
وقال بشار بن برد:
وما أَنا إلا كالزَّمانِ إذا صَحَا ... صَحْوتُ وإنْ ماقَ الزمانُ أَمُوقُ
ماق يَموقُ مَوْقاً ومُوقاً ومُؤوقاً واستماق، كل أولئك: حَمُقَ في غباوة، ويقال: فلان أحمق مائق: والعرب تقول: أنت تئق وأنا مئق، أي أنت ممتلئٌ غضباً وأنا سيّئ الخلق، فلا نتفق وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: لو كان بيني وبين الناس شعرةٌ ما انقطعت، لأنّهم إذا جذبوها أرسلتها، وإذا أرسلوها جذبتُها، وهكذا كان معاوية نبيّ الحِلم والأناة والكياسة والرياسة والسياسة.
من حسن خَلْقه وخُلُقه ومن اختلف خَلقه وخُلقه
قال ابن الرومي:
كلُّ الخِلالِ التي فيكم محاسِنُكم ... تشابَهَتْ فيكم الأخلاقُ والخِلَقُ
كأنّكم شجرُ الأُتْرُجِّ طاب معاً ... حَمْلاً ونَوْراً وطاب العودُ والورَقُ
الأترُجّ والتُّرُنج: ثمر من فصيلة الليمون ويسميه أهل الشام الكبّاد، والحمل بفتح الحاء - والكسر لغة - ثمر الشجرة؛ ومن دقائق هذه اللغة الكريمة أنّها تفرق بين الحِمْل الذي يحمل على ظهر أو رأس، وبين الحَمل الذي يحمل في البطن من الأولاد في جميع الحيوانات، فالأول يكسرون حاءه، والآخر يفتحون حاءه، قائلين: ما كان لازماً للشيء فهو حَمل وما كان بائناً فهو حِمل وأما حَِمل الشجرة فلما كان شبيهاً بحمل المرأة لاتصاله فتحوا حاءَه ولما كان يشبه حِمل الشيء على الرأس لبروزه من جهة ولأنه ليس مستبطناً كحَمل المرأة من جهة أخرى كسروا حاءه، والنَّور بفتح النون: الزهر وفي الأثر: ما أحسنَ اللهُ خَلقَ أحدٍ وخُلُقَه فأطعمه النارَ. . . ووصف بعضهم رجلاً فقال: يَقْري العينَ جمالاً والأذُنَ بياناً. . .
وقال قتادة: ما بعث الله نبياً إلا حَسَن َ الخُلُق حَسنَ الوجه. . . وقال الفلاسفة: قلّ صورةٌ حسنةٌ تَتْبَعها نَفس رديئة. وقال جالينوس: ينبغي للرجل أن ينظرَ إلى وَجْهِه في المرآة، فإن كان حسنَ الوجهِ جعل عنايتَه أن يضمَّ إلى جَمالِ وجهه كمالَ خُلُقه وكمالَ نَفْسِه، وإن رأى صورةً سَمِجَةً تحرَّز من أن يكونَ دميمَ الخَلق ذَميم الخُلُق. . . ونظر فيلسوفٌ إلى غلامٍ حسن الوجه يتعلّم العلمَ فقال: أحسنتَ، إذْ قرنتَ بحسن خَلْقك حسنَ خُلقك. . . ونظر فيلسوفٌ إلى رجلٍ حسن الوجه خبيثِ النفس فقال: بيتٌ حسنٌ وفيه ساكِن نذلٌ. . . ورأى آخرُ شاباً جميلاً فقال: سلبَتْ محاسنُ وجْهِك فضائلَ نَفْسِك. . . وقالوا:
فلا تجعل الحُسنَ الدَّليلَ على الفتى ... فما كلُّ مصْقُولِ الحديدِ يمانِ
و:
ألمْ ترَ أنّ الماَء يخلُفُ طعمُه ... وإن كان لَونُ الماءِ في العين صافِيا
واستَعْرضَ المأمونُ الجُندَ فمرّ به رجلٌ دميمٌ، فاستنطقه، فرآه ألْكَنَ، فأمر بإسقاطه وقال: إن الروحَ إذا كانت ظاهرةً كانت وَسامةً، وإذا كانت باطِنةً كانت فَصاحةً، وأراه لا ظاهرَ له ولا باطن. . .
وبعد فسيمرُّ بك كثيرٌ من عبقرياتهم فيما يتصل بهذه المعاني ويمتّ إليها بسبب واصل، في باب الطبائع. . . وباب الصداقة والصديق. . . وباب عبقرياتهم في معانٍ شتى. . .
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
29 أكتوبر 2024
تعليقات (0)